يعد ابن وحشية اولاد آدم(ع) جميعهم من النبط(1) ، ويرى انهم سكان اقليم بابل قبل الكسدانيين* . مما يعني انه يقسم السكان في اقليم بابل الى (نبط) و(كسدانيين)(2) . واذا كان الغموض قد يكتنف اصل النبط فأنه يعني بالكسدانيين الاقوام التي دخلت العراق قبل القرن السابع قبل الميلاد . وقد ذهب المؤرخون الآخرون الى موافقة ابن وحشية ، فقد اشاروا في القول الى ان النبط هم سكان اهل بابل بعد الطوفان . لكنهم - أي المؤرخين - لا يتفقون على تحديد انسابهم .

يذكر ابن قتيبة المتوفى سنة (276هـ) ان ((النبط من ولد ماش)). ويعود في مكان آخر فيقول : يقال ان النبط من ولد شاروخ بن ارغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح(3) . ويؤيده في ذلك اليعقوبي المتوفى سنة (284هـ)(4) ، والمسعودي المتوفى سنة (346هـ) الذي يضيف ((ممن سمينا نبيطا" وسريانيين والجنس واحد واللغة واحدة . وانما بأن النبيط عنهم بأحرف يسيرة من لغتهم والمقالة واحدة))(5)*.

* ويتجاوز الطبري المتوفى سنة (310هـ) هذا الامر فيقول : (( كان يقال لعاد إرم ، فلما هلكت قيل لثمود إرم ، ثم سموا الارمانيين ؛ وهم بقايا إرم ، وهم نبط السواد )) . ويتفق معه في بيان هذا الرأي ابن خلدون المتوفى سنة (808هـ) .

 ويعود الطبري والمسعودي الى القول ان سكان العراق زمن ملوك الطوائف (250 ق.م –226م) كانوا من النبط وهو اراميون واردوان ، فالاراميون في شمال العراق والاردوانيون في جنوبه بين نفر والخليج العربي والبادية .

ويميز حمزة الاصفهاني المتوفى سنة (360هـ) بين نبط العراق ويطلق عليهم الاردوانيون ، ونبط الشام ويقال لهم الارمانيين .

ويذكر البيروني المتوفى سنة (440هـ) ان نبط السواد هم الكلدانيون (السريان النماردة) .

اما الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463هـ) فيذكر : (( ان ملك الاردوان- وهم النبط- كان في السواد قبل ملك فارس)) ويحدد موقعهم الجغرافي نقلا" عن الهيثم بن عدي عن عبدالله بن عياش المنتوف بقوله : (( كان حد ملك النبط الانبار الى عانات كسكر ، وما والاها من كور دجلة الى جوخي وما حول ذلك من السواد)).

اما ابن العبري المتوفى سنة (928هـ/1286م) فيذكر لنا رأيه فيقول : النبط شعب قديم كانت منه بقية في ايام العرب بعد الهجرة . وكانوا في عز ملكهم ينزلون بلاد ما بين النهرين والعراق  وهم سريانيين كلدانيين ولغتهم السريانية .

ويتضح من هذا كله ان النبط الذين تعنيهم المؤلفات العربية هم سكان العراق الاصليون قبل سقوط بابل ، وكانوا يتمركزون في القرى ومدن السواد ويعملون في الزراعة ، لذا ارتبط ذكرهم في ذهن الرواة بالزراعة والفلاحة ، فضلا" عن ان لغتهم كانت الآرامية . وقد عرفت آخر جماعاتهم أو سلالاتهم البشرية بالكلدان* .

__________________________

(1) ابن وحشية . الفلاحة النبطية ، م ح7 – 51 .

* استند في تحليله هذا الى قصة تموز فيقول : (( ان تموز هذا ليس من الكسدانيين ولا الكنعانيين ولا العبرانيين ولا الجرامقة وانما هو من الجناس الاوليين )). م ، ن  ، مح1 –289

(2) م ، ن ،  م ح1 ، 242-243 : ت ح1 –295 .

(3) ابو محمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة (213-276 هـ/828-889م) ، المعارف ، تحقيق وتقديم ثروت عكاشة (القاهرة  ، وزارة الثقافة والارشاد القومي ، الادارة العامة للثقافة ، مطبعة دار الكتب ، 1960م)28 .

(4) احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف بابن واضح الاخباري (ت284هـ) ، تاريخ اليعقوبي (النجف، المكتبة المرتضوية ، مطبعة الغري ،1358هـ) ح1-12.

(5) المسعودي ، مروج الذهب ، ح1-42 و 107 و  2- 94 .

للمزيد من التفاصيل ينظر :

- الطبري ، المصدر السابق ، ح1-611 ؛ وعبدالرحمن بن خلدون المغربي(ت808هـ) ، العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر (بيروت ، منشورات دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر ، المطبعة الباسيلية ودرعون جريصا، 1956م) م2 –132 .

-        الطبري ، المصدر السابق ، ح1-270 و 611 و 2-42 ؛ والمسعودي ، مروج الذهب ، ح1-257 و234 .

- حمزة بن الحسن الاصفهاني (270-360هـ) ، تاريخ سني ملوك الارض والانبياء عليهم الصلاة والسلام (ط3،بغداد ، بلامط ، 1961) 85 .

- ابو الريحان محمد بن احمد البيروني الخوارزمي (ت440هـ) ، الآثار الباقية عن القرون الخالية (لايبزك ، 1923م) 59 ؛ والطبري ، المصدر السابق ، ح1-215 ؛ والمسعودي ، التنبيه والاشراف ، 136 .

-  ابو بكر احمد بن علي بن الخطيب البغدادي (ت463هـ/1070م) ، تاريخ بغداد (بيروت ، دار الكتاب العربي ، بلا .ت) ح1-57 .

- ابن العبري ، المصدر السابق ، 11  ؛ والبكري ، المصدر السابق ، ح1-52 ؛ وابن خلدون ، المصدر السابق ، م2 –170 .

* الكلدان – الكلديون : تلك الاقوام التي هاجرت من الجزيرة العربية الجنوبية باتجاه الخليج العربي والعراق واستقرت في وسط وجنوبي العراق وعرفت باسم (Kaldu) في المصادر المسمارية وتطلق على مراكز استقرارهم ونفوذهم (مات كلديا) ، وقد شاع استخدام مصطلح (الكلدانيون) في المؤلفات الاجنبية والعربية بتأثير من صياغة الاسم في العهد القديم ، ويمكن تحديد الموقع الجغرافي لأقليم كلديا، اذ ان بلاد كلدو كانت تمثل في الحقبة المتأخرة (المنطقة الجنوبية من بابل) او (المنطقة الواقعة ما بين الصحراء العربية غربي شط العرب والخليج العربي ، أي في منطقة الاهوار والبحيرات على طول المجرى السفلي للنهرين بين سواحل الخليج العربي والمدن الواقعة في اقصى جنوبي بابل).

وهذه القبائل مقسمة الى مجموعات او بيوتات قبلية يطلق عليها اسم (Bit) او (Bitu) وكل منها يرأسه زعيم اتخذ لنفسه لقب ملك الا ان تلك المجموعات لم تكن محددة وقد اعتمدت قوة الزعيم السياسية على تأثيره الشخصي بالدرجة الاولى . وبحلول القرن السابع قبل الميلاد انتشرت هذه المجموعات او البيوتات بشكل واسع في بلاد وادي الرافدين ، فتذكر النصوص المسمارية الآشورية حوالي 36 قبيلة آرامية تسكن المناطق الواقعة الى الجنوب من بلاد بابل . وهذه القبائل : (اتو Itu) و (روبو Rubu) و (خامارانو Hamarnu) و ( لوخواتوLuhuatu) و (خاتالو Hatalu) و (روبو Rubbu) و(رابيقو Rapiqu) و (خيرانو Hiranu) و (رابيلو Rabilu) و (كولوزو Gulusu) و (ناصيرو Nasiru) و (نا بوتو Nabutu)   و (راخيكو Rahiqu) و (رومولوتو Rumulutu) و (اديلى Adile) و (كبرى Kipre) و (اوبودو Ubudu) و (كورمو Gurumu) و (هودادو Hududu) و (هندرو Hinderu) و (دامونو Damanu) و (دونانو Dunanu) و (نلكو Nilqu) و (رادي Rade) و (… (-) Da-) و (ابولو Ubulu) و (كارما Karma) و (املاتو Amlatu) و (راءو Rau) و (كابي Qabi) و (لتاوؤ Litau) و (ماروسو Marusu) و (اماتو Amatu) و (هاكارانو Hagaranu) و (بوقودو Puqudu) و (Ka(-)..) .

وتذكر النصوص المسمارية الاشورية ستة بيوتات كلدية . فقد كانت قبيلة (بيت داكوري Bit-DaKKuri) تسكن في المنطقة الواقعة على طول نهر الفرات جنوب بورسيبا مباشرة ، وقبيلــة

(بيت اموكاني Bit-Amukani) تسكن المنطقة الواقعة في الجزء الاسفل من بابل ما بين دجلة والفرات قـرب مدينة لارسا الى هور الحمار ، وقبيلة (بيت ياكين-Bit-Jakin) التـي تعد مـن اكبر البيوتات الكلدية مساحة وسكانا" حيث تشغل المنطقة الواقعة على ضفاف نهر دجلة في اقصى النهاية الجنوبية للعراق وتمتد حتى تصل مرابعها بالبحر (أي من مدينة لارسا الى الكويت الحالية) ، وقبيلة (بيت شالي Bit-Saali) ، وقبيلة بيت شيلاني (Bit-Silani) ، وقبيلة (بيت اديني Bit-Adini) الذي ارتبط مع بيت داكوري ، وقبيلة (بيت لاراك Bit-Larak) .

وقد ورد اسم الكلدان في الكتاب المقدس بصور مختلفة مثل (كاسديم) و (كاشديم) و (حسديم) ونسبت اليهم البلاد الواقعة في جنوب شرقي بابل على ساحل البحر حيث كان يبتدئ الخليج العربي وحاضرتها (بيت ياكين) وورد اسمها في الرقم الآشورية ((مات تامتيم)) أي ارض البحر .

ويضيف الكتاب المقدس ان اسم الكلدان جاء من رجل اسم كاسد أما تسميتهم بـ (كشديم) – الذي يأتي بمعنى الفاتك -  فيرجع الى انهم كانوا غزاة كما ورد في سفر الملوك الثاني : (فارسل الرب عليه غزاة الكلدانيين) وكذلك ورد في سفر ايوب : (الكلدانيون عينوا ثلاث فرق فهجموا على الجمال وأخذوها) .

 ويؤكد ابن خلدون الذي يعتمد على الاسرائيليات ان (الكسدانيين هم بنو كاسد بن حاور وهو أخو ابراهيم الخليل(ع) وهؤلاء من ملوك بابل ويعرفون بالكسدانيين نسبة اليه)).

   اما بقية المصادر العربية ومنهم ابن صاعد المتوفي سنة (462هـ) فيقول : ان الكلدانيين هم (السريانيون والبابليون) وهؤلاء كانوا شعوبا" عدة منهم (الكوثابيون) و (الاثوريون) و (الارمانيون) و (الجرامقة وهم اهل الموصل) و (النبط وهم اهل سواد العراق) وبلاد هؤلاء الاقوام العراق والجزيرة التي ما بين دجلة والفرات المعروفة بديار مضر وربيعة) .

ومما تقدم نستخلص ان الكلدان اسم جيل من الناس رحلوا بادىء ذي بدء الى بلاد بابل الجنوبية ولم يطلق اسم كلدة على بابل بأسرها الا حينما اسس (نبوبلاسر) مملكة بابل الجديدة نحو سنة 626ق.م ، وكان هذا الأخير منهم لذا عم اسم قبيلته على المملكة بأسرها .

للمزيد من التفاصيل ينظر :

- حياة ابراهيم محمد ، نبوخذ الثاني (604-562ق.م) ، (بغداد ، وزارة الثقافة والاعلام ، دار الشؤون الثقافية العامة، دار الحرية للطباعة ، 1983)32 .

- مارغريت روتن ، علوم البابليين ، ترجمة يوسف حبي (بغداد ، دار الرشيد للنشر ، 1980)11.

- ليو اوبنهايم ، بلاد ما بين النهرين ، ترجمة سعدي فيضي عبدالرزاق (بغداد ، دار الحرية للطباعة، 1981  )199 . غنيمة ، المصدر السابق ، 32 .

 - اوبنهايم ، المصدر السابق ، 199 .

- هديب حياوي عبدالكريم غزالة ، الدولة البابلية الحديثة والدور التاريخي للملك نبونائيد في قيادتها (رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، كلية الآداب ، قسم الآثار ، 1989م) 12-13 .

- عارف احمد اسماعيل غالب ، صلات العرب بشبه جزيرة العرب (من سنة 1000ق.م حتى سنة 539ق.م) (رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، كلية الآداب ، قسم الآثار ، 1413هـ-1992م)82 .

- ساكز ، المصدر السابق ، 155و 142 .

- محمد ، المصدر السابق ، 35 .

- مؤيد سعيد ، بابل قصة مدينة وملك ، مجلة دراسات في التاريخ والآثار ( العدد 11 لسنة 1983)227 .

- سفر التكوين (22:22) .

- سفر الملوك الثاني (24 : 2) .

- سفر ايوب (1 : 17 ) .

- ابن خلدون ، المصدر السابق ، م2-136 .

- ابو القاسم  صاعد بن احمد بن صاعد الاندلسي (ت462هـ) ، طبقات الامم ، تحقيق الاب لويس شيخو اليسوعي (بيروت ، المطبعة الكاثوليكية ، 1912م) 6 .

مواضيع ذات صلة

حضارة الأنباط.

دولة الأنباط.

حضارات الوسط (الدولة النبطية).

ملوك الانباط

حضارة الانباط

طبقات المجتمع في الانباط

الانباط

الانباط

الآلهة في الانباط

الاسرة والمرأة في الانباط

المظاهر العمرانية في الانباط قبل الاسلام

الديانة عند الانباط