المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

جزم الفعل المضارع
22-10-2014
دعاء الاستغفار عقيب صلاة الفجر
19-4-2016
الحناء أو القطب Alcanna Lawsonia inermis, L. alba
30-8-2022
صلة الرحم في الإسلام
25-7-2016
العلاقة بين الحرارة والحركة عند الجلدكي (القرن 8هـ/14م)
2023-05-01
Electrical resonance
2024-03-13


مميزات الشعر في العصر العباسي الأول  
  
16093   02:53 صباحاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : جرجي زيدان
الكتاب أو المصدر : تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة : ج1، ص346-352
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر العباسي /

يختلف الشعر العربي في هذا العصر عنه في العصر الاموي مثل اختلاف العصرين في الأحوال السياسية والاجتماعية والادبية لان الشعر مرآة أخلاق الامة وآدابهم وسائر أحوالها، وخصائص الشعر في هذا العصر ترجع الى ما يأتي:

1- طريقة النظم

يشتمل الشعر على الخيال الشعري وهو المعنى، وعلى القالب الذي يسبك فيه ذلك المعنى وهو الكلام المقفى الموزون او النظم. وأهم ما يلاحظ في النظم ثلاثة أمور:

1)  طريقته وهي الخطة التي يجري عليها الشعراء في تنسيق المعاني.

2)  الاسلوب وهو العبارة التي يختارونها للتعبير.

3)  اللفظ.

ومن القواعد الأساسية في تاريخ الشعر ان يتبع في اسلوبه ولفظه وطريقته حال الأمة التي تقوله، فيتنوع شعرها بتنوع نظام اجتماعها وسائر احوالها. ولكن العرب ظلوا الى عهد غير بعيد يقلدون طريقة الجاهلين فيما ينظمونه، فيستهلون قصائدهم بذكر الرحيل والاطلال والإبل ومغيرها من خصائص.. حتى الألفاظ فانهم كثيرا ما يقلدونهم فيها، وفيها الوحشي الذي لا يلائم المدينة لأن وحشي الكلام لوحشي الناس.

والسبب في تمسكهم بالقديم رسوخ الاعتقاد بأفضلية آداب الجاهلية وشعراء الجاهلية، إذا كان اليها مرجعهم في صدر الإسلام لتحقيق الألفاظ والتراكيب. ثم عظم الأمويون مناقب الجاهلية وطباع البداوة لرغبتهم في تأييد العرب ودولة العرب، فرسخ في اذهان الناس ان مناقب الجاهلية أفضل ما يتبع. فلما تغلب العباسيون بأنصارهم الفرس وغلب العرب على امرهم وعلت كلمة الفرس، اخذ ذلك الاعتقاد في الزوال.

اما من حيث الاسلوب، فان الشعر الجاهلي عريق في البلاغة مع سلامته من الركاكة والعجمة. واما الخيال الشعري فيرى بعض العلماء ان العقل البشري سائر نحو الارتقاء في كل سبيل الا من حيث الخيال الشعري فانه لا يزال في مكانه .. هذا هوميروس لا يزال نابغة الشعراء وقد مر عليه نحو 3000 سنة والناس يتقدمون في كل شيء.

وانظر الى امرئ القيس والنابغة وزهير وغيرهم من الجاهليين، فانهم لا يزالون يعدون من نوابغ الشعراء الى الان. على ان الشعر العربي شانا خاصا من حيث الاسلوب، فان كلام الاسلاميين يعد على العموم أعلى طبقة من كلام الجاهليين في منثورهم ومنظومهم .. نعني الشعراء والخطباء والمترسلين في صدر الإسلام الى اوائل الدولة العباسية (1)، فضلا عن تأثير الأحوال الاجتماعية على الخيال الشعري ولا سيما في الانتقال من البداوة الى الحضارة، ومجاري الطبيعة كالقضاء المبرم لا يدفعها دافع. لكن تعظيم الأمويين للعرب جعل الجاهليين مثالا يقتدى بهم في الشعر .. فكان الادباء يتحاشون نقد ذلك الاعتقاد في الدولة الأموية. ومع ارتقاء الاسلوب واتساع الخيال ظلوا يقلدون طريقة الجاهليين في النظم.

فلما انتقل الأمر الى بني العباس، هان عليهم الاعتقاد واخذوا يفكرون في تقبيح تلك الطريقة. وأول من تجرأ على نقدها من الادباء ابن قتيبة في اواسط القرن الثالث للهجرة في كتابه الشعر والشعراء (2)، وسنعود الى ذلك في تاريخ نقد الشعر.

على ان الشعراء تنبهوا الى هذا الأمر في صدر الدولة العباسية، فاخذوا في انتقاد طريقة الجاهليين، ولم يجدوا من يأخذ بناصرهم لغلبة التقليد على طباعهم .. لكنهم حاولوا الخروج من تلك القيود على الأقل من العصر العباسي الأول، عصر حرية القول. وأصبح حديث الشعراء في مجلسهم انتقاد تلك الطريقة، وأقدم ما بلغنا من هذا القبيل اجتماع مطيع بن اياس بفتى من أهل الكوفة ففاوضه في ذلك، فقال:

لأحسن من بيد يحار بها القطا        ومن جبلي طي ووصفكما سلعا

تلاحظ عيني عاشقين كلاهما      له مقلة في وجه صاحبه ترعى (3)

وكان ذلك لسان حال أكثر الشعراء وان لم ينظموه. وممن جاهر به منهم أبو نواس ومن اقواله التي يستدل بها على انكاره طريقة القدماء قوله:

لا تبك ليلى ولا تطرب الى هند       واشرب على الورد من حمراء كالورد

ومن هذا القبيل قوله:

صفة الطلول بلاغة القدم    فاجعل صفاتك لابنة الكرم (4)

ولما سجنه الخليفة على اشهاره بالخمر، واخذ عليه المواثيق الا يذكرها في شعره، وكأنه كلفه الرجوع عنها الى النظم على طريقة الجاهليين، قال:

أعِر شعرك الاطلال والمنزل الفقرا     فقد طالما ازرى به نعتك الخمرا

دعاني الى نعت الطلول مسلط      تضيق ذراعي ان أرد له امرا

فسمعا أمير المؤمنين وطاعة     وان كنت قد جشمتني مركبا وعرا

فجاهر بان وصفه الاطلال والقفر انما هو من خشية الامام، والا فهو عنده فراغ وجهل. واقتدى به أبو العتاهية ومن جاء بعده، ولكن بين الشعراء من يقلد الجاهليين حتى الآن.

وأثر في اسلوب الشعر ومعناه في هذا العصر ما نقل الى العربية او حفظ فيها من آداب الفرس وأخبارهم، فاكتسب الشعر العربي خيالا لطيفة وزادت فيه معان جديدة، على نحو ما كان من تأثير آداب اليونان القدماء في أخلاق الرومان. ويشبه ذلك تأثير التمدن الحديث في آدابنا ومجاري افكارنا.

2-                               المعاني الجديدة باتساع الخيال

كان الاعتقاد في شعراء الجاهلية انهم لم يتكروا معنى من معاني الشعر لم يطرقوه. والواقع انهم طرقوا أكثر المعاني التي تخطر لابن البادية، ولكن الحضارة لها معان خاصة، او هي توسع الخيال وتفتق القرائح لانتشار الناس في الارض. فاذا تأملت ما في اشعار الصدر الأول الاسلاميين من الزيادات على معاني القدماء والمخضرمين، ثم ما في طبقة جرير والفرزدق واصحابها من التوليدات والابداعات العجيبة التي لا يقع مثلها للقدماء الا نادرا، ثم قرأت بشار بن برد وابا نواس واصحابه لترى ما زادوه من المعاني وما زاده الذين جاءوا بعدهم .. علمت ان الشعر سار على سنة الارتقاء مثل سائر أحوال الحياة. ومن امثله المعاني حدثت في العصر العباسي الأول قول بشار بن برد الاعمى:

يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة      والاذن تعشق قبل العين أحياناً(5)

قالوا بمن لا ترى تهذي فقت لهم      الاذن كالعين توفي القلب ما كانا

وقول أبي نواس:

فكاني وما أزين منها    قعدي يزين التحكيما

كل عن حمله السلاح الى الحرب فأوصى المطيق الا يقيما

والقعدة فرقة من الخوارج الذين كانوا يروون تكفير علي لقبولهم التحكيم، وقوله ايضاً:

بنيت على كسرى سماء مدامة             مكللة حافاتها بنجوم

فلو رد على كسرى بن ساسان روحه     إذا لاصطفاني دون كل نديم

وقال أيضاً في صفة النساء الخمارات ويروي لابن المعتز:

وتحت زنانير شددن عقودها    زنانير اعكان معاقدها السرر

فهذا تشبيه لم يسبق إليه، وقال أيضاً:

لست أدري اطال ليلى ام لا      كيف يدري بذاك من يتقلى

لو تفرغت لاستطالة ليلى      ولرعي النجوم كنت مخلا

ومما زاد من المعاني في هذا العصر قول أبي تمام:

وإذا أراد الله نشر فضيلة   طويت اتاح لها سان حسود

لولا اشتعال النار فيما حاورت       ما كان يعرف طيب عرف العود

وقوله:

بني مالك قد نبهت خامل الثرى      قبور لكم مستشرفات المعالم

غوامض قيد الكف من متناول    وفيها علا لا يرتقى بالسلالم

غير ما اخذوه من المعاني القديمة او توسعوا فيه، ولا سيما النسيب والغزل.

3-                               المعاني الجديدة بالاقتباس

تلك معان شعرية إقتضاها توسع الخيال بالحضارة. وهناك معان حدثت بدخول العلوم القديمة الى اللغة العربية، فاستعار الخطباء والكتاب والشعراء تعابير فلسفية فيها الفاظ علمية قد تقدم ذكر امثله منها كالتناهي والتوليد والتجزء والمعاد. ومنها قول أبي نواس:

وذات خد مورد      قوهية المتجرد

تأمل العين منها     محاسنا ليس تنفد

فبعضها قد تناهى   وبعضها يتولد

والحسن في كل عضو     منها معاد مردد

وقوله:

يا عاقد القلب مني   هلا تذكرت حلا

تركت قلبي قليلا   من القليل أقلا

يكاد لا يتجزأ     أقل في اللفظ من لا(6)

واستعان آخرون معاني من اخبار اليونان كاقتباس أبي العتاهية ما قاله بعض حكماء اليونان في تأبين الاسكندر ونظمه في رثاء ابن له، وهو:

كفى حزنا بدفنك ثم إني     نفضت تراب قبرك من يديا

وكانت في حياتك لي عظات     فانت اليوم أوعظ منك حيا

ومن المعاني التي دخلت الشعر في هذا العصر أقوال بعض الائمة ورجال الأفكار، اقتبسها الشعراء، ونظموها كما نظم بشار الحكمة القائلة: (انظر ما ينفك ودع كلام الناس، اذ لا سبيل الى النجاة من كلام الناس).

فقال:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته   وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ

وحضارة العباسيين أكثر عمالها من الفرس، فدخل اللغة طائفة من المعاني الفارسية فضلا عن الألفاظ .. حتى لقد يقتبس الشعراء عبارات فارسية يدخلونها في اشعارهم كقول العماني من قصيدة مدح بها الرشيد:

من يلقه من بطل مسر ندي    في زعفة محكمة بالسرد

تجول بين رأسه والكرد

والكرد العنق. وقوله:

لما هوى بين غياض الاسد       وصار في كف الهزبر الورد

آلى يذوق الدهر آب سرد

واقتبسوا أيضاً الفاظا سريانية من لغة نبط العراق، كقول إبراهيم الموصلي المغني في وصف خمار نبطي .. وكأنه ينقل كلامه بالحفظ اذ يقول:

فقال (أزل بشينا) حيث ودعني   وقد لعمرك زلنا عنه بالشين

ومن المعاني الجديدة وصف ما استحدث من ثمار تلك المدينة من أسماء الانية والابنية والقصور والرياش وسائر أسباب الحضارة، ولا سيما الغلمان والخمر كما سيجيء.

4-                               المبالغة في المدح

لم يخل الشعر من المدح في عصر من العصور، لكنه كان في الجاهلية أقرب الى الواقع وابعد عن المبالغة، ثم اخذ يزداد مبالغة بازدياد الحضارة والركون الى الرخاء واضطرار الشعراء الى التزلف والتملق، ولا سيما بعد الاختلاط بالفرس. فبعد ان كان زهير بن أبي سلمى يقول في مدح كريم حازم:

تراه إذا ما جئته مهللا     كأنك تعطيه الذي أنت سائله

صار منصور النمري يقول في الرشيد:

ان المكارم والمعروف أودية     أحلك الله منها حيث تجتمع

إذا رفعت امرءا فالله رافعه     ومن وضعت من الاقوام متضع

من لم يكن بأمين الله معتصما    فليس بالصلوات الخمس ينتفع

ان أخلف الغيث لم تخلف انامله     او ضاق امر ذكرناه فيتسع

وقول رجل من ولد زهير بن أبي سلمى في مدحه: (فكأنه بعد الرسول رسول). وقول العكوك في مدح أبي دلف:

أنت الذي تنزل الايام منزلها      وتنقل الدهر من حال الى حال

وما مددت مدى طرف الى أحد      الا قضيت بأرزاق وآجال

على ان المبالغة زادت بعد هذا العصر من كل وجه بزيادة أسباب الزلفى والانغماس في الرخاء كما ستراه.

5-                               وصف الخمر والغلمان

ذكرنا من مميزات الشعر في الصعر الاموي ان الشعراء وصفوا الخمر على أثر انغماسهم في المسكر والقصف. ولكن وصفها لم يكثر الا في العصر العباسي الأول الذي نحن بصدده. وأشهر من نظم في وصفها من شعرائه أبو نواس، فان له في ذلك بضعة آلاف بيت في مئات من القصائد والمقاطيع تجدها في ديوانه. ولذلك عدوا ابا نواس امام الوصافين للخمر.

اما الغلماء فقد تقدمت الاشارة الى تعشقهم في هذا العصر، ولم يبق شاعر من شعرائه المقيمين في بغداد لم يشتهر بغلام يعشقه ويتغزل به. وأقدم من فعل ذلك منهم حماد عجرد ثم حسين بن الضحاك، واقتدى به أبو نواس، وكان معاصرا له، كما اقتدى به في وصف الخمر لكنه فاقه في كليهما. وقد زادهما تمكنا من هذه الرذيلة تقربهما من محمد الامين، وهو كثير الاقتناء للغلمان فكانوا فتنة لشعرائه. ولحسين المذكور أقوال كثيرة في وصف الغلمان نشرها صاحب الأغاني في ترجمته.

اما أبو نواس ففي ديوانه باب خاص بوصف الغلمان يسمونه (غزل المذكر) فيه نحو ألف بيت اكتفينا بالإشارة اليها تنزيها للقارئ عن مطالعتها. وقد أغضينا لذلك عن حوادث كثيرة تتعلق بغزل المذكر تدل على ما بلغ إليه القوم من المجون. وسيد هذه الرذائل المسكر، وعلة انتشارها تساهل بعض الفقهاء بتحليل شرب النبيذ لأنه غير الخمر الوارد النهي عنها. لكنه قد يسكر او يتحول إذا طال مكثه الى خمر مسكرة.

كما يحللون بعض الالعاب اليوم لأنها غير مبنية على المصادفة فقط فلا تعد من ألعاب القمار. ولكنهم قد يقامرون بها او هي تجرهم الى المقامرة الفاحشة. وأصبح التغزل بالغلمان بعد هذا العصر بابا من أبواب الشعر.

6-                               الشعر المجوني:

ان استبحار عمران الدولة بعث كبراءها على الاستكثار من أسباب اللهو، ولاسيما الخمور والجواري والغلمان مع ميلهم الى سماع الادب والشعر .. فتولدت طبقة من الشعراء أكثروا من المجون في منظومهم وعرفوا بالشعراء المجان وامامهم أبو نواس. وقد تهتكوا في مجونهم وتفننوا فيه وهم يمثلون الآداب الاجتماعية في تلك الطبقة من الناس في ذلك العصر، والشعراء عنوان آداب الامة او مثال يدل عليها.

7-                               وصف الرياض والازهار

توسعوا في هذا العصر في وصف الرياض والازهار .. ومن وصافها أبو نواس، كقوله:

يوم تقاصر واستبث نعيمه   في ظل ملتف الحدائق اخضرا

وإذا الرياح تنسمت في روضة    نثرت به مكسا عليك وعنبرا

ولم يخل الشعر الجاهلي والأموي من وصفها، ولا سيما في أقوال الشعراء الذين خالطوا الحضارة ورأوا بساتين الحيرة او غوطة الشام او غيرها من مدن العراق او الشام كأعشى بكر القائل:

ما روضة من رياض الحزن معشبة     خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس فيها كوكب شرق     مؤزر بعميم النبت مكتهل

يوماً بأطيب منها نشر رائحة     ولا بأحسن منها اذ دنا الاصل

على ان أهل هذا العصر فاقوهم فيه كأبي نواس وابي تمام، وفاقها فيه أهل العصور التالية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  ابن خلدون ج1  

(2) الشعر والشعراء

(3) الأغاني ج12 

(4) العمدة ج1

(5) العمدة ج2

(6)البيان والتبيين ج1

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.