[حديث الرحلتين]

الكلبي قال: كانت قريش تعودت رحلتين إحداهما في الشتاء إلى اليمن والأخرى في الصيف إلى الشام، فمكثوا بذلك حتى اشتد عليهم الجهد وأخصب تبالة [1] وجرش [2] وأهل ساحل البحر من اليمن، فحمل أهل الساحل في البحر وحمل أهل البر على الإبل فأرفأ [3] أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب [4] فامتار أهل مكة ما شاءوا وكفاهم الله الرحلتين اللتين كانوا يرحلون إلى اليمن والشام، فأنزل الله عز وجل لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ 106: 1- 2 [5] وقوله «آمَنَهُمْ من خَوْفٍ» 106: 4 يريد خوف العدو وخوف الجذام، فليس في الأرض قرشي [6] مجذم [7] وإيلاف قريش يعني دأب قريش رحلة الشتاء والصيف فأصابت قريشا سنوات ذهبن بالأموال، فخرج هاشم إلى الشام فأمر بخبز كثير فخبز له فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكة فهشم ذلك الخبز ونحر تلك الإبل ثم طبخها وألقى تلك القدور على ذلك الخبز فأطعم أهل مكة وأشبعهم، وكان ذلك أول الحيا [8] فقال في ذلك وهب بن عبد بن قصي بن كلاب [9] : (الوافر)

تحمل هاشم [10] ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض

أتاهم بالغرائر متأقات ... من أرض الشام بالبر النقيض [11]

فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض

فظل القوم بين مكللات ... من الشيزي وحائرها يفيض [12]

فحسده أمية فكان منه ما كتبناه [13] في منافرتهما، فيقال إن أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية بذلك السبب، وقال عبد المطلب: (المتقارب) .

أعود بمالي لهزلي قريش ... وقد دانت [14] الحمس [15] سوّالها

وبذلي لها الطعم عند المحول [16] ... إذا أجدبت [17] توى [18] مالها

إذا همّ بالجود بعد الأباء ... فلا يأخذ النفس [19] عقالها [20]

وكان عبد المطلب أحسن قريش وجها وأمدها جسما وأحلمها حلما وأجودها كفا لم يره ملك قط إلا شفّعه.

________________

[1] تبالة بفتح التاء بلدة مهمة من أرض تهامة في طريق اليمن على بعد اثنين وخمسين فرسخا (نحو ثمانية أيام) من مكة، بينها وبين الطائف ستة أيام، يضرب بخصبها المثل- معجم البلدان 2/ 357.

[2] جرش كزفر: مدينة عظيمة وولاية واسعة في اليمن من جهة مكة- معجم البلدان 3/ 84.

[3] في الأصل: فارفاء.

[4] المحصب كمعظم: موضع رمى الجمار في منى وأيضا موضع فيما بين مكة ومنى وهو أقرب إلى منى- معجم البلدان 7/ 395.

[5] سورة 106 آية 1 و 2.

[6] في الأصل: قريشي.

[7] في الأصل: جذم.

[8] الحيا: المطر والخصب.

[9] قد مضى ذكر الأبيات الآتية وشرح غوامضها وتصحيح محرفاتها قبل- انظر ص 98 وحواشيها.

[10] في الأصل: هاشما.

[11] في الأصل: النفيض- بالفاء.

[12] في الأصل: بفيض- بالباء الموحدة.

[13] راجع ص 98 وما بعدها.

[14] في الأصل: سانت.

[15] الحمس كخمس لقب قريش.

[16] المحول كسهول جمع المحل بالفتح وهو الجدب.

[17] زيد الواو بعد أجدبت فحذفناها ليستقيم الوزن (مدير) .

[18] توي المال من باب سمع: هلك.

[19] في الأصل: لا يأخذ النفيس، [ولعل الصواب ما أثبتنا لأن ضمير عقالها يرجع إلى النفس- مدير] .

[20] في الأصل: غفالها.