المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير آية (65 – 72) من سورة الأعراف  
  
12401   10:39 صباحاً   التاريخ: 23-5-2019
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأعراف /

قال تعالى : {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 65 ، 72] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

عطف سبحانه على قصة نوح ، قصة هود ، فقال {وإلى عاد} وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح {أخاهم} يعني في النسب ، لا في الدين {هودا} وهو هود بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح عليه السلام ، عن محمد بن إسحاق . وقيل : هو هود بن عبد الله بن رياح بن جلوث بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، عن غيره . وكذا هو في كتاب النبوة .

وإنما قال {أخاهم} ، لأنه أبلغ في الحجة عليهم ، إذا اختار الرسالة إليهم من هو من قبيلتهم ، ليكونوا إليه أسكن ، وبه آنس ، وعنه أفهم {قال} هود {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} قد مر تفسيره {أفلا تتقون} استفهام يراد به التقرير {قال الملأ الذين كفروا من قومه} قد مر تفسيره {إنا لنراك} يا هود {في سفاهة} أي : جهالة ، ومعناه نراك سفيها ، إلا أنه قال {في سفاهة} على جهة المبالغة أي :

نراك منغمسا في سفاهة {وإنا لنظنك من الكاذبين} أي : كذبوه ظانين لا متيقنين ، عن الحسن ، والزجاج ، وقيل : إن المراد بالظن هنا : العلم ، كما في قول الشاعر :

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج    سراتهم في الفارسي المسرد (2)

ومعناه أيقنوا {قال} هود {يا قوم ليس بي سفاهة} أي : لم يحملني على هذا الإخبار السفاهة {ولكني رسول من رب العالمين} هذا تعليم من الله تعالى بأن لا يقابل السفهاء بالكلام القبيح ، ولكن يقتصر الانسان على نفي ما أضيف إليه عن النفس {أبلغكم رسالات ربي} أي : نبوات ربي . إنما قال {رسالات} هنا وفيما تقدم بلفظ الجمع ، لأن الرسالة متضمنة لأشياء كثيرة من الأمر والنهي والترغيب ، والترهيب ، والوعد والوعيد ، وغير ذلك ، فأتى بلفظ يدل عليها . وإذا قال رسالة ربي بلفظ الواحد ، أتى بلفظة مشتملة على هذه الأشياء بطريق الاجمال .

{وأنا لكم ناصح} فيما أدعوكم إليه من طاعة الله وتوحيده {أمين} أي : ثقة مأمون في تأدية الرسالة ، فلا أكذب ، ولا أغير ، عن الضحاك ، والجبائي . وقيل :

معناه كنت مأمونا فيكم ، فكيف تكذبونني ، عن الكلبي {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم} أي : لا عجب في أن جاءكم نبوة . وقيل : معجزة وبيان {على رجل منكم} في النسب نشأ بينكم . وقيل : إن معناه كيف تتعجبون من بعثة رجل منكم ، ولا تتعجبون من عبادة حجر {لينذركم} ليخوفكم .

{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} معناه : واذكروا نعمة الله عليكم بأن جعلكم سكان الأرض من بعد قوم نوح ، وهلاكهم بالعصيان {وزادكم في الخلق بسطة} أي : طولا وقوة عن ابن عباس ، وجماعة . قال الكلبي : كان أطولهم مائة ذراع ، وأقصرهم ستين ذراعا . وقيل : كان أقصرهم اثني عشر ذراعا ، وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : كانوا كأنهم النخل الطوال ، وكان الرجل منهم ينحو الجبل بيديه ، فيهدم منه قطعة . وقيل : معناه وزاد في خلقكم بسطة ، فكانوا أطول من غيرهم بمقدار أن يمد الانسان يده فوق رأسه باسطا .

{فاذكروا آلاء الله} أي : نعم الله {لعلكم تفلحون} أي : لكي تفوزوا بنعيم الدنيا والآخرة {قالوا أجئتنا} يا هود {لنعبد الله وحده ونذر} عبادة {ما كان يعبد آباؤنا} من الأصنام {فائتنا بما تعدنا} من العذاب {إن كنت من الصادقين} في أنك رسول الله الينا ، وفي نزول العذاب بنا ، لو لم نترك عبادة الأصنام .

{قال} هود لقومه جوابا عما قالوه : {قد وقع عليكم} أي : وجب عليكم ، وحل بكم لا محالة ، فهو كالواقع {من ربكم رجس} أي : عذاب {وغضب} والغضب من الله : إرادة العذاب بمستحقيه ، ومثله السخط {أتجادلونني} أي :

أتناظرونني وتخاصمونني {في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} أي : في أصنام صنعتموها أنتم وآباؤكم ، واخترعتم لها أسماء سميتموها آلهة ، وما فيها من معنى الإلهية شئ . وقيل : معناه تسميتهم لبعضها أنه يسقيهم المطر ، ولآخر أنه يأتيهم بالرزق ، ولآخر أنه يشفي المرض ، ولآخر أنه يصحبهم في السفر .

{ما نزل الله بها من سلطان} أي : حجة وبرهان وبينة ، وعليكم البينة بما ادعيتم وسميتم ، وليس علي أن آتيكم بالبينة على ما تعبدون من دون الله ، بل ذلك عليكم ، وعلي أن آتيكم بسلطان مبين ، إن الله تعالى هو المعبود ، ولا معبود سواه ، وإني رسوله {فانتظروا} عذاب الله ، فإنه نازل بكم {إني معكم من المنتظرين} لنزوله بكم ، عن الحسن ، والجبائي ، والمفسرين {فأنجيناه والذين معه برحمة منا} أي : فخلصنا هودا والذين كانوا آمنوا معه من العذاب ، باخراجنا إياهم من بينهم ، قبل إنزال العذاب بهم {وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا} أي : واستأصلنا الذين كذبوا بحججنا بعذاب الاستئصال ، فلم يبق لهم نسل ، ولا ذرية {وما كانوا مؤمنين} بالله ورسوله ، وإنما قال ذلك ليبين أنه كان المعلوم من حالهم ، أنه لو لم يهلكهم ما كانوا ليؤمنوا ، كما قال في موضع آخر : {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا} وفي هذه الآية دلالة على أن قوم هود استؤصلوا ، فلا عقب لهم .

قصة هود : جملة ما ذكره السدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهما من المفسرين ، في قصة هود أن عادا كانوا ينزلون اليمن ، وكانت مساكنهم منها بالشحر والأحقاف ، وهي رمال يقال لها رمل عالج والدهناء ويبرين ما بين عمان إلى حضرموت . وكان لهم زرع ونخل ، ولهم أعمار طويلة ، وأجساد عظيمة ، وكانوا أصحاب أصنام يعبدونها ، فبعث الله تعالى إليهم هودا نبيا ، وكان من أوسطهم نسبا ، وأفضلهم حسبا ، فدعاهم إلى التوحيد ، وخلع الأنداد ، فأبوا عليه ، وكذبوه ، وآذوه ، فأمسك الله عنهم المطر سبع سنين ، وقيل : ثلاث سنين ، حتى قحطوا .

وكان الناس في ذلك الزمان ، إذا نزل بهم بلاء أو جهد ، التجأوا إلى بيت الله الحرام بمكة ، مسلمهم وكافرهم ، وأهل مكة يومئذ العماليق من ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر ، وكانت أمه من عاد ، فبعث عاد وفدا إلى مكة ، ليستسقوا لهم ، فنزلوا على معاوية بن بكر ، وهو بظاهر مكة ، خارجا من الحرم ، فأكرمهم ، وأنزلهم ، وأقاموا عنده شهرا ، يشربون الخمر .

فلما رأى معاوية طول مقامهم ، وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي نزل بهم ، شق ذلك عليه ، وقال : هلك أخوالي ، وهؤلاء مقيمون عندي ، وهم ضيفي ، أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه . وشكا ذلك إلى قينتيه اللتين كانتا تغنيانهم ، وهما الجرادتان ، فقالتا : قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله ، فقال معاوية بن بكر :

ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يصبحنا غماما (3)

فيسقي أرض عاد ، إن عادا * قد أمسوا ما يبينون الكلاما

وإن الوحش تأتيهم جهارا ، * ولا تخشى لعادي سهاما

وأنتم ههنا فيما اشتهيتم * نهاركم ، وليلكم التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم * ، ولا لقوا التحية والسلاما

فلما غنتهم الجرادتان بهذا ، قال بعضهم لبعض : إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء ، فادخلوا هذا الحرم ، واستسقوا لهم . فقال رجل منهم : قد آمن هود سرا ، والله لا تسقون بدعائكم ، ولكن إن أطعتم نبيكم سقيتم! فزجروه ، وخرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد ، وكان قيل بن عنزر رأس وفد عاد ، فقال : يا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا ، فإنا قد هلكنا . فأنشأ الله سبحانه سحابا ثلاثا : بيضاء ، وحمراء ، وسوداء . ثم ناداه مناد من السماء : يا قيل! اختر لنفسك ولقومك . فاختار السحابة السوداء التي فيها العذاب ، فساق الله سبحانه تلك السحابة بما فيها من النقمة إلى عاد . فلما رأوها استبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا يقول الله عز وجل {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} فسخرها الله تعالى عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي : دائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك .

واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، وما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود ، وتلتذ النفوس ، وإنها لتمر من عاد بالظعن ، ما بين السماء والأرض ، وتدمغهم (4) بالحجارة ، فأهلكتهم .

وروى أبو حمزة الثمالي ، عن سالم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : (إن لله ، تبارك وتعالى ، بيت ريح مقفل عليه ، لو فتح لأذرت (5) ما بين السماء والأرض ، ما أرسل على قوم عاد إلا قدر الخاتم) . وكان هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، يتكلمون بالعربية .

_______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 285-289 .

2 .المدجج : اللابس السلاح . والسراة بمعنى الأشراف . والمسرد : الدرع .

3 . قيل : اسم رجل من عاد . قوله فهينم أمر من هينم أي فادع الله تعالى .

4 . دمغه : شجه حتى بلغت الشجة دماغه .

5 . أذرته الريح اذراءا : أطارته وأذهبته .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

جاء في تفسير المنار نقلا عن اسحق بن بشر وابن عساكر : ان هودا أول من تكلم بالعربية ، وكان له أربعة أولاد : قحطان ومقحط وقاحط وفالغ ، وهو أبو مضر ، وأما قحطان فأبو اليمن ، ولا نسل لقاحط ومقحط .

وقال المفسرون : كان قوم هود من ذراري نوح ، وكانوا على دينه ، ولما طل عليهم الأمد لعب بهم الشيطان ، فعبدوا الأصنام ، وأفسدوا في الأرض . .

وفي تفسير الطبري ان الإمام عليا (عليه السلام) قال لرجل من حضرموت : هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت ؟ قال الرجل : نعم ، يا أمير المؤمنين ، واللَّه انك لتنعته نعت رجل قد رآه . قال الإمام : لا ، ولكني حدثت عنه . قال الرجل : وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيه قبر هود (عليه السلام) .

وإذا صح هذا الخبر وجب أن تزال القطعة المعلقة على قبر الإمام التي جاء فيها : السلام عليك وعلى جاريك هود وصالح الا ان يكون الجوار في الآخرة ، لا في الدنيا أو نقل جثمان هود بعد وفاة الإمام .

وهذه الآيات التي نزلت في قصة هود موافقة للآيات السابقة التي نزلت في قصة نوح لفظا ومعنى إلا في أشياء نشير إليها فيما يلي :

1 - قال نوح لقومه : {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} . وقال هود لقومه : {أَفَلا تَتَّقُونَ} ذلك انه قبل نوح لم يظهر في العالم مثل ذاك العذاب ، وهو الطوفان ، وكان قوم هود على علم به ، فحذرهم وأمرهم أن يتقوا اللَّه بترك الشرك والإقرار له بالوحدانية .

2 - قال قوم نوح له : {إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وقال قوم هود له :

{إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ} لأن نوحا كان يصنع الفلك ، حيث لا بحر ولا نهر ، وهذا العمل بظاهره جهل وضلال ، أما هود فلم يفعل شيئا من هذا النوع ، وانما سفّه قومه بعبادتهم الأصنام ، فقابلوه بالمثل ، ونسبوه إلى السفاهة .

3 - قال نوح لقومه : {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال هود لقومه : {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وأراد نوح بالرحمة دفع العذاب عنهم ، وأراد هود بالفلاح الهداية إلى الصواب ، والمعنيان متشابكان لا ينفك أحدهما عن الآخر .

4 - ان اللَّه سبحانه ذكر في هذه الآيات أشياء قالها قوم هود لنبيهم ، ولم يذكر هنا جل ثناؤه أن قوم نوح قالوها لنبيهم ، وهي {قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهً وَحْدَهُ ونَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا} . عبارة مطروقة يجترها كل جاهل ومقلد {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} استعجلوا العذاب استعجال من يهزأ بالناصح الأمين . . وجاء الجواب من الرسول حاسما وسريعا {قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وغَضَبٌ} ومعنى وقع هنا وجب ، والمراد بالرجس العذاب ، وبالغضب السبب الموجب للعذاب .

{أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ} .

لا وجود للآلهة التي يعبدونها ، وكل ما لا وجود له لا أثر له ، ولا دليل عليه ، وعلى هذا يكون الاسم الذي وضع له كلاما فارغا بلا معنى {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} هذا جواب قولهم : فائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين .

{فَأَنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وما كانُوا مُؤْمِنِينَ} الدابر هو الآخر ، وقطع دابر القوم استأصلهم بالهلاك عن آخرهم . .

وبيّن سبحانه نوع العذاب الذي أهلك به قوم هود في الآية 6 وما بعدها من سورة الحاقة : {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة : 6 - 8] .

ويأتي ان شاء اللَّه مزيد بيان لحال هود ، مع قومه في السورة المسماة باسمه .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 347-348 .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [الأعراف : 65] إلى آخر الآية . 

الأخ وأصله أخو هو المشارك غيره في الولادة تكوينا لمن ولده وغيره أب أو أم أو هما معا أو بحسب شرع إلهي كالأخ الرضاعي أو سنة اجتماعية كالأخ بالدعاء على ما كان يراه أقوام فهذا أصله ، ثم استعير لكل من ينتسب إلى قوم أو بلدة أو صنعة أو سجية ونحو ذلك يقال : أخو بني تميم وأخو يثرب وأخو الحياكة وأخو الكرم ، ومن هذا الباب قوله {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } [الأعراف : 65] . 

والكلام في قوله : {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 65] كالكلام في نظير الخطاب من القصة السابقة .

فإن قلت : لم حذف العاطف من قوله ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾ ولم يقل : فقال كما في قصة نوح ؟ قلت : هو على تقدير سؤال كأنه لما قال : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف : 65] قيل : فما قال هود؟ فأجيب وقيل : قال يا قوم اعبدوا الله الآية . 

كذا قاله الزمخشري في الكشاف . 

ولا يجري هذا الكلام في قصة نوح لأنه أول قصة أوردت ، وهذه القصة قصة بعد قصة يهيأ فيها ذهن المخاطب للسؤال بعد ما وعى إجمال القصة وعلم أن قصة الإرسال تتضمن دعوة وردا وقبولا فكان بالحري إذا سمع المخاطب قوله {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف : 65] أن يسأل فيقول : ما قال هود لقومه؟ وجوابه قال لهم إلخ . 

قوله تعالى : {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف : 66] إلى آخر الآية . 

لما كان في هذا الملإ من يؤمن بالله ويستر إيمانه كما سيأتي في القصة بخلاف الملإ من قوم نوح قال هاهنا في قصة هود : {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} وقال في قصة نوح : {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف : 60] كذا ذكره الزمخشري . 

وقوله تعالى حكاية عن قولهم : {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف : 66] أكدوا كلامهم مرة بعد مرة لأنهم سمعوا منه مقالا ما كانوا ليتوقعوا صدوره من أحد ، وقد أخذت آلهتهم موضعها من قلوبهم ، واستقرت سنة الوثنية بينهم استقرارا لا يجترئ معه أحد على أن يعترض عليها فتعجبوا من مقاله فردوه ردا عن تعجب ، فجبهوه أولا بأن فيه سفاهة وهو خفة العقل التي تؤدي إلى الخطأ في الآراء ، وثانيا بأنهم يظنون بظن قوي جدا أنه من الكاذبين ، وكأنهم يشيرون بالكاذبين إلى أنبيائهم لأن الوثنيين ما كانوا ليذعنوا بالنبوة وقد جاءهم أنبياء قبل هود كما يذكره تعالى بقوله : {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} [هود : 59] . 

قوله تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ} [الأعراف : 67] الكلام في الآية نظير الكلام في نظيره من قصة نوح غير أن عادا زادوا وقاحة على قوم نوح حيث إن أولئك رموا نوحا بالضلال في الرأي وهؤلاء رموا هودا بالسفاهة لكن هودا لم يترك ما به من وقار النبوة ، ولم ينس ما هو الواجب من أدب الدعوة الإلهية فأجابهم بقوله : ﴿ يَا قَوْمِ ﴾ فأظهر عطوفته عليهم وحرصه على إنجائهم {لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 67] فجرى على تجريد الكلام من كل تأكيد واكتفى بمجرد رد تهمتهم وإثبات ما كان يدعيه من الرسالة للدلالة على ظهوره . 

قوله تعالى : {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف : 68] أي لا شأن لي بما أني رسول إلا تبليغ رسالات ربي خالصا من شوب ما تظنون بي من كوني كاذبا فلست بغاش لكم فيما أريد أن أحملكم عليه ، ولا خائن لما عندي من الحق بالتغيير ولا لما عندي من حقوقكم بالإضاعة ، فما أريده منكم من التدين بدين التوحيد هو الذي أراه حقا ، وهو الذي فيه نفعكم وخيركم ، فإنما وصف نفسه بالأمين محاذاة لقولهم : {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف : 66] . 

قوله تعالى : {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف : 63] إلى آخر الآية . 

البصطة هي البسطة قلبت السين صادا لمجاورتها الطاء وهو من حروف الإطباق كالصراط والسراط والآلاء جمع إلى بفتح الهمزة وكسرها بمعنى النعمة كآناء جمع أنى وإنى . 

ثم أنكر (عليه السلام) تعجبهم من رسالته إليهم نظير ما تقدم من نوح (عليه السلام) وذكرهم نعم الله عليهم ، وخص من بينها نعمتين ظاهرتين هما أن الله جعلهم خلفاء في الأرض بعد نوح ، وأن الله خصهم من بين الأقوام ببسطة الخلق وعظم الهيكل البدني المستلزم لزيادة الشدة والقوة ، ومن هنا يظهر أنهم كانوا ذوي حضارة وتقدم ، وصيت في البأس والقوة والقدرة . 

ثم أتبعهما بالإشارة إلى سائر النعم بقوله تعالى : {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف : 69] . 

قوله تعالى : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف : 70] الآية . 

فيه تعلق منهم بتقليد الآباء ، وتعجيز هود مشوبا بنوع من الاستهزاء بما أنذرهم به من العذاب . 

قوله تعالى : {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} [الأعراف : 71] إلى آخر الآية . 

الرجس والرجز هو الأمر الذي إذا وقع على الشيء أوجب ابتعاده أو الابتعاد عنه ، ولذا يطلق على القاذورة لأن الإنسان يتنفر ويبتعد عنه ، وعلى العذاب لأن المعذب - اسم مفعول - يبتعد عمن يعذبه أو من الناس الآمنين من العذاب . 

أجابهم بأن إصرارهم على عبادة الأوثان بتقليد آبائهم أوجب أن يحق عليهم البعد عن الله بالرجس والغضب ، ثم فرع عليه أن هددهم بما يستعجلون من العذاب ، وأخبرهم بنزوله عليهم لا محالة ، وكنى عن ذلك بأمرهم بالانتظار وإخبارهم بأنه مثلهم في انتظار نزول العذاب فقال : {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [الأعراف : 71] . 

وأما قوله : {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [الأعراف : 71] فهو رد لما استندوا إليه في ألوهية آلهتهم وهو أنهم وجدوا آباءهم على عبادتها - وهم أكمل منهم وممن في طبقتهم كهود وأعقل - فيجب عليهم أن يقلدوهم . 

ومحصله أنكم وآباءكم سواء في أنكم جميعا أتيتم بأشياء ليس لكم على ما ادعيتم من صفتها وهي الألوهية من سلطان وهو البرهان والحجة القاطعة فلا يبقى لها من الألوهية إلا الأسماء التي سميتموها بها إذ قلتم : إله الخصب وإله الحرب وإله البحر وإله البر ، وليس لهذه الأسماء مصاديق إلا في أوهامكم ، فهل تجادلونني في الأسماء ، وللإنسان أن يسمي كل ما شاء بما شاء إذا لم يعتبر تحقق المعنى في الخارج . 

وقد تكرر في القرآن الاستدلال على بطلان الوثنية بهذا البيان : {أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [الأعراف: 71] وهو من ألطف البيان وأرقه ، وأبلغ الحجة وأقطعها إذ لو لم يأت الإنسان لما يدعيه من دعوى بحجة برهانية لم يبق لما يدعيه من النعت إلا التسمية والتعبير ، ومن أبده الجهل أن يعتمد الإنسان على مثل هذا النعت الموهوم . 

وهذا البيان يطرد ويجري بالتحليل في جميع الموارد التي يثق فيها الإنسان على غير الله سبحانه من الأسباب ، ويعطيها من الاستقلال ما يوجب تعلق قلبه بها وطاعته لها وتقربه منها فإن الله سبحانه عد في موارد من كلامه طاعة غيره والركون إلى من سواه عبادة له قال : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي} [يس : 60 ، 61] . 

قوله تعالى : {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [الأعراف : 72] إلى آخر الآية ، تنكير الرحمة للدلالة على النوع أي بنوع من الرحمة وهي الرحمة التي تختص بالمؤمنين من النصرة الموعودة لهم قال تعالى : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر : 51] ، وقال : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 47] . 

وقوله : {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف : 72] الآية كناية عن إهلاكهم وقطع نسلهم فإن الدابر هو الذي يلي الشيء من خلفه فربما وصف به الأمر السابق على الشيء كأمس الدابر ، وربما وصف به اللاحق كدابر القوم وهو الذي في آخرهم فنسبه القطع إلى الدابر بعناية أن النسل اللاحق دابر متصل بالإنسان في سبب ممتد ، وإهلاك الإنسان كذلك كأنه قطع هذا السبب الموصول فيما بينه وبين نسله .

_____________________________

1 . تفسير الميزان ، ج8 ، ص 180-184 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

لمحة عن قصّة قوم هود :

عقيب ذكر رسالة نوح والدروس الغنية بالعبر الكامنة فيها ، عمد القرآن الكريم إلى إعطاء لمحة سريعة عن قصّة نبي آخر من الأنبياء العظام ، وهو النّبي هود عليه السلام ، وذكر ما جرى بينه وبين قومه .

وهذه القصّة ذكرت في سور أخرى من القرآن الكريم مثل سورة «الشعراء» وسورة «هود» التي تناولت هذه القصّة بشيء من التفصيل ، وأمّا في الآيات الحاضرة فقد ذكر شيء مختصر عمّا دار بين هود والمعارضين له ونهايتهم .

يقول تعالى أوّلا : ولقد أرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودا {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} .

وقوم «عاد» كانوا أمّة تعيش في أرض «اليمن» وكانت أمّة قوية من حيث المقدرة البدنية والثروة الوافرة التي كانت تصل إليهم عن طريق الزراعة والرعي ، ولكنّها كانت متخمة بالانحرافات الاعتقادية وبخاصّة الوثنية والمفاسد الأخلاقية المتفشية بينهم .

وقد كلّف «هود» الذي كان منهم ـ وكان يرتبط بهم بوشيجة القربى ـ من جانب الله بأن يدعوهم إلى الحق ومكافحة الفساد ، ولعل التعبير بـ «أخاهم» إشارة إلى هذه الوشيجة النسبية بين هود وقوم عاد .

ثمّ إنّه يحمل أيضا أن يكون التعبير بـ «الأخ» في شأن النّبي هود ، وكذا في شأن عدّة أشخاص آخرين من الأنبياء الإلهيين مثل نوح عليه السلام (سورة الشعراء الآية 106) وصالح (سورة الشعراء الآية 142) ولوط (سورة الشعراء الآية 161) وشعيب (سورة الأعراف الآية 85) إنّما هو لأجل أنّهم كانوا يتعاملون مع قومهم في منتهى الرحمة ، والمحبّة مثل أخ حميم ، ولا يألون جهدا في إرشادهم وهدايتهم ودعوتهم إلى الخير والصلاح .

إنّ هذه الكلمة تستعمل في من يعطف على أحد أو جماعة غاية العطف ، ويتحرق لهم غاية التحرق ، مضافا إلى أنّها تحكي عن نوع من التساوي ونفي أي رغبة في التفوق والزعامة ، يعني أن رسل الله لا يحملون في نفوسهم أية دوافع شخصية في صعيد هدايتهم ، إنما يجاهدون فقط لانقاد شعوبهم وأقوامهم من ورطة الشقاء .

وعلى كل حال ، فإنّ من الواضح والبيّن أنّ التعبير بـ «أخاهم» ليس إشارة إلى الأخوة الدينية مطلقا ، لأنّ هؤلاء الأقوام لم تستجب ـ في الأغلب ـ لدعوة أنبيائها الإصلاحية .

ثمّ يذكر تعالى أنّ هود شرع في دعوته في مسألة التوحيد ومكافحة الشرك والوثنية : {قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} .

ولكن هذه الجماعة الأنانية المستكبرة ، وبخاصّة أغنياؤها المغرورون المعجبون بأنفسهم ، والذين يعبّر عنهم القرآن بلفظة «الملأ» باعتبار أنّ ظاهرهم يملأ العيون ، قالوا لهود نفس ما قاله قوم نوح لنوح عليه السلام {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ} .

«السفاهة» وخفة العقل كانت تعني في نظرهم أن ينهض أحد ضد تقاليد بيئته مهما كانت تلكم التقاليد خاوية باطلة ، ويخاطر حتى بحياته في هذا السبيل .

لقد كانت السفاهة في نظرهم ومنطقهم هي أن لا يوافق المرء على تقاليد مجتمعه وسننه البالية ، بل يثور على تلك السنن والتقاليد ، ويستقبل برحابة صدر كل ما تخبئه له تلك الثورة والمجابهة .

ولكن هودا ـ وهو يتحلى بالوقار والمتانة التي يتحلى بها الأنبياء والهداة الصادقون الطاهرون ـ من دون أن ينتابه غضب ، أو تعتريه حالة يأس {قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} .

ثمّ إنّ هودا أضاف : إنّ مهمته هي إبلاغ رسالات الله إليهم ، وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم وخيرهم ، وانقادهم من ورطة الشرك والفساد ، كل ذلك مع كامل الإخلاص والنصح والأمانة والصدق {أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ} .

ثمّ إنّ هودا أشار ـ في معرض الرّد على من تعجب من أن يبعث الله بشرا رسولا ـ إلى نفس مقولة نوح النّبي لقومه : {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} أي هل تعجبون من أن يرسل الله رجلا من البشر نبيّا ، ليحذركم من مغبة أعمالكم ، وما ينتظركم من العقوبات في مستقبلكم؟

ثمّ إنّه استثارة لعواطفهم الغافية ، وإثارة لروح الشكر في نفوسهم ، ذكر قسما من النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم ، فقال : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} ، فقد ورثتم الأرض بكل ما فيها من خيرات عظيمة بعد أن هلك قوم نوح بالطوفان بسبب طغيانهم وبادوا .

ولم تكن هذه هي النعمة الوحيدة ، بل وهب لكم قوة جسدية عظيمة {وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} .

إنّ جملة {زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} يمكن أن تكون ـ كما ذكرنا ـ إشارة إلى قوة قوم عاد الجسدية المتفوقة ، لأنّه يستفاد من آيات قرآنية عديدة ، وكذا من التواريخ ، أنّهم كانوا ذوي هياكل عظيمة قوية وكبيرة ، كما نقرأ ذلك من قولهم في سورة «فصلت» الآية 15 {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} وفي الآية (7) من سورة الحاقة نقرأ ـ عند ذكر ما نزل بهم من البلاء بذنوبهم ـ {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} حيث شبه جسومهم بجذوع النخل الساقطة على الأرض .

ويمكن أن تكون إشارة ـ أيضا ـ إلى تعاظم ثروتهم وإمكانياتهم المالية ، ومدنيتهم الظاهرية المتقدمة ، كما يستفاد من آيات قرآنية وشواهد تاريخية أخرى ، ولكن الاحتمال الأوّل أنسب مع ظاهر الآية .

وفي خاتمة الآية يذكّر تلك الجماعة الأنانيّة بأن يتذكروا نعم الله لتستيقظ فيهم روح الشكر فيخضعوا لأوامره ، علّهم يفلحون {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

ولكن في مقابل جميع المواعظ والإرشادات المنطقية ، والتذكير بنعم الله ومواهبه ، انبرت تلك الثلة من الناس الذين كانوا يرون مكاسبهم المادية في خطر ، وقبول دعوة النّبي تصدّهم عن التمادي في أهوائهم وشهواتهم ، انبرت إلى المعارضة ، وقالوا بصراحة ، : إنّك جئت تدعونا إلى عبادة الله وحده وترك ما كان أسلافنا يعبدون دهرا طويلا ، كلّا ، لا يمكن هذا بحال {قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا} ؟

لقد كان مستوى تفكير هذه الثّلة منحطا جدّا ـ كما تلاحظ ـ إلى درجة أنّهم كانوا يستوحشون من عبادة الله وحده ، بينما يعتبرون تعدّد الآلهة والمعبودات مفخرة من مفاخرهم .

والجدير بالتأمل أنّ دليلهم في هذا المجال لم يكن إلّا التقليد الأعمى لما كان عليه الآباء والأسلاف ، وإلّا فكيف يمكن أن يبرروا خضوعهم لقطعات من الصخور والأخشاب؟!

وفي النهاية ، ولأجل أن يقطعوا أمل هود فيهم تماما ، ويقولوا كلمتهم الأخيرة قالوا : إذا كان حقا وواقعا ما تنذرنا به من العذاب ، فلتبادر به ، أي أنّنا لا نخشى تهديداتك أبدا {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .

وعند ما بلغ الحوار إلى هذه النقطة ، وأطلق أولئك المتعنتون كلمتهم الأخيرة الكاشفة عن رفضهم الكامل لدعوة هود ، وأيس هود ـ هو الآخر ـ من هدايتهم تماما ، قال : إذن ما دام الأمر هكذا فسيحلّ عليكم عذاب ربّكم {قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} .

و «الرّجس» في الأصل بمعنى الشيء غير الطاهر ، ويرى بعض المفسّرين أنّ لأصل هذه اللفظة معنى أوسع ، فهو يعني كل شيء يبعث على النفور والتقزز والقرف ، ولهذا يطلق على جميع أنواع الخبائث والنجاسات والعقوبات لفظ «الرجس» لأنّ جميع هذه الأمور توجب نفور الإنسان ، وابتعاده .

وعلى كل حال فإنّ هذه الكلمة في الآية المبحوثة يمكن أن تكون بمعنى العقوبات الإلهية ، ويكون ذكرها مع جملة «قد وقع» التي هي بصيغة الفعل الماضي إشارة إلى أنّكم قد أصبحتم مستوجبين للعقوبة حتما وقطعا ، وأن العذاب سيحل بكم لا محالة .

كما يمكن أن يكون بمعنى النجاسة وتلوث الروح ، يعني أنّكم قد غرقتم في دوّامة الانحراف والفساد إلى درجة أنّ روحكم قد دفنت تحت أوزار كثيفة من النجاسات ، وبذلك استوجبتم غضب الله ، وشملكم سخطه .

ثمّ لأجل أن لا يبقى منطق عبادة الأوثان من دون ردّ أضاف قائلا : {أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ} فهذه براء ، وجئتم تجادلونني في عبادتها في حين لم ينزل بذلك أي دليل من جانب الله .

وفي الحقيقة ، أنّ هذه الأصنام لا تملك من الألوهية إلّا أسماء من دون مسمّيات ، وهي أسماء من نسج خيالكم وخيال أسلافكم ، وإلّا فهي كومة أحجار وأخشاب لا تختلف عن غيرها من أحجار البراري وأخشاب الغابات .

ثمّ قال : فإذا كان الأمر هكذا فلننتظر جميعا ، انتظروا أنتم أن تنفعكم أصنامكم ومعبوداتكم وتنصركم ، وأنتظر أنا أن يحلّ بكم غضب الله وعذابه الأليم جزاء تعنتكم ، وسيكشف المستقبل أي واحد من هذين الانتظارين هو الأقرب إلى الحقيقة والواقع {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} .

وفي نهاية الآية بيّن القرآن مصير هؤلاء القوم المتعنتين في عبارة قصيرة موجزة : {فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ} أجل ، لقد أنجى الله هودا ومن اتبعه من القوم بلطفه ورحمته ، وأمّا الذين كذبوا بآيات الله ، ورفضوا الانضواء تحت لواء دعوته ، والانصياع للحق ، فقد أبيدوا نهائيا .

و «دابر» في اللغة بمعنى آخر الشيء ومؤخرته ، وبناء على هذا المفهوم يكون معنى الآية : أنّنا أبدنا هؤلاء القوم إبادة كاملة واستأصلنا شأفتهم .

(وسوف نبحث بالتفصيل حول قوم عاد وبقية خصوصيات حياتهم وكيفية عقوبة الله لهم والعذاب الذي نزل وحلّ بهم عند تفسير سورة هود بإذن الله) .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 408-412 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .