أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-24
1088
التاريخ: 2023-11-21
1161
التاريخ: 28-01-2015
2246
التاريخ: 23-09-2014
2578
|
المعجزة بحسب الاصطلاح هو ما يأتي به المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة؛ من الامور الخارقة للعادة النوعيّة، والنواميس الطبيعيّة، والخارجة عن حدود القدرة البشريّة، والقواعد والقوانين العلميّة وإن كانت دقيقة نظريّة، والرياضات العلميّة وإن كانت نتيجة مؤثِّرة، بشرط أن يكون سالماً عن المعارضة عقيب التحدّي به، ففي الحقيقة تعتبر في تحقّق الإعجاز الاصطلاحي الامور التالية : الأوّل : أن يكون الإتيان بذلك الأمر المعجز مقروناً بالدعوى، بحيث كانت الدعوى باعثةً على الإتيان به ليكون دليلًا على صدقها، وحجّةً على ثبوتها.
الثاني : أن تكون الدعوى عبارة عن منصب من المناصب الإلهيّة، كالنبوّة والسفارة؛ لأنّه حيث لا يمكن تصديقها من طريق السماع عن الإله، لاستحالة ذلك، فلابدّ من المعجزة الدالّة على صدق المدّعي، وثبوت المنصب الإلهي، كما يأتي بيان ذلك في وجه دلالة المعجزة على صدق الآتي بها.
وأمّا لو لم تكن الدعوى منصباً إلهيّاً، بل كانت أمراً آخر كالتخصّص في علم مخصوص مثلًا، فالدليل الذي يأتي به مدّعيه لإثبات صدقه لا يسمّى معجزة؛ لعدم توقّف إثباته على الإتيان بأمر خارق للعادة، بل يمكن التوسّل بدليل آخر كالامتحان ونحوه.
ففي الحقيقة، المعجزة عبارة عن الدليل الخارق للعادة، الذي ينحصر طريق إثبات الدعوى به، ولا سبيل لإثباتها غيره.
الثالث : أن تكون الدعوى في نفسها ممّا يجري فيه احتمال الصدق والكذب، وإلّا فلا تصل النوبة إلى المعجزة، بل لا يتحقّق الإعجاز بوجه؛ ضرورة أنّه مع العلم بصدق الدعوى لا حاجة إلى إثباتها، ومع العلم بكذبها لا معنى لدلالتها على صدق مدّعيها، وإن كان البشر عاجزاً عن الإتيان بمثلها فرضاً.
وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الكذب معلوماً من طريق العقل، أو من سبيل النقل، فإذا ادّعى أحد أنّه هو اللَّه الخالق الواجب الوجود، وأتى بما يعجز عنه البشر فرضاً، فذلك لا يسمّى معجزةً ؛ لأنّ الدعوى في نفسها باطلة بحكم العقل؛ للبراهين القطعيّة العقليّة الدالّة على استحالة ذلك.
كما أنّه إذا ادّعى أحد النبوّة بعد خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله وأتى- فرضاً- بما يخرق نواميس الطبيعة والقوانين الجارية، فذلك لا يسمّى معجزة بالإضافة إلى المسلم الذي لا يرتاب في صحّة اعتقاده ونبوّة نبيّه صلى الله عليه و آله؛ لأنّه كما ثبتت نبوّته كذلك ثبتت خاتميّته بالأدلّة القاطعة النقليّة، فالمعتبر في تحقّق المعجزة اصطلاحاً كون الدعوى محتملةً لكلّ من الصدق والكذب.
ومن ذلك يظهر أ نّ المعجزات المتعدّدة لمدّعٍ واحدٍ إنّما يكون اتّصافها بالإعجاز بلحاظ الأفراد المتعدّدة، فكلّ معجزة إنّما يكون إعجازها بالإضافة إلى من كانت تلك المعجزة دليلًا عنده على صدق المدّعى، وإلّا فلو كان صدق دعواه عنده ثابتاً بالمعجزة السابقة بحيث لا يكون هذا الشخص في ريب وشكّ أصلًا، فلا تكون المعجزة اللّاحقة معجزةً بالإضافة إليه بوجه، فاتّصاف اللّاحقة بهذا الوصف إنّما هو لأجل تأثيرها في هداية غيره، وخروج ذلك الغير من الشكّ إلى اليقين لأجلها، وبعبارة اخرى : إنّما يكون اتّصافها بالإعجاز عند الغير لا عند هذا الشخص.
الرابع : كون ذلك الأمر خارقاً للعادة الطبيعيّة، وخارجاً عن حدود القدرة البشريّة، وفيه إشارة إلى أنّ المعجزة تستحيل أن تكون خارقةً للقواعد العقليّة، وهو كذلك؛ ضرورة أنّ القواعد العقليّة غير قابلة للانخرام، كيف؟ وإلّا لا يحصل لنا القطع بشيء من النتائج، ولا بحقيقة من الحقائق؛ فإنّ حصول القطع من القياس المركّب من الصغرى والكبرى- بما هو نتيجته- إنّما يتفرّع على ثبوت القاعدة العقليّة الراجعة إلى امتناع اجتماع النقيضين؛ ضرورة أنّ حصول العلم بحدوث العالم مثلًا من القياس المركّب من : «العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث» إنّما يتوقّف على استحالة اتّصاف العالم بوجود الحدوث وعدمه معاً؛ ضرورة أنّه بدونها لا يحصل القطع بالحدوث في مقابل العدم، كما هو غير خفيّ.
وكذلك العلم بوجود البارئ- جلّت عظمته- من طريق البراهين الساطعة القاطعة الدالّة على وجوده، إنّما يتوقّف على استحالة كون شيء متّصفاً بالوجود والعدم معاً في آنٍ واحد، وامتناع عروض كلا الأمرين في زمان فارد، بداهة أنّه بدونها لا مجال لحصول القطع بالوجود في مقابل العدم، كما هو ظاهر.
فالقواعد العقليّة خصوصاً قاعدة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما، التي إليها ترجع سائر القواعد، وعليها يبتني جميع العلوم والمعارف، بعيدة عن عالم الانخراق والانخرام بمراحل لا يمكن طيّها أصلًا.
ويدلّ على ما ذكرنا من استحالة كون المعجزة خارقةً للقواعد العقليّة في خصوص المقام : أنّ الغرض من الإتيان بالمعجزة إثبات دعوى المدّعي واستكشاف صدقه في ثبوت المنصب الإلهي، فإذا فرضنا إمكان تصرّف المعجزة في القواعد العقليّة وانخرامها بها، لا يحصل الغرض المقصود منها؛ فإنّ دلالتها على صدق مدّعي النبوّة مثلًا إنّما تتمّ على تقدير استحالة اتّصاف شخص واحد في زمان واحد بالنبوّة وجوداً وعدماً، وإلّا فلا مانع من ثبوت هذا الاتّصاف، وتحقّق كلا الأمرين، فلا يترتّب عليها الغاية من الإتيان بها، والغرض المقصود في البين، كما لا يخفى.
وعلى ما ذكرنا فالمعجزة ما يكون خارقاً للعادة الطبيعيّة، التي يكون البشر عاجزاً عن التخلّف عنها، إلّا أن يكون مرتبطاً بمنع القدرة المطلقة المتعلّقة بكلّ شيء.
ومنه يظهر الفرق بين السحر وبين المعجزة، وكذا بينها وبين ما يتحقّق من المرتاضين، الذين حصلت لهم القدرة لأجل الرياضة- على اختلاف أنواعها وتشعّب صورها- على الإتيان بما يعجز عنه من لم تحصل له هذه المقدّمات؛ فإنّ ابتناء مثل ذلك على قواعد علميّة أو أعمال رياضيّة توجب خروجه عن دائرة المعجزة، التي ليس لها ظهير إلّا القدرة الكاملة التامّة الإلهيّة، وهكذا الإبداعات الصناعيّة، والاختراعات المتنوّعة، والكشفيّات المتعدّدة من الطبّية وغيرها من الحوادث المختلفة، العاجزة عنها الطبيعة البشريّة، قبل تحصيل القواعد العلميّة التي تترتّب عليها هذه النتائج، وإن كان الترتّب أمراً خفيّاً يحتاج إلى الدقّة والاستنباط؛ فإنّ جميع ذلك ليس ممّا يعجز عنه البشر، ولا خارقاً لناموس الطبيعة أصلًا.
نعم، يبقى الكلام بعد وضوح الفرق بين المعجزة وغيرها بحسب الواقع ومقام الثبوت؛ فإنّ الاولى خارجة عن القدرة البشريّة بشؤونها المختلفة، والثانية تتوقّف على مبادئ ومقدّمات يقدر على الإتيان بها كلّ من يحصل له العلم بها والاطّلاع عليها- في تشخيص المعجزة عن غيرها- بحسب مقام الإثبات، وفي الحقيقة في طريق تعيين المعجزة عمّا يشابهها صورة، وأنّه هل هنا أمارة مميّزة وعلامة مشخّصة أم لا؟ والظاهر أنّ الأمارة التي يمكن أن تكون معيّنة عبارة عن أنّ المعجزة لا تكون محدودة من جهة الزمان والمكان، وكذا من سائر الجهات كالآلات ونحوها، حيث إنّ أصلها القدرة الأزليّة العامّة غير المحدودة بشيء، وهذا بخلاف مثل السّحر والأعمال التي هي نتائج الرياضات؛ فإنّها لا محالة محدودة من جهة من الجهات ولا يمكن التعدّي عن تلك الجهة، فالرياضة التي نتيجتها التصرّف في المتحرّك وإمكانه مثلًا لا يمكن أن تتحقّق من غير طريق تلك الآلة، وهكذا، فالمحدوديّة علامة عدم الإعجاز.
مضافاً إلى أنّ الأغراض الباعثة على الإتيان مختلفة، بداهة أنّ النبيّ الواقعي لا يكون له غرض إلّا ما يتعلّق بالأمور المعنويّة، والجهات النفسانيّة، والسير بالناس في المسير الكمالي المتكفّل لسعادتهم.
وأمّا النبيّ الكاذب فلا تكون استفادته من المعجزة إلّا الجهات الراجعة إلى شخصه من الامور المادّية، كالشهرة والجاه والمال وأشباهها، فكيفيّة الاستفادة من المعجزة من علائم كونها معجزة، أم لا، كما هو واضح.
الخامس : أن يكون الإتيان بذلك الأمر مقروناً بالتحدّي الراجع إلى دعوة الناس إلى الإتيان بمثله إن استطاعوا، ليعلم بذلك : أوّلًا : غرض المدّعي الآتي بالمعجزة، وأنّ الغاية المقصودة من الإتيان بها تعجيز الناس، وإثبات عجزهم من طريق لا يمكنهم التخلّص عنه، ولا الإشكال عليه.
وثانياً : أنّ عدم الإتيان بمثله لم يكن لأجل عدم تحدّيهم للإتيان، وعدم ورودهم في هذا الوادي، وإلّا فكان من الممكن الإتيان بمثله؛ ضرورة أنّ التحدّي الراجع إلى تعجيز الناس الذي يترتّب عليه أحكام وآثار عظيمة من لزوم الإطاعة للمدّعي، وتصديق ما يدّعيه، ويأتي به من القوانين والحدود، والتسليم في مقابلها يوجب- بحسب الطبع البشري والجبلّة الإنسانيّة- تحريكهم إلى الإتيان بمثله لئلّا يسجّل عجزهم ويثبت تصوّرهم. وعليه : فالعجز عقيب التحدّي لا ينطبق عليه عنوان غير نفس هذا العنوان، ولا يقبل محملًا غير ذلك، ولا يمكن أن يتلبّس بلباس آخر، ولا تعقل موازاته بالأغراض الفاسدة، والعناد والتعصّب القبيح.
السادس : أن يكون سالماً عن المعارضة؛ ضرورة أنّه مع الابتلاء بالمعارضة بالمثل، لا وجه لدلالته على صدق المدّعى ولزوم التصديق؛ لأنّه إن كان المعارض - بالكسر- قد حصّل القدرة من طريق السحر والرياضة مثلًا، فذلك كاشف عن كون المعارض- بالفتح- قد أتى بما هو خارق للعادة والناموس الطبيعي - وقد مرّ اعتباره في تحقّق الإعجاز الاصطلاحي بلا ارتياب- وإن كان المعارض قد أقدره اللَّه - تبارك وتعالى - على ذلك لإبطال دعوى المدّعي، فلا يبقى حينئذٍ وجه لدلالة معجزه على صدقه أصلًا.
وبالجملة : مع الابتلاء بالمعارضة يعلم كذب المدّعي في دعوى النبوّة، إمّا لأجل عدم كون معجزته خارقةً للعادة الطبيعيّة، وإمّا لأجل كون الفرض من أقدار المعارض إبطال دعواه؛ إذ لا يتصوّر غير هذين الفرضين فرض ثالث أصلًا، كما لا يخفى.
السابع : لزوم التطبيق؛ بمعنى أنّ الأمر الخارق للعادة،- الذي يأتي به المدّعي للنبوّة والسفارة- وقوعه بيده بمقتضى إرادته وغرضه؛ بمعنى تطابق قوله وعمله، فإذا تخالف لا يتحقّق الإعجاز بحسب الاصطلاح، كما حكي أنّ مسيلمة الكذّاب تفل في بئر قليلة الماء ليكثر ماؤها، فغار جميع ما فيها من الماء، وأنّه أمرَّ يده على رؤوس صبيان بني حنيفة وحنّكهم، فأصاب القرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنّكه(1)
وإن شئت فسمِّ هذه المعجزة الدالّة على الكذب؛ لأنّه أجرى اللَّه تعالى هذا الأمر بيده لإبطال دعواه، وإثبات كذبه، وهداية الناس إلى ذلك.
بقي الكلام في حقيقة المعجزة في أمر؛ وهو : أنّ الإعجاز هل هو تصرّف في قانون الأسباب والمسبّبات العاديّة، وراجع إلى تخصيص مثل : «أبى اللَّه أن يجري الأشياء إلّا بالأسباب»(2)، أو أ نّه لا يرجع إلى التصرّف في ذلك القانون، ولا يستلزم التخصيص في مثل تلك العبارة الآبية بظاهرها عن التخصيص، بل التصرّف إنّما هو من جهة الزمان، وإلغاء التدريج والتدرّج بحسبه؟ فمرجع الإعجاز في مثل جعل الشجر اليابس خضراً- في الفصل الذي لا يقع فيه هذا التبدّل والتغيّر عادة من الفصول الأربعة السنويّة- إلى تحصيل ما يحتاج إليه الشجر في الاخضرار من حرارة الشمس والهواء والماء، وما يستفيده من الأرض في آن واحد، لا إلى استغنائه عن ذلك رأساً؟ الظاهر هو الوجه الثاني، وإن كان لا يترتّب على هذا البحث ثمرة كثيرة مهمّة.
__________________________
(1) تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 285، الكامل لابن الأثير : 2/ 216.
(2) بصائر الدرجات : 6، الجزء الأوّل ب 2 ح 1 و 2 عن أبي عبداللَّه عليه السلام، وعنه بحار الأنوار : 2/ 90 ح 14 و 15، ورواه في الكافي : 1/ 183، كتاب الحجّة ، باب معرفة الإمام عليه السلام والردّ إليه ح 7، وفيه : إلّا بأسباب.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|