أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015
8044
التاريخ: 3-03-2015
6077
التاريخ: 3-03-2015
18269
التاريخ: 12-08-2015
3746
|
اتبع نحاة في اواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري منهجا جديدا في دراستهم ينبني على الانتقاء من المدرستين البصرية والكوفية ، وبذلك نشأ جيل من النحاة يحمل اراء المدرستين ، ويعني بالتعميق في مصنفات اصحابهما ، والنفوذ من خلال ذلك الى كثير من اراء النحوية الجديدة (1). وكان بعضهم يقبلون على الكوفة ويزيدون من الاخذ عنها، لكنهم يأخذون عن البصرة وان كان ميلهم الى الكوفة اشد ، واشهر هؤلاء: ابن كيسان (ت299هـ)وابن شقير(ت315هـ) وابن الخياط(ت320هـ)(2). وفي الاتجاه الثاني كان عدد اخر من العلماء يقبلون على البصرة ، ويأخذون عن الكوفة، لكن ميلهم الى البصرة اشد ، واشهر هؤلاء: الزجاجي(ت337هـ)وابو علي النحو(ت377هـ)وابو عثمان بن جني (ت392هـ) (3).
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أهناك مذهب بغدادي بالمعنى الدقيق، له منهج ثابت ، واراء نحوية محددة وشخصية متميزة من المذهبين البصري والكوفي ؟ أم ان الامر مجرد نزوح بعض النحاة واللغويين الى بغداد ،من الكوفة أو البصرة، واستقرارهم فيها على الرغم من أراءهم المعروفة، أذن: لابد من الوقوف على أراء القدماء والمحدثين في نشؤ هذا المذهب ان كان مذهب بالمعنى الدقيق ،اذ اختلف الآراء في قيامه ، فمنهم من اثبته ومنهم من انكرهن فماذا قال القدماء؟
ص111
1ـ مواقف القدماء: أول من ترجم للنحاة وتحدث عن نشأة النحو محمد بن سلام الجمحي(ت231هـ) ولم يتطرق الى اسم مذهب بغدادي ، وانما تحدث عن نحاة البصريين الاوائل ،فبدأ بأبي الاسود الدؤلي ، وانتهى بالخليل بن احمد الفراهيدي، وجاء بعده ابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)وتحدث في كتاب (المعارف) عن النحويين لكنه لم يتجاوز بهم الكسائي (ت189هـ) والفراء(ت207هـ) من النحاة الكوفيين ، والاخفش سعيد بن مسعدة من النحاة البصريين ، ثم ذكرو ابو الطيب اللغوي في كتاب (مراتب النحويين) اسماء النحويين البصريين والكوفيين ولم يرتبهم على مذهب.(4)
اما قول ابي الطيب (فلم يزل اهل المصرين على هذا حتى انتقل العلم الى بغداد قريبا وغلب اهل الكوفة على بغداد)(5)، فقول ال يعني ان انتقال العلم الى بغداد قد ادى الى نشؤ مذهب جديد استقر في بغداد وسمي بالمذهب البغدادي ، والمقصود (بأهل بغداد الذين اختلط بهم العلم ، هم تلامذة الكسائي والفراء من بعده الذين كانوا ببغداد ، ومن اخذوا عنهم في بغداد )(6)، وجاء بعد ابي الطيب اللغوي ابو سعيد السيرافي ت(368هـ الذي ألف كتاب (اخبار النحويين البصريين)وقد قصره على ذكر نحاة البصرة ولغوييها ،ولم يتطرق لأي كلام عن بغداد، أو اهلها ، ولم يشر الى تسمية نحاتها بالبغداديين(7). ثم جاء الزبيدي (ت379هـ) وقسم كتابة ( طبقات النحويين واللغويين) على خمس طبقات هي: البصريون، والكوفيون ، والمصريون، القرويون، والاندلسيون، ولم يذكر طبقوا للبغداديين(8) وكان المرزباني (ت386هـ) اول من افرد قسما من طبقاته
ص11
لنحاة بغداديين في كتاب ( نور القبس) وقسمه على ثلاثة مجموعات (الاولى : من اخبار العلماء النحاة والرواة من أهل البصرة، الثانية: من رواة الكوفة وعلمائها وقرائها، والثالثة : من أخبار العلماء النحاة والرواة من أهل بغداد ومن طرأ عليها من الامصار(9) (لكن المرزباني لم يذكر طبقة تنتمي الى مدرسة بغداد ، وانما اشار الى العلماء والنحاة والرواة بحسب موطنهم ، فمنهم ما اهل البصرة، ومنهم من أهل الكوفة، ومنهم ما أهل بغداد ، وهذا لا يعني ان هناك مدرسة بغدادية لها اصولها ومبادؤها وآراؤها الخاصة التي تميزها من غيرها ، وتابع ابن النديم (ت385هـ) في كتاب الفهرست) المرزباني في هذا القسم، وقال: (والفن الثالث في ذكر قوم من النحويين خلطوا المذهبين واسماء كتبهم)(10). لكن ابن النديم لم يطلق على هؤلاء الذين خلطوا المذهبين بأنهم بغداديون أو ينتمون الى المدرسة البغدادية .
اذن فمن خلال عرض اراء القدماء ، لم نجد اشارة واحدة تدل على ان هناك مذهبا نحويا يطلق عليه المذهب البغدادي .
ولنسمع أذن ما يقوله المعاصرون؟
2ـ موقف المعاصرون: من اوائل من قالوا بنشأة المذهب البغدادي الشيخ محمد الطنطاوي في كتابه(نشأة النحو)،قال : (ان فترة من الزمن بعد تلاقي المدرستين اختلفت فيها اتجاهات العلماء الى ثلاثة انحاء اعقبها ركونه الى الاكتفاء بالمذهب البغدادي الجديد) (11). ثم ذكر الطنطاوي الآراء التي عول البغداديون فيها على مدرسة الكوفة ، والآراء التي عولوا فيها على مدرسة البصرة(12) وقد تأثر الدكتور عبد الحميد حسن بما ذكره الطنطاوي ، واتبعه في معظم ما ذهب اليه. (13)
ص113
وقال: (وقد اتيح للبغداديين بهذا ان ينظروا في المذهبين البصري والكوفي من المذهبي، واضافوا الى ذلك ما عن لهمك من اراء خاصة.....) (14) وجاء الاستاذ طه الراوي فأتى بمفهوم جديد عن المذهب البغدادي ، فهو في رأيه مذهب توسع في الروايات وابتعاد عن اصول النحو والتباهي بالترخيصات والتفاخر بالنوادر والطرائف حتى ابتعدوا عن اصول اشياخهم ن واستوى لديهم مذهب انجاز عن مذهب اسلافهم ، عرف بالمذهب البغدادي من امهات المذاهب في علم النحو.(15)
ورأى الدكتور شوقي ضيف ان المدرسة البغدادية تقوم على الانتخاب من اراء المدرستين البصرية والكوفية جميعا(16) وقد تقاربتا واندمجتا في نهاية القرن الثالث الهجري في مدرسة بغداد التي عني نحاتها بانتخاب مزايا كل من المدرستين السالفتين(17) ولا يختلف رأي المخزومي عن رأي شوقي ضيف بوجود مدرسة بغدادية قائمة على مذهب انتقائي، حيث قال : (ان طبقة من الدارسين اخذت عن شيوخ المدرستين ،فعرفوا المنهجين واستفادوا من الفئتين، والمذهب البغدادي ليس الا مذهبا انتخابيا في الخصائص المنهجية للمدرستين جميعا(18)، اما الدكتور احمد مكي الانصاري فلم يخرج عن رأي الاستاذين شوقي والمخزومي، لكنه عد الفراء هو المؤسس الحقيقي للمذهب البغدادي (19)، ورأى ان البذرة الاولى كانت على يد عيسى بن عمر وتطورت حتى شكلت نواتها على يد يونس بن حبيب.
ص114
واعترف الاستاذ سعيد الافغاني بوجود مذهب بغدادي نفقال : (كانت بغداد حاضرة الخلافة العباسية هي السوق التي كان يروج فيها العلم والادب ، فكن يرتحل اليها العلماء كافة....فقد نشر الكوفيون فيها نحوهم ، وقصدها نحاة البصرة ايضا، ونشأت طبقة جديد في بغداد اختارت من المذهبين ، وكونت ما يعرف بالمذهب البغدادي.(20).
واعترف الاستاذ محمد أمين بنشأة المذهب البغدادي ، وجعل ابن قتيبة من ممثليها، قال: (فقد كان التقاء الكوفيين والبصريين في بغداد من العلماء سببا في عرض المذهبين ، وتقدهما ، والانتخاب منهما ، ووجود مذهب منتخب كان من ممثلية ابن قتيبة).(21)
وذكر عبد الرحمن السيد في نهاية كتابه(مدرسو البصرة) موضحا ان التقاء المبرد بثعلب قد هيأ لمن رحل الى بغداد من العلماء (فرصة الموازنة والمقارنة ،وأتيحت له ظروف الالتقاء والاختيار ، وكان ذلك ارهاصا بظهور مذهب جديد ) (22).
ومن الذين قالو بنشأة المدرسة البغدادية الدكتور مازن المبارك(23)، والدكتور احمد مختار عمر(24)، والدكتور عبد الرحمن الراجحي(25)، والدكتور عبد الحليم النجار(26)، اما الذين نفوا وجود مدرسة بغدادية ، فهم : المستشرق(فايل)ويأتي في مقدمتهم ،فقد ادعى ان الكوفة لم تؤسس لنفسها مدرسة نحوية خاصة
ص115
بها، وهذا يعني عدم وجود مدرسة بغدادية ، لان وجودها انما كان اصلا بوجود مدرستي البصرة والكوفة معا(27) ورأى (فايل) بإنكار مدرسة الكوفة فيه كثير من التطرف والتجني.
ومن الذين نفوا وجود مدرسة بغدادية الدكتور عبد الفتاح شلبي الذي قال بعد ان عرض من اراء من اثبتوا قيامها: (فرأى ان ما ذهب اليه بعض الباحثين من ان هناك مدرسة نحوية باسم مدرسة بغداد متميزة عن المدرستين البصرية والكوفية، لا يتفق هو وما كان يراه الاقدمون الاولون من اصحاب التراجم والطبقات(28).
وكان من الذين نفوا وجود مدرسة بغدادية الاستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي(29). وقد وضع اسسا خاص تحدد شخصية المدرسة أو المذهب ، فقال : أنه لا يصح اطلاق اسم مذهب او مدرسة الا ان تكون هناك اسس مستقلة واراء متميزة واضحة محددة، والا فهو مذهب أما بصري ، واما كوفي أو نحوهما ...وان المكان وحده لا يصح ان يسمى المدرسة باسم ما فتعد مدرسة نحوية مستقلة ، كما لا يصح ان يسمى القائمين بها) .
وحدد الدكتور فاضل السامرائي ثلاثة شروط للمدرسة ،قال : ( ينبغي ان ينظر في هذا الامر من ثلاثة نواح حتى يمكن اطلاق اسم مدرسة عليه : من حيث الاسس التي تتبعها في اصول البحث ، ومن المصطلحات ،ومن حيث المسائل الخلافية ،فان استقلت ،فان استقلت بكل ذلك فهي مدرسة خاصة ، والا فيهي تبع) (30).
هذه هي الآراء التب قبلت في قيام المدرسة البغدادية ، وفي تصوري ان المدرسة البغدادية ان كان لها وجود وكيان مستقل ، فان وجودها لم يظهر طفرة واحد
واحدة ، ولم يطف على السطح فجأة دون مقدمات ،أو مسببات ، وانما لابد لظهور هذا الوجود من تدرج ولا بد له من اسس حقيقة (31).
ص116
___________________________
(1) المدارس النحوية شوقي ضيف ص:245.
(2) المذاهب النحوية د. عبدة الراجحي ص160.
(3) المذاهب النحوية، عبد الراجحي ص160.
(4) المدارس النحوية، خديجة الحديثي ص252.
(5) مراتب النحويين ص90 (المصران : البصرة والكوفة).
(6) المدارس النحوية ،خديجة الحديثي ص255.
(7) المدارس النحوية، خديجة الحديثي ص256.
(8) المدار النحوية ،خديجة الحديثي ص256.
(9)المصدر نفسه ص256.
(10) الفهرست لابن النديم ص115.
(11) نشأة النحو ص90.
(12) نشأة النحو ص91.
(13) المدرسة البغدادية ص48.
(14) القواعد النحوية ص105.
(15)المدرسة البغدادية ص49.
(16) المدارس النحوية ن شوقي ضيف ص245.
(17) المصدر نفسه ص245، المدرسة البغدادية د. محمود حسني ص 49.
(18) مدرسة الكوفة د. المخزومي ص70، المدرسة البغدادية ص49.
(19) ابو زكريا الفراء للأنصاري ص366،والمدارس النحوية ،خديجة الحديثي ص261، المدرسة البغدادية ص 50.
(20) من تاريخ النحو ص92،في اصول النحو: ص230.
(21) ضحى الاسلام:2/289، المدرسة البغدادية:51،المدارس النحوية خديجة الحديثي:259.
(22) مدرسة البصرة :285، المدرسة البغدادية : 51.
(23) الزجاجي :72.
(24) البحث اللغوي عند العرب:98.
(25) دروس في كتب النحو:105.
(26) مقدمات الخصائص:44.
(27) مقدمة الانصاف : ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار.
(28) ابو علي النحوي :446، المدرسة البغدادية :52،والمدارس النحوية ، خديجة الحديثي:262.
(29) ابن جني النحوي، د. فاضل السامرائي : ص:251ـ252ـ 254ـ 255.
(30) ابن جني النحوي: 251.
(31) المدرسة البغدادية: 53- 54.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|