المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



تفسير الآية (61-64) من سورة يونس  
  
15524   01:42 صباحاً   التاريخ: 17-3-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

 

قال تعالى: { وما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ولا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّماءِ ولا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ ولا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ( 61 ) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62 ) الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ ( 63 ) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [يونس: 61 - 64]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه أن إمهاله إياهم ليس لجهل بحالهم فقال { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} أي: ما تكون أنت يا محمد في حال من الأحوال وفي أمر من أمور الدين من تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة وغير ذلك { وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} أي: وما تقرأ من الله من قرآن وقيل من الكتاب من قرآن والقرآن يقع على القليل والكثير منه وقيل أن الهاء تعود إلى الشأن أي وما تتلومن الشأن من قرآن { وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} أي: ولا تعمل أنت وأمتك من عمل إلا كنا عالمين به شاهدين عليكم به {إذ تفيضون فيه} أي: تدخلون فيه وتخوضون فيه { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} أي: وما يبعد وما يغيب عن علم ربك ورؤيته وقدرته {من مثقال ذرة}أي: وزن نملة صغيرة { فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ} من وزن نملة { وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} أي: في كتاب بينه الله فيه قبل أن خلقه وهو اللوح المحفوظ وقيل أراد به كتاب الحفظة الذي كتبه الملائكة السفرة وحفظوه وقال الصادق (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديدا .

{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } بين سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره وتولاهم سبحانه بحفظه وحياطته لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب {ولا هم يحزنون} أي: لا يخافون واختلف في أولياء الله فقيل هم قوم ذكرهم الله بما هم عليه من سيماء الخير والإخبات عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقيل هم المتحابون في الله ذكر ذلك في خبر مرفوع وقيل هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وقد بينهم في الآية التي بعدها عن ابن زيد وقيل أنهم الذين أدوا فرائض الله وأخذوا بسنن رسول الله وتورعوا عن محارم الله وزهدوا في عاجل هذه الدنيا ورغبوا فيما عند الله واكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم لا يريدون به التفاخر والتكاثر ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا منه لآخرتهم وهوالمروي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وقيل هم الذين توالت أفعالهم على موافقة الحق.

 {الذين آمنوا} أي: صدقوا بالله واعترفوا بوحدانيته {وكانوا يتقون} مع ذلك معاصيه {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}فيه أقوال (أحدها) أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة ونظيره قوله {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}وقوله {يبشرهم ربهم برحمة منه}الآية عن الزجاج والفراء (وثانيها) أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة (عليهم السلام) للمؤمنين عند موتهم ب ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة عن قتادة والزهري والضحاك والجبائي (وثالثها) أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أوترى له وفي الآخرة بالجنة وهي ما يبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وروي ذلك في حديث مرفوع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن يبلغ نفسه إلى هذه وأومأ بيده إلى الوريد الخبر بطوله ثم قال أن هذا في كتاب الله وقرأ { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }الآية وقيل أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما أعد له في الجنة قبل دخولها { لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ }أي: لا خلف لما وعد الله تعالى به من الثواب ولا خلاف في قوله بوضع كلمة أخرى مكانها بدلا منها لأنها حق والحق لا خلف فيه بوجه { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي: ذلك الذي سبق ذكره من البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة هي النجاة العظيمة التي يصغر في جنبها كل شيء

_________________

1- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ،ج5 ،ص203-206.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{وما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ولا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}. الخطاب في تكون للنبي (صلى الله عليه واله وسلم ) ، والضمير في منه للشأن ، وضمير تعملون للنبي وأمته ، وضمير فيه للعمل ، وتفيضون فيه أي تدخلون فيه ، والمعنى الجملي أن ما من حال يكون عليها النبي وأمته إلا وهي في علم اللَّه {وما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا فِي السَّماءِ ولا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ ولا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ}. معنى يعزب يغيب ، والكتاب المبين اللوح المحفوظ ، ويتلخص مجموع الآية بأن اللَّه واسع عليم بكل شيء دون استثناء ، والمراد بعلمه هنا جزاؤه على أقوال الناس وأفعالهم خيرا كانت أوشرا ، كبيرة كانت أوصغيرة ، واطلاق علمه على جزائه تعالى من باب اطلاق السبب وإرادة المسبب ، لأن علمه بما يصدر من الإنسان سبب للجزاء عليه ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر .

{أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ}. ووصف الإمام علي (عليه السلامأ) ولياء اللَّه بقوله : {هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها ، فأماتوا ما خشوا أن يميتهم - أي الهوى - وتركوا منها ما علموا انه سيتركهم}. وقال : {ان أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ، وان ولي محمد من أطاع اللَّه وان بعدت لحمته ، وان عدومحمد من عصى اللَّه وان قربت قرابته}. ومعنى هذا ان مجرد التصديق بلا تقوى وعمل لا يجدي نفعا ، واليه يشير قوله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ}. وتكلمنا عن ذلك في ج 1 ص 314 فقرة : {لا ايمان بلا تقوى}عند تفسير الآية 212 من سورة البقرة ، وفي ج 2 ص 237 فقرة {التقوى}في آخر سورة آل عمران .

هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ}. ضمير لهم يعود إلى المتقين ، وبشارتهم في الدنيا من اللَّه تعالى انهم على حق في عقيدتهم وعملهم . . وليس من شك ان النفس تطمئن وتستشعر الغبطة والسعادة إذا كانت على ثقة من دينها أعمالها ، أما بشارة المتقين في الآخرة فهي فرحتهم بنعمة اللَّه وفضله : {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وأَنَّ اللَّهً لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ - 171 آل عمران}.

تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ}لأن اللَّه لا يخلف وعده ، وإذا أراد شيئا فلا راد لمشيئته : {وإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُووإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ - 107 يونس}لِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ}الذي ليس وراءه فوز ، وكل فوز يأتي نتيجة للايمان بالحق والجهاد في سبيله فهوعظيم .

________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ،ج4،ص174-175. 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا }إلى آخر الآية، قال الراغب: الشأن الحال والأمر الذي يتفق ويصلح، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور قال:{كل يوم هو في شأن}انتهى.

وقوله:{وما تتلوا منه من قرآن}الظاهر أن الضمير إلى الله سبحان ومن الأولى للابتداء والنشوء والثانية للبيان، والمعنى ولا تتلوشيئا هوالقرآن ناشئا ونازلا من قبله تعالى، والإفاضة في الفعل الخوض فيه جمعا.

وقد وقع في قوله:{إلا كنا عليكم شهودا}التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير، والنكتة فيه الإشارة إلى كثرة الشهود فإن لله شهودا على أعمال الناس من الملائكة والناس والله من ورائهم محيط، والعظماء يتكلمون عنهم وعن غيرهم للدلالة على أن لهم أعوانا وخدمة.

وليس ينبغي أن يغفل عن أن أصل الالتفات يبدأ من أول الآية فإن الآيات السابقة كانت تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأخذ المشركين على الغيبة وتكلمهم بوساطته من غير أن تواجهه بشيء من الخطاب يخص نفسه، وقد حولت هذه الآية وجه الكلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يخص به نفسه فقالت:{وما تكون من شأن وما تتلوا منه من قرآن}ثم جمعته والمشركين وغيرهم جميعا في خطاب واحد فقالت:{ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا}وذلك بضمهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم على غيبتهم وبسط الخطاب على الجميع بنوع من التغليب كما تقول لمخاطبك أنت وقومك تفعلون كذا وكذا.

والدليل على أن هذا الخطاب بنحوالضم والتغليب قوله بعده:{وما يعزب عن ربك}إلخ، فإنه يكشف عن كون الخطاب معه (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريا على ما كان.

وعلى أي حال فالتحول المذكور في خطاب الآية للإشارة إلى أن السلطنة والإحاطة التامة الإلهية واقعة على الأعمال شهادة وعلما على أتم ما يكون من كل جهة من غير أن يستثني منه نبي ولا مؤمن ولا مشرك أويغفل عن عمل من الأعمال فلا يتوهمن أحد أن الله يخفى عليه شيء من أمره فلا يحاسبه عليه يوم القيامة، وليكن هذا هو ظنه بربه يوم القيامة وليأخذ حذره.

وذكر تلاوة القرآن مستقلا مع دخوله في قوله قبلا:{وما تكون في شأن}فإن أحد شئونه (صلى الله عليه وآله وسلم) للإيماء إلى أهمية أمرها ومزيد العناية بها.

وفي الآية أولا تشديد في العظة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته وثانيا: أن الذي يتلوه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن للناس من وحي الله وكلامه لا يطرقه تغيير ولا يدب فيه باطل لا في تلقيه من الله ولا في تلاوته للناس فالآية قريبة المضمون من قوله:{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم:}الجن: - 28.

وقوله:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة}إلى آخر الآية.

العزوب الغيبة والتباعد والخفاء، وفيه إشارة إلى حضور الأشياء عنده تعالى من غير غيبة وحفظه لها في كتاب من غير زوال، وقد تقدم بعض ما يتعلق به من الكلام في ذيل قوله:{وعنده مفاتح الغيب:}الأنعام: - 59 في الجزء السابع من الكتاب.

قوله تعالى:{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}استئناف في الكلام غير أنه متعلق بغرض السورة وهوالدعوة إلى الإيمان بكتاب الله والندب إلى توحيد الله تعالى بمعناه الوسيع.

وللدلالة على أهمية المطلب افتتح بلفظة{ألا}التنبيهية، والله سبحانه يذكر في هذه الآية والآيتين بعدها أولياءه ويعرفهم ويصف آثار ولايتهم وما يختصون به من الخصيصة.

والولاية وإن ذكروا لها معاني كثيرة لكن الأصل في معناها ارتفاع الواسطة الحائلة بين الشيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منهما، ثم استعيرت لقرب الشيء من الشيء بوجه من وجوه القرب كالقرب نسبا أومكانا أومنزلة أوبصداقة أوغير ذلك ولذلك يطلق الولي على كل من طرفي الولاية، وخاصة بالنظر إلى أن كلا منهما يلي من الآخر ما لا يليه غيره فالله سبحانه ولي عبده المؤمن لأنه يلي أمره ويدبر شأنه فيهديه إلى صراطه المستقيم ويأمره وينهاه فيما ينبغي له أولا ينبغي وينصره في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

والمؤمن حقا ولي ربه لأنه يلي منه إطاعته في أمره ونهيه ويلي منه عامة البركات المعنوية من هداية وتوفيق وتأييد وتسديد وما يعقبها من الإكرام بالجنة والرضوان.

فأولياء الله - على أي حال - هم المؤمنون فإن الله يعد نفسه وليا لهم في حياتهم المعنوية حيث يقول:{والله ولي المؤمنين:}آل عمران: - 68.

غير أن الآية التالية لهذه الآية المفسرة للكلمة تأبى أن تكون الولاية شاملة لجميع المؤمنين وفيهم أمثال الذين يقول الله سبحانه فيهم:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون:}يوسف:- 106 فإن قوله في الآية التالية:{الذين آمنوا وكانوا يتقون}يعرفهم بالإيمان والتقوى مع الدلالة على كونهم على تقوى مستمر سابق على إيمانهم من حيث الزمان حيث قيل:{آمنوا}ثم قيل عطفا عليه:{وكانوا يتقون}فدل على أنهم كانوا يستمرون على التقوى قبل تحقق هذا الإيمان منهم ومن المعلوم أن الإيمان الابتدائي غير مسبوق بالتقوى بل هما متقاربان أوهوقبل التقوى وخاصة التقوى المستمر.

فالمراد بهذه الإيمان مرتبة أخرى من مراتب الإيمان غير المرتبة الأولى منه.

فقد تقدم في الجزء الأول من الكتاب آية 130 من البقرة أن لكل من الإيمان والإسلام وكذا الشرك والكفر مراتب مختلفة بعضها فوق بعض فالمرتبة الأولى من الإسلام إجراء الشهادتين لسانا والتسليم ظاهرا، وتليه المرتبة الأولى من الإيمان وهوالإذعان بمؤدى الشهادتين قلبا إجمالا وإن لم يسر إلى جميع ما يعتقد في الدين من الاعتقاد الحق، ولذا كان من الجائز أن يجتمع مع الشرك من بعض الجهات، قال تعالى:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون:}يوسف: - 106.

ولا يزال إسلام العبد يصفووينموحتى يستوعب تسليمه لله سبحانه في كل ما يرجع إليه وإليه مصير كل أمر، وكلما ارتفع الإسلام درجة ورقي مرتبة كان الإيمان المناسب له الإذعان بلوازم تلك المرتبة حتى يسلم العبد لربه حقيقة معنى ألوهيته وينقطع عنه السخط والاعتراض فلا يسخط لشيء من أمره من قضاء وقدر وحكم، ولا يعترض على شيء من إرادته، وبإزاء ذلك الإيمان باليقين بالله وجميع ما يرجع إليه من أمر، وهوالإيمان الكامل الذي تتم به للعبد عبوديته.

قال تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما:}النساء: - 65، والأشبه أن تكون هذه المرتبة من الإيمان أوما يقرب منه هوالمراد بالآية أعني قوله:{الذين آمنوا وكانوا يتقون}فإنه الإيمان المسبوق بتقوى مستمر دون الإيمان بمرتبته الأولى كما تقدم.

على أن توصيفه أهل هذا الإيمان بأنهم{لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}يدل على أن المراد منه الدرجة العالية من الإيمان الذي يتم معه معنى العبودية والمملوكية المحضة للعبد الذي يرى معه أن الملك لله وحده لا شريك له، وأن ليس إليه من الأمر شيء حتى يخاف فوته أويحزن لفقده.

وذلك أن الخوف إنما يعرض للنفس عن توقع ضرر يعود إليها، والحزن إنما يطرأ عليها لفقد ما تحبه أوتحقق ما تكرهه مما يعود إليها نفعه أوضرره، ولا يستقيم تحقق ذلك إلا فيما يرى الإنسان لنفسه ملكا أوحقا متعلقا بما يخاف عليه أويحزن لفقده من ولد أومال أوجاه أوغير ذلك.

وأما ما لا علقة للإنسان به بوجه من الوجوه أصلا فلا يخاف الإنسان عليه ولا يحزن لفقده البتة.

والذي يرى كل شيء ملكا طلقا لله سبحانه لا يشاركه في ملكه أحد لا يرى لنفسه ملكا أوحقا بالنسبة إلى شيء حتى يخاف في أمره أويحزن، وهذا هوالذي يصفه الله من أوليائه إذ يقول:{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }فهؤلاء لا يخافون شيئا ولا يحزنون لشيء لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا أن يشاء الله وقد شاء أن يخافوا من ربهم وأن يحزنوا لما فاتهم من كرامته إن فاتهم وهذا كله من التسليم لله فافهم ذلك.

فإطلاق الآية يفيد اتصافهم بهذين الوصفين: عدم الخوف وعدم الحزن في النشأتين الدنيا والآخرة، وأما مثل قوله تعالى:{إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين:}الزخرف: - 70 فإن ظاهر الآيات وإن كان هوأنها تريد الأولياء بالمعنى الذي تصفه الآية التي نحن فيها إلا أن إثبات عدم الخوف والحزن لهم يوم القيامة لا ينفي ذلك عنهم في غيره.

نعم هناك فرق من جهة أخرى وهو خلوص النعمة والكرامة وبلوغ صفائها يوم القيامة وكونها مشوبة غير خالصة في غيره.

ونظيرها قوله تعالى:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة:}فصلت: - 31 فإن الآيات وإن كانت ظاهرة في كون هذا التنزل والقول والبشارة يوم الموت لمكان قوله:{كنتم توعدون}وقوله:{أبشروا}غير أن الإثبات في وقت لا يكفي للنفي في وقت آخر كما عرفت.

هذا ما يدل عليه الآية بحسب إطلاق لفظها وتأييد سائر الآيات لها، وقد قيد أكثر المفسرين قوله:{لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}- بالاستناد إلى آيات الآخرة - بيوم الموت والقيامة، وأهملوا ما تفيده خصوصية اللفظ في قوله:{الذين آمنوا وكانوا يتقون}وأخذوا الإيمان والتقوى أمرين متقارنين فرجع المعنى إلى أن أولياء الله هم المتقون من أهل الإيمان ولا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون وهذا - كما عرفت - من التقييد من غير مقيد.

وعمم بعضهم نفي الخوف والحزن فذكر أنهم متصفون به في الدنيا والآخرة غير أنه أفسد المعنى من جهة أخرى فقال: إن المراد بالأولياء على ما تفسرهم به الآية الثانية جميع المتقين من المؤمنين، والمراد بعدم خوفهم وحزنهم أنهم لا يخافون في الآخرة مما يخاف منه الكافرون والفاسقون والظالمون من أهوال الموقف وعذاب الموقف وعذاب الآخرة ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم وأنهم لا يخافون في الدنيا كخوف الكفار ولا يحزنون كحزنهم.

قال: وأما أصل الخوف والحزن فهو من الأعراض البشرية التي لا يسلم منها أحد في الدنيا، وإنما يكون المؤمنون الصالحون أصبر الناس وأرضاهم بسنن الله اعتقادا وعلما بأنه إذا ابتلاهم بشيء مما يخيف أويحزن فإنما يربيهم بذلك لتكميل نفوسهم وتمحيصها بالجهاد في سبيله الذي يزداد به أجرهم كما صرحت بذلك الآيات الكثيرة. انتهى.

أما تقييده الآية بأن المنفي عن الأولياء هو الخوف والحزن اللذين يعرضان للكفار دون ما يعرض لعامة المؤمنين بحسب الطبع البشري واستناده في ذلك إلى الآيات الكثيرة فهو من التقييد من غير مقيد، وأما قوله إن أصل الخوف والحزن مما لا يسلم منه أحد أصلا فهو من عدم تحصيل المراد بالكلام لعدم تعمقه في البحث عن الأخلاق العالية والمقامات المعنوية الإنسانية فحمله ذلك على أن يقيس حال المكرمين من عباد الله المقربين من الأنبياء والأولياء إلى ما يجده من حال المتوسطين من عامة الناس فزعم أن ما يغشى العامة من الأعراض التي سماها أحوالا طبيعية يغشى الخاصة لا محالة، وأن ما يتعذر أويتعسر على المتوسطين من الأحوال فهوكذلك عند الكاملين، ولا يبقى حينئذ للمقامات المعنوية والدرجات الحقيقية إلا أنها أسماء ليس وراءها حقيقة، واعتبارات وضعية اصطلح عليها نظير المقامات الوهمية والدرجات الرسمية الاجتماعية التي نتداولها في مجتمعاتنا لمصلحة الاجتماع.

فلا وفى حق البحث العلمي حتى يهديه إلى حق النتيجة فيتبين أن التوحيد الكامل يقصر حقيقة الملك في الله سبحانه فلا يبقى لغيره شيء من الاستقلال في التأثير حتى يتعلق به لنفسه حب أوبغض أوخوف أوحزن ولا فرح ولا أسى ولا غير ذلك، وإنما يخاف هذا الذي غشيه التوحيد ويحزن أويحب أويكره بالله سبحانه، ويرتفع التناقض حينئذ بين قولنا: إنه لا يخاف شيئا إلا الله وبين قولنا: إنه يخاف كثيرا مما يضره ويحذر أمورا يكرهها فافهم ذلك.

ولا البحث القرآني أتقن واستفرغ فيه الوسع حتى يظهر له أن قوله تعالى:{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }أطلق فيه نفي الخوف والحزن من غير تقييد بشيء أوحال إلا ما صرح به آيات من وجوب مخافة الله فهؤلاء لا يخافون من شيء في دنيا ولا آخرة إلا من الله سبحانه ولا يحزنون.

وأما الآيات الكثيرة التي تصف المؤمنين بعدم الخوف والحزن عند الموت أويوم القيامة فهي إنما تصف أحوالهم في ظرف ولا يستوجب نفي شيء أوإثباته في مورد خلافه في غيره وهو ظاهر.

والآية مع ذلك تدل على أن هذا الوصف إنما هو لطائفة خاصة من المؤمنين يمتازون عن غيرهم بمرتبة خاصة من الإيمان تخصهم دون غيرهم من عامة المؤمنين وذلك بما يفسرها من قوله:{الذين آمنوا وكانوا يتقون}بما تقدم من تقرير دلالته.

وبالجملة ارتفاع الخوف من غير الله والحزن عن الأولياء ليس معناه أن الخير والشر والنفع والضرر والنجاة والهلاك والراحة والعناء واللذة والألم والنعمة والبلاء متساوية عندهم ومتشابهة في إدراكهم فإن العقل الإنساني بل الشعور العام الحيواني لا يقبل ذلك.

بل معناه أنهم لا يرون لغيره تعالى استقلالا في التأثير أصلا، ويقصرون الملك والحكم فيه تعالى فلا يخافون إلا إياه أوما يحب الله ويريد أن يحذروا منه أويحزنوا عليه.

قوله تعالى:{ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }يبشرهم الله تعالى بشارة إجمالية بما تقر به أعينهم فإن كان قوله:{لهم البشرى}إنشاء للبشارة كان معناه وقوع ما بشر به في الدنيا وفي الآخرة كلتيهما، وإن كان إخبارا بأن الله سيبشرهم بشرى كانت البشارة واقعة في الدنيا وفي الآخرة، وأما المبشر به فهل يقع في الآخرة فقط أوفي الدنيا والآخرة معا؟ الآية ساكتة عن ذلك.

وقد وقع في كلامه تعالى بشارات للمؤمنين بما ينطبق على أوليائه تعالى كقوله تعالى:{وكان حقا علينا نصر المؤمنين:}الروم: - 47 وقوله:{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد:}المؤمن: - 51 وقوله:{بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار:}الحديد: - 12 إلى غير ذلك.

وقوله:{ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } إشارة إلى أن ذلك من القضاء المحتوم الذي لا سبيل للتبدل إليه، وفيه تطييب لنفوسهم.

__________________

1- تفسير الميزان ، الطباطبائي، ج10 ، ص67-73.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وحتى لايتصور أحد أنّ هذه المهلة الإِلهية دليل على عدم إِحاطة علم الله سبحانه بكل أعمال هؤلاء، فإِنّ آخر آية من آيات البحث تبيّن هذه الحقيقة بأبلغ عبارة وتوضح أن الله مطلع على كل ذرات الموجودات في خفايا السماء والأرض، ومطلع على دقائق أعمال العباد، فتقول:{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ }(2).

«الشهود» جمع شاهد، وهوفي الأصل بمعنى الحضور المقترن بالمشاهدة بالعين أوالقلب أوالفكر، والتعبير بالجمع إِشارة إِلى أنّ الله سبحانه ليس وحده المراقب لأعمال البشر، بل إِنّ الملائكة المطيعين لأمره مطلعون أيضاً على كل هذه الأعمال وناظرون إِليها.

وكما أشرنا سابقاً، فإِنّ التعبير بصيغة الجمع في حق الله سبحانه مع أنّ ذاته المقدسة أوحدية من جميع الجهات، إِشارة إِلى عظمة مقامه، وأن له دائماً مأمورين مطيعين مستعدين لتنفيذ أمره والواقع فإِن الكلام ليس عن الله وحده، بل عنه وعن كل هؤلاء المأمورين المطيعين.

ثمّ تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شيء بتأكيد أكبر، فتقول:{ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }.

«يعزب» مأخوذة من العزوب، وهو في الأصل بمعنى الإِبتعاد عن البيت والأهل في سبيل إِيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات، ثمّ استعملت بمعنى الغيبة والإِختفاء بصورة مطلقة.

«والذّرة» بمعنى الجسم الصغير جدّاً، ولذلك يقال للنمل الصغير: ذرة. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (40) من سورة النساء.

«الكتاب المبين» إِشارة إِلى علم الله الواسع، والذي يعبر عنه أحياناً باللوح المحفوظ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في تفسير الآية (59) من سورة الأنعام.

طمأنينة الروح في ظل الإِيمان:

لما شرحت الآيات السابقة بعضاً من حالات المشركين والأفراد غير المؤمنين، بيّنت هذه الآيات حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لأُولئكَ تماماً، حتى يعرف النور من الظلمة، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بينهم كما هوشأن القرآن وطريقته دائماً.

تقول الآية أوّلا:{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ومن أجل فهم دقيق لمحتوى هذا الكلام لابدّ أن نعرف معنى الأولياء جيداً.

«الأولياء» جمع ولي، وقد أخذت في الأصل من مادة: ولي، يلي، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين، وتقاربهما وتتابعهما، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أوالزمان أوالنسب أوالمقام، بأنّه ولي، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك.

بناءً على هذا، فإِنّ أولياء الله هم الذين لايوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإِيمان والعمل الخالص، ويرون الله بعيون قلوبهم بحيث لايجد الشك أي طريق إِلى تلك القلوب الوالهة، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق، فإِنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له، وفان لا أهمية له.

إِنّ من يرى المحيط يزهد في القطرة، ومن ينظر الى نور الشمس لا يهتم بنور الشمعة.

ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء لماذا لايخافون، لأنّ الخوف ينشأ عادة من احتمال فقدان النعم التي يمتلكها الإِنسان، أومن الأخطار التي يمكن أن تهدده في المستقبل، كما إِنّ الغم والهم يرتبط عادة بما يتعلق بالماضي، ويستولي على الإِنسان نتيجة فقدانه لإِمكانيات وثروات كانت تحت يده.

إِنّ أولياء وأحباء الله الحقيقيين متحررون من كل أشكال الإِرتباط والتعلق بعالم المادة، ويحكم «الزهد» بمعناه الحقيقي وجودهم، فهم لا يجزعون من فقدان الممتلكات المادية ولا يخافون من المستقبل، ولا يشغلون أفكارهم بمثل هذه المسائل. وبناءً على ذلك فإِن الغموم والأخاويف التي ترتبط بالماضي والمستقبل، والتي تجعل الآخرين في حال اضطراب وقلق دائم، لا سبيل لها إِلى وجود هؤلاء.

إِنّ الماء في الإناء الصغير قد يهتز من نفخة إِنسان، لكن المحيط الكبير لا يتأثر حتى بالعاصفة، ولذلك سمّوه المحيط الهادي:{لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}(الحديد،23). فلم يكن لهم تعلّق بما كان في ايديهم سابقاً، ولا يصيبهم الغم والحزن في اليوم الذي سيفارقونه، فإِنّ روحهم أكبر، وفكرهم أسمى من أن تؤثر فيهم مثل هذه الحوادث في الماضي والمستقبل.

على هذا الأساس فإِنّ الأمن والطمأنينة الواقعية هي الحاكمة على وجودهم، وعلى حدّ قول القرآن:{أُولئك لهم الأمن}(الانعام ،82)، وبتعبير آخر:{ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد ،28).

والخلاصة هي أنّ الحزن والخوف عند البشر يتولّدان عادة من حبّ الدنيا، فمن الطبيعي أن لايصيب هؤلاء الذين نفضوا ايديهم وقلوبهم من حبها خوف، أوحزن.

كان هذا هوالبيان الإِستدلالي للمسألة، وقد يعرض هذا الموضوع أحياناً ببيان آخر يتحذ شكلا عرفانياً بهذه الصورة:

إِنّ أولياء الله غارقون في صفات جماله وجلاله، وذائبون في مشاهدة ذاته المقدسة إِلى الحد نسوا كل شيء غيره، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتماً إِلى تصور فقدان وخسارة شيء ما، أومواجهة عدو أو موجود خطر، فمن لم يجعل لغير الله مكاناً في قلبه ولا طريقاً الى فكره، ولا يقبل في روحه إِله غيره، كيف يمكن أن يغتم ويخاف ويستوحش؟

لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقيقة أيضاً، وهي أنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية، وإِلاّ فإِنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية .. الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية، فهما أساس تكامل وجود الإِنسان ورقيّه، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما أساس الإِنحطاط والتسافل.

يقول أميرالمؤمين(عليه السلام) في خطبته المعروفة مع همام، حيث يجسد فيها حالات أولياء الله في أرقى وصف: «قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة»، ثمّ يقول: «ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إِلى الثواب، وخوفاً من العقاب»(3).

ويقول القرآن المجيد ـ أيضاً ـ في شأن المؤمنين:{ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ }(الانبياء ،49). وبناء على ذلك فإِنّ لهؤلاء خوفاً آخر.

هناك بحث بين المفسّرين فيمن هم المقصودون من أولياء الله، إلاّ أنّ الآية الثّانية وضحت المطلب وأنهت النقاش، فهي تقول:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

الملفت للنظر أنّها ذكرت الإِيمان بصيغة الفعل الماضي المطلق، والتقوى بصيغة الماضي الإِستمراري، وهذا إِشارة إِلى أنّ إِيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال، إلاّ أن التقوى التي تنعكس في العمل اليومي، وتتطلب كل يوم وكل ساعة عملا جديداً، ولها صفة تدريجية، فإِنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمي ومسؤولية متواصلة.

نعم .. إِنّ الذين يرتكزون على هذين الركنين الأساسيين: الدين والشخصية، يحسون بدرجة من الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهم أية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفون أمامها كالجبل، كما وصفهم الحديث: «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف».(4)

وتوكّد الآية الثّالثة على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة:{ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } وعلى هذا فهم ليسوا خالين من الخوف والغم وحسب، بل إِنّ البشارة والفرحة والسرور بالنعم الكثيرة والمواهب الإِلهية الامحدودة في هذه الدنيا والآخرة من نصيبهم. (ينبغي الانتباه إِلى أن البشرى قد ذكرت مع ألف ولام الجنس بصورة مطلقة، فهي تشمل أنواع البشارات).

ثمّ تضيف من أجل التأكيد أيضاً:{لا تبديل لكلمات الله}بل هي ثابتة حقّة، وأن الله سبحانه سيفي بما وعد به أولياءه، و{ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.

________________

1- تفسير الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ،ج5،ص502-509.

2- لقد أرجع البعض ضمير (منه) إِلى الله، أي إِن الآيات التي تتلوها من الله، إلاّ أن الضمير يرجع إِلى الشأن أوالقرآن ظاهراً، كما قاله كثير من المفسّرين، أي الآيات التي تتلوها في كل عمل مهم، أوالآيات التي تتلوها من القرآن.

3- نهج البلاغة، خطبة 193 .

4- أصول الكافي ،ج2، ص241: وشرح أصول الكافي ، للمولى محمد صالح المازندراني ،ج9 ، ص181 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .