أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
3746
التاريخ: 3-03-2015
8044
التاريخ: 3-03-2015
1774
التاريخ: 12-08-2015
8288
|
اما اذا افترضنا ان هناك مذهبا بغداديا مستقلا فكيف نشأ وتكون وتطور ؟ ومن هم علماءه من النحاة واللغويين؟
لقد بذر الاخفش الاوسط(ت215هـ)البذرة الاولى للمذهب البغدادي ، وقارب بين المدرستين باتخاذ منهجا وسطا ومعتدلا، وتأثر به النحاة الذين اتوا بعده ،وقد عدل الفراء من موقف مدرسة الكوفة، ووقف المازني والمبرد بعده موقفا معتدلا ،فاسهموا اسهاما فعالا في التمهيد مع الاخفش في ظهور المدرسة البغدادية ،التي لم يكن الظرف مواتيا لظهور آنذاك ،لغلبة حدة التعصب على كلا الفريقين.(1)
لقد اثمرت البذرة التي غرسها الاخفش الأوسط في الجيل الثالث بعده ،اي: في تلاميذ المبرد وثعلب ، في القت الذي كان فيه المذهبان النحويان قائمين ،فاصبح في بغداد منذ بداية النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، ثلاثة مذاهب نحوية : المذهب البصري والمذهب الكوفي، والمذهب البغدادي .(2) فطبق المذهب البغدادي بذلك الاتجاه الذي اختطه الاخفش الاوسط ، الذي مهد الفراء والمازني والمبرد لتثبيته مع بقائهم مشدودين الى مالتزموا به، وتحرر افراد هذا المذهب من القيود والتزامات وانطلقوا الى مجال ارحب واوسع فاطلعوا على المذهبين من دون تعصب ، وبدأوا ينتقون من المذهبين وينتخبون ما يقنعون بصوابه.
ص117
ولما كان لمذهب البصرة، ومذهب الكوفة اثر كبير في تكوين عقلية نحاة بغداد ،فان هؤلاء لم يستطيعوا ان يتحررا تماما مما اخمر في اذهانهم من أراء المذهبين وعللهما ولم يكن بمقدورهم التجرد من ذلك الانفلات منه، ولذلك بقي تأثرهم بما أخذوا واضحا في آرائهم وفي مذهبهم الجديد.(3)
ومن هنا نرى ان بعض البغداديين يميلون الى مذهب البصرة دون تعصب على مذهب الكوفة، وان بعضهم مانوا يميلون الى مذهب الكوفة دون تعصب على مذهب البصرة، ولكن جميع البغداديين يلتقون في وسط الطريق، وهو الاعتدال ، والموقف الوسط، والانتخاب من المذهبين دون تحيز او تعصب.(4)
خصائص المذهب البغدادي
تميز المذهب البغدادي بالخصائص الاتية:
1ـ السماع: كان المذهب البصري يتشدد في الأخذ عن العرب ولم يقبل الا ما سمع من العرب الفصحاء الذين سلمت فصاحتهم من شوائب التحضر وآفاته، وهم سكان البوادي ونجد والحجاز وتهامة من قيس وتميم واسد(5)، بينما كان الكوفيون لا يميزون بين لغات العرب، ويأخذون عن جميعهم بدويهم وحضرهم(6).
اما البغداديون فلم يكونوا يميزون بين لغة وأخرى، او يفضلون ما ورد عن قبيلة على ما ورد عن قبيلة اخرى، فاللغات عندهم كما عند الكوفيين، كلها يحتج بها، فهذا ابن جني الذي يمثل المذهب البغدادي في أقواله خير تمثيل، قال: (اللغات على اختلافها كلها حجة (7)، وان الزجاجي الذي سبق ابن جني ،وهو بغدادي
ص118
ايضا ، كان يجيز لغات العرب مهما تنوعت ويحترمها ولا يقبل ان يصفها بالشذوذ، وان خالفت قياس البصريين(8).
ولم يخالف البغداديون البصريون في عدم التمييز بين لغات العرب فحسب ، وانما كانوا يأخذون عن الاعراب الذين توطنوا في الحاضر(9).
وقد ذهب الزمخشري من البغداديين المتأخرين ابعد من ذلك ،فكان يرى جواز الاحتجاج بكلام ، ائمة اللغة وكبار رواتها جاعلا ما يقولونه بمنزلة ما يروونه.(10)
وكان ابن جني يأخذ عن الاعراب من بني عقيل الذين توطنوا في العراق ، وملكوا الكوفة فالبلاد الفراتية وتغلبوا على الجزيرة ، والموصل، وهو يخالف في هذا الاتجاه البصريين، ويقارب الكوفيين، ولكن لم يأخذ الا عن الفصحاء(11).
وخلاصة القول: ان المذهب البغدادي يقف وسطا بين المذهبين ، فلا يميز بين لغات العرب الا بقدر فصاحته، ولا يرفض اية لغة منها، ولكن يجوز لنفسه انن يأخذ بلغة من غير رفض الاخرى أو تضعيفها ، وكان المذهب البغدادي اخذ عن الاعراب الذين كانوا يحيطون بالحواضر والذين توطنوا في بعضها مثل بني عقيل.(12)
2ـ القياس : لقد بني البصريون قواعدهم على الأعم الاغلب من كلام العرب ، فكانوا لا يقيسون على المثال الواحد ، أو الامثلة النادرة ، وكانوا يتشددون في ذلك .
أما الكوفيون فكانوا يقيسون على المثال الواحد ، والامثلة النادرة، ولو عارضت
ص119
قاعدة من قواعدهم ، او اصلا من اصولهم(13)
وقد وقف البغداديون موقف وسطا بين المذهبين البصري والكوفي في القياس تبعا للأخفش الاوسط مؤسس مذهبهم ،فقد يقبلون المثال الواحد الشاذ عند البصريين ، وفق مبدأ معين وبعد مناقشة له ، ويجوز عدم قبوله ،وقد وضع ابن جني مبدأ المذهب البغدادي في هذا النوع من الامثلة، وقسمه على اقسام ومراتب.(14)
وكان الزجاجي البغدادي يقيس على النادر الشاذ من الامثلة ، فكان يرى ان (امس) قد تأتي مبنية على الفتح قياسا على قول الشاعر: (15)
اني رأيت عجبا مذ امسا عجائزا مثل السعالي خمسا
وجوز ابن جني متبعا الاخفش ان يتصل ضمير المفعول به الفاعل المتقدم قياسا على قول احد أصحاب مصعب بن الزبير فيه،(16)
لما طالبوه مصعبا ذعروا وكاد لو ساعد المقدور ينتصر
فقد اشتمل الفاعل (طالبوه)على ضمير يعود على المفعول به المتأخر(مصعبا)وهناك امثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.(17)
3ـ القراءات الشاذة: ليس هناك شك ان القران الكريم افصح ما نطقت العرب به، وهو الينبوع الاعظم، والدليل الاسلم في تقرير قواعد النحو، وتحرير مسائله فكثر استشهاد النحاة به ، واعتمادهم عليه، وقد اتفق النحاة على صحة الاحتجاج بقراءاته المختلفة.(18)
ص120
قال السيوطي : (فكل ما ورد انه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية سواء كان تواترا أم أحاد، أم شاذ، وقد اطبق الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية اذا لم تخالف قياسا معروفا...(19).
غير ان البصريين كانوا لا يقرون الاحتجاج بالقراءات الشاذة، بل كانوا يرفضونها ، اما البغداديون فكانوا يرون ان القران الكريم محكم لا يتكلم العرب بشيء اجود منه، فكان الزجاج البغدادي يقول: (القران الكريم محكم لا لحن فيه ولا شيء يتكلم العرب بأجود منه في الاعراب)(20).
وكان ابن جني يرى ان الشاذة قد يكون مساويا مكن الفصاحة ،ومدعوما بالرواية التي تثبت صحة رسوخه، فلا يجب على هذا الاساس رده أو الغض منه(21).
ويبين ابن حني سبب قبول الشاذ من القراءات فضلا عن دعم الرواية له، فيرى ان من اقوى الاسباب روايته عن الرسول(ص) ولان الله أمر بالأخذ به، قال: (وعاذ الله وكيف يكون هذاـ رفض الشاذ ـ والرواية تنمية الى رسول الله(ص) والله تعالى يقول: (وما اتاكم الرسول فخذوه)(22) وهذا حكم عام في المعاني والالفاظ واخذه هو الاخذ به، فكيف يسوغ مع ذلك ان ترفضه وتجتنبه......؟) (23). وابن جني لا يعبر في هذا القول عن رايه الخاص وانما عن نحاة المذهب البغدادي ، وبخاصة الاستاذه ( ابو علي النحوي) الذي كان ينوي ان يؤلف كتابا في القراءات الشاذة يحتج لها ويدافع عنها(24)، ولكنه يجب الا يفهم ان ابن جني وغيره من البغداديين ، كان يقبل الشاذ على علاته دون دراسة أو دعم بأدلة
ص121
مروية ، انما كان يرجع بالقراءة الى اللغة ليلتمس دليلا يقيسها عليه ،فاذا لم تجد دليلا يستند اليه فلا حرج من ردها وتضعيفها وخير مثال على ذلك ،قراءة ابن محيص (ثم اطره الى عذاب النار)بإدغام الضاد في الطاء ، عد ابن جني هذه القراءة لغة مرذوله، وقال في قراءة ابي يعفر يزيد (للملائكة اسجدوا) بضم التاء : هذا ضعيف عندنا جدا.(25)
والخلاصة: كان البغداديون يقبلون من القراءات الشاذة ما دعمته الرواية، وقام عليه الدليل فيضعونه حينئذ في مركز قوى لا يقبل عن مكانه الفصيح الذي يقاس عليه ، ولكنه اذا اعوزها الدليل ،ولم يعثر على سند لها رفضت وردت، عدا الزمخشري الذي كان يميل الى رفض الشاذ، وبالغ في رفضه، فيقبحه ، ويستهجن القراءة به(26).
4ـ الاحتجاج بالحديث: كان النحاة الاوائل من بصريين وكوفيين يحتجون بالحديث النبوي في مواطن قليلة، وبعد تحرج شديد لأسباب كثيرة.
امام البغداديون فقد خرجوا في القرن الرابع الهجري على المبدأ الذي سار عليه البصريون والكوفيون، فاتخذوا من الحديث مصدرا من مصادر السماع الاساسية ، واحتجوا به في مواطن كثيرة(27).
وقد احتج به الزجاجي في جزم فعل الامر للمخاطب ،قال : (واذا كان الامر للمخاطب باللام كان مجزوما بها، كقولك: (لتخرج يا زيد، ولتركب يا عمرو، وهي لغة جيدة) (28)وقد روى عن الرسول (ص)أنه قرأ(فبذلك فلتفرحوا) (29).
ص122
ومن البغداديين الذين اكثروا من الاحتجاج بالحديث الشريف جار الله الزمخشري في كتابه(الاحاجي النحوية) خاصة ،فقد احتج على ابدال السين شيئا والشين سينا، قال(وفعيل)المجموع على (فَعَلة) قولهم(سراة) وفي جمع(سَرِيَ) وهو اسم جمع جعله سيبويه في انه غير تكسير مثل(إخوة)في جمع(أخ) قال: ويدلك على هذا قولهم (سَروات)يعني لو كان تكسيرا نحو(كَتبة) لما قبل ذلك كما يقال (كتبات وكفرات).(30)
ونحو: (سراة) و (شراة) بالشين المعجمة ، وهو خيار المال، الواحد(شري)وفي حديث أم زرع( ونكحت بعده سريا ركب شريا)ويقال: سرايا النساء وشراياها جمع سريه وشرية، واسترى الشيء) واشتراه: اختياره، فان قلت: هل يجوز ان يقال(أسرياء في جمعه، كأتقياء واولياء؟ قلت : لم يقولوه، استغنوا عنه بسراة.(31)
5ـ الاحتجاج بشعر المولدين: والمولدون من الطبقة الرابعة(32) ويقال لهم المحدثون، كبشار وابي نؤاس، ولم يستشهد احد من الكوفيين بشعر المولدين عدا الفراء الذي خرج على مذهب اصحابه وقد تأثر البغداديون به فأكثروا من ذلك.(33)
ومن البغداديين الذين استشهدوا بشعر المولدين ابو علي النحوي، فقد استشهد ببيت ابي تمام(34)
من كان مرعى عزمه وهمومه روض الاماني لم يزل مهزولا
ص123
وكان الزمخشري يستشهد بشعر ابي تمام ويقول: (وهو وان كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية ،فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه.....)(35). واحتج ايضا بشعر المتنبي علي مجيء(بنا) حالا ،كقوله: تدوس منا الجماجم والتريبا، أي: تدوسها ونحن راكبوها.(36) واحتج بشعر البحتري ، واول ما جاء فبه من جمع (رعد)على (رعود) و ( بروق).
قال البحتري:
ياعارضا متلفعا بيروده يختال بين بروقة ورعوده
اما ابن جني على اعجابه الشديد بشعر ابي نؤاس وشعر المتنبي فانه لم يستشهد به الا في مجال المعنى.(37)
6ـ الانتخاب من المذهبين: اذا كان التعصب قد بلغ اشده في بغداد بين المذهبين البصري والكوفي في منتصف القرن الثالث الهجري على يد المبرد وثعلب، فان التعصب قد انصهر وتلاشى ،فكان عاملا من عوامل ظهور المذهب البغدادي(38)ولم يعد النحو البغدادي يفرق بين نحوي بصري ،او نحوي كوفي ، فكان يأخذ عن هذا ،وعن ذاك ،ويروي البصريين والكوفيين(39)، ومن الذين اشتهروا بالرواية عن المذهبين : الزجاج ،وابو علي النحوي ، وابن جني ،وقد وجد البغداديون امامهم ثروة نحوية هائلة خلفها لهم البصريون والكوفيون ،ووجدوا
ص124
آراء متعدده في المسالة الواحدة(40) ومن امثلة ذلك ما يأتي:
1ـ مسألة حبذا: مذهب سيبويه ان(حب)فعل ماض، و(ذا) فاعل ، والمخصوص مبتدأ في مثل (حبذا زيد) والجملة من الفعل والفاعل خبره، والرابط بينهما اسم اشارة ،وقيل : المخصوص مبتدأ محذوف (41) وقيل المخصوص خير محذوف المبتدأ، وقيل : عطف بيان، وقيل :بدل ، وقيل :ان(حب)و(ذا) مركبان، وغلبت عليه الفعلية لتقدم الفعل فصار الجمع فعلا ماضيا ، وما بعده من المخصوص فاعل، وقيل: مركبان ،ولكن الاسمية هي التي غلبت، والاثنان اسم مبتدأ، وما بعده من المخصوص خبره(42)
2ـ مسألة(ما رأيته مذ يومان) و(منذ يومان):
قيل (مذ) و(منذ) كل منهما مبتدأ ،وما بعدهما خبر عنهما واجب التأخي، وقيلهما خبران مقدمان وما بعدهما مبتدأ، وقيل : هما ظرفان وما بعدهما فاعل بـ (كان)تامة محذوفة ، والتقدير: من الزمان الذي هو يومان(43).
ص125
______________________
(1) المدرسة البغدادية:112.
(2) المدرسة البغدادية ص115.
(3) المدرسة البغدادية ص 115.
(4) المدرسة البغدادية ص116.
(5) الاقتراح:23، والمزهر:1ـ211، والمدارس النحوية، شوقي:159.
(6) المدرسة البغدادية ص128.
(7) المزهر:1/257.
(8) الجمل للزجاجي ص:70، 71، 171، 173، 174، والمدرسة البغدادية ص129.
(9) معجم الادباء :12 /105.
(10) الكشاف للزممخشري:1 /87،المدرسة البغدادية ص129.
(11) انظر: صبح الاعشى 1 /342، المدرسة البغدادية ص129.
(12) انظر: المدرسة البغدادية ص131.
(13) المدرسة البغدادية ص132.
(14) انظر: المزهر:1 /248، المدرسة البغدادية ص132.
(15) شرح الكافية :2 /126.
(16) شرح ابن عقيل 1 /494.
(17) انظر: المدرسة البغدادية ص135ـ136،لتقف بنفسك على تلك الامثلة.
(18) المدرسة البغدادية ص137.
(19) الاقتراح للسيوطي :17.
(20) اللغة والنحو:98.
(21) المحتسب لابن جني:1 /32، المدرسة البغدادية: 137.
(22) سورة الحشر، آية: 7.
(23) المحتسب:1/33، المدرسة البغدادية:138.
(24) المدرسة البغدادية:138.
(25) المحتسب 1 /106، وفيه امثلة كثيرة من هذا النوع.
(26) المدرسة البغدادية:140.
(27) المدرسة البغدادية:140.
(28) الجمل للزجاجي :216.
(29) سورة يونس: آية 58.
(30) الاحاجي النحوية للزمخشري :19.
(31) الاحاجي النحوية :19 ـ20 .
(32) خزانة الادب:1/3، العمدة: 1 /113.
(33) المدرسة النحوية ص114.
(34) الايضاح العضدي، 102.
(35) الكشاف:1 /87.
(36) الكشاف:1 /138، وخزانة الادب 1 /3.
(37) الكشاف:1 /83.
(38) المدرسة البغدادية:145.
(39) المدرسة البغدادية:146.
(40) المدرسة البغدادية:146-147.
(41) المدرسة البغدادية:148.
(42) شرح التصريح: 2 /99.
(43) المدرسة البغدادية ص148.
(44) المدرسة البغدادية ص147، 149. ونقل لنا السيوطي في كتابه همع الهوامع مسائل كثيرة يمكن الاطلاع عليها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|