إعادة بطليموس السادس لعرش الملك
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 196 ــ 198
2025-11-28
15
والواقع أن «فيلومتور» قد استدعاه الشعب «الإسكندري» من «قبرص» بعد أن اتضح له بسرعة أن سفر «فيلومتور» قد أرخى العنان لغرائز «إيرجيتيس»، وقد كانت تنطوي نفسه على الشر والانتقام والأخذ بالثأر، وقد حدث ذلك على إثر قتله «تيموتيس»، وهو شخصية معروفة كان قد أرسله من قبل «فيلومتور» في بعثٍ إلى روما عام 171ق.م، وقد كان من جراء ذلك أن نفد صبر «الإسكندريين» وجعلهم يقومون بتشتيت شمل البيت المالك، واستدعاء «بطليموس فيلومتور» من «قبرص»، وهذا ليس بمستغرب على الشعب «الإسكندري»، فقد كان مذاق طعم الثورات لا يفارق أولئك الذين تعودوا عليها، وسكان «الإسكندرية» قد اعتادوا منذ زمن بعيد أن يولوا الملوك ويخلعوهم بإعلان الثورة كلما وجدوا في ذلك صالحهم.
وعلى أثر هذه الثورة تدخل السفيران الرومانيان «كانوليوس» Canulius و«مرسيوس فيليبوس»، ولم يكن القصد من هذا التدخل مساعدة «فيلومتور»، ولكن لأجل منعه من إساءة استعمال انتصاره، وحماية «إيرجيتيس» الذي أثار غضب غمار الشعب عليه، وكذلك ليحفظ له جزءًا من إرث والده، وقد شهد فيما بعد هذان السفيران أمام مجلس الشيوخ وباعتراف «فيلومتور» نفسه أن «إيرجيتيس» مدين لهما بملك «سيريني» بل وبحياته، فقد بلغ كراهية الشعب له وحقده عليه إلى هذا الحد، ولذلك فإنه لما رأى أن منحه ملك «سيريني»(1) لم يكن في الحسبان؛ بل كان أمرًا دعا إلى دهشة الرأي العام، فقد قبله بسرور، وعلى ذلك أخذ يتبادل مع أخيه المواثيق على ذلك(2). حقًّا كانت بين الأخوين قسمة فيما بينهما (غير أنه لم يكن هناك انفصال، فقد كان ملك «سيريني» لا يزال يحمل لقب «فيلومتور») وعلى أية حال عُقدت بين الأخوين معاهدة بمقتضاها تُعزل «سرنيقا» عن مصر على أن تؤلف مملكة مستقلة يحكمها «إيرجيتيس» عام 163ق.م. وهكذا نرى أن السياسة الرومانية تحت ستار الصلح والتراضي بين الأخوين قد نقضت العمل العظيم الذي جاهد في إتمامه البطالمة الأول، فقد ضربت بمعولها البناء الذي كانوا قد أقاموه، وكذلك نجد أنها قد ادخرت لنفسها الحق في أن تثير عند الحاجة طمع أحد الأخوين عندما يشعر أنه قد نال نصيبًا أقل من ملك والده.
أما «فيلومتور» فإنه على أثر هذا الانقلاب أظهر حسن النية على الرغم مما حدث؛ إذ قد سارع إلى إعلان عفوه عن أولئك الذين كان لهم ضلع في نفيه، وقد كان هذا الملك يأمل في أن يعيش بعد ذلك بضع سنين في هدوء وسلام، غير أن «إيرجيتيس» لم يَكَدْ يعتلي عرش «سيريني» حتى قام محتجًّا على المعاهدة التي أُبرمت بينه وبين أخيه، وأخذ يشكو مر الشكوى من تصرفات «روما» على أثر الحوادث التي كانت تجري في «سوريا»؛ وذلك أن «أنتيوكوس إبيفانيس» ملك «سوريا» كان قد حضره الموت في عام 164ق.م بصورة عُللت بأنها انتقام إلهي، وقد ترك بلاد يهودا في يدي «يوداس مكابي»، أما عرشه فقد تولاه من بعده ابنه الصغير «أنتيوكوس الخامس يوباتور»، وفي الواقع كان يوجد مُطالبٌ آخر بعرش السليوكيين وهو «ديمتريوس» الذي كان ينادي منذ ثمانية عشر شهرًا بأحقيته في ملك «سوريا» لأنه ابن «سليوكوس الرابع»، الذي تولى الحكم بعده «أنتيوكوس الرابع» كان بدون حق، وقد جاء الآن ابن الأخير وتولى عرش الملك وهو لا يزال رهينة في روما، ومن ثم احتج «ديمتريوس» لدى مجلس شيوخ «روما» على هذا التصرف. غير أن المجلس الأخير كان يفضل أن يرى على عرش «سوريا» طفلًا على «ديمتريوس» الذي كانت طباعه غير مرضية، ومن أجل ذلك أُرسل بعث إلى الشرق في أوائل عام 162ق.م برياسة «أوكتافيوس» Octavius مهمته فحص سير الأمور في «مقدونيا»، وكان عليه وهو في طريقه كذلك أن يحسم بعض الخلافات التي كانت بين «جالاتيس» Celates وبين «أريارات» Ariarathe صاحب «كبادوشيا»، وأخيرًا يتمم مأموريته الرئيسية، وذلك بأن يفض بصورة منظمة كل ما كان قد بقي لدى ملك «سوريا» من قوة حربية. وفي أثناء طريق هذا البعث للقيام بهذه المهام كانت شكاوى «بطليموس إيرجيتيس الثاني» قد وصلت إلى «روما»، فأرسل مجلس الشيوخ أمرًا للبعث بالذهاب كذلك إلى «الإسكندرية» لأجل أن يصلح بين الملكين الأخوين بقدر المستطاع، والواقع أن الصيغة التي وُضع فيها أمر مجلس الشيوخ فيما يخص عمل صلح بين الملكين لا يُشتم منها رائحة الرغبة الشديدة في إصلاح ذات البين، ومن أجل ذلك رأى البعث أن يفرض على الملكين المتخاصمين احترام الاتفاقات التي صُودق عليها في العام المنصرم على يد «كانوليوس»، وأنه في ذلك الكفاية. غير أن البعث الروماني لم يستمر في طريقه حتى الإسكندرية؛ لأن رئيسه «أوكتافيوس» قُتل في مدينة «لاؤديسيا» من أعمال «سوريا» بيد رجل يُدعى «لابتين» Laptine، ومن المحتمل أن هذا القاتل كان من الوطنيين الذين أحفظهم قتل الفيلة وحرق السفن الحربية على حسب أمر هؤلاء الرومان الذين جاءوا لتنفيذ ذلك (3)، وقد اعتُبر هذا التعدي على جلالة الشعب الروماني بمثابة «أعجوبة».
..........................................
1- راجع: Live Epit. XLVI.
2- راجع: Polyb., XXX, 18.
3- راجع: Polyb., XXXI, 12; 19, 1; XXXII, 7, 2. Appian Syr., 46.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة