أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2015
8931
التاريخ: 8-10-2015
20498
التاريخ: 17-9-2019
2232
التاريخ: 2024-09-16
309
|
ومما سقناه من النماذج، نرى أن النثر الجاهلي شمل عدة نواح في الحياة الجاهلية، فطرق جميع المسائل التي تهم الإنسان في حياته واستخدم وسيلة فعالة في التأثير على النفوس، وفعلا كان -وما زال-له أثر كبير لا يقل عن أثر الشعر النفسي فهو بذلك نثر أدبي. ومن الفنون الجميلة الرفيعة.
كما أنه صور كثيرًا من المشاعر الإنسانية، فجاء في أغراض مختلفة وبخاصة ما كان منه في الخطابة والحكم والوصايا وتبعًا لذلك جاء في صور متعددة. وأساليب متباينة. طبقًا للنواحي التي يعالجها.
وفي النماذج النثرية التي سقناها للجاهليين، تجد منها ما هو طويل، ومنها ما هو قصير. ويتجلى القصر بشكل ظاهر في الحكم والأمثال. وتتراوح الخطب والوصايا بين الطول والقصر، ومن عادتهم في الخطب في الزواج يقول الجاحظ: إن الخاطب كان يطيل، ويقصر المجيب(1) ويقول عن خطابتهم بوجه عام: "اعلم أن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين: منها الطوال، ومنها القصار. ولكل ذلك مكان يليق به، وموضع يحسن فيه. ومن الطوال ما يكون مستويًا في الجودة، ومتشاكلًا في استواء الصنعة ومنها ذوات الفقر الحسان. والنتف الجياد. ووجدنا عدد القصار أكثر، ورواة العلم إلى حفظها أسرع"(2).
وفي النثر الجاهلي تتجلى العصبية القبيلة. في الفخر بالأحساب والأنساب في المفاخرات والمنافرات، ويظهر الحب والمودة والرغبة في الخير لأفراد الأسرة أو العشيرة الواحدة في النصائح والوصايا. ولئن شاع عنهم الغضب وسرعة التهور والحمق والسفه، فإننا نرى من خلال هذه النماذج أنه كان فيهم ميل للصلح وحب للخير كهذا الذي نراه في كثير من تصرفات الحكام في المفاخرات والمنافرات وفي مساعي الصلح بين الأعداء والمتخاصمين لفض النزاع بالطرق السلمية.
وربما تكون القصص والأخبار التي تحكي عن حوادث معينة لم تحتفظ بنفس ألفاظ النص الجاهلي وعباراته فاعتراها التغيير من جانب الرواة والقصاصين لكن لا شك أن الأحداث التي فيها، لها أصل تاريخي. أما الحكم والأمثال المنسوبة إلى الجاهليين، فهي في الغالب صحيحة في نسبتها إليهم، خصوصًا ما جاء عن راوية موثوق به كالمفضل الضبي؛ ذلك لأن الحكم والأمثال -على العموم-سرعان ما تعلق بالذهن، وتظل بالذاكرة مدة طويلة وبخاصة إذا أتيحت لها الفرص لإعادتها وتكرارها؛ ثم إنها دونت في عهد مبكر، منذ القرن الأول، فقد كتب فيها عبيد بن شرية كتابًا. وإن كان هذا الكتاب قد فقد، فغلب على الظن أن من كتب فيها من بعده قد انتفع بكتابه هذا. على أن النصوص الدخيلة يغلب على الظن أن تكون تقليدًا مطابقًا للأصل بحيث نستطيع أن نتبين منها خصائص النثر في العصر الجاهلي.
والقصص الخرافية والأمثال الفرضية لا شك أنها كانت ترمي إلى تصوير حالات وتصرفات إنسانية ولم يرض مؤلفوها أن يكتبوا عن هذه الحالات أو التصرفات بالتصريح والتعيين، فاخترعوا هذه القصص مكتفين للوصول إلى أغراضهم بالتلميح والإشارة من طرف خفي. ولا ريب أنها كانت ترمي كذلك إلى الناحية التهذيبية والتوجيه إلى الخير والنفع وبخاصة ما كان منها حكمًا وأمثالًا. ولا ريب أن تأليفها يدل على الذكاء، وقوة الملاحظة، وخصوبة الخيال لدى مؤلفيها. وفي النثر الجاهلي ألفاظ وعبارات قد تبدو لنا غريبة. ولكن ذلك ليس لغرابتها في الأصل؛ ولكن لعدم استعمالنا لها، وفي بعض القطع النثرية تبدو السهولة في التعبير والمعنى بشكل واضح، ولا يجوز أن تكون هذه السهولة وحدها سببًا في الطعن في أصالة هذه النصوص، فليست السهولة متعارضة مع الأصالة الجاهلية، فكثير من النصوص الجاهلية شعرية ونثرية، سهلة الأسلوب، وهي مقطوع بصحتها وأصالتها، وفي القرآن الكريم يتجلى الأسلوب السهل الواضح في كثير من آياته، بل في كل سورة من سوره بأكملها.
وواضح جدا أن أصحاب النثر الجاهلي كانوا يعنون عناية ظاهرة بالألفاظ والعبارات فكانوا -على ما يبدو-يختارون ويدققون في الاختيار، ويظهر ذلك في القوة والجزالة، والتنغيم الموسيقي الذي نراه في الجمل النثرية على اختلاف الأشكال والأساليب ففي جميع أنواع النثر الجاهلي نجد الرصانة والانسجام التام بين الكلمات والعبارات بعضها وبعض، كما تظهر الناحية الموسيقية ظهورًا تامًّا في كل جملة، حتى إن الجملة قد تصلح أن تكون شطر بيت من الشعر لما فيها من النغمات الموسيقية المنتظمة، وبخاصة في الحكم والأمثال، مثل: "وتحت الرغوة اللبن الصريح"، فهي شطر من الوافر.
وجاء في النثر الجاهلي نثر مرسل، ونثر مسجع، ويغلب النثر المرسل في خطب الصلح والمعاهدات، وأما النثر المسجع ففي المفاخرات والمنافرات وفي نثر الكهان، بل إنه التزم في هذا الأخير التزامًا فكان الكهان لا يقولون إلا سجعًا ولذلك أطلق على نثرهم "سجع الكهان" ويظهر أن الجاهليين كانوا يعجبون بالنثر المسجع، حتى إنه كان يجيء أحيانا في الجملة الواحدة، مثل "إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد" و "ليس من العدل سرعة العذل" و "رب قول أنفذ من صول" ولكنه على العموم كان سجعًا لطيفًا وجميلًا في موقعه مما يوحي بأنه طبيعي لا أثر للصنعة فيه، إلا في سجع الكهان، فالتكلف واضح فيه.
ويغلب في النثر الجاهلي الميل إلى الجمل القصيرة وبخاصة في الحكم والأمثال حتى إن الجملة قد تجيء مكونة من لفظتين فقط مثل "حر انتصف" وسميعاً دعوت".
كما كان يتخلل نثرهم، وبخاصة الخطابة، أبيات شعرية، فتضفي على الكلام جمالًا، وروعة.
وفي النثر الجاهلي الوضوح والصراحة بحيث لا يحتاج إلى كد الذهن أو التعمق في الخيال، وليس هناك غموض إلا في سجع الكهان، وقد ذكرنا آنفًا أن الكهان كانوا يتعمدون الإبهام في سجعهم، فكانوا يقصدون إليه قصدًا.
وقد ورد في النثر بعض المحسنات البلاغية كالتشبيهات والاستعارات، والجناس؛ كما في "العدل" و"العذل" في "ليس من العدل سرعة العذل"؛ وكما في "قول" و"صول" في "رب قول أنفذ من صول".
ومن هذا كله يتبين أن النثر الجاهلي يمكن أن نعتمد عليه في تصوير الحياة واللغة العربية في العصر الجاهلي تصويرًا صادقًا، ومن أنواعه المختلفة يتضح أنه كان متنوع الأغراض متعدد الاتجاهات. وهو يدل دلالة واضحة على قوة الملاحظة، ودقة الإحساس، ورقة الشعور لدى أصحابه، ويتجلى فيه ذوقهم الفني بما تحقق لهم فيه من حسن التعبير وجمال التصوير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البيان والتبيين جـ1 ص116.
(2) البيان والتبيين جـ2 ص7.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|