أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-07-2015
2892
التاريخ: 2-03-2015
3999
التاريخ: 2-03-2015
3422
التاريخ: 2-03-2015
4776
|
قال أبو حاتم: «قدم علينا محمد بن سلمة الكوفي عاملا على الخراج و الصدقات، فصرت إليه، فقال لي من علماؤكم؟ فقلت: المازني أعلمهم بالنحو، و الرياشي باللغة، و هلال الرأي من أفقههم، و ابن الشاذكوني من أعلمهم بالحديث، و ابن الكلبي بالشروط، و أنا أنسب إلى القرآن. فقال لكاتبه اجمعهم لي غدا.
فما اجتمعوا قال: أيكم المازني؟ فقال أبو عثمان ها أنا ذاك أصلحك اللّه.
فقال له: ما تقول في كفارة الظهار، أيجوز فيها عتق غلام أعور؟ فقال و ما علمي بهذا، هذا يحسنه هلال الرأي.
فالتفت إلى هلال و قال: (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) (المائدة- الآية 105) ، بم انتصب هذا الحرف؟ فقال أنا لا أحسن هذا، هذا يحسنه الرياشي.
فقال يا رياشي: كم حديثا روى عون عن الحسن؟ فقال الرياشي هذا يحسنه ابن الشاذكوني.
فقال لابن الشاذكوني: كيف تكتب كتابا بين رجل و امرأة أرادت مخالعته على إبرائه من صداقها؟ فقال له أعزك اللّه هذا يحسنه ابن الكلبي.
فقال لابن الكلبي: من قرأ (ألا إنهم تثنوني صدورهم) (هود-الآية 5) فقال هذا يحسنه أبو حاتم.
فقال لأبي حاتم: كيف تكتب إلى أمير المؤمنين عن خصاصة أهل البصرة، و ما جرى عليهم العام في ثمارهم؟ فقال: إني لست صاحب بلاغة و كتب، إنما أنسب إلى القرآن.
فقال: انظروا إليهم كل واحد منهم أفنى ستين سنة في فن واحد لو سئل عن غيره لساوى الجهال، لكن عالمنا بالكوفة، -يعني الكسائي-لو سئل عن كل هذا أصاب). (1)
قد يكون في هذه القصة نوع من المبالغة، بقصد منه إطراء الكسائي و الرفع من شأن علماء الكوفة على أهل البصرة و مع ذاك فقد اشتهر الكسائي لكونه إماما في القراءات و في علوم اللغة، و قد يكون مشاركا في الحديث. و قد سمع من أبي بكر بن عياش،
ص105
و سليمان بن أرقم، و سفيان بن عيينة و لكن انتماءه للفقهاء، فيه نوع من التجوز، و لقد جرت له مساجلات مع أبي يوسف بحضرة الرشيد لما قال هذا الأخير: إن الكسائي لا يحسن إلا شيئا من علوم العربية.
فبادره الكسائي قائلا: ما حكم من قال لامرأته أنت طالق طلاق طالق؟ و من قال أنت طالق و طالق و طالق؟ ، ثم كرر السؤال، بزيادة «أو» و «ثم» بدلا من الواو.
و يبين الكسائي الحكمين من المسائل الخمسة، و ذلك اعتمادا منه على مقتضى المعنى اللغوي، و على التفريق بين التأكيد، في التكرار، و التعاقب، و النسق في هذه الحالات (2).
أما ما يذكر من انتصاره على سيبويه في المسألة الزنبورية، فالمؤرخون يعللونه بأنه كان أمرا مدبرا، قضي بليل، و أن جماعة الأعراب الذين شهدوا للكسائي، و قد حفظت الكتب أسماءهم، لم يكونوا إلا من شيوخ قطربل الذين قال عنهم يحيى بن المبارك اليزيدي:
و من مناظراتهما أنهما كانا مرة أمام المهدي، فقال اليزيدي للكسائي: كيف تقول: إن من خير القوم و أفضلهم أو خيرهم بتة زيد؟ فأطرق الكسائي مفكرا، فقال اليزيدي: لأن يجيب فيخطئ خير من هذه الإطالة، فقال الكسائي: إن من خير القوم زيدا.
فقال اليزيدي: أخطأ، لرفعه قبل أن يأتي باسم إن و نصبه بعد الرفع و هذا لا يجيزه أحد، فقال أحد الحاضرين: أراد ب(أو) بل.
فقال الكسائي ما أردت غيره. فقال اليزيدي أخطأتما جميعا لأنه غير جائز أن يقال: إن من خير القوم و أفضلهم، بل خيرهم زيدا، فقال المهدي: يا كسائي ما مرّ بك مثل
ص106
اليوم. و سأل اليزيدي عن الصواب عنده، فقال: إن من خير القوم و أفضلهم، أو خيرهم بتة زيد. فقال المهدي قد اختلفتما و أنتما عالمان فمن يفصل بينكما، قال اليزيدي: قلت علماء العرب، فبعث إلى أبي المطوق فعملت أبياتا إلى أن يجيء، و كان المهدي يميل إلى أخواله من اليمن، و كان ابن المنصور الحميري حاضرا، فقلت:
يستمر التنافس، و الخلاف، و الحيل، بين هذين العالمين، و بين يدي الخليفة الرشيد تتكرر القصة، و يسأل اليزيدي الكسائي، قائلا: هل في هذا الشعر عيب؟ و أنشده:
ما رأينا خربا نقّر عنه البيض صقر
و إنصافا منا لليزيدي، فلابد أن نذكر قوله في رثاء الفقيه محمد بن الحسن الشيباني و الكسائي في أبيات منها:
ص107
حتى كان بعضهم ينقط المصاحف على قراءته، و آخرون يتابعون مقاطعه و مبادئه فيرسمونها في ألواحهم و كتبهم، و كان أعلم الناس بالنحو و واحدهم في الغريب)(7).
و يقول الشافعي عنه: «من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي (8)، و يذكر الفراء أنه مرة أعجب بعمله، و رأى في نفسه المقدرة على مناظرة أستاذه الكسائي، و لما استثاره صار كمن يريد أن يغرف البحر بمنقاره(9)، و قيل إن يونس في البصرة، سأله عن قول الشاعر:
غداة أحلّت لابن أصرم طعنة حصين عبيطات السّدائف و الخمر
و لما سمع منه الجواب قال: (إن الذين رأسوك، رأسوك باستحقاق)(10).
و المنافسة بين مدرستي البصرة و الكوفة، تجعلنا نعتقد أن الكسائي حاول أن يقوم بالدور الذي اضطلع به الخليل في إرساء قواعد النحو. و لعله كان المثال الذي أراد أن يحتذى به، ذلك أنه بعد لقائه به، أراد أن يقوم بالرحلة العلمية ليأخذ المادة اللغوية غضة من أفواه بداة العرب فأنقد خمس عشرة قنينة من مداده في الكتابة عنهم، و عاد بعد موت الخليل و عرض ثروته اللغوية على يونس، حتى أحس في نفسه برتبة الرئاسة في هذا الفن، فلا جرم أن تكون إضافته في النحو تتمثل في زيادة السماع، و اعتبار ما سمعه يدخل في القواعد الأصلية التي يجوز القياس عليها.
و لعله أول من اهتم بتعليل أوجه القراءة، و ربط هذا التعليل بالقياس النحوي، و نذكر أن له كتابين في هذا الموضوع و هما: معاني القرآن، و كتاب القراءات.
و فقد جلّ كتبه يجعل من الصعب تصور مذهبه الشامل، و يبقى المصدر الأساس عنده، ما يروي عنه تلميذه الفراء، و دراسة قراءاته الخاصة به. و من الإشارة التي تومئ إلى رأيه في توثيق الصلة بين النحو و القراءة قوله في قصيدته التي منها:
ص108
و قد نبه د. شوقي ضيف على أهم اختياراته النحوية، أخذا لها من أمهات كتب النحو، و كذلك لخص نماذج من اختياراته في القراءات نكتفي هنا بالإحالة إليها (12).
و في الحقيقة فإن الكسائي لم يرد هدم الصرح الذي شيده ابن أبي إسحق و الخليل و إنما أثقل على أسسه بإضافات لا يتسع لها التصميم البصري. هذا ما جعل أحد تلاميذه يرى ضرورة إعادة النظر في هذا التصميم، و يعيد البناء على أساس النموذج اللغوي الذي قبله الكسائي، و العالم الذي قام بهذا الدور هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء.
ص109
_______________________
(1) القفطي: الإنباه ج 2 ص 261، تاريخ بغداد ج 11 ص 403.
(2) القفطي: ج 2 ص 220 و في الزبيدي (طبقات النحاة 127) قصة مشابهة.
(3) بغية الوعاة، ج 2 ص 163.
(4) راجع سيبويه.
(5) الأمالي الزجاجي، ص 40.
(6) طبقات النحويين للزبيدي، ص 130.
(7) إنباه الرواة، ج 3 ص 264.
(8) المصدر نفسه، ج 3 ص 260.
(9) المصدر نفسه، ج 3 ص 264.
(10) المصدر نفسه، ج 3 ص 265.
(11) إنباه الرواة، ج 3 ص 267.
(12) المدارس النحوية، ص 177.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|