المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



شعراء اللهو والمجون  
  
11428   03:45 مساءً   التاريخ: 11-7-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:377-381
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015 4010
التاريخ: 22-03-2015 2236
التاريخ: 22-03-2015 4788
التاريخ: 19-7-2021 3082

شعراء اللهو والمجون

رأينا في غير هذا الموضع كيف تحضر العرب في هذا العصر، وكيف أن كثيرين منهم أترفوا ترفا شديدا، إذ أحاطوا أنفسهم بكل مظاهر النعيم من قصور باذخة ومطاعم وملابس أنيقة، وجوار ورقيق. ودائما حين تغرق الأمم في الترف يتورط كثير من أبنائها في آثام مختلفة من اللهو والمجون، وإذا كنا لاحظنا فيما أسلفنا انتشار موجة من الزهد في العصر كان لها آثار عميقة في

377

الشعر والشعراء فإن هذه الموجة انحسرت عن كثير من الأفراد إذ الناس ليسوا سواسية، منهم من يجد في الدين ومثاليته الروحية متاعه، ومنهم من ينحرف عن الدين الى حياة ماجنة يتهالك فيها على اللهو والخمر.

ومعروف أن الإسلام حرم الخمر، وأن عمر شدد في عقابها حين وجد بعض المسلمين يقترفونها من مثل أبي محجن الثقفي، وقصة صلاة الوليد بن عقبة والي الكوفة لعثمان بالناس وهو سكران مشهورة. غير أن أمثاله وأمثال أبي محجن في عصر الخلفاء الراشدين كانوا قليلين. ونحن لا نمضي في عصر بني أمية، حتي تظهر آثار الفتوح وما حملت من أموال وحضارات وصور من الترف الى العرب، فتحضرت مكة والمدينة، بل أترفتا، وتحضر العرب الذين خرجوا في الفتوح واستقروا في البيئات الجديدة، وأخذ كثير منهم يندفع في الاستمتاع بالحياة، وبالغ نفر في هذا الاستمتاع، متحررا من قوانين الدين. وكلما تقدمنا في العصر ازداد ذلك قوة وحدة، وخاصة في البيئات.

البعيدة التي رحل إليها العرب، وظهروا على ما فيها من خمور، وأقصد بيئة خراسان، حيث كانت تزخر بالخمر وبالطبول والمزامير، وقد مر بنا كيف أن واليا عليها-هو قتيبة بن مسلم-اضطر حين وجد تفشي الخمر في جنده أن يعاقب على احتسائها بالقتل.

والحق أنها كانت تنتشر في كل البيئات، وقلما نجدها في مكة والمدينة حيث كانت تنتشر دور الغناء. ومن الشعراء الذين نهلوا من كئوسها في هذه البيئة لعهد معاوية ابن أرطاة (1)، وعبثا حاول مروان بن الحكم والي المدينة أن يرده عنها، وفيها يقول:

إنا لنشربها حتي تميل بنا … كما تمايل وسنان بوسنان

ومنهم عبد الرحمن بن الحكم (2) الذي كان يهاجي عبد الرحمن بن حسان، وفيها يقول:

378

 

تري شاربيها حين يعتورانها … يميلان أحيانا ويعتدلان

وممن كانوا يحتسونها في هذه البيئة لأواخر العصر ابن ميادة (3) مادح الوليد ابن يزيد بن عبد الملك ونديمه، وهو من مخضرمي الدولتين، وفيها يقول:

ومعتق حرم الوقود كرامة … كدم الذبيح تمجه أوداجه (4)

ضمن الكروم له أوائل حمله … وعلي الدنان تمامه ونتاجه (5)

ومثله ابن هرمة (6)، وكان مشغوفا بها كلفا، وهو القائل:

أسأل الله سكرة قبل موتي … وصياح الصبيان يا سكران

وإذا تركنا الحجاز الى العراق وجدنا كثيرين يقبلون على الخمر في غير حياء ولا استخفاء، وكأنما كانت الفتن هناك وما حملتهم من الخطوب باعثا لهم على المجون، حتي ينسوا به عناءهم، ومن ثم مضي نفر منهم يعلن معاقرته لها، وأنه لن ينصرف عنها، على شاكلة سحيم (7) بن وثيل الرياحي التميمي، وكان فيه غير قليل من بقايا الجاهلية، وأكبر الدلالة على ذلك معاقرته لغالب أبي الفرزدق التي مرت بنا، والتي مضي فيها ينافسه في نحر إبله لقومه، ويظهر أنه كان يكثر من الشراب كثرة جعلت امرأته حدراء تراجعه وتكثر من مراجعته، فقال:

تقول حدراء ليس فيك سوي ال‍ … خمر معيب يعيبه أحد

فقلت: أخطأت بل معاقرتي ال‍ … خمر وبذلي فيها الذي أجد

 

379

هو الثناء الذي سمعت به … لا سبد مخلدي ولا لبد (8)

ويحك لولا الخمور لم أحفل ال‍ … ‍عيش ولا أن يضمني لحد (9)

هي الحيا والحياة واللهو لا … أنت ولا ثروة ولا ولد

ويقف السرادق الذهلي هذا الموقف نفسه من ابنته، فيعلن أنه لن يكف عنها، إذ صارت له غذاء لا يستطيع الصبر عنه (10). ويلقانا في عهد زياد بن أبيه حارثة (11) بن بدر أحد عماله وخلصائه ومداحه، كلفا بها كلفا شديدا، وله فيها أشعار كثيرة رواها أبو الفرج في ترجمته يجاهر فيها بأنه لن يكف عنها، مهما أكثر لائموه، على شاكلة قوله:

يعيب على الراح من لو يذوقها … لجن بها حتي يغيب في القبر

علام تذم الراح والراح كاسمها … تريح الفتي من همه آخر الدهر

فلمني فإن اللوم فيها يزيدني … غراما بها إن الملامة قد تغري

وكان يذهب مذهبه في الإدمان عليها مالك بن أسماء صهر الحجاج الثقفي وواليه على أصبهان، وله فيها أشعار ساقها أبو الفرج في ترجمته (12). ولعل عراقيا لم يشتهر بها كما اشتهر الأقيشر (13) الأسدي وكان كوفيا خليعا ماجنا، وفيها يقول:

أفني تلادي وما جمعت من نشب … قرع القواقيز أفواه الأباريق (14)

كميت إذا فضت وفي الكأس وردة … لها في عظام الشاربين دبيب

380

 

وإذا مضينا الى خراسان وسجستان وجدنا كثيرين يتورطون فيها، وكأنما كان تغلغلهم في الشرق دافعا لهم الى الإمعان في المجون والتحرر من قوانين الدين، أو لعلهم كانوا يريدون أن يزيحوا بها عن كواهلهم ما كانوا يحسون به من آلام الغربة وعناء الحروب. ويروي البلاذري أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الذي وجهه الى الديلم، وكانوا يتنادمون، فمات أحدهم، فدفنه صاحباه، ومضيا يشربان عند قبره، فإذا بلغته الكأس أراقاها على القبر، وبكيا. ومات الثاني فدفنه صاحبه، وظل عند قبرهما يشرب ويبكي الى أن لحق بهما، وقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء (15). ومن الشعراء الذين اشتهروا بمعاقرتها والنظم فيها هناك الشمردل (16) بن شريك، وكان قد خرج للغزو في تلك الديار مع ثلاثة من إخوته. فماتوا جميعا ورثاهم رثاء حارا، وكأنه كان يغرق فيها حزنه. ومنهم أبو جلدة اليشكري الذي سبق أن عرضنا له في شعراء ثورة ابن الأشعث، وكان يدمنها إدمانا ثم تاب عنها، فقال (17):

سأركض في التقوي وفي العلم بعد ما … ركضت الى أمر الغوي المشهر

ونحن لا نصل الى أواخر هذا العصر حتي تشتد موجة المجون في خراسان والعراق جميعا، وخاصة الكوفة، حيث تنشأ جماعة كبيرة من المجان على رأسها مطيع وحماد الراوية وحماد عجرد ويحيي بن زياد، وهم جميعا ممن عاشوا في الدولتين الأموية والعباسية، وهم من هذه الناحية أكثر صلة بالعصر العباسي منهم بالعصر الأموي، ولذلك رأينا أن نؤخر الحديث عنهم. على أنهم يلفتوننا في قوة الى تهالك الناس على المجون في الكوفة في أواخر العصر، تهالكا تحرروا فيه من كل خلق وعرف ودين. ولعل مما هيأ لهذا الانحلال الخلقي على الأقل عند بعض الأفراد في هذا العصر أن بعض خلفاء بني أمية المتأخرين جعلوا يقبلون على اللهو، يتقدمهم في ذلك يزيد بن عبد الملك، وابنه الوليد الذي أكب على الخمر والمجون إكبابا، كما اكب على نظم الخمريات وهو وأبو الهندي شاعر سجستان أهم من عاشوا هذه الحياه الاجنة.

 

381

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع في ابن أرطاة الأغاني (طبع دار الكتب) 2/ 242 وما بعدها.

(2) انظر في ترجمته أغاني (دار الكتب) 13/ 259 وراجع المبرد ص 52 والبيان والتبيين 3/ 348.

(3) انظر في ترجمته أغاني (دار الكتب) 2/ 261 والشعر والشعراء 2/ 747 والخزانة 1/ 76 والبيان والتبيين 3/ 343.

(4) المعتق: الشراب القديم. حرم الوقود: لم يطبخ بالنار. الأوداج: جمع ودج وهو عرق في العنق.

(5) تمامه: يقصد تمام مدة حمله.

(6) راجع في ترجمته أغاني (دار الكتب) 4/ 367 والشعر والشعراء 2/ 729 والخزانة 1/ 203 والموشح ص 223.

(7) انظر في ترجمته ابن سلام ص 489 والإصابة 3/ 164 والخزانة 1/ 123 والشعر والشعراء 2/ 626.

(8) لا سبد ولا لبد: مثل أي لا قليل ولا كثير.

(9) اللحد: شق للميت في جانب القبر.

(10) الشعر والشعراء 2/ 670.

(11) انظر ترجمته في الأغاني (طبع الساسي) 21/ 13 وأمالي المرتضي 1/ 380 وما بعدها وراجع فهارس الكامل للمبرد والبيان والتبيين والطبري.

(12) انظر ترجمته في الأغاني (ساسي) 16/ 40 والخزانة 2/ 485 ومعجم الشعراء ص 266 والموشح ص 220 والشعر والشعراء 2/ 756.

(13) انظر في ترجمة الأقيشر أغاني (دار الكتب) 11/ 251 والشعر والشعراء 2/ 541 ومعجم الشعراء ص 273 والخزانة 2/ 279 والموشح ص 221.

(14) التلاد: المال القديم. النشب: الغقار والضياع. القواقيز: الكئوس وأواني الخمر التي تشرب فيها.

(15) فتوح البلدان ص 320.

(16) انظر ترجمته في أغاني (دار الكتب) 13/ 351 وما بعدها والشعر والشعراء 2/ 685

(17) أغاني (دار الكتب) 11/ 230.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.