عديدة هي الأسباب التي يتمخض عنها انعدام الجنسية فتختلف وتتباين مع اختلاف حالة الشخص فتارة تكون معاصرة للميلاد وتارة أخرى تكون لاحقة للميلاد وهذا ما ستراه في هذا المطلب الذي سنتناول فيه الانعدام المعاصر للميلاد والأنعام اللاحق للميلاد.

الفرع الأول: الانعدام المعاصر للميلاد

الانعدام المعاصر للميلاد هو أن يكون الشخص منذ اللحظات الأولى لحياته لا يمتلك جنسية، ولا ينتمي إلى أي دولة فتختلف وتتنوع أسباب انعدام المعاصر للميلاد ونذكر منها:

أولا: أن يولد شخص في إقليم دولة تيني جنسيتها على حق الدم

وكذلك نجد أن بعض الدول تعطي جنسيتها على أساس حق الدم دون حق الإقليم، حيث إذا ولد طفلا من أبوين يحملان جنسية دولة في دولة تأخذ بحق الإقليم فقط فهنا يصبح الطفل المولود في حالة انعدام. (1)

ففي هذا الطرح نجد أنفسنا عند بعض الدول التي تأخذ بحق الإقليم كأساس لمنح جنسيتها فإذا ولد طفل في إقليم دولة تأخذ هذه الأخيرة بحق الدم كأساس لإعطاء جنسيتها وهو مولود من أبوين من جنسية واحدة لدولة تأخذ بحق الإقليم كأساس لإعطاء جنسيتها فهنا نجد أن الطفل قد ولد منعدما الجنسية (2) .

ثانيا: أن يولد طفل من أب عديم الجنسية

عندما لا يتمتع الأب بأية جنسية أن يكون عديم الجنسية فباعتماد على حق الدم من جهته يجعل ولده أيضا عديم الجنسية (3) ، وتنشأ هذه الحالة خاصة عندما يولد الطفل في إقليم دولة لا تأخذ إلا بحق الدم، فهذا فالدولة لا تعطيه جنسيتها فيصبح الشخص منعدم الجنسية (4).

ثالثا: أن يولد الشخص من أبوين مجهولين في دولة تأخذ بحق الدم

" يعتبر الأب مجهولين إذا كانا غير معروفين أو كان معروفا ولكن لم يثبت نسب الطفل منه قانون (5)  إن هذا الفرض قليل الحدوث في الواقع أن الدول التي تأخذ بحق الدم في ثبوت جنسيتها تمنح جنسيتها للمولود من أبوين مجهولين، كما هو الحال بالنسبة للتشريع الجزائري مثلا.

رابعا: تحقق هذه الظاهرة في بعض الحالات الشاذة

فهذه الحالة غريبة نوعا ما لأنها نادرة الحصول فبعض الدول يرفض المشرع منح جنسية الدولة لبعض العناصر الداخلة في شعب الدولة ومن أهم الأمثلة على ذلك رفض دولة رومانيا منح جنسيتها للسكان المنتمين للجنس اليهودي سواء بالميلاد أو عن طريق التجنس وقد استمر هذا الوضع قائما إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى (6).

الفرع الثاني: الانعدام اللاحق للميلاد

يمكن القول بصفة عامة بأن التعدد اللاحق على الميلاد من شأنه أن يتحقق في كل مرة تزول فيها عن الشخص جنسيته الأولى لأي سبب من أسباب الزوال، دون أن يتمكن من اكتساب جنسية دولة أخرى فأسيب الزوال قد تكون هي نفسها أسباب انعدام الجنسية ونذكر منها:

أولا: أسباب الزوال الغير الإرادية

فهنا تنتزع الجنسية على سبيل الجزاء من قبل دولته سواء عن طريق السحب أو التجريد أو الإسقاط فهنا يترتب عليها انعدام الجنسية ما لم يتمكن من الالتحاق بجنسية دولة أخرى، و مثال ذلك القانون السوري والذي ينص في المرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 وتنص المادة 21 والذي جاء في سياقها تنزع الجنسية السورية لمن أراد الدخول في جنسية أجنبية ,فهذه العقوبة يمكن أن تنتهي بالتجريد من الجنسية.

ولهذا السبب ارتفعت أصوات الفقهاء مناديه بضرورة عدم الإسراف في استخدام هذا السلاح لأنه خطير(7)

ثانيا: أسباب الفقد الإرادية

فهنا يكون الشخص هو المسؤول عن وجوده في هذا المركز أي يكون منعدما للجنسية ويتحقق هذا الفرض وفقا للأسباب التالية:

 أجنبية تقوم بنزع جنسيتها عليه وتلك الأخير لم ينجح في مسعاه في الحصول على الجنسية التي كان يرغب فيها (8).

2- كما يؤدي زوال كيان و استحداث أخر في سياق تعاقب الدول أو حصول نزاع بين الدول وأخرى في بعض الأحيان إلى نزوح مجموعات و إسقاط جنسيتها أو وقوعها فيها يشبه فراغ قانوني ينتج عنه لاحقا انعدام الجنسية (9) .

3- كذلك يؤدي الزواج المختلط إلى ظاهرة انعدام الجنسية، وذلك في الفرض الذي يكون فيه قانون المرأة الوطنية المتزوجة من أجنبي يفقدها جنسيتها بقوة القانون كأثر مباشر لهذا الزواج، بينما لا يكسبها قانون الزوج جنسيته (10)

وهذا يعني إذا تزوجت وطنية من أجنبي وكان قانونها الوطني يجعل لهذا الزواج اثرا مفقدا للجنسية دون أن تتمكن فعلا من الدخول في جنسية الزوج(11)

4- كما أن تجلس الفرد بجنسية دولة أجنبية قانونا قد يؤدي إلى انعدام جنسية زوجته وأولاده القصر، ويتحقق هذا الفرض إذا كان قانون الدولة التي اكتسب الزوج جنسيتها لا تمنح جنسيتها إلى زوجته وأولاده القصر(12)

بينما يقضي قانون دولتهم الأصلية يفقدهم الجنسية الأولي بمجرد تجنس الزوج رب الأسرة بجنسية دولة أخرى، دون أن يتمكنوا من الدخول في جنسية الأب الجديدة(13) .

الفرع الثالث : اسباب اخرى لظاهرة انعدام الجنسية

قد لا تكون ظاهرة انعدام الجنسية تكونت من أسباب سابقة للميلاد أو لاحقة له بل توجد هناك أسباب أخرى نجدها لدى بعض الدول، ومنها دولة الكويت حيث بدأت هذه الأخيرة في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، عند ظهور قانون الجنسية عام 1959 وظهور لجان تحقيق الجنسية حيث بدأ الناس يحصلون على الجنسية من البداية، وهناك آخرون أهملوا الموضوع ولم يولوه أهمية وهناك أفراد دخلوا بطرق غير قانونية و عندما فرزت اللجان ما لديها من النباتات أقرت أن الكويتيين الموجود قبل 1920 هم  كويتيون (14)  ، و لكن برغم من ذلك لم تمنحهم دولة الكويت جنسياتهم، و لا يزلوا إلى حد الساعة منعدمو الجنسية ، ولم تسوي وضعيتهم بعد وهم في تزايد.

__________

1-  إذا أراد شخص أن يتجنس بجنسية دولة أجنبية وكان قانون جنسيته الأولى يعلق فقد جنسيته الحالية على كسب جنسيته الجديدة فهناك بعض الدول فبمجرد إبداء الطلب في دخوله إلى جنسية دولة

1- اعراب بلقاسم القانون الدولي الخاص الجزائري تنازع الاختصاص القضاء الدولي الجنسية دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع الجزء الثاني ، ص 173  

2- د عكاشة محمد عبد العال. اتجاهات حديثة في مشكلة التنازع عن الجنسيات. دار الجامعة الجديد للنشر الاسكندرية 1996 ، ص 179

3- أعراب بلقاسم. المرجع السابق. ص 185

4-  بن عبيدة عبد الحفيظ الجنسية ومركز الاجانب في الفقه والتشريع الجزائري  الطبعة الاولى ، دار هومة الجزائر 2005 ،  ص 221

5- اعراب بلقاسم. المرجع السابق. ص 185.

6- عكاشة محمد عبد العال الجنسية ومركز الأجانب. المرجع السابق. ص179 احمد عبد العزيز ، مسالة تعدد الجنسيات و موفق القانون السوي منها مجلة جامعة دمشق . العدد الأول , المجلد التاسع عشر ,2003 ص 40 .

7- عكاشة محمد عبد العال . الجنسية ومركز الاجانب  المرجع السابق. ص 513

8- عكاشة محمد عبد العال الاتجاهات الحديثة في مشكلة تنازع الجنسيات. ص 87 .

9- بن عبيد الحفيظ المرجع السابق. ص 121 .

10- حفيظة السيد الحداد. المدخل إلى الجنسية ومركز الأجانب. الطبعة 1 دار النشر منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت لبنان 2010 , ص 69 .

11- قص محمد العيون  شرح احكام الجنسية بالإضافة الى احكام محكمة العدل العليا في مسائل الجنسية الطبعة الاولى دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2009  . ص 144.

12 - حفيظة السيد الحداد المرجع السابق. ص 69

13- إعراب بلقاسم. المرجع السابق. ص 174 .

14 - بشير شريف يوسف نزع الجنسية بين الواقع و القانون ، الطبعة الأولي مدار البداية ناشرون وموزعون، عمان. 2011 ، ص 111