أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-06-2015
2919
التاريخ: 25-12-2015
2250
التاريخ: 13-08-2015
3973
التاريخ: 9-04-2015
2542
|
الحلاج (1)
أشهر تلاميذ الجنيد هو الحسين بن منصور المعروف باسم الحلاّج ويقال إن أباه هو الذي كان حلاّجا يحلج الصوف أو القطن أما جدّه فكان مجوسيّا أسلم ودخل في الدين الحنيف، وقد نشأ في مدينة تستر، فلزم سهلا التستري
ص478
الصوفي، الذي أضاف إلى التوبة عند المتصوفة عنصر الندم، والذي أخذ عن الشيعة فكرة عمود النور محل نفوس المؤمنين، وكأن الله يتجلّى فيهم منذ البدء.
وقدم بغداد بعد أن أصبح مزوّدا بكثير من المعارف وصحب الجنيد وأخذ عنه شطحاته وعباراته الطنانة الموهمة، وبالغ فيها وأسرف إسرافا شديدا، ووقع في نفسه أنه أعلى من الجنيد في عالم التصوف وأرفع، وأنه رقى مرتبة الكمال التي طالما حلم الجنيد ببلوغها دون أن يدركها. وفارقة متجها إلى أداء فريضة الحج وأقام بمكة سنة، ثم أخذ يطوف في البلدان وتعرّف في طوافه على أبي بكر الرازي أشهر أطباء العصر وتخرج عليه في الفلسفة اليونانية وعلم الكيمياء، وتعمق في طوافه ورحلاته حتى بلغ الهند، وتعرف فيها على ما يشيع بها من السحر والشعبذة والنيرنجيات. وفي عودته التحق بالقرامطة وتمثّل عنهم عقيدتهم. وأدى فريضة الحج للمرة الثانية، وعاد إلى بغداد سنة 295 للهجرة وأخذ ينشر بها آراءه في أن الزاهد إذا تحمل المشاق والآلام وظل يصفىّ نفسه بالمجاهدات والرياضات المضنية انتهى إلى الدرجة الرفيعة التي يبتغيها إذ يتمثّل في نفسه حقيقة الصورة الإلهية التي سوّاها الله فيه، وبذلك يصبح هو والحق بمنزلة سواء. وجادله أستاذه الجنيد في هذه الفكرة طويلا، غير أن كثيرين من المريدين اجتمعوا حوله، وأخذ يكثر من الشطحات ومن الكلام الموهم للكفر والخروج حتى على متصوفة عصره من مثل «أنا الله»، ويقال إن الشبلي قال له: بل أنت بالله، ومثل «أنا الحق»، ويقال إن الجنيد قال له: بل أنت بالحق.
ويبدو أنه كان يضيف إلى ذلك بعض الشعبذات والمخلوطات الكيميائية التي تعلمها على الرازي والنيرنجيات التي تعلمها في الهند، وأحاطت به ريب المعتزلة واتهموه بالزندقة، وأثار الفقهاء عليه رجال الدولة، فسيق إلى السجن لسنة 301 وظل فيه ثماني سنوات، كان يسمح له فيها بأن يزوره مريدوه وأن يتراسل مع من يشاء.
وحاولت «شغب» أم الخليفة المقتدر وحاجبه نصر أن يخلصاه من السجن، فدعا الوزير حينئذ حامد بن العباس قضاة المذاهب الأربعة لمحاكمته، وانعقدت جلسات المحاكمة، وتقدم الشهود، وشهدوا بأنه ادعى الربوبية والنبوة، ولكنه أنكر ذلك، وثبت عليه أنه يقول بأن الحج ليس من الفرائض الواجب أداؤها شرعا. ولعل هذه التهمة هي التي دفعت الفقهاء إلى الفتوى بصلبه، فقد أنكر ركنا أساسيّا من أركان الدين. ويبدو أنه لم يكن يحلّ المتصوف الذي بلغ مثل منزلته بالمجاهدات
ص479
الشاقة من فريضة الحج وحدها، بل كان يحلّه من جميع الفرائض رافعا عنه التكليف إذ أصبح مساويا للحق. ومن الممكن أن يكون دعا سرّا للقرامطة وأن تكون هذه الدعوة من الأسباب في سجنه وصلبه. وقد نفّذ الحكم عليه في الثاني عشر من ذي القعدة لسنة 309 فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه، وحزّ رأسه ونصب يومين على الجسر، ثم حمل إلى خراسان فطيف به هناك، أما جثته فأحرقت وألقى برمادها في دجلة. وهرب مريدوه إلى خراسان وأخذوا يحيون بها ذكراه، وظلت خالدة على مرّ الأجيال بين متصوفة العرب والفرس والترك.
وكان أهم ما جعل بعض العلماء والناس في عصره حتى اليوم يذهبون إلى زندقته نظريته في الخالق وخلقه فقد كان يظهر أنه يؤمن في الخالق بتنزيهه كما يبدو ذلك في كلمات كثيرة له مثل: «إن الله تعالى لا تحيط به القلوب ولا تدركه الأبصار ولا تمسكه الأماكن ولا تحويه الجهات ولا يتصوّر في الأوهام ولا يتخايل للفكر ولا يدخل تحت كيف ولا ينعت بالشرح والوصف» وهذا تنزيه مطلق عن التشبيه بالمخلوقات ولكنه كان يعود فيقول إن الإنسان إذا أقبل على تحمل المشاق والآلام انطبعت في نفسه الصورة الإلهية. فالله يرى فيه، مع إيمانه بأنه غير مخلوقاته وأنه فوق كل شيء، وهذا هو معنى قوله: أنا الله وأنا الحق، فهو صورة له، وليس هو بعينه، وكأنما الأثر القديم: «إن الله خلق آدم على صورته»، هو الذي جعله ينطق بالكلمتين السابقتين، وهو لا يريد ظاهرهما، إنما يريد أن الله يتجلّى فيه، كما يتجلّى في خلقه ومن هنا أثر عنه أنه كان يقول: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه. وهو لم يستمد النظرية من الأثر السابق وحده فقد استمدها أيضا من نظرية الناسوت واللاهوت اللذين يؤلفان الطبيعة الثنائية للمسيح، إذ آمن باتحاد الناسوت وهو الروح الإنساني في اللاهوت وهو الروح الإلهي، وبذلك يظهر الله بصورته في الإنسان، ونراه يصرح بذلك إذ يقول في الطّواسين:
سبحان من أظهر ناسوته … سرّ سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا لخلقه ظاهرا … في صورة الاكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه … كلحظة الصاحب؟ ؟ ؟ بالحاجب
ص480
وهو يشير في البيت الأول إلى آدم وفي البيتين الثاني والثالث إلى ذريته، فهم جميعا ناسوت يظهر أسرار اللاهوت، ويصدق ذلك على الحلاج كما صدق عند المسيحين على عيسى، ومن هنا قال عن نفسه كما قدمنا: أنا الحق أو أنا الله، ومثّل ذلك في عبارات طنانة، وهو فيها تارة يشعر بالانفصال بين الطبيعتين وأنهما لا تمتزجان في مثل قوله: «اللهم إنك المتجلي من كل جهة المتخلي من كل جهة، بحق قيامك بحقي وبحق قيامي بحقك، وقيامك بحقي يخالف قيامي بحقك، فإن قيامي بحقك ناسوتية وقيامك بحقي لاهوتية»، وتارة ثانية يشعر بأنهما ممتزجتان امتزاجا تامّا؛ يقول مخاطبا ربه:
مزجت روحك في روحي كما … تمزج الخمرة بالماء الزّلال
فإذا مسّك شيء مسّنى … فإذا أنت أنا في كلّ حال
وكأنه يشاهد الله في ذاته، أو كأنما حلّ اللاهوت فيه بالضبط كما آمن المسيحيون في المسيح، فالروح الإلهية أو اللاهوت يحلّ فيه حتى لتشعّ أنواره في كل كيانه، ويصور ذلك بمثل قوله:
حويت بكلّى كلّ كلّك يا قدسي … تكاشفني حتى كأنك في نفسى
وقوله:
أنت بين الشّغاف والقلب تجري … مثل جري الدموع من أجفاني
وتحلّ الضمير جوف فؤادي … كحلول الأرواح في الأبدان
وهكذا تجري على لسانه كلمة الحلول، وكل ذلك يؤكد أنه تثقف بالثقافة المسيحية وعرف ما قيل فيها من طبيعة المسيح معرفة بيّنة واستقر في نفسه أن كل ما قيل عن اللاهوت والناسوت فيه يصدق على كل متصوف جاهد جهادا عنيفا في الاتصال بربه ومحبته محبة تملك عليه الشغاف من قلبه، حتى ليحس في قوة بالاتحاد معه، مما جعله يقول:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا … نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته … وإذا أبصرته أبصرتنا
ص481
وقد رفع الرّسول صلى الله عليه وسلم مراتب فوق جميع الخلق، ويبدو أنه أول من أعدّ لفكرة الحقيقة المحمدية، وأن محمدا بتلك الحقيقة لا بصورته الجسدية يعدّ مبدأ العالم، إذ هو النور الذي تفجّرت من ينابيعه جميع أنوار النبوات، بل هو مبدأ الوجود كله ونبعه الفيّاض السابق لكل موجود، أو بعبارة أخرى هو الحقيقة الإلهية السارية في الوجود.
وتكثر عنده كلمات الوجد ولهيبه المشتعل في القلب والسكر ونشوته التي تفقده وعيه والفناء الذي تفنى فيه جميع حواسه، حتى ليرى كأن وجوده هو نفس وجود الذات العلية، وفي ذلك يقول:
إذا بلغ الصّبّ الكمال من الهوى … وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
فشاهد حقّا حين يشهده الهوى … بأن صلاة العارفين من الكفر
فكمال الحب الصوفي عنده أن يجاهد المتصوف ويعاني ويلقى الأمرّين في حبه بمداومة ذكر محبوبه وتسبيحه حتى ليغيب عند ذكره حين تأخذه نشوته به، فيغيب عن ربه ويغيب عن الوجود كله. وحينئذ يصل المتصوف إلى حال تجعله يؤمن بأن صلاة أمثاله من الكفر، وهو يريد أنه حين يصل إلى هذه الحال يرتفع عنه التكليف.
وبذلك يتضح أنه هو الذي أعدّ للانفصام بين أهل الحقيقة من المتصوفة وأهل الشريعة من الفقهاء. وظل هذا الانفصام قائما بعده عند الغلاة من المتصوفة حتى رتق فتقه القشيري والغزالي في القرن الخامس الهجري. ويبدئ ويعيد في تصوير مجاهداته وما يحتمل فيها من أهوال طوال وآلام ثقال، كقوله في بعض مناجاته للذات العلية: «أنت تعلم ولا تعلم، وترى ولا ترى. . . وأنا بما وجدت من روائح نسيم حبّك وعواطر قربك أستحقر الراسيات، وأستخفّ الأرضين والسموات، وبحقك لو بعت منى الجنّة بلمحة من وقتي أو بطرفة من أحرّ أنفاسي لما اشتريتها، ولو عرضت علىّ النار بما فيها من ألوان عذابك لاستهونتها في مقابلة ما أنا فيه من حال استتارك عنى». ومن قوله في وصف مجاهداته:
لقد ركبت على التغرير واعجبا … ممن يريد النّجا في المسلك الخطر
كأنني بين أمواج تقلّبني … مقلّب بين إصعاد ومنحدر
ص482
الحزن في مهجتي والنار في كبدي … والدّمع يشهد لي فاستشهدوا بصري
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إنه هو الذي وضع في التصوف الإسلامي فكرة أن الأديان جميعا تؤدّى إلى الله. وفقط تختلف شعائرها، ولكنها تتحد في الغاية.
وبذلك تخطّى حدود الإسلام إلى حدود الديانات جميعا، مما جعله يقول:
ألا أبلغ أحبّائي بأني … ركبت البحر وانكسر السّفينة
ففي دين الصّليب يكون موتى … ولا البطحا أريد ولا المدينة
وهو لا يريد أن يقول إنه انسلخ عن الإسلام وأصبح لا يريد الموت في بطحاء مكة ولا في المدينة المقدسة، إنما يريد أن يقول إنه يرى الله في المسجد وفي الدّير وفي كل معبد من معابد الديانات. فالديانات جميعا عنده سواء. وفي الحق أن أشعاره وأقواله تحمل كثيرا من الإيهام والغموض حتى لتصبح أحيانا-كما في كتابه الطواسين-ألغازا خالصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع في ترجمة الحلاج وأخباره وأشعاره السلمى 308 وتاريخ مسكويه 1/ 76 والفهرست ص 283 والفخري في الآداب السلطانية ص 192 وتاريخ بغداد 8/ 112 والطبري 10/ 147 وابن الأثير وتكملة تاريخ الطبري ص 23 وابن خلكان والنجوم الزاهرة 3/ 202 وشذرات الذهب 2/ 253 وكتاب أخبار الحلاج (طبع باريس) وكتاب في التصوف الإسلامي لنيكلسون (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) وكتابه الطواسين نشر ماسينيون بباريس وكتاب ماسينيون عنه.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|