أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2018
867
التاريخ: 28-11-2018
1425
التاريخ: 28-11-2018
1377
التاريخ: 28-11-2018
976
|
علاقة علم اللغة بما عداه من البحوث
تقدَّم أن علم اللغة من العلوم الاجتماعية، وأن طائفة العلوم الاجتماعية تمتاز عن بقية طوائف العلوم بشدة الصلة التي تربط فروعها بعضها ببعض(1). فعلم اللغة متصل إذن اتصالًا وثيقًا ببقية أفراد فصيلته, ونعني بها: العلوم الاجتماعية, وذلك أن للظواهر الاجتماعية
ص30
بمختلف أنواعها آثارًا بليغة في مختلف شئون اللغة، فنشأة اللغة، وانقسامها إلى فصائل، وحياتها وانتشارها، وما يطرأ عليها من قوة وضعف, وسعة وضيق, وعظمة وضعة، وصراعها مع غيرها, وانتصارها أو هزيمتها, واحتلالها مناطق كانت تابعة لغيرها, أو تخليها لغيرها عن جميع مناطقها أو عن بعضها، وتعدد مظاهرها تبعًا لتعدد فنونها، وانقسامها إلى لهجات, وتفرع لغات عامية منها، والتطورات التي تحدث في أصواتها, ومدلولاتها وأساليبها وقواعدها ... كل أولئك وما إليه لا يمكن فهمه والوقوف على أصوله وأسبابه إلّا في ضوء الظواهر الاجتماعية الأخرى من سياسية ودينية واقتصادية ... وهلم جرَّا.
فلا غرابة إذن أن تكون الصلة وثيقةً بين العلم الذي يدرس الظواهر اللغوية -علم اللغة- والعلوم التي تدرس الظواهر الاجتماعية الأخرى؛ كعلوم السياسة والأديان والاقتصاد والتاريخ ... وما إلى ذلك.
وليس علم اللغة مرتبطًا بالعلوم الاجتماعية فحسب، بل أن بحوثه متصلة كذلك ببحوث علم النفس؛ فكثير من المسائل التي يعرض لها يتوقف شرحها وفهمها وبيان أصولها وأسبابها على الرجوع إلى ما ترتبط بها من الظواهر النفسية, وإلى ما يقوله علم النفس في صددها. فتكوين المتكلم لعباراته وفق أفكاره، وإدراك السامع الحديث وفهمه له، وصوغ العبارات وتدوينها كتابةً، وفهم القارئ لنقوش الكتابة، وكسب الطفل للغته، وأداء اللغة لوظائفها الدلالية والإيحائية والتأثيرية، وانحطاط لغة في عصر ما, أو عند بعض الشعوب الناطقة بها, وارتقاؤها في عصر آخر, أو عند شعوب أخرى، وتعدد فروع اللغة تبعًا لتعدد نواحي التفكير، وتطور اللغة في مدلولات كلماتها وأساليبها ... كل هذه الظواهر وما إليها تعتمد اعتمادًا جوهريًّا على ظواهر عقلية؛ كالإدراك الحسيّ, والتفكير, وإدراك المعاني الكلية, والحكم والاستدلال, وخيال الحركة, والخيال النظري, والحافظة, والذاكرة, وتداعي المعاني, والحالات الوجدانية, والانتباه, والعادة, ومظاهر النزوع والإرادة, والأمزجة, ووراثة الصفات النفسية.. وهلم جرَّا. ومن الواضح أن
ص31
هذه الظواهر هي موضوع علم النفس، ولا يمكن فهمها وتحديد صلتها باللغة وأثرها فيها إلّا بالرجوع إليه.
ويتصل علم اللغة كذلك بالبحوث التاريخية والجغرافية؛ فكثير من الظواهر اللغوية التي يعرض لها ترجع عواملها وأصولها إلى ظواهر جغرافية وتاريخية؛ فانتشار اللغة وصراعها مع غيرها, وانتصارها أو هزيمتها, واحتلالها مناطق كانت تابعة لغيرها, أو تخليها لغيرها عن جميع مناطق نفوذها أو عن بعضها، وانقسامها إلى لهجات وتفرع لغات عامية منها, وانتشار الدخيل بين ألفاظها، واستعارتها كلمات من غيرها، وتأثرها بقواعد غيرها من اللغات أو بأساليبها، وما يطرأ عليها في أثناء حياتها من قوة وضعف, وسعة وضيق، والتطورات التي تحدث في أصواتها ومدلولاتها وأساليبها ... كل ذلك وما إليه ترجع طائفة من أسبابه إلى ظواهر تاريخية وجغرافية: كالغزو، وتغلب أمة على أخرى، والهجرة، واندماج أمم بعضها في بعض، واتصال أمة بما عداها، واعتناقها دينًا غير دينها الأصليّ, وكالموقع الجغرافي للبلد، وحالة الجو، وطبيعة الأرض، وما تشتمل عليه من تضاريس وجبال وفجوات وخلجان، والحدود الطبيعية التي تفصل أجزاء الأمة الواحدة, أو تفصل المناطق الناطقة بلغة واحدة بعضها عن بعض.. وهلمَّ جرَّا.
ويتصل علم اللغة كذلك بعلوم الطبيعة ووظائف الأعضاء والتشريح والبيولوجيا والأنتروبولوجيا؛ فهو يستعين ببحوث علم الطبيعة في تحليل الصوت, والوقوف على خواصه وقوته ومدته وموجاته وذبذبته وانتشاره وما يتصل بذلك, ويستعين بالتشريح والفيزيولوجيا الإنسانية -وظائف أعضاء الإنسان- في الوقوف على مخارج الحروف, وتحليل أعضاء النطق والسمع، والوقوف على وظائفها، وكيفية قيامها بهذه الوظائف، واختلافها باختلاف الأفراد، واختلافها في الفرد الواحد باختلاف سنه، واختلافها باختلاف الأمم، واختلافها في الأمة الواحدة باختلاف عصورها، وبيان أثر هذه الظواهر جميعها, وما إليها في اللغة نشأتها وتطورها. ويستعين بالبيولوجيا -علم الحياة- والأنتروبولوجيا
ص32
(علم الإنسان) في الوقوف على نشأة الفصيلة الإنسانية، ونشأة مراكز اللغة عند الإنسان, ونشأة أجهزة السمع والنطق، والتطورات التي اجتازتها الفصيلة الإنسانية فيما يتعلق بالتكوين الجسمي, وعلى الأخص تكوين أعضاء السمع والنطق، وفي الوقوف على قوانين الوراثة, وانتقال الصفات الجسمية من الأصول إلى الفروع، وبيان أثر هذه الظواهر كلها, وما إليها في اللغة الإنسانية نشأتها وانتشارها وتطورها(2).
وحماديّ القول: إن علم اللغة يتصل بكل طوائف العلوم؛ غير أن صلته بأفراد فصيلته، ونعني بها: العلوم الاجتماعية، أشد من صلته بالطوائف الأخرى, على أن ما يصدق على علم اللغة بهذا الصدد، يصدق على ما عداه من العلوم؛ فالمعارف الإنسانية كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
هذا، وتشتد حاجة علم اللة إلى الطبيعة والفييولوجيا والتشريح واالأنتروبولوجيا في بحوثه الخاصة بالأصوات -شعبة الفونيتيك(3)، على حين أن حاجته إلى الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والجغرافيا تشتد في بحوثه المتعلقة بالدلالة -شعبة السيمنتيك(4), والمتعلقة بحياة اللغة(5).. وما إلى ذلك.
ص33
__________
(1) انظر آخر صفحة 26 وصفحتي 28، 29.
(2) لم يفكر علماء اللغة في الاستعانة بعلوم الطبيعة والفيزيولوجيا والتشريح والبيولوجيا والأنتروبولوجيا إلّا منذ عهد قريب.
(3) انظر موضوع هذه الشعبة بصفحة 7, رقم 3.
(4) انظر موضوع هذه الشعبة بصفحة 7, رقم 4, والصفحات التالية لها.
(5)انظر موضوع هذه البحوث في صفحة 7, رقم2.
|
|
دون أهمية غذائية.. هذا ما تفعله المشروبات السكرية بالصحة
|
|
|
|
|
المنظمة العربية للطاقة تحذر من خطر.. وهذه الدولة تتميز بجودة نفطها
|
|
|
|
|
وفد أكاديمي يشيد بجهود مؤسسة الوافي في مجال التوثيق وحفظ التراث
|
|
|