تفسير تفوّق تجربة الإصلاح في الصين على التجربة الروسية (النظريات الليبرالية والتطورية والمؤسسية) |
2030
02:11 صباحاً
التاريخ: 8-8-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2019
2430
التاريخ: 9-4-2020
1360
التاريخ: 17-1-2019
4042
التاريخ: 19-11-2019
3932
|
5- تفسير تفوّق تجربة الإصلاح في الصين على التجربة الروسية
أ- النظريات الليبرالية والتطورية والمؤسسية
كان اجتهاد المستشارين النيوليبراليين الذين وجهوا الإصلاح في روسيا أن في الإمكان - بل من الواجب - إحداث اقتصاد السوق بضربة واحدة. وعلى حد تعبير اثنين من مهندسي هذه الاستراتيجيا هما ديفيد ليبتون David Lipton)) وجيفري ساکس (Jeffrey Sachs) أن " المنطق الاقتصادي والحالة السياسية يقتضيان أن تكون عملية العبور إلى اقتصاد السوق سريعة وشاملة، إذ كشفت تجربة بعض بلدان أوروبا الشرقية التي حاولت اعتماد التغيير التدريجي البطيء عن نواقص مهمة تنتج من تجاهل جدوى، وبالتالي أهمية العبور السريع التي يوحي بها المنطق الاقتصادي"(18). يقضي المنطق الاقتصادي كذلك بالعمل على إصلاح ما حاق بالاقتصاد من نقص في المنتوجات، ومن تشوهات في الأسعار واكبت المبالغة في الاستثمار في الصناعة الثقيلة وإهمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو ما لازم استئثار الدولة بملكية المشروعات الإنتاجية وبمسؤولية تنظيم الأسعار والضرائب ومعدلات الفائدة بعيداً عن قوى السوق التنافسية. أما العلاج فيکمن في تحرير الأسعار من القيود، وضبط الائتمان وحجم الكتلة النقدية وتشريع قوانين الإفلاس وتحرير (لبرلة) التجارة، وخصخصة مشروعات الدولة.
أما المنطق السياسي، وفقاً لليبتون وساکس، فأفاد عن وجود عقبتين تعرقلان العبور إلى اقتصاد السوق: المعارضة الشعبية للانخفاض الحتمي في مستوى المعيشة الذي ينجم بالضرورة عن إجراءات الإصلاح، والعطالة - قوة العادة والاستمرارية (أو زخم الاستمرار على النهج القديم) التي يبديها الموظفون الحكوميون الذين كانوا يقودون الاقتصاد القديم. لذلك يعزز تعجيل الحكومة الجديدة إجراءات الإصلاح شرعيتها بأسرع ما يمكن، ويَحُول دون إتاحة الزمن الكافي لنشوء المعارضة السياسية الفاعلة، سواءً من الجهاز الحكومي أم من الجمهور.
وفق هذا المنطق، بيعديه الاقتصادي والسياسي، بدى من المستحيل إنشاء الكيانات الجديدة ضمن الهياكل القديمة، وبدا أيضاً أن لا بد من القضاء على الماضي، لكن ما هو وضع الصين بالنسبة إلى هذا المنطق ؟ لماذا يستمر النمو في الاقتصاد الصيني على الرغم من بقاء دولة الحزب؟ يبرر الليبراليون الجدد هذه المفارقة بدعوى أن في الصين مجتمعاً زراعياً متخلفاً في طريقه إلى العهد الصناعي، بينما في روسيا مجتمع صناعي ناضج ومتقدم بصورة مبالغ فيها، ويحتاج إلى إعادة الهيكلة لتجنب الانسدادات في شرايين الاقتصاد، وفي حين لا يزال للدولة دور فاعل في تقدم الصين، فإن السوق وحدها تستطيع القضاء على الماضي وبناء المستقبل في روسيا(19).
لم يجد الليبراليون صعوبة في تفسير التردي الاقتصادي الحاد في روسيا، بل وجدوا في سرعة التردي تعجيلاً في الانتعاش اللاحق المأمول حين ينبثق المستقبل المشرق من رماد الماضي البائد. لكن، خلافاً لهذه الآمال، لم ينتج مجتمع برجوازي رأسمالی حدیث مأمول من ذلك الأسلوب في الإصلاح والتغيير، بل نتج مجتمع من الرأسمالية الريعية التجارية الشبيهة برأسمالية العالم الثالث المتخلفة.
إن المحور المشترك في ذلك السجال بين التجربتين الروسية والصينية هو "الدولة " - قدراتها ومصالحها. والمفارقة في الموقف النيوليبرالي تكمن في أن التغلب على مقاومة النظام القديم المتأكّل للإصلاح يستدعي إجراءات لا تقدر عليها إلا الدولة القوية، وهو ما حصل في الصين ولم يقدّره الليبراليون الجدد حقّ قدره.
لكن فريقاً آخر من الاقتصاديين انتقد انتقاداً شديداً النظرية النيوكلاسيكية في الاقتصاد التي قامت عليها مقاربة "العلاج بالصدمة" في الإصلاح الاقتصادي. انتقد الفرضيات التي تقوم عليها النظرة النيوكلاسيكية بما فيها فرضيات "المعلومات الكاملة" و"المبادلات السلسة الخالية من العوائق" وحقوق الملكية الواضحة والسوق المتوازنة. ففيما يتعلق بكمال المعلومات لاحظ ستیغلتز أن اختلال التوازن في المعلومات المتاحة لمختلف الناشطين في السوق يؤثر سلباً في كفاءة قوى السوق في تخصيص الموارد الاقتصادية. وتأييداً لذلك، قام الاقتصادي موریل (Murrell) بدراسة تعتمد المعطيات الإمبريقية (معطيات التجربة العملية). تحاجج هذه الدراسة بأن مجتمع اشتراكية الدولة لم يكن أقل كفاءة في تخصيص الموارد من المجتمع الرأسمالي؛ وما يميّز الرأسمالية عن الاشتراكية هو كفاءة الرأسمالية في الاستحداث والإبداع، أو ما سماه شومپیتر " التدمير الخلاق ". لكن النجاح في الاستحداث والإبداع يتطلب بيئة مؤسسية تدعم المخاطرة وترسّخ الأمانة وتضمن العقود، وتُروّج للثقة بالمستقبل.
تسببت استراتيجية العلاج بالصدمة، القائمة على التعجيل بتصفية النظام القديم، في زعزعة المؤسسات التقليدية الضرورية لنجاح التراكم الرأسمالي. فبين عامي 1992 و1994، قامت الحكومة الروسية بتحويل ملكية الأسهم في 11 ألف مشروع من مشروعات الدولة، تمثل 70 في المئة من القطاع الصناعي، إلى مالكين من القطاع الخاص. لكن توقُّع أن يكون هؤلاء المالكون الجدد أكثر كفاءة في إدارة هذه المشروعات، أو سيبيعونها في السوق المالية إلى مستثمرين أكفاء، كان توقعاً في غير محله. وكانت هذه العملية أشبه بعملية "نهب" الأصول المخصخصة.
في المقابل، تقوم الاستراتيجية التطورية على التوصل إلى توافق مع الماضي بما يؤسس لاستحداث المستقبل. وعماد هذه الاستراتيجيا هو تعبئة الموارد وتوجيهها إلى تنمية القطاع الخاص الناشئ، في الوقت ذاته الذي يجري فيه ضبط الموازنة في القطاع العام، والتركيز على تشجيع روح المبادرة في القطاع الخاص.
إن سند الاستراتيجية التطورية هو النظرية المؤسسية التي تتعامل مع الدولة على أنها أكبر من أن تكون مجرد وعاء للسياسات المرغوب فيها، بل ربما يكون من قبيل الحصافة أن يبدأ الإصلاح الاقتصادي قبل الإصلاح السياسي. ففي رأي الباحثة سوزان شیرك أن الخطأ الذي ارتكب في روسيا هو الشروع في إصلاحات سیاسية قبل اتخاذ إجراءات إصلاحية في الاقتصاد. ذلك لأن تفكيك "دولة الحزب" فعل أشد خطورة بكثير من إجراءات تحرير (لبرلة) الاقتصاد (20) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18)David Lipton and Jeffrey Sachs, Creating a Market Economy in Eastern Europe: The Case of Poland. Brookings Papers on Economic Activity, no. 1 (1990). pp. 75-147, Cited in: Burawoy. p. 1106 .
(19) Jeffrey Sachs [et al.]. -Structural Factors in the Economic Reforms of China, Eastern Europe.)
and the Former Soviet Union , Economic Policy, vol. 9, no. 18 (April 1994). pp. 101-145, Available at: Chttp://www.jstor.org/stable/1344459..
(20) Susan L. Shirk, The Political Logic of Economic Reform in China, California Series on Social Choice and Political Economy: 24 (Berkeley: University of California Press, 1993). Cited in: Burawoy, p. 1107.,
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|