المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الادارة و الاقتصاد
عدد المواضيع في هذا القسم 7227 موضوعاً
المحاسبة
ادارة الاعمال
علوم مالية و مصرفية
الاقتصاد
الأحصاء

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

العوامل المؤثرة في أحجام المدن- العوامل الاقتصادية
28/9/2022
التحويل الرقمي(الرقمنة او الرسم) - طريقة الشبكة الشفافة
5-9-2021
الكسائي
27-03-2015
Wolff-Kishner Reaction
30-9-2019
العزلة الممدوحة.
2023-04-13
التوبة
11-08-2015


الـنظام الاقتصادي الرأسمالي ( أشـكال رأس المـال )  
  
4042   03:48 مساءً   التاريخ: 17-1-2019
المؤلف : د . حبيـب محمـود
الكتاب أو المصدر : مبادئ علم الاقتصاد
الجزء والصفحة : ص63-76
القسم : الادارة و الاقتصاد / الاقتصاد / ألانظمة الاقتصادية /

البحث  الخامس

أشكال رأس  المال

1ـ التعاون الرأسمالي  البسيط :

أـ  شكل  الإنتاج في  التعاون الرأسمالي  البسيط :

في بداية نشوء الرأسمالية في أوربا كانت ورشات العمل اليدوي تمثل أولى مؤسسات الإنتاج الرأسمالي، وقد سبقت أشكال العمل اليدوي شكل الإنتاج الآلي كما اتخذ العمل اليدوي في البدء شكل التعاون البسيط في الإنتاج الرأسمالي ثم انتقل في  المرحلة الثانية إلى أسلوب المانيفكتورة في الإنتاج ويختلف العمل اليدوي في أسلوب التعاون البسيط عن أسلوب المانيفكتورة في انعدام التقسيم والتخصص في العمل بين الأفراد العاملين بينما يقوم أسلوب المانيفكتوره على مبدأ التقسيم والتخصص في العمل (1).

وقد كانت ورشات العمل اليدوي بصورة عامة تعود إلى أصحاب رؤوس الأموال التجارية وذلك حين بدؤوا بتحويل قسم من ثرواتهم النقدية من مجال  التجارة إلى مجال الإنتاج ، ومن ناحية أخرى فقد كان معظم العمال الذين يعملون في هذه الورشات في السابق منتجين حرفيين مستقلين وقد أصبحوا الآن يعملون في ورشات  تخضع لملكية وإدارة صاحب رأس المال .

أما بالنسبة لشكل التعاون البسيط في الإنتاج الرأسمالي فقد يكون من المفيد أولاً التذكير بمفهوم التعاون، إن التعاون بصورة عامة هو شكل من أشكال تنظيم العمل  تفرضه ضرورات عملية الإنتاج ، وضمن هذا الشكل يقوم عدد من الأفراد بالتعاون فيما بينهم لإنجاز عمل واحد أو عدة أعمال مترابطة يكمل كل منها الآخر، والتعاون البسيط يمثل أدنى أشكال التعاون لأنه يتصف بعدم وجود تقسيم وتخصص في العمل بين الأفراد العاملين الذين يقومون عادة وبصورة مشتركة بإنجاز نوع واحد من العمل .

وكما هو معلوم فقد ساد هذا النوع من التعاون البسيط عملية الإنتاج في  المجتمعات البدائية  إلا أن التعاون البسيط الذي ساد عملية الإنتاج في بداية نشوء الرأسمالية كانت له صفات خاصة تميزه عن شكل التعاون البسيط في المجتمعات الاقتصادية السابقة .

أولاً :  يتم تنظيم هذا النوع من التعاون الرأسمالي البسيط من قبل صاحب رأس المال بهدف تحقيق الربح  بينما كان الهدف من التعاون البسيط بين الأفراد في المجتمعات السابقة هو إشباع حاجاتهم الشخصية المباشرة .

ثانياً :  في التعاون الرأسمالي البسيط يقوم العمال ببيع قوة عملهم مقابل الأجر إلى صاحب رأس المال ، بينما كان الأفراد في المجتمع البدائي مثلاً يسخرون قوة عملهم  لخدمة حاجاتهم وحاجات الجماعة في إطار من العمل الجماعي التعاوني البسيط ، كما يلاحظ أن قوة العمل في نظام الرق كانت ملكاً للسادة دون مقابل ما يسمى بالأجر في  النظام الرأسمالي .

ثالثاً :  يتم العمل ضمن إطار التعاون الرأسمالي  البسيط تحت إشراف وإدارة صاحب رأس المال ، كما له الحق في تملك الناتج الذي تحققه عملية التعاون البسيط الرأسمالي  فضلاً عن ملكيته لوسائل الإنتاج .

وباختصار فإن التعاون الرأسمالي البسيط يمثل أول شكل من أشكال علاقات الإنتاج الرأسمالي  الذي حل تدريجياً محل الإنتاج الحرفي  الصغير  ومن الوجهة التاريخية فقد كان التعاون البسيط يمثل شرطاً موضوعياً من شروط تطور الرأسمالية ، وفي  بداية ظهور شكل التعاون البسيط كان صاحب رأس المال يشارك في عملية الإنتاج  وفيما بعد اقتصر دوره على شراء المواد الأولية اللازمة لعملية الإنتاج وكذلك بيع السلعة الناتجة في السوق ، ومع ازدياد عدد العمال أصبح بإمكانه أن يترك العمل ويكلف أحد الأشخاص بمهمة الإشراف والتنظيم ، وبذلك يكون قد تبلور شكل الإنتاج الرأسمالي الذي يعتمد على عمل الآخرين .

ب ـ مزايا التعاون البسيط في الإنتاج الرأسمالي :

بالرغم من طبيعة الإنتاج اليدوي وتدني مستوى التعاون في هذا الشكل الأولي للإنتاج الرأسمالي إلا أنه يحقق لصاحب رأس المال مزايا عديدة :

أولاً : من المعلوم أن الإنتاج الحرفي  الصغير المستقل يعتمد على العمل اليدوي ، وفي ظروف استقلالية الإنتاج تكتسب  المهارة الفردية  للمنتج أهمية خاصة  وتلعب دوراً أساسياً في مجال  المنافسة بين المنتجين الصغار على بيع منتجاتهم في السوق ونظراً لأن القيمة الاجتماعية للمنتج  في السوق تتحدد عادة وفقاً لمستوى المهارة الوسطى ، فمن لا يتمتع بهذا الحد من المهارة لا يقدر على مجاراة باقي المنتجين في السوق .

أما في إطار التعاون الرأسمالي  البسيط فبالرغم من أنه هو الآخر يعتمد على العمل اليدوي ، إلا أن تعاون عدد كبير من العمال في  عمل واحد يقلل من التفاوت بين المهارات الفردية حيث يمكن تغطية انخفاض المهارة الفردية لدى بعض  العمال عن طريق ارتفاع مستوى المهارة لدى البعض الآخر ، وهكذا يتقارب مستوى العمل التعاوني الوسطي في المؤسسة الواحدة مع المستوى الوسطي السائد  في المجتمع  وفي هذه  الحالة لا ترتفع قيمة السلعة التي تنتجها هذه المؤسسة الصغيرة عن قيمة السلعة الاجتماعية السائدة في السوق ، وعن طريق التعاون البسيط يصبح بإمكان المؤسسة مجاراة القيمة في السوق وتحقيق الربح بينما لا يكون بإمكان المنتج الحرفي الصغير المستقل أحياناً منافسة المنتجين الآخرين في السوق.

ثانياً :  كما يتميز التعاون الرأسمالي البسيط بأنه يخلق قوة منتجة نتيجة تضافر جهود الأفراد فيه بصورة جماعية ومشتركة  وهذه القوة المنتجة تساعد على إنجاز بعض العمليات التي لا يمكن لقوة العمل الفردي أن تنجزها  وهذه القوة المنتجة هي  أكبر من مجرد حصيلة جمع بسيط للقوى كما أن التعاون يتيح إمكانية تنفيذ بعض الأعمال الكبيرة التي لا يمكن للأعمال الفردية تنفيذها.

ثالثاً :  ومن المزايا الأخرى التي يحققها التعاون زيادة إنتاجية العمل في الساعة الواحدة  حيث يزداد إنتاج عدد الوحدات السلعية في الساعة نتيجة التعاون وتنخفض  نتيجة لذلك تكلفة السلعة الواحدة ، ويساعد على تحقيق ذلك المباراة التي  تحدث بين الأفراد في مجال التعاون كما ويساعد التعاون على تحقيق الاستعمال الأفضل  لوسائل الإنتاج بحيث تصبح أكثر ريعية .

رابعاً :  يحصل صاحب رأس المال على المزايا التي يحققها العمل الجماعي التعاوني دون  مقابل  فهي لا تكلفه شيئاً إضافياً  فهو يدفع الأجر لكل من العمال بمفرده بينما لا يدفع شيئاً مقابل المزايا التي يحققها التعاون بين عدد من العمال . فكما ذكرنا أن هذا التعاون يؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل ويخلق قوة منتجة لا يمكن الحصول عليها  بواسطة الفرد الواحد وإنما هي حصيلة العمل الجماعي ، ويدفع صاحب رأس المال الأجر عادة للفرد الواحد دون أن يدخل في حسابه هذه المزايا التي يحققها العمل الجماعي  التعاوني .

إن التعاون يظل بصورة عامة السمة الأساسية للإنتاج الرأسمالي ، والتعاون الرأسمالي  البسيط هو  الشكل  الأولي من أشكال  التعاون الذي ظهر في  عملية الإنتاج  الرأسمالي  إلا أن التعاون يكتسب أشكالاً متطورة في نظام المانيفكتوره الرأسمالية وما تلاها عن أشكال التعاون في نظام الإنتاج الآلي  الكبير .

2ـ المانيفكتوره في النظام الرأسمالي 

أ ـ أشكال وأساليب  الإنتاج في نظام المانيفكتوره :

خلافاً للتعاون الرأسمالي  البسيط فإن التعاون في نظام المانيفكتوره يقوم على التخصص وتقسيم العمل  وقد سادت المانيفكتوره عملية الإنتاج الرأسمالي في الفترة الواقعة بين أواسط القرن السادس عشر وحتى أواخر القرن الثامن عشر . وقد اتخذت المانيفكتورة الأساليب والأشكال التالي : 

ــ الأسلوب الأول :

وهو يقوم على أساس تجميع العمال من مهن مختلفة في عملية إنتاج واحدة متكاملة تحت إشراف وإدارة صاحب رأس المال  ويقوم العمال وفق هذا الأسلوب بإنتاج أجزاء السلعة حتى تصبح نهائية وقابلة للاستهلاك ، وعلى سبيل المثال ، كان إنتاج العربة في السابق يتم على أيدي عدد كبير من الحرفيين المستقلين ، وكان كل منهم يقوم بعمله بصورة فردية ومنعزلة عن الآخر ، فالنجار يقوم بأعمال النجارة وصانع الأقفال يقوم بعمله بصورة مستقلة وهكذا دون أن يوجد تعاون مشترك فيما بينهم يجمعهم في عملية إنتاج واحدة ، وقد قام صاحب رأس المال بجمع هؤلاء في مشغل واحد ، يقوم كل منهم بعمل معين ضمن إطار تقسيم محدد للعمل إلا أن هذه الأعمال يكمل بعضها البعض في إنتاج سلعة واحدة هي ( العربة ). 

 ــ الأسلوب الثاني :

وكان يعتمد على تجميع العمال من مهنة واحدة في عملية الإنتاج إلا أن كلاً منهم أصبح يقوم الآن بجزء معين أو إنجاز مرحلة معينة من مراحل العمل .

ففي الفترة التي سبقت قيام المانفيكتورة كان صنع الإبرة مثلاً يتم من قبل المنتج الحرفي الصغير بصورة مستقلة ، وكان الحرفي يقوم بكل الأعمال اللازمة لصنع الإبرة أما في داخل المانيفكتورة فقد جرى تقسيم لهذه الأعمال بحيث يقوم كل عامل بعمل معين من الأعمال الضرورية لإنتاج الإبرة ، فالأول يقوم بسحب السلك والآخر بتوجيهه والثالث يقوم بعملية قص السلك ويقوم الرابع بعملية البرد ، وهكذا تتناوب أيدي عديدة مراحل إنتاج الإبرة المختلفة .

 ومهما اختلفت أساليب تجميع العمال في مؤسسات المانيفكتورة فإن ما يميز شكل الإنتاج في المانيفكتورة هو أنه يقوم على أسس تقسيم العمل ، إلا أن تقسيم العمل بصورة عامة يعد عاملاً هاماً من عوامل زيادة إنتاجية العمل ، لأن التخصص في العمل يرفع من مستوى المهارة في العمل ويؤدي إلى تطور أدوات العمل وتخصصها وتمايزها حتى تصبح منسجمة مع تخصص الأفراد في عملية الإنتاج .

 ــ الأسلوب الثالث : 

وهو ما يسمى بالإنتاج المنزلي الرأسمالي ، وقد ظهر هذا الأسلوب في مرحلة سبقت نشوء المانيفكتورة إلا أنه ظل قائماً جنباً إلى جنب مع نظام المانيفكتورة وأصبح جزءاً مكملاً من عملية الإنتاج فيه .

  ويرجع ظهور هذا الشكل من أشكال الإنتاج الرأسمالي إلى المرحلة التي بدأ فيها رأس المال التجاري دخول مجالات الإنتاج السلعي الحرفي الصغير ، في البدء كان التاجر يقوم بشراء المنتجات من الحرفيين الصغار والفلاحين الذين يقومون بإنتاجها وذلك عندما يصعب عليهم تسويقها وبيعها ، وكان التاجر يحقق ربحاً عن طريق شراء هذه المنتجات بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية وبيعها في السوق بأسعار أعلى من أسعار الشراء وفيما بعد ابتدأ التاجر بتسليف الحرفيين مبلغاً من المال يتم تسديده بواسطة السلعة التي ينتجها هؤلاء الحرفيون ، وفي مرحلة لاحقة أخذ التاجر يقدم المواد الأولية بدلاً من المال مقابل هذه السلع ، وبذلك انفصل الحرفيون عن السوق عندما انتقلت إلى التاجر عمليات شراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج وعمليات بيع السلعة الناتجة في السوق .

 في المرحلة التالية انتقل صاحب رأس المال التجاري إلى نظام الأجور في تعامله مع هؤلاء الحرفيين الذين اتخذوا من المنازل مكاناً لعملية الإنتاج ، وفي ظل هذا النظام كان صاحب رأس المال التجاري يقدم لهم المواد الأولية اللازمة لإنتاج السلعة ليقوموا بتصنيفها مقابل مبلغ معين من المال يمثل الأجر، وهكذا تحول الحرفيون المستقلون في السابق إلى عمال وكان نظام الأجر يرتكز على قاعدة الأجر مقابل القطعة الواحدة وحسب هذا النظام فإن العامل كان يحصل على مبلغ معين مقابل كل قطعة أو وحدة سلعية واحدة .

إن ما يتصف به الإنتاج المنزلي الرأسمالي هو تبعثر عملية الإنتاج لعدم وجود تعاون مباشر بين العمال يقوم على أساس التمركز في مكان عمل محدد ، وعندما ظهر نظام المانيفكتورة استمر الإنتاج المنزلي ونشأت بينهما أشكال من التعاون وتقسيم العمل وأصبح الإنتاج المنزلي جزءاً من نظام المانيفكتورة ، فقد كان العمل المنزلي يقوم في الغالب بإنجاز مراحل أولية من عملية إنتاج السلعة تقوم بعدها مؤسسات أو ورشات المانيفكتورة باستكمال الناتج في صورته النهائية  وقد سهلت طبيعة العمل اليدوي الذي كان سائداً حينذاك وجود مثل هذه الأشكال من العمل غير المتمركز ، وذلك خلافاً للعمل الآلي الذي يشترط تعاوناً وتقسيماً متمركزاً في أماكن واحدة للعمل حتى يمكن إنجاز عملية الإنتاج .

ب ـ دور المانيفكتورة في تطور الاقتصاد الرأسمالي :

  لقد أشرنا عند دراستنا للاقتصاد البدائي إلى عملية نشوء تقسيم العمل الاجتماعي أي انفصال العمل الزراعي عن العمل الحيواني ثم انفصال العمل الحرفي عن العمل الزراعي ، ويتميز تقسيم العمل الاجتماعي عادة بوجود التخصص في إنتاج سلع معينة فالعمل الزراعي يقوم بإنتاج السلع الزراعية بينما يتخصص الإنتاج الحرفي بإنتاج سلع أخرى ذات مواصفات مختلفة عن السلع التي ينتجها العمل الزراعي .

أما تقسيم العمل داخل المانيفكتورة فإنه يتميز بوجود تخصص في جزء معين أو مرحلة معينة من مراحل عملية إنتاج سلعة معينة ، ويوجد هناك بالإضافة إلى ذلك فروق أساسية بين تقسيم العمل على مستوى المجتمع وبين تقسيم العمل على مستوى المؤسسة أو المصنع الواحد ؛ وأهم هذه الفروق :

 1ـ إن تقسيم العمل الاجتماعي هو الأساس في وجود علاقات السوق ، إذ يشترط في التبادل أن تكون السلع المتبادلة ذات صفات نوعية مختلفة ، لأن وجود السلع المختلفة هي نتيجة لوجود التقسيم الاجتماعي للعمل أي وجود أعمال متباينة ومختلفة ( عمل زراعي ، عمل صناعي ) بينما ينحصر تقسيم العمل داخل المؤسسة الواحدة في تعاون العاملين دون وجود علاقات تبادل فيما بينهم.

 2ـ إن تقسيم العمل على المستوى الاجتماعي يتم أحياناً بصورة عشوائية وغير منظمة بين قطاعات عملية الإنتاج الاجتماعي بينما يخضع تقسيم العمل داخل المؤسسة إلى التنظيم والإدارة الموحدة .

 3ـ لقد أدى تقسيم العمل داخل المانيفكتورة إلى زيادة إنتاجية العمل ، كما أن تقسيم العمل إلى مراحل يؤدي إلى تبسيط العمل نفسه وإلى تقليص الفترة الزمنية اللازمة لتأهيل وتدريب العامل ، إلا أن هذا التخصص في جزء ما من العمل زاد من ارتباط العامل بالمؤسسة الرأسمالية لأنه ليس بإمكانه الآن القيام بعمل متكامل بمفرده ، كما أدى العمل داخل المانيفكتورة الرأسمالية إلى إيجاد فجوة بين العمل العضلي والعمل الذهني إذ أن تخصص العامل في جزء أو مرحلة ما من العمل لا تدع له مجالاً لتطوير إمكانياته في فهم واستيعاب الجوانب الأخرى لعملية إنتاج السلعة كما هو الحال في الإنتاج  الحرفي عندما يقوم المنتج الحرفي بإنتاج كامل السلعة .

إلا أنه كان لتقسيم وتخصص العمل في المانيفكتورة دوراً هاماً في تطور القوى المنتجة وزيادة الإنتاج وتطور علاقات السوق ، لأن زيادة إنتاجية العمل التي خلقها تقسيم العمل أدى بدوره إلى تطور وسائل الإنتاج وارتفاع الطلب على قوى العمل والسلع المختلفة في السوق ،  وبالرغم من أهمية هذا الدور إلا أنه بقي محدوداً بالمقارنة مع الدور الذي لعبه الإنتاج الآلي ، لأن نظام المانيفكتورة لم يتمكن من السيطرة الكاملة على جميع مجالات الإنتاج في المجتمع نظراً لبقاء العمل اليدوي واستمراره كشكل وحيد من أشكال الإنتاج في نظام المانيفكتورة  لأن العمل اليدوي خلافاً للعمل الآلي لا يفسح المجال كثيراً لتوسع علاقات الإنتاج الرأسمالي  حيث يبقى المجال إلى حد كبير مفتوحاً أمام العمال اليدويين وخاصة المهرة منهم للانتقال من المانيفكتورة إلى العمل الفردي الحرفي المستقل .

إلا أن أهمية نظام المانيفكتورة في تطور النظام الرأسمالي برزت في كونه يمثل مرحلة تمهيدية هامة في عملية الانتقال إلى الإنتاج الآلي ، فقد هيأ شروط الانتقال إلى الآلة لأن تقسيم العمل داخل المانيفكتورة إلى مراحل أو أجزاء عملية العمل وكذلك التخصص في استخدام وسائل العمل خلقت الشروط المناسبة والضرورية لاستخدام الآلة ، ذلك أن استخدام الآلة يستلزم تخصصاً دقيقاً في العمل أكثر ما تتطلبه شروط العمل اليدوي .

3ـ الإنتاج الآلي الرأسمالي الكبير :

 أـ طبيعة وسمات الإنتاج الآلي :

بصورة عامة يشكل الانتقال إلى الإنتاج الآلي مرحلة نوعية جديدة في التطور لقد تم اكتشاف الآلة البخارية في القرن السابع عشر  إلا أن استعمال الآلة في عملية الإنتاج بدأ في أواسط القرن الثامن عشر ، وكانت إنكلترا قد سبقت غيرها من البلدان الأوروبية الأخرى في الانتقال إلى الإنتاج الآلي ، وكان ذلك إيذانا ببدء ما يسمى عادة بالثورة الصناعية ، ونتيجة لهذا التطور نشأت شروط موضوعية اقتصادية جديدة تختلف عن تلك التي كانت قائمة في نظام التعاون الرأسمالي البسيط ونظام المانيفكتورة (2).

 

أولاً – إن اكتشاف الآلة واستعمالها في عملية الإنتاج يشكل بدون شك تطوراً هاماً وجديداً في وسائل العمل لم يسبق له مثيل في الحياة الاقتصادية  فقد احدث ذلك ثورة في الشروط التكنيكية والاقتصادية المحيطة بعملية الإنتاج .

ثانياً – من البديهي أن يخلق الإنتاج الآلي علاقات جديدة بين رأس المال والعمل تختلف عن علاقات الإنتاج التي كانت سائدة في ظل الإنتاج اليدوي ، كما ساعد استعمال الآلة على انتشار علاقات الإنتاج الرأسمالي وأصبحت تدريجياً هي العلاقات الاقتصادية السائدة في المجتمع الرأسمالي ، الشيء الذي لم يتمكن من تحقيقه تقسيم العمل اليدوي في نظام المانيفكتورة .

ثالثاً – إلا أن الآلة أخذت تنافس قوة العمل في مجال الإنتاج ، فقد أدى استعمالها إلى ظهور البطالة ، وأصبح من الممكن الاستغناء عن قوة العمل كلما حدث تطور جديد في المستوى التقني للآلة ، كما أدى ظهور الآلة إلى إفلاس عدد كبير من المنتجين الحرفيين الصغار الذين لم يعد بوسعهم مسايرة الإنتاج الآلي في السوق .

وباختصار كان لاستعمال الآلة أثار عميقة شملت جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للنظام الرأسمالي ؛ وقد ظهر ولأول مرة المشروع الآلي الذي أصبح الإطار العام لعملية الإنتاج الرأسمالي .

 ب - المشروع الآلي الرأسمالي :  

كما هو معلوم فإن المشروع أو المصنع الآلي يضم عدداً من الآلات يقوم بتشغيلها عدد مناسب من العمال يجمعهم التعاون القائم على تقسيم العمل والتخصص المهني ، وقد يكون هذا التعاون بين العمال مقتصراً على عملية إنتاج ذات طبيعة واحدة مثل إنتاج الغزل ويطلق عليه التعاون الآلي البسيط ، وأما أن يشمل عمليات إنتاج مختلفة مثل عمليات الغزل والنسيج معاً الذي يعتمد على تشغيل مجموعة متنوعة من الآلات ويطلق على هذا الشكل من التعاون لفظ التعاون الآلي المعقد أو المركب ؛ ويتميز المشروع الآلي عن ورشات العمل اليدوي بعدد من الصفات أهمها:

أولاً: إن شكل التعاون بين عمال المشروع الآلي يمثل مرحلة متطورة قياساً على التعاون في أسلوب التعاون الرأسمالي البسيط وأسلوب المانيفكتورة كما أن تقسيم العمل يختلف من حيث طبيعته عن تقسيم العمل اليدوي داخل نظام المانيفكتورة .

وكما لاحظنا فإن تقسيم العمل داخل المانفكتورة كان يعتمد على تجزئة الأعمال اليدوية البسيطة وعلى تخصص أدوات العمل اليدوي ، أما في الإنتاج الآلي فإن تقسيم العمل يجب أن يتكيف مع تقسيم الآلة نفسها لأن طبيعة العمل الآلي تقوم على تعاون عدد كبير من الآلات  كما أن كل آلة تنقسم عادة إلى أجزاء الآلة  وكل جزء منها يتطلب تخصصاً معيناً في العمل أو بكلمة أخرى فإن طبيعة الآلة هي التي تفرض نوعاً خاصاً من تقسيم العمل بحيث أصبحت قوة العمل خاضعة لمتطلبات العمل الآلي ، وبينما كانت أداة العمل اليدوي في الإنتاج تخضع لمتطلبات الإنسان أصبح على الإنسان التكيف مع متطلبات الآلة وخصائصها .

ثانياً : لقد أدت عملية الإنتاج في المشروع الآلي إلى تعميق الهوة بين العمل العضلي والعمل الذهني ، وأصبح المشروع يضم عدداً من العمال يتسم عملهم بصورة أساسية بالطابع العضلي إلى جانب فئة أخرى من المهندسين والفنيين المتخصصين بأعمال الإشراف التقني على الآلية . 

ثالثاً : إن هذا التخصص والتقسيم بين العمل الذهني والعمل العضلي أدى بدون شك إلى تسهيل عملية العمل ، إلا أنه من ناحية أخرى أدى إلى الحد من عملية الإبداع الفردي فقد كان العمل اليدوي قبل ظهور الآلة يتيح الفرصة لإظهار المهارة الفردية في عملية الإنتاج .

رابعاً : خلافاً للعمل اليدوي فإن العمل في المشروع الآلي لا يتطلب عادة قوة جسدية كبيرة ، وقد سهل ذلك دخول الطفل والمرأة إلى عملية الإنتاج وقد حقق صاحب رأس المال من جراء ذلك مزايا كثيرة ، من أهمها أن تشغيل المرأة والطفل ساعد على تخفيض الأجر، لأنه أصبح بإمكان العائلة الواحدة الاعتماد على دخول أفرادها مجتمعة بدلاً من الاعتماد على دخل فرد واحد كما كان الحال سابقاً وأن مجموع الدخول الفردية للعائلة الواحدة أصبح كافياً لتجديد طاقة عمل أفراد العائلة.

خامساً : لقد فتح المشروع الآلي مجالاً واسعاً لزيادة إنتاجية العمل وآفاقاً جديدة  لتحقيق الربح ، ولكن هذا يشترط تكثيفاً شديداً في العمل فقد أصبحت الآلة تشكل دافعاً جديداً لزيادة وقت العمل وتكثيفه حتى يكون بالمستطاع تحقيق أعلى إنتاجية ممكنة واستهلاك قيمة الآلة بأقصى سرعة ممكنة ، لأن مشكلة الاستهلاك الأمثل للآلة لم تبرز في السابق عندما كانت وسائل العمل اليدوي تلقى تطوراً بطيئاً ، بينما يواجه المشروع الآلي تطوراً سريعاً في مستوى الآلة ويتوجب عليه مسايرة هذا التطور عن طريق الاستهلاك السريع للآلة ومن ثم تستبدل بها آلة جديدة متطورة .

فالاستهلاك السريع للآلة يجنب صاحب رأس المال الكثير من المفاجآت كأن تنخفض قيمة الآلة في السوق أو قد تظهر آلة جديدة ذات إنتاجية أعلى من إنتاجية الآلة القديمة .

ذلك أن استهلاك قيمة الآلة لا يجري دفعة واحدة وإنما على دفعات وخلال سنوات عديدة ، ففي كل سنة ينتقل جزء واحد فقط من قيمة الآلة ( 10 % مثلاً ) إلى قيمة السلع الناتجة ، وفي الأحوال العادية يعود هذا الجزء إلى صاحب الآلة بعد بيع السلعة الناتجة في السوق .

ج - حدود استعمال الآلة :

لقد أوضحنا في فقرات سابقة أن الربح هو القانون الاقتصادي الأساسي الذي يحكم حركة رأس المال في النظام الرأسمالي . والربح هو المعيار الأساسي لنشاط رأس المال ، وهذا ينطبق أيضاً على استخدام الآلة في عملية الإنتاج  فصاحب رأس المال يلجأ إلى استخدام الآلة بدلاً من وسائل العمل اليدوي لأن ذلك يحقق له مزيداً من الربح  وإذا لم تؤدي الآلة هذه الغاية فلا يكون هناك أي مبرر لاستعمالها في عملية الإنتاج وإن ما يحدد استخدام أية آلة جديدة أكثر تطوراً من الآلة السابقة هو الإمكانية التي يتيحها مثل هذا الاستخدام لتحقيق المزيد من الربح .

إن صاحب رأس المال يجري عادة مفاضلة بين سعر الآلة وسعر قوة العمل ( الأجر ) اللذين يتأثران بعلاقات العرض والطلب من قوة العمل في سوق العمل ، فإذا كان العرض من قوة العمل محدوداً والطلب عليها مرتفعاً فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأجر وبالعكس ، إن صاحب رأس المال يوازن بين تكلفة الآلة وبين تكلفة قوة العمل اللازمة ؛ فإذا وجد أن استخدام آلة جديدة يزيد من حجم الربح فإنه يفضل شراءها ولو أدى إلى بطالة جزء من قوة العمل ، وفي جميع الأحوال فإن صاحب رأس المال يبحث باستمرار عن التناسب الأمثل بين عناصر الإنتاج المادية وبين عنصر العمل بهدف تحقيق الحد الأقصى والأمثل من الربح .

 ويلاحظ في بعض البلدان الرأسمالية التي تكون فيها الأجور مرتفعة أن المستوى التقني للآلة أعلى منه في البلدان الأخرى  ففي الولايات المتحدة الأمريكية ونظراً لفقدان قوة العمل في السابق واعتمادها على قوة العمل المهاجرة نجد أن المستوى التكنولوجي حقق تقدماً كبيراً لتعويض النقص في قيمة العمل .

د - الثورة الصناعية والثورة العلمية التقنية : 

 بالنسبة للتطور التاريخي للإنتاج الآلي يجري عادة التمييز بين مرحلتين ؛ الأولى هي مرحلة الثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر  والثانية هي المرحلة الحالية التي يشهدها التطور التكنولوجي في البلدان المتطورة والتي يطلق عليها لفظ الثورة التقنية العلمية .   

 لقد بدأت الثورة الصناعية في إنكلترا ويرجع ذلك إلى عوامل موضوعية تتعلق بخصائص التطور التاريخي لإنكلترا ومن أهم هذه العوامل :

أولاً : انهيار الاقتصاد الإقطاعي بصورة مبكرة ، إذ سبق انهيار الإقطاع في إنكلترا انهياره في البلدان الأوربية الأخرى  وكان هذا النظام الذي يقوم أساساً على الاقتصاد الطبيعي والاكتفاء الذاتي يشكل عقبة رئيسية أمام الاقتصاد السلعي الرأسمالي الذي يتطلب توسعاً في علاقات التبادل لعلاقات السوق الداخلي والخارجي . 

ثانياً : توفر قوة العمل في السوق ، فكان ذلك نتيجة طبيعية لتفتت علاقات الإقطاع وتحرير اليد العاملة في الريف وكانت اليد العاملة الريفية مصدراً أساسياً من مصادر قوة العمل في النظام الرأسمالي .

ثالثاً : مستوى التراكم النقدي نتيجة التوسع في مجال التجارة الخارجية بصورة أساسية فقد أحكمت إنكلترا سيطرتها على السوق الخارجية العالمية وحققت من وراء السيطرة والتجارة الاستعمارية أرباحاً طائلة كانت مصدراً أساسياً من مصادر التراكم النقدي فيها .

لقد بدأت الثورة الصناعية في مجال الصناعة النسيجية والغزلية نتيجة ارتفاع الطلب على هذه المنتجات في السوق الداخلي والخارجي ، كما أدى تطور الآلة إلى تحسين وسائل النقل والاتصال الداخلي والخارجي معاً وبالتالي إلى توسع وامتداد السوق  وتدريجياً بدأ انتشار الآلة في الدول الأوروبية الأخرى وخاصة في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا التي بدأت طريق التطور نحو الرأسمالية .

وفي الوقت الحاضر تشهد الدول الرأسمالية وغيرها من الدول المتطورة ثورة صناعية علمية جديدة ، إن الثورة العلمية الحالية تفتح أفاقاً جديدة أمام التطور الاقتصادي العالمي و إن الأتمتة ستسهم في حل الكثير من الصعوبات الاقتصادية القائمة في مجال الطاقة وتنمية الموارد الطبيعية  كما بإمكانها أن تسهم في تجاوزالحدود الطبيعية الفيزيولوجية والذهنية لقوة العمل .

إن التطور التكنولوجي الحديث والثورة العلمية يحدثان تغيرات هامة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتثير في نفس الوقت الكثير من المسائل النظرية أمام علم الاقتصاد ، وتجري في هذا المجال حالياً محاولات جادة لتفسير هذه الظواهر الجديدة وتأثيرها على احتمالات التطور الاقتصادي والاجتماعي المقبل .

4 ـ أشكال رأس المال :

أ - رأس المال الصناعي :

هو أهم أشكال رأس المال في الاقتصاد الرأسمالي ، وتنبثق أهمية رأس المال الصناعي من إنجازه عملية الإنتاج المادي وبصورة خاصة في قطاع الصناعة ، وهو بذلك يختلف عن رأس المال التجاري أو التسليفي اللذين يتخصصان في مجال التداول ومن الوجهة التاريخية يعد رأس المال التجاري والربوي أقدم من رأس المال الصناعي ، إلا أن رأس المال الصناعي أضحى وبعد ظهور الإنتاج الآلي على وجه الخصوص أهم أشكال رأس المال بحيث يمكن القول بأن بقية أشكال رأس المال أصبحت تابعة بشكل أو آخر لرأس المال الصناعي ، وفي الفقرات السابقة أوضحنا المراحل التي مرت بها عملية الإنتاج الرأسمالي ، وتشكل مرحلة الانتقال إلى الإنتاج الآلي بدون شك أهم مراحل تطور النظام الرأسمالي وتطور علاقات الإنتاج للرأسمالي ، وقد كان لرأس المال الصناعي دور أساسي في هذا التطور وكان تطور علاقات الإنتاج الرأسمالي يعتمد أساساً على الأشكال والمراحل التي اتخذها تطور رأس المال الصناعي .

ب - رأس المال التجاري :

أشرنا في البحث الخاص بنظام الرق إلى الظروف التي أحاطت بنشوء رأس المال التجاري ورأس المال الربوي في مرحلة اتسمت باتساع مجال التبادل السلعي وازدياد دور النقد في الحياة الاقتصادية وفيما بعد ازدادت أهمية رأس المال التجاري والربوي في الاقتصاد الإقطاعي كنتيجة طبيعية لازدياد الإنتاج والتبادل ، وفي الأساس فقد كان ظهور رأس المال التجاري مرتبطاً بانفصال عملية التبادل عن عملية الإنتاج  فبعد أن كان التبادل يتم مباشرة بين المنتجيــن (المقايضة)  فإن صعوبة التبادل فيما بعد والناشئة عن ازدياد عدد المنتجين وتبعثرهم أدى إلى ضرورة وجود فئة وسيطة من التجار متخصصة بعمليات التبادل أي شراء وبيع السلع في السوق .

إن الاقتصاد الرأسمالي كما هو معروف اقتصاد تبادلي ، ومن الطبيعي أن يكون للتبادل فيه أهمية اقتصادية خاصة هي أكبر بكثير من مكانة التبادل في الاقتصاديات السابقة للرأسمالية .

وبالنسبة لدور ووظيفة رأس المال التجاري في الاقتصاد الرأسمالي فمن الممكن التمييز بين مرحلتين ؛ في المرحلة الأولى لنشوء الاقتصاد الرأسمالي لم يكن لرأس المال التجاري دور أساسي في عملية التبادل في السوق ، وهذا يقود إلى أن رأس المال الصناعي كان يقوم بعملية الإنتاج والتداول في السوق معاً  ذلك لأن السوق في تلك المرحلة كان ضيقاً بسبب الضآلة النسبية للإنتاج وبالتالي كمية السلع الخاضعة للتداول .

في المرحلة الثانية ومع تطور الإنتاج الآلي وزيادة الإنتاج السلعي الكبير اتسعت عملية التبادل في السوق مما أدى إلى ضرورة انفصال عملية الإنتاج عن عملية التداول وأصبح رأس المال الصناعي متخصصاً في عملية الإنتاج بينما عهد إلى رأس المال التجاري مهمة القيام بعملية التداول في السوق .

وقد تميزت هذه المرحلة بالذات بتعدد مراكز الإنتاج واتساع التخصص والتنوع في إنتاج السلع كما تباينت الفترات الزمنية بين فترات الإنتاج وفترات الاستهلاك ، فقد تستمر المصانع في إنتاج سلعة ما طوال السنة بينما يكون الطلب على استهلاكها منحصراً في فصل واحد من فصول السنة ( كإنتاج الألبسة الشتوية مثلاً ) كما تباعدت مراكز الإنتاج عن مراكز الاستهلاك نتيجة تبعثر المستهلكين بعد أن اتسعت المدن اتساعاً كبيراً ، واتسعت علاقات السوق الداخلي والخارجي في آن واحد، كل هذه الظروف اقتضت أن يكون لرأس المال التجاري دوراً هاماً في عمليات نقل السلعة وتخزينها وحفظها للوقت المناسب لبيعها في  السوق .

لقد اتخذت الوساطة التي يقوم بها رأس  المال  التجاري أشكالاً مختلفة  وتعددت الحلقات الوسيطة بين مركز إنتاج السلعة وبين مراكز البيع النهائي ، وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى تجارة الجملة وتجارة الفرق أو التجزئة  كمراحل وسيطة في  عملية تداول  السلعة ، فقد تخصصت بعض رؤوس الأموال  التجارية بتجارة الجملة وهي التي تقوم بدور الوسيط بين مراكز الإنتاج ومراكز بيع السلعة كما تخصصت رؤوس أموال  تجارية أخرى بعملية التجارة بالمفرق أي إيصال السلعة إلى المستهلك النهائي .

ج ـ رأس  المال  التسليفي :

يتعامل هذا النوع من أنواع رأس  المال بالنقد  ويحصل مالك النقد مقابل  التسليف على عائد يسمى بالفائدة ، وكان رأس المال الربوي قد ظهر ولأول مرة في  اقتصاد الرق ، إلا أن رأس  المال التسليفي الذي نشأ مع ظهور الرأسمالية حل مكان رأس المال الربوي وأصبح جزءاً أساسياً من رأس  المال الاجتماعي .

من البديهي أن يكون للنقد في الاقتصاد الرأسمالي  السلعي – النقدي دور تميز وأكثر فعالية منه في الاقتصاديات السابقة الرأسمالية ، وعادة لا يقوم صاحب رأس  المال  التسليفي بنفسه بتوظيف النقد في استثمارها ، وإنما يمنح هذا الحق لأصحاب رؤوس الأموال  الصناعية والتجارية مقابل  معدل معين من الفائدة .

ويقوم النظام المصرفي  حالياً بإنجاز وظائف رأس  المال  التسليفي والإشراف  على الحركة النقدية وتوجيهها وفق متطلبات السياسة المصرفية المقررة ، إن الأجهزة  المصرفية لا تعتمد عادة على رؤوس أموالها الخاصة في منح القروض وإنما تعتمد على الأموال الفائضة عن حاجة المجتمع خلال فترة ما من الزمن ، وتتكون الأموال  الفائضة عادة  من النقد غير الموظف  في مجال  الاستثمار أو الاستهلاك ، ويرجع وجود مثل هذه  النقود إلى التفاوت الزمني بين عملية الشراء وعمليات البيع أو إلى وجود أقساط  استهلاك رأس المال الثابت كأقساط استهلاك الآلة المتراكمة  حتى يحين وقت استبدال  الآلة أو قد تكون نتيجة الادخارات التي يودعها بعض الأفراد في  المصارف .

إن المصارف  تقوم بتوظيف هذه النقود الحرة  لفترة معينة وذلك في منح القروض  مقابل  الفائدة ، وقد تكون هذه القروض قصيرة لأجل تمنح  لفترة وجيزة أو متوسطة  الأجل أو طويلة الأجل ، كما أصبح خصم السندات والكمبيالات وغيرها من الأدوات  التجارية إحدى الوظائف الأساسية للأجهزة المصرفية . 

لقد مرت أشكال رأس  المال في مراحل مختلفة من التطور ، إلا أن ما يميز مرحلة الاحتكار الحالية هو التعاون والترابط  الوثيق فيما بين أشكال رؤوس الأموال  المختلفة بحيث  لا يجوز الفصل بين رأس المال الصناعي  الذي ما يزال أهم أشكال رأس  المال وبين رأس  المال التجاري  والتسليفي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ أشكال رأس المال – مرجع سابق.

2ـ  أدوين مانسفيلد – عالم الاقتصاد- مركز الكتب الأردني عام 1988 صفحة 115




علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





لقد مرت الإدارة المالية بعدة تطورات حيث انتقلت من الدراسات الوصفية إلى الدراسات العملية التي تخضع لمعايير علمية دقيقة، ومن حقل كان يهتم بالبحث عن مصادر التمويل فقط إلى حقل يهتم بإدارة الأصول وتوجيه المصادر المالية المتاحة إلى مجالات الاستخدام الأفضل، ومن التحليل الخارجي للمؤسسة إلى التركيز على عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة ، فأصبح علم يدرس النفقات العامة والإيرادات العامة وتوجيهها من خلال برنامج معين يوضع لفترة محددة، بهدف تحقيق أغراض الدولة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و تكمن أهمية المالية العامة في أنها تعد المرآة العاكسة لحالة الاقتصاد وظروفه في دولة ما .و اقامة المشاريع حيث يعتمد نجاح المشاريع الاقتصادية على إتباع الطرق العلمية في إدارتها. و تعد الإدارة المالية بمثابة وظيفة مالية مهمتها إدارة رأس المال المستثمر لتحقيق أقصى ربحية ممكنة، أي الاستخدام الأمثل للموارد المالية و إدارتها بغية تحقيق أهداف المشروع.