المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

Rule 222
28-8-2021
الإعجاز لغة واصطلاحا
4-1-2016
عدم جواز المسح على الخفّين إلّا للضرورة أو التقية.
23-1-2016
الأعراض
1-07-2015
عوامل انهيار الأسرة
19-7-2022
نبات الفصة
6-3-2016


تفسير آية (168-171) من سورة الأعراف  
  
2820   11:40 صباحاً   التاريخ: 29-7-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : قَطَّعْناهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ ومِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنى ويَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف : 168 - 171] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وقَطَّعْناهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ ومِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف : 168] .

{وقطعناهم في الأرض أمما} معناه وفرقناهم في البلاد فرقا مختلفة ، وجماعات شتى ، يعني اليهود ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وإنما فرقهم بأن فرق دواعيهم حتى افترقوا في البلاد ، وتفرقهم ذل لهم بمنزلة أخذ الجزية ، لأنهم لا يتعاونون ، ولا يتناصرون . وقيل : إنه فرقهم لما علم سبحانه من الصلاح لهم في دينهم ، فصلح فريق ، وعصى فريق ، ثم أخبر سبحانه عنهم فقال {منهم الصالحون} أي : من هؤلاء الصالحون يعني من بني إسرائيل ، وهم الذين يؤمنون بالله ورسله ، ويطيعونه {ومنهم دون ذلك} أي : دون الصالح في الدرجة والمنزلة ، وهم الذين امتثلوا بعض الأوامر دون بعض ، وعملوا بعض المعاصي ، وإنما وصفهم بما كانوا عليه قبل ارتدادهم وكفرهم ، وذلك قبل أن يبعث فيهم عيسى عليه السلام . وقيل معناه : منهم المؤمنون بمحمد وعيسى عليهما السلام ، ومنهم الكافرون ، عن عطاء ، ومجاهد {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} معناه : اختبرناهم بالرخاء في العيش ، والخفض في الدنيا ، والدعة والسعة في الرزق ، وبالشدائد في العيش ، والمصائب في الأنفس والأموال ، فكأنه قال : بلوناهم بالنعم والنقم ، والرخاء والشدة ، فإن فعل النعم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في ارتباطها ، وفعل النقم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في كشفها {لعلهم يرجعون} أي : لكي يرجعوا إلى الله تعالى ، وينيبوا إلى طاعته ، وامتثال أمره ، ومتى قيل : كيف يصح الرجوع إلى أمر لم يكونوا عليه قط ؟ فالقول فيه : إن الذاهب عن الشئ قد يقال له إرجع إليه ، أي : صر إليه ، كما أن من رأى غيره سالكا في المهالك ، قد يقول له : إرجع إلى الطريق المستقيم ، يريد به اخراجه عن المهالك . وقيل : إن معناه لعلهم يرجعون إلى ما عليه أصل الفطرة .

- { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنى ويَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } [الأعراف : 169 - 170] .

ثم ذكر سبحانه الأخلاف بعد ذكر الأسلاف ، فقال : {فخلف من بعدهم خلف} معناه : فذهب أولئك ، وقام مقامهم قوم آخرون ، {ورثوا الكتاب} ، يعني التوراة ، فإن الميراث ما صار للباقي من جهة البادي . {يأخذون عرض هذا الأدنى} معناه ما أشرف لهم من الدنيا أخذوه ، عن ابن عباس . يقال : الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، وجميع متاع الدنيا عرض . وقيل : إنهم كانوا يرتشون ويحكمون بجور . وقيل : إنهم كانوا يرتشون ويحكمون بحق ، وكل ذلك عرض خسيس ، وأراد بقوله ، {هذا الأدنى} : هذا العاجل . وقيل : أراد عرض هذا العالم الأدنى ، وهو الدار الفانية {ويقولون سيغفر لنا} وهذا إخبار عن حرصهم على الدنيا ، وإصرارهم على الذنوب ، إذا أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه ، حلالا كان أو حراما ، ويتمنون على الله المغفرة .

{وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} أي : وإن وجدوا من الغد مثله أخذوه ، وهذا دليل على إصرارهم ، وأنهم تمنوا المغفرة مع الإصرار . وقيل معناه : وإن جاءهم حرام من الرشوة ، وغيرها بعد ذلك ، أخذوه واستحلوه ، ولم يرتدعوا عنه ، عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد . وقيل معناه : لا يشبعهم شيء عن الحسن {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق} معناه : ألم يؤخذ على هؤلاء المرتشين في الأحكام ، القائلين سيغفر لنا إذا عوتبوا على ذلك الميثاق في التوراة ، أن لا يكذبوا على الله تعالى ، ولا يضيفوا إليه إلا ما أنزله على رسوله موسى عليه السلام في التوراة من الوعد ، والوعيد ، وغير ذلك ، وليس فيها ميعاد المغفرة مع الإصرار {ودرسوا ما فيه} أي : وقرأوا ما فيه فهم ذاكرون لذلك . وقيل : إنه معطوف على قوله {ورثوا الكتاب} والمعنى : فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، ودرسوا ما فيه ، فضيعوه ، وتركوا العمل به . {والدار الآخرة خير للذين يتقون} معناه : ما أعده الله لأوليائه في الدار الآخرة من النعيم والثواب ، للعاملين بطاعته ، خير للذين يجتنبون معاصي الله {أفلا تعقلون} من قرأ بالياء ، فمعناه : أفلا يعقل هذه الطائفة .

ومن قرأ بالتاء فمعناه : قل لهم أفلا تعقلون أن الأمر على ما أخبر الله به {والذين يمسكون بالكتاب} أي : يتمسكون به . والكتاب : التوراة ، أي : لا يحرفونه ، ولا يكتمونه ، عن مجاهد ، وابن زيد . وقيل : الكتاب القرآن ، والمتمسك به أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، عن عطا {وأقاموا الصلاة} : إنما خص الصلاة بالذكر لجلالة موقعها ، أو شدة تأكدها {إنا لا نضيع أجر المصلحين} أي : لا نضيع جزاء عملهم ، ونثيبهم على ما يستحقونه .

- { وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف : 171] .

عاد الكلام إلى قوم موسى عليه السلام فقال سبحانه : {وإذ نتقنا الجبل فوقهم} معناه : واذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل من أصله فرفعناه فوق بني إسرائيل ، وكان عسكر موسى عليه السلام فرسخا في فرسخ ، فرفع الله الجبل فوق جميعهم {كأنه ظلة} أي : غمامة . وقيل : سقيفة ، عن عطا {وظنوا أنه واقع بهم} أي : علموا وأيقنوا عن الحسن . وقيل معناه : على ظاهره من الظن أي : قوي في نفوسهم ذلك ، عن الرماني ، والجبائي {خذوا} أي : وقلنا لهم خذوا {ما آتيناكم بقوة} أي : خذوا ما ألزمناكم من أحكام كتابنا وفرائضه ، فاقبلوه بجد واجتهاد منكم ، في كل أوان ، من غير تقصير ، ولا توان {واذكروا ما فيه} من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه {لعلكم تتقون} أي : لكي تتقوا ربكم ، وتخافوا عقابه . وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة البقرة مشروحا .

_________________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 385-389 .

تفسير الكاشف
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

{وقَطَّعْناهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً} . فرّق اللَّه بني إسرائيل في الأرض فرقا وجماعات شتى لا وطن يجمعهم ولا دولة تحفظهم ، وحاولت الصهيونية أن تقيم لهم دولة من النيل إلى الفرات بالقرصنة والاغتيال ، وخيل إليها ان العدوان الإسرائيلي يحقق لها ما تريد ذاهلة ان إسرائيل تقوم على الألغام ، وان الأمر يحدث بعده الأمر ، وان مصائر الخلق بيد اللَّه وحده لا بيد الصهيونية والاستعمار .

{مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ ومِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ} . الطاهر ان المراد بالصلاح هنا الايمان .

وان المراد بدون ذلك غير المؤمنين ، وتقدم نظيره الآية 159 من هذه السورة {وبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} المراد بالحسنات الصحة والرخاء ، والسيئات ضدهما ، والغرض من تقلبهم بين النعماء والضراء أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى بارئهم .

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنى ويَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} . المراد بعرض هذا الأدنى المال الحرام كالربا والرشا . بعد أن ذكر سبحانه انه كان على عهد موسى (عليه السلام) جماعة من بني إسرائيل صالحون ، ومنهم دون هؤلاء قال : لقد ترك هؤلاء وأولئك نسلا عرفوا حلال التوراة وحرامها ، ولكنهم كانوا يحرمون ما أحل اللَّه ، ويحللون ما حرم ، ويقولون : سيغفر اللَّه لنا ، ولا يؤاخذنا على شيء ، لأننا أبناؤه وأحباؤه وشعبه المختار .

وتسأل : لما ذا قال سبحانه : {وإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} بعد أن قال : {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنى} مع ان القولين في معنى واحد ؟ فما هو الغرض من هذا التكرار في آية واحدة ؟ .

الجواب : الغرض الرد عليهم بأنهم يصرون على كبائر الذنوب ، ويعودون إليها مرات ومرات غير مكترثين ولا مستغفرين ، ومع هذا يقولون : {سَيُغْفَرُ لَنا} ؟ . . ان الإصرار على الصغائر معصية كبرى ، فكيف بالإصرار على الكبائر ؟ .

{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ} .

هذا رد ثان عليهم ، ووجه الرد انهم يزعمون الإيمان باللَّه وبالتوراة ، وقد درسوها وفهمّوا كل ما فيها ، ومما جاء في التوراة ان اللَّه يغفر لمن تاب وأقلع عن المعصية ، أما من أصر عليها فهو من الهالكين ، وأيضا قد أخذت التوراة عهدا وميثاقا على كل من آمن باللَّه وبها أن لا يفتري على اللَّه الكذب ، والعصاة على علم من هذه الحقيقة ، ومع هذا يصرون على كبائر الذنوب قائلين : سيغفر اللَّه لنا . . وهذا نقض للعهد والميثاق ، وكذب على اللَّه وافتراء : وقد خاب من افترى {والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ولا يتهافتون على عرض هذا الأدنى ، ولا يقولون كذبا وافتراء : سيغفر اللَّه لنا {أَفَلا تَعْقِلُونَ} وكيف يعقل من أعشت الشهوات عقله ، وأمرضت الأهواء قلبه ؟ .

{والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} .

الذين يمسّكون بالكتاب هم الذين يعملون به ، ويمسّك أبلغ من يعمل لأنه يشعر بالجد والعزم الثابت على العمل ، وعطف أقاموا الصلاة على يمسكون من باب عطف الخاص على العام ، لسر في الخاص أوجب النص عليه بالذات ، والآية تعريض باليهود الذين آمنوا بالتوراة ، ولم يعملوا بأحكامها ، وأيضا هي تعريض بكل من انتسب إلى دين وتهاون في أحكامه ، بخاصة الصلاة التي هي عمود الدين . .

ولكنها عند أبناء هذا الجيل تأتي على الهامش لأن الدين كذلك عندهم .

{وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . رفع اللَّه الطور فوق بني إسرائيل كأنه سقف أو غمامة تظللهم ، وأمرهم في ظل هذه المعجزة ، وهذا التخويف ان يتقوا اللَّه . .

ولكن إسرائيل هي إسرائيل . . وتقدم نظيره في سورة البقرة الآية 63 ج 1 ص 119 .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 415-417 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : ﴿وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون﴾ إلى آخر الآية .

قال : في المجمع ، دون في موضع الرفع بالابتداء ، ولكنه جاء منصوبا لتمكنه في الظرفية ، ومثله على قول أبي الحسن ﴿لقد تقطع بينكم﴾ هو في موضع الرفع فجاء منصوبا لهذا المعنى ، وكذلك في قوله : ﴿يوم القيامة يفصل بينكم﴾ بين في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل ، وإن شئت كان التقدير : ومنهم جماعة دون ذلك فحذف الموصوف وقامت صفته مقامه .

والمراد بالحسنات والسيئات نعماء الدنيا وضرائها والباقي ظاهر .

قوله تعالى : ﴿فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب﴾ إلى آخر الآية ، العرض ما لا ثبات له ، ومنه قوله تعالى :﴿عرض الحياة الدنيا﴾ النساء : 94 أي ما لا ثبات له من شئونها ، والمراد بعرض هذا الأدنى عرض هذه الحياة الدنيا والدار العاجلة غير أنه أشير إليها بلفظ التذكير لأخذها شيئا ليس له من الخصوصيات إلا أن يشار إليه تجاهلا بخصوصياتها تحقيرا لشأنها كأنها لا يخص بنعت من النعوت يرغب فيها ، وقد تقدم نظيره في قول إبراهيم (عليه السلام) على ما حكاه الله .

﴿هذا ربي هذا أكبر﴾ الأنعام : 78 يريد الشمس .

وقوله : ﴿ويقولون سيغفر لنا﴾ قول جزافي لهم قالوه ، ولا معول لهم فيه إلا الاغترار بشعبهم الذي سموه شعب الله كما سموا أنفسهم أبناء الله وأحباءه ، ولم يقولوا ذلك لوعد النفس بالتوبة لأن ذلك قيد لا يدل عليه الكلام ، ولا أنهم قالوا ذلك رجاء للمغفرة الإلهية فإن للرجاء آثارا لا تلائم هذه المشيئة إذ رجاء الخير لا ينفك عن خوف الشر الذي يقابله وكما أن الرجاء يستدعي شيئا من ثبات النفس وطيبها كذلك الخوف يوجب قلق النفس واضطرابها ومساءتها فآية الرجاء الصادق توسط النفس بين سكون واضطراب ، وجذب ودفع ، ومسرة ومساءة ، وأما من توغل في شهوات نفسه وانغمر في لذائذ الدنيا من غير أن يتذكر بعقوبة ما يجنيه ويقترفه ثم إذا ردعه رادع من نفسه أو غيره بما أوعد الله الظالمين ، وذكره شيئا من سوء عاقبة المجرمين قال : إن الله غفور رحيم يتخلص به من اللوم ، ويخلص به إلى صافي لذائذه الدنية فليس ما يتظاهر به رجاء صادقا بل أمنية نفسانية كاذبة ، وتسويل شيطاني موبق فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .

وقوله : ﴿وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه﴾ أي لم يقنعوا بما أخذوه من العرض بمرة حتى يكون تركهم ذلك ورجوعهم إلى اتقاء محارم الله نحوا من التوبة ، وقولهم : ﴿سيغفر لنا﴾ نوعا من الرجاء يتلبس به التائبون بل كلما وجدوا شيئا من عرض الدنيا أخذوه من غير أن يراقبوا الله تعالى فيه فالجملة أعني قوله : ﴿وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه﴾ في معنى قوله تعالى في وصفهم في موضع آخر : ﴿كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه﴾ المائدة : 79 .

وقوله : ﴿ودرسوا ما فيه﴾ كان الواو للحال ، والجملة حال عن ضمير ﴿عليهم﴾ وقيل الجملة معطوفة على قوله : ﴿ورثوا الكتاب﴾ في صدر الآية ، ولا يخلو من بعد .

والمعنى : ﴿فخلف من بعدهم﴾ أي من بعد هؤلاء الأسلاف من بني إسرائيل وحالهم في تقوى الله واجتناب محارمه ما وصف ﴿خلف ورثوا الكتاب﴾ وتحملوا ما فيه من المعارف والأحكام والمواعظ والعبر ، وكان لازمه أن يتقوا ويختاروا الدار الآخرة ، ويتركوا أعراض الدنيا الفانية الصارفة عما عند الله من الثواب الدائم ﴿يأخذون عرض هذا الأدنى﴾ وينكبون على اللذائذ الفانية العاجلة ، ولا يبالون بالمعصية وإن كثرت ﴿ويقولون سيغفر لنا﴾ قولا بغير الحق ولا يرجعون عن المعصية بالمرة والمرتين بل هم على قصد العود إليها كلما أمكن ﴿وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه﴾ ولا يتناهون عما اقترفوه من المعصية .

﴿ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب﴾ وهو الميثاق المأخوذ عليهم عند حملهم إياه ﴿أن لا يقولوا على الله إلا الحق﴾ والحال أنهم درسوا ما فيه ، وعلموا بذلك أن قولهم : ﴿سيغفر لنا﴾ قول بغير الحق ليس لهم أن يتفوهوا به ، وهو يجرئهم على معاصي الله وهدم أركان دينه .

﴿و﴾ الحال أن ﴿الدار الآخرة خير للذين يتقون﴾ لدوام ثوابها وأمنها من كل مكروه ﴿أفلا تعقلون﴾ .

قوله تعالى : ﴿والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين﴾ قال في المجمع ، أمسك ومسك وتمسك واستمسك بالشيء بمعنى واحد أي اعتصم به .

وتخصيص إقامة الصلاة بالذكر من بين سائر أجزاء الدين لشرفها وكونها ركنا من الدين يحفظ بها ذكر الله والخضوع إلى مقامه الذي هو بمنزلة الروح الحية في هيكل الشرائع الدينية .

والآية تعد التمسك بالكتاب إصلاحا والإصلاح يقابل الإفساد وهو الإفساد في الأرض أو إفساد المجتمع البشري فيها ، ولا تفسد الأرض ولا المجتمع البشري إلا بإفساد طريقة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والدين الذي يشتمل عليه الكتاب الإلهي النازل في عصر من الأعصار هو المتضمن لطرق الفطرة بحسب ما يستدعيه استعداد أهله فإن الله سبحانه يذكر في كلامه أن الدين القيم الذي يقوم بحوائج الحياة هي الفطرة التي فطر الناس عليها ، والخلقة التي لا حقيقة لهم وراءها قال : ﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ الروم : 30 ثم قال : ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ آل عمران : 19 والإسلام هو التسليم لله سبحانه في سنته الجارية في تكوينه المبتنية عليها تشريعه .

فالآيتان - كما ترى - تناديان بأن دين الله سبحانه هو تطبيق الإنسان حياته على ما تقتضيه فيه قوانين التكوين ونواميسه حتى يقف بذلك موقفا تتحراه نفسية النوع الإنساني ثم يسير في مسيرها أي يعود بذلك إنسانا نسميه إنسانا طبيعيا ويتربى تربية يستدعيها ذاته بحسب ما ركب عليه تركيبه الطبيعي .

فما تقتضيه نفسية الإنسان الطبيعية من الخضوع إلى المبدأ الغيبي الذي يقوم بإيجاده وإبقائه وإسعاده ، وتوفيق شئون حياته مع القوانين الحاكمة في الكون حكومة حقيقية هو الدين المسمى بالإسلام الذي يدعو إليه القرآن وسائر كتب الله السماوية المنزلة على أنبيائه ورسله .

فإصلاح شئون الحياة الإنسانية وتخليصها من كل دخيل خرافي ، ووضع الإصر والأغلال التي اختلقتها الأوهام والأهواء ثم وضعتها على الناس ، جزء معنى الدين المسمى بالإسلام لا أثر من آثاره وحكم من أحكامه حتى تختلف فيه الآراء فيسلمه مسلم ، ويرده ، راد ، ويبحث فيه باحث منصف فيتبع ما أدى إليه جهد نظره .

وبعبارة أخرى : الذي يدعي إليه الناس بمنطق الدين الإلهي هو الشرائع والسنن القائمة بمصالح العباد في حياتهم الدنيوية والأخروية لا أنه يضع مجموعة من معارف وشرائع ثم يدعي أن المصالح الإنسانية تطابقه وهو يطابقها فافهم ذلك .

وإياك أن تتوهم أن الدين الإلهي مجموع أمور من معارف وشرائع جافة تقليدية لا روح لها إلا روح المجازفة بالاستبداد ، ولا لسان لها إلا لسان التأمر الجاف والتحكم الجافي وقد قضى شارعها بوجوب اتباعها والانقياد لها تجاه ما هيأ لهم بعد الموت من نعيم مخلد للمطيعين منهم ، والعذاب المؤبد للعاصين ، ولا رابط لها يربطها بالنواميس التكوينية المماسة للإنسان الحاكمة في حياته القائمة بشئونها القيمة بإصلاحها فتعود الأعمال الدينية أغلالا غلت بها أيدي الناس في دنياهم ، وأما الآخرة فقد ضمنت إصلاحها إرادة مولوية إلهية فحسب ، وليس للمنتحل بالدين في دنياه من سعادة الحياة إلا ما استلذها بالعادة كمن اعتاد بالأفيون والسم حتى عاد يلتذ بما يتألم به المزاج الطبيعي السالم ، ويتألم بما يلتذ به غيره .

فهذا من الجهل بالمعارف الدينية ، والفرية على ساحة شارعة الطاهرة يدفعه الكلام الإلهي فكم من آية تتبرأ من ذلك بتصريح أو تلويح أو بإشارة أو كناية وغير ذلك .

وبالجملة الكتاب الإلهي يتضمن مصالح العباد ، وفيه ما يصلح المجتمع الإنساني بإجرائه فيه بل الكتاب الإلهي هو الكتاب الذي يشتمل على ذلك ، والدين الإلهي هو مجموع القوانين المصلحة ، ومجموع القوانين المصلحة هو الدين فلا يدعو الدين الناس إلا إلى إصلاح أعمالهم وسائر شئون مجتمعهم ويسمى ذلك إسلاما لله لأن من جرى على مجرى الإنسان الطبيعي الذي خطه له التكوين فقد أسلم للتكوين ووافقه بأعماله فيما يقتضيه وموافقته والسير على المسير الذي مهده وخطه إسلام لله سبحانه في ما يريده منه .

وليس يدعو الدين إلى متابعة مواد قوانينه ومحتوياته ثم يدعي أن في ذلك خيرهم وسعادتهم حتى يكون لشاك أن يشك فيه .

والآية أعني قوله : ﴿والذين يمسكون بالكتاب﴾ الآية في نفسها عامة مستقلة لكنها بحسب دخولها في سياق الكلام في بني إسرائيل معتنية بشأنهم ، والمراد بالكتاب بهذا النظر التوراة أو هي والإنجيل .

قوله تعالى : ﴿وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة﴾ الآية .

النتق قلع الشيء من أصله ، والظلة هي الغمامة ، وما يستظل بها من نحو السقف ، والباقي ظاهر .

والآية تقص رفع الطور فوق رءوس بني إسرائيل ، وقد تقدمت هذه القصة مكررة في سورتي البقرة والنساء .

____________________________

1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص 297-301 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :  

قال تعالى : {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف : 168] .

في [هذه] الآية يشير تعالى إلى تفرق اليهود في العالم فيقول : {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ} فهم متفرقون منقسمون على أنفسهم بعضهم صالحون ، ولهذا عند ما سمعوا بنداء الإسلام وعرفوا دعوة النّبي محمّد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم آمنوا به ، وبعضهم لم يكونوا كذلك بل ألقوا الحق وراءهم ظهريا ، ولم يرتدعوا عن معصية في سبيل ضمان مصالحهم وحياتهم المادية .

ومرّة أخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإسلام لا يعادي العنصر اليهودي ، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن ، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن ، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم .

ثمّ يضيف تعالى قائلا : {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .

أي ربّما نكرمهم ونجعلهم في رفاه ونعمة حتى نثير فيهم روح الشكر ، ويعودوا إلى طريق الحق. وربّما نغرقهم في الشدائد والمصاعب والمصائب حتى ينزلوا عن مركب الغرور والأنانية والتكبر ، ويقفوا على عجزهم ، لعلهم يستيقظون ويعودون إلى الله ، والهدف في كلتا الحالتين هو التربية والهداية والعودة إلى الحق .

وعلى هذا الأساس تشمل «الحسنات» كل نعمة ورفاه واستقرار ، كما تشمل «السيئات» كل نقمة وشدة ، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل عليه .

- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف : 169 -170] .

في الآيات الماضية دار الحديث حول أسلاف اليهود ، ولكن في الآية الحاضرة دار الكلام حول أبنائهم وأخلافهم.

وفي البداية يقول تعالى : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى} إنّهم ورثوا التوراة عن أسلافهم ، وكان عليهم أن ينتفعوا بها ويهتدوا ، ولكنّهم رغم ذلك فتنوا بمتاع هذه الدنيا وحطامها الرخيص التافه ، واستبدلوا الحق والهدى بمنافعهم الماديّة.

و «خلف» على وزن «حرف» يأتي غالبا في الأولاد غير الصالحين ـ كما ذهب إلى ذلك بعض المفسّرين ، في حين أنّ «الخلف» على وزن «شرف» يأتي بمعنى الولد الصالح (2) .

ثمّ يضيف قائلا : وعند ما وقعوا بين مفترق طريقين : بين ضغط الوجدان من جهة ، والرغبات والمنافع المادية من جهة أخرى عمدوا إلى الأماني والآمال الكاذبة وقالوا : لنأخذ المنافع الدنيوية فعلا سواء من حلال أو حرام ، والله سيرحمنا ويغفر لنا {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا}.

إنّ هذه الجملة تكشف عن أنّهم كانوا بعد القيام بمثل هذا العمل يتخذون حالة من الندم العابر والتوبة الظاهرية ، ولكن هذه الندامة ـ كما يقول القرآن الكريم ـ لم تكن لها أية جذور في أعماق نفوسهم ، ولهذا يقول تعالى : {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} .

و «عرض» على وزن «غرض» يعني الشيء الذي لإثبات له ولا دوام ، ومن هذا المنطق يطلق على متاع العالم المادي اسم العرض ، لكونه زائلا غير ثابت في الغالب ، فهو يقصد الإنسان يوما ويقبل عليه بوفرة بحيث يضيع الإنسان حسابه ولا يعود قادرا على عده وإحصائه ويبتعد عنه وجمعه وحصره ، يوما آخر بالكلية بحيث لا يملك منه إلّا الحسرة والتذكر المؤلم ، هذا مضافا إلى أن جميع نعم هذه الدنيا هي أساسا غير دائمة ، وغير ثابته (3) .

وعلى كل حال ، فإنّ هذه الجملة إشارة إلى عمليات الارتشاء التي كان يقوم بها بعض اليهود لتحريف الآيات السماوية ، ونسيان أحكام الله لمضادتها لمصالحهم ومنافعهم المادية.

ولهذا قال تعالى في عقيب ذلك : {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ} أي أنّهم أخذ عليهم الميثاق ـ بواسطة كتابهم السماوي التوراة ـ أن لا يفتروا على الله كذبا ، ولا يحرفوا كلماته ، ولا يقولوا إلّا الحق.

ثمّ يقول : لو كان هؤلاء الذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهية ، لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذارا ، ولكن المشكلة هي أنّهم رأوا التوراة مرارا وفهموا محتواها ومع ذلك ضيعوا أحكامها ، ونبذوا أمرها وراء ظهورهم (وَدَرَسُوا ما فِيهِ). و «الدرس» في اللغة يعني تكرار شيء ، وحيث أن الإنسان عند المطالعة ، وتلقي العلم من الأستاذ والمعلم يكرّر المواضيع ، لهذا أطلق عليه لفظ «الدرس» وإذا ما رأينا أنّهم يستعملون لفظة «درس والاندراس» على انمحاء أثر الشيء فإنّما هو لهذا السبب وبهذه العناية ، ولأنّ الأمطار والرياح والحوادث الأخرى تتوالى على الأبنية القديمة وتبليها.

وفي ختام الآية يقول : إنّ هؤلاء يخطئون في تقديرهم للأمور ، وإنّ هذه الأعمال لن تجديهم نفعا {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} .

ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ؟؟

وفي مقابل الفريق المشار إليه سابقا يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم اقتراف جريمة تحريف الآيات الإلهية وكتمانها فحسب ، بل تمسكوا بحذافيرها وطبقوها في حياتهم حرفا بحرف ، والقرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم ، ويعترف لهم بأجر جزيل وثواب عظيم ، ويقول عنهم : {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} .

وقد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من «الكتاب» وهل أنّه التوراة أو القرآن الكريم؟ بعض ذهب إلى الأوّل ، وبعض إلى الثّاني. والظاهر أنّه إشارة إلى فريق من بني إسرائيل الذين انفصلوا عن الضالين الظالمين ، وعاكسوهم في سلوكهم وموقفهم. ولا شك أن التمسك بالتوراة والإنجيل وما فيهما من بشائر بظهور نبيّ الإسلام صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم ، لا ينفصل عن الإيمان بهذا النّبي.

إنّ في التعبير بـ «يمسّكون» الذي هو بمعنى الاعتصام والتمسك بشيء نكتة ملفتة للنظر ، لأنّ التمسك بمعنى الأخذ والالتصاق بشيء لحفظه وصيانته ، وهذه هي الصورة الحسيّة للكلمة ، وأمّا الصورة المعنوية لها فهي أن يلتزم الإنسان بالعقيدة بمنتهى الجدية والحرص ، ويسعى في حفظها وحراستها.

إنّ التمسك بالكتاب الإلهي ليس هو أن يمسك الإنسان بيده أوراقا من القرآن أو التوراة أو الإنجيل أو أي كتاب آخر ويشدّها عليه بقوة ، ويجتهد في حفظ غلافه وورقه من التلف ، بل التمسك الواقعي هو أن لا يسمح لنفسه بأن يرتكب أدنى مخالفة لتعاليم ذلك الكتاب ، وأن يجتهد في تحقيق وتطبيق مفاهيمه من الصميم .

إنّ الآيات الحاضرة تكشف لنا بوضوح عن أنّ الإصلاح الواقعي في الأرض لا يمكن من دون التمسك بالكتب السماوية ، ومن دون تطبيق الأوامر والتعاليم الإلهية ، وهذا التعبير يؤكّد ـ مرّة أخرى ـ هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدين ليس مجرّد برنامج يرتبط بعالم ما وراء الطبيعة ، وبدار الآخرة ، بل هو برنامج للحياة البشرية ، ويهدف إلى حفظ مصالح جميع أفراد البشر ، وإجراء مبادئ العدل والسلام والرفاه والاستقرار ، وبالتالي كل مفهوم تشمله كلمة «الإصلاح» الواسعة المعنى .

وما نراه من التركيز على خصوص «الصلاة» من بين الأوامر والتعاليم الإلهية ، فإنّما هو لأجل أن الصلاة الواقعية تقوّي علاقة الإنسان بالله الذي يراه حاضرا وناظرا لجميع أعماله وبرامجه ، ومراقبا لجميع أفعاله وأقواله ، وهذا هو الذي عبر عنه في آيات أخرى بتأثير الصلاة في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وارتباط هذا الموضوع بإصلاح المجتمع الإنساني أوضح من أن يحتاج إلى بيان .

من كل ما قيل يتّضح أنّ هذا المبدأ والمرتكز الفكري لا يختص باليهود ، بل هو أصل في حياة الأمم والشعوب . وعلى هذا الأساس فإنّ الذين يجمعون متاعا زائلا بواسطة كتمان الحقائق وتحريفها ، ثمّ يرون نتائجه المشؤومة يتّخذون لأنفسهم حالة من التوبة الكاذبة ، توبة سرعان ما تزول وتذوب أمام ابتسامه من منفعة مادية متجدّدة ، كما يذوب الثلج في حرّ القيظ فهؤلاء هم المخالفون لإصلاح المجتمعات البشرية ، وهم الذين يضحون بمصالح الجماعة في سبيل مصالح الفرد ، سواء صدر هذا الفعل من يهوديّ أو مسيحي أو مسلم .

- {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف : 171] .

 

آخر كلام حول اليهود :

«نتقنا» من مادة «نتق» على وزن «قلع» تعني في الأصل قلع وانتزاع شيء من مكانه ، وإلقاءه في جانب آخر ، ويطلق على النساء اللواتي يلدن كثيرا أيضا «ناتق» لأنّهن يفصلن الأولاد من أرحامهن ويخرجنهم بسهولة.

وهذه الآية آخر آية في هذه السورة تتحدث حول حياة بني إسرائيل ، وهي تتضمّن تذكير قصّة أخرى ليهود عصر النّبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم ، قصّة فيها عبرة ، كما أنّها دليل على إعطاء ميثاق وعهد ، إذ يقول : واذكروا إذ قلعنا الجبل من مكانه وجعلناه فوق رؤوسهم كأنّه مظلّة {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} .

وقد ظنوا أنّه سيسقط على رؤوسهم ، فإنتابهم اضطراب شديد وفزع : {وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ} .

وفي تلك الحالة قلنا لهم : خذوا ما أعطيناكم من الأحكام بقوة وجديّة {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} واذكروا ما جاء فيه حتى تتقوا ، وخافوا من العقاب الإلهي واعملوا بما أخذناه فيه منكم من المواثيق {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

إنّ هذه الآية نفسها جاءت ـ بفارق بسيط في الآية (63) من سورة البقرة ، وكما قلنا هناك فإنّ هذه القصة وقعت ـ حسب ما قال المفسّر المعروف العلّامة الطبرسي في مجمع البيان عن ابن زيد ـ عند ما عاد موسى عليه السلام من جبل الطور ، واصطحب معه أحكام التوراة ... فعند ما عرض على قومه الواجبات والوظائف وأحكام الحلال والحرام تصوروا أنّ العمل بكل هذه الوظائف أمر مشكل ، ولهذا بنوا على المخالفة والعصيان ... في هذا الوقت نفسه ، رفعت قطعة عظيمة من الجبل فوق رؤوسهم ، بحيث وقعوا في اضطراب عظيم ، فالتجأوا إلى موسى عليه السلام وطلبوا منه رفع هذا الخطر والخوف عنهم ، فقال لهم موسى عليه السلام في تلك الحالة : لو تعهدتم بأن تكونوا أوفياء لهذه الأحكام لزال عنكم هذا الخطر ... فسلّموا وتعهّدوا وسجدوا لله تعالى فزال عنهم الخطر ، وأزيحت الصخرة من فوق رؤوسهم .

 

أسئلة وأجوبة :

وهنا سؤالان أشرنا إليهما في سورة البقرة وإلى جوابيهما ، ونذكر مختصرا عنهما هنا بالمناسبة.

السّؤال الأوّل : ألم يكن لأخذ الميثاق في هذه الحالة صفة الإجبار ؟

والجواب : لا شك أنّه كانت تحكم في ذلك الظرف حالة من الإجبار والاضطرار ، ولكن من المسلّم أنّه لمّا ارتفع وزال الخطر فيما بعد كان بإمكانهم مواصلة هذا السلوك باختيارهم .

هذا مضافا إلى أنّه لا معنى للإجبار في مجال الإعتقاد ، أمّا في مجال العمل فلا مانع من أن يجبر الناس على أمور تربوية تضمن خيرهم وسعادتهم وصلاحهم. فهل من العيب لو أنّنا أجبرنا شخصا على ترك عادة شريرة ، أو سلوك طريق آمن من الخطر ، وعدم سلوك طريق محفوف بالأخطار؟

السّؤال الثّاني : كيف رفع الجبل فوق رؤوسهم :

الجواب : ذهب بعض المفسّرين إلى أن الجبل قلع من مكانه بأمر الله ، واستقر فو رؤوسهم كمظلّة.

وذهب آخرون إلى أنّه اهتز الجبل اهتزازا شديدا بفعل زلزال شديد بحيث شاهد الناس الذين كانوا يسكنون في سفح الجبل ظلّ قسم منه فوق رؤوسهم.

ويحتمل أيضا أن قطعة من الجبل انتزعت من مكانها واستقرت فوق رؤوسهم لحظة واحدة ، ثمّ مرّت وسقطت في جانب آخر.

ولا شك في أنّ هذا الأمر كان أمرا خارقا للعادة وليس حدثا طبيعيا عاديا.

والموضوع الآخر الذي يجب الانتباه إليه هو أنّ القرآن لا يقول : إنّ الجبل صار مظلّة فوق رؤوسهم بل قال : (كأنّه ظلّة) .

وهذا التعبير إنّما هو لأجل أنّ المظلّة تنصب على رؤوس الأشخاص لإظهار الحب ، والحال أنّ هذه العملية ـ المذكورة في الآية الحاضرة ـ كانت من باب التهديد ، أو لأجل أنّ المظلة شيء مستقر وثابت ، ولكن رفع الجبل فوق رؤوسهم كان يتسم بعدم الثبات والدوام .

قلنا : مع هذه الآية تختم الآيات المتعلقة بقصة بني إسرائيل والحوادث المختلفة ، والذكريات الحلوة والمرّة التي وقعت في حياتهم.

وهذه القصّة هي آخر قصص الأنبياء التي جاءت في هذه السورة. وذكر هذه القصّة في نهاية قصصهم ـ مع أنّها ليست آخر حدث من الحوادث المرتبطة بهذه الجماعة ـ لعله لأجل أنّ الهدف من جميع هذه القصص هو التمسك بآيات الله والعمل بالمواثيق ، ولأجل الوصول إلى التقوى الذي جاء بيانه في هذه الآية والآية السابقة.

يعني أنّ رسالة موسى عليه السلام وسائر الأنبياء وأعمالهم مواجهاتهم المستمرة والصعبة وما لقوا من صعاب ومتاعب وشدائد مضنية كانت لأجل تطبيق أوامر الله ، وتنفيذ مبادئ الحق والعدالة والطهر والتقوى في المجتمعات البشرية بشكل كامل .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 556-563 .

2. مجمع البيان ، وتفسير ابن الفتوح الرازي ، في ذيل الآية الحاضرة.

3. يجب الانتباه ، إلى أن «عرض» على وزن «غرض» يختلف عن «عرض» على وزن (فرض) فالأول بمعنى كل رأس مال دنيوي ، والثاني بمعنى المال النقدي .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .