التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
عصر الاضمحلال الثاني
المؤلف: محمد أبو المحاسن عصفور
المصدر: معالم تاريخ الشرق الأدني القديم
الجزء والصفحة: ص148- 157
11-1-2017
5527
[يذكر المؤرخون ان] هناك احتمال حدوث بعض الاضطرابات الداخلية أو المنازعات بين أفراد البيت المالك في نهاية عهد الأسرة الثانية عشرة, ويبدو أن هذه الحالة ظلت سيئة بعد ذلك ولم يكن الملوك من القوة؛ بحيث يستطيعون القضاء على أعدائهم والتفرغ للنهوض بالبلاد؛ إذ عثر على كثير من الدمى والأواني كتبت عليها أسماء بعض الذين يريد الملك أن يقضي عليهم بواسطة السحر. ومما تجدر ملاحظته أن هذه الأسماء تضمنت أسماء لأمراء ساميين ونوبيين إلى جانب أسماء الأمراء المصريين؛ مما يدل على أن أعداء الملك الذين لم يكن ليستطيع القضاء عليهم بالقوة كانوا ينتمون إلى طوائف مختلفة، ومما لا شك فيه أن الحالة كانت سيئة بالنسبة لهؤلاء الملوك في داخل وخارج البلاد على السواء(1).
الأسرة الثالثة عشرة:
ربما كانت هذه الأسرة تمتُّ إلى الأسرة الثانية عشرة بصلة، وقد حكمت فترة لا تزيد كثيرًا على خمس وخمسين سنة، ولم نعثر على آثار لبعض ملوكها؛ ولكننا عرفنا أسماء الكثيرين من هؤلاء من بردية تورين، ومما ذكره مانيثون؛ إلا أن هذين المصدرين فيما يبدو لم تكن لهما دراية كافية عن هذا العصر.
ومن المحتمل أن ملوك هذه الأسرة كانوا يحكمون في منف, وقد ترك بعضهم آثارًا في مناطق أخرى بل وامتد نفوذهم إلى بلاد النوبة, ووجدت آثار لهم في خارج حدود المملكة منها بعض جهات لبنان؛ إلا أن غالبية ملوك هذه الأسرة كانوا ضعافًا، ومما يؤيد ذلك أن بردية من هذا العهد تبين أن حاكم إقليم الكاب تنازل عن منصبه إلى أحد أقاربه في نظير مبلغ معين(2), ويدلنا هذا بالطبع على أن الأحوال كانت سيئة بصفة عامة وعلى أن الملوك لم يكن في مقدورهم الاحتفاظ بسلطانهم على أمراء الأقاليم؛ حتى أصبح في إمكان هؤلاء أن يبيعوا مناصبهم. كذلك ينسب إلى الأسرة الثالثة عشرة ملك يدعى نحسى وصف في بعض النصوص بأنه "حبيب الإله ست معبود أواريس"، ولما كان ست هو المعبود الرسمي للهكسوس وأواريس عاصمة ملكهم؛ فإنه لا شك في أن نفوذ هؤلاء قد أخذ في الظهور منذ عهد هذا الملك على الأقل، كما يوحي اسم هذا الملك أيضًا بأنه كان في نفس الوقت يمت بصلة إلى النوبة وربما كانت أمه نوبية(3).
ومن المرجح أن أسرة قوية في غرب الدلتا ادعت الملك أثناء حكم الأسرة الثالثة عشرة، وهذه الأسرة القوية هي الأسرة الرابعة عشرة التي كانت عاصمتها سخا.
ومما تجدر ملاحظته أن بعضًا من الأسماء الغريبة غير المصرية وردت بين الأسماء الكثيرة التي ذكرت كملوك حكموا في هذه الفترة، ومن هذه ما هو ذو طابع سامي مما يؤيد فكرة أن حكم الهكسوس جاء نتيجة لغلبة هذه العناصر في مصر وتغلغل نفوذها, أي أنه كان على الأرجح نتيجة لتغير الحكام أو القادة وليس نتيجة لغزوة ساحقة(4).
هذا وما زال ترتيب ملوك الأسرة الثالثة عشرة ومدى نفوذهم موضع خلاف حتى الآن.
الأسرة الرابعة عشرة:
تعطينا بردية تورين قائمة طويلة بأسماء ملوك هذه الأسرة, كما يذكر مانيثون عددًا ضخمًا لهؤلاء الملوك ويذكر مدة حكم لهم عددًا كبيرًا من السنين؛ ولكن يبدو أن هذه الأعداد جميعها مبالغ فيها كثيرًا؛ بل ومن المرجح كذلك أن هؤلاء الملوك لم يتمتعوا بنفوذ يذكر خارج حدود إقليمهم الذي كانت عاصمته سخا، وكانت الأسرة الثالثة عشرة تتدهور هي الأخرى إلى أن اضمحلت قوتها؛ مما أدى في النهاية إلى خضوع مصر للحكام الأجانب المعروفين باسم الهكسوس.
الهكسوس:
بالرغم من أن حدود الدلتا الشرقية كانت محصنة في عهد الدولة الوسطى, فإن بعض العناصر السامية كانت تدخل إلى مصر من حين إلى حين, إما للتجارة وإما للاستقرار, ويبدو أن الأمر لم يكن ليثير ريبة المصريين ما دام هؤلاء القادمون مسالمين, وقد سبق أن أشرنا إلى الجماعة الآسيوية التي قدمت إلى مصر في عهد سنوسرت الثاني ومثلت على جدران مقبرة "خنوم حتب"(5)، والجدير بالذكر أن إبشا "ي" زعيم هذه الجماعة كان يلقب بلقب "حقا خاسوت" أي "حاكم البلاد الأجنبية" وهذا اللقب هو الذي أصبح بعد تحريفه اسمًا يدل على الهكسوس.
وتدل ظواهر الأحوال على أن منطقة الشرق الأدنى القديم تعرضت لأحداث كثيرة متتالية في الوقت الذي أشرفت فيه الدولة الوسطى على النهاية، فقد قضت بابل على الممالك المجاورة لها كما أن المملكة "الكاشية" قد أخذت هي الأخرى تتطلع إلى غزو الأقطار المجاورة لها؛ بينما أخذ "الحوريون" أو "الميتانيون" يستولون على بعض البلاد السورية. ولا شك في أن هذه التحركات كانت ذات أثر في هجرة وتسلل الكثير من العناصر الآسيوية إلى مصر التي استقرت جموعها في المنطقة الأقرب إلى مواطنها الأصلية، أي: في شرق الدلتا على الأرجح، ولم يمض على استقرارهم وقت طويل إلا وأصبحوا قوة يخشاها المصريون واستفحل خطرهم وزاد إلى أن تمكنوا من فرض سلطانهم على مصر وجعلوا عاصمتهم أواريس.
ومع أن عهدهم كان موضع أبحاث كثيرة إلا أن الغموض ما زال يكتنفه، وما زلنا لا نستطيع أن نجزم بأصلهم أو أن نؤكد كيفية إخضاعهم مصر لسلطانهم, وخاصة لأن النصوص المصرية تحاشت ذكرهم إلا في أحوال نادرة كانت تنعتهم فيها بصفات تدل على كراهية المصريين لهم ولعهدهم، ومن ذلك مثلًا ما تذكره حتشبسوت عنهم في نقوش معبدها المنحوت في الصخر بالقرب من بني حسن وهو المعروف باسم "إصطبل عنتر Speos Artemidos"؛ حيث تقول: "إن الآسيويين كانوا يحكمون في أواريس في الشمال وكانوا بجحافلهم المتجولة يعيثون بين الناس فسادًا, محطمين ما كان قائمًا. إنهم كانوا يحكمون دون اعتراف بسلطان "رع" بل ولم تكن إرادته الإلهية تنفذ إلى أن جاء عهدي العظيم"(6). أما مانيثون فيقول في هذا الصدد: "في عهد الملك توتيمايوس أصابتنا ضربة من الإله -ولا أدري سبب ذلك- دون أن نتوقع ذلك؛ حيث جاءنا غزاة من الشرق من أصل مجهول, ساروا تملؤهم الثقة في النصر ضد بلادنا, وتمكنوا بقوتهم من الاستيلاء عليها بسهولة دون ضربة واحدة, وبعد أن تغلبوا على البلاد حرقوا مدننا دون رأفة وهدموا معابد الآلهة من أساسها وعاملوا جميع الأهالي بعداء قاسٍ, فذبحوا البعض وأخذوا نساء وأطفال البعض الآخر ليكونوا إماءً وعبيدًا لهم، وأخيرًا عينوا واحدًا منهم يدعى ساليتيس "Salitis" ملكًا عليهم؛ فأقام في منف وفرض الضرائب شمال مصر وجنوبها, وكان يترك حاميات في المواقع المناسبة, وبنى حصنًا في أواريس في شرق الدلتا ترك فيه حامية من 340.000 رجل مزودين بالأسلحة, وكان يذهب لزيارة هذا الحصن ويتفقد رجاله في شهور الصيف من كل عام"(7).
ومن هذه النصوص نتبين أن هؤلاء جاءوا من آسيا وأنهم كانوا يسيئون إلى المصريين؛ فكرههم هؤلاء وعملوا على التخلص منهم، ومن المرجح أن جاليات كبيرة من الهكسوس كانت تستقر في أماكن مختلفة من سورية وفلسطين وربما كانت أقرب مراكز استقرارهم هذه في بلدة "شاروهن"؛ حيث إننا نعلم أنهم حينما طردوا من مصر لجئوا إلى هذه البلدة وتحصنوا فيها ثلاث سنوات(8).
ويقسم حكام الهكسوس عادة إلى ثلاث مجموعات على النحو الآتي:
الأولى: وتشمل ستة ملوك ويعتبرهم المؤرخون الأسرة الخامسة عشرة, وقد حكموا نحو 108 سنوات.
والثانية: وهي أقل أهمية, وتكون الأسرة السادسة عشرة.
أما الثالثة: فهي الأسرة السابعة عشرة, وكانت معاصرة للأسرة السابعة عشرة المصرية في طيبة.
ويبدو أن الثلاثة الملوك الأخيرين في المجموعة الأولى وهم أبو فيس، خيان، شيشي أو إسسي قد حكموا مصر كلها والنوبة السفلى؛ لأن آثارهم وجدت موزعة فيها إلا أنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بنفوذهم طويلًا في الجنوب, وإن كان من المرجح أنهم ظلوا على صلة بأمراء النوبة، كما يستدل على ذلك من لوحة عثر عليها بالكرنك سنة "1954"(9) تصف كفاح كاموزا(10) ضد الهكسوس في أواخر عهدهم؛ إذ نتبين منها أن ملك الهكسوس كان على صلة بأمير النوبة، والظاهر أن تجارة الهكسوس ظلت رائجة في النوبة ونفوذهم ظل قائمًا في الصعيد إلى أن بدأ الأمراء المحليون في الصعيد يعارضون هذا النفوذ, وازدادت مقاومتهم له في عهد الأسرة السابعة عشرة.
ولا شك أن بعض ملوك الهكسوس وصلوا إلى درجة عظيمة من القوة والسلطان وخاصة ملوك المجموعة الأولى, ومن أشهرهم "خيان" سالف الذكر؛ حيث عثر له على آثار في كثير من جهات مصر وسورية وفلسطين؛ بل ووجد جزء من تمثال في هيئة أسد يحمل اسمه عند أحد التجار في بغداد، وفي حفائر أجريت في كريت عثر على غطاء إناء من المرمر نقش عليه اسمه كذلك، ولا بد أن النشاط التجاري في عهده كان عظيمًا وأن مصر كانت على صلة بمختلف تلك الجهات التي عثر على آثاره فيها.
ولا نعرف إلا القليل عن حكم الملوك الذين تلوا ملوك المجموعة الأولى "الأسرة الخامسة عشرة"، كذلك لا نعرف كيف انكمش ملكهم، وأصبح المصريون يتطلعون إلى طردهم، ومن المؤكد على أي حال أن المصريين برموا بهم وضاقوا بوجودهم بينهم؛ حيث يبدو أن ظهورهم كان يصحبه اضطراب في أحوال الشرق الأدنى بصفة عامة, وأدى إلى مرور مصر بفترة عصيبة فنزح بعض المصريين عنها إلى النوبة؛ حيث عملوا في خدمة بعض أمرائها المحليين(11)؛ إذ إن النوبة حينئذٍ كانت قد تخلصت من النفوذ المصري، وأخذ يحكمها بعض أمرائها الذين استقلوا بأقاليمهم؛ بينما أخذ الأمراء المصريون الذين أجبرتهم الظروف على مجابهة بعض الأخطار في أقاليمهم يستعينون بالكثيرين من أبناء النوبة الذين قدموا إلى مصر كجنود مرتزقة, واستقرت غالبيتهم فيها في جاليات كبيرة؛ إذ عثر على جباناتهم ومقابرهم منتشرة في مصر العليا ووصل انتشارها شمالًا إلى مصر الوسطى، وتتميز هذه المقابر بأنها على هيئة الجرس وقد عرفت لدى الأثريين باسم "Pan Greves"، وقد ظل هؤلاء المرتزقة النوبيون يؤدون خدماتهم في مصر, واستمر المصريون يستعينون بهم حتى في حرب الاستقلال التي طردوا فيها الهكسوس بل وبعد ذلك أيضًا.
ولا بد أن مصر والنوبة في نهاية عهد الهكسوس كانتا تنقسمان إلى الأقسام التالية(12):
1- مملكة طيبة "الأسرة السابعة عشرة المصرية" التي كانت تمتد من اليفانتين "إقليم الشلال الأول" جنوبًا إلى القوصية شمالًا.
2- مملكة الهكسوس, وكانت تحكم الدلتا ومصر الوسطى.
3- مملكة النوبة التي يحكمها أمير نوبي, وكانت تمتد شمالًا إلى اليفانتين.
ومع أن الهكسوس تأثروا بالحضارة المصرية واندمجوا في الحياة المصرية على العموم؛ حيث اتخذوا الألقاب الفرعونية وعبدوا الآلهة المصرية وتركوا آثارًا مصرية الطابع؛ إلا أن حكمهم لم يكن مقبولًا، ولا ندري كيف بدأ كفاح المصريين ضدهم لأن معلوماتنا مستقاة من مصادر متأخرة ولا تمدنا بتفاصيل كافية عن هذا الكفاح؛ ففي بردية ترجع إلى عصر الرعامسة تعرف باسم بردية سالييه رقم "1"(13) Sallier 1 قصة بها الشيء الكثير من الخيال عن بدء حدوث المناوشات بين المصريين والهكسوس، ومما جاء فيها أن الطاعون قد اجتاح البلاد "كناية عن استيلاء الهكسوس على الحكم فيها"، وأن البلاد قد خضعت لهم، وقد جعل ملكهم أبو فيس من الإله سوتخ "ست" معبودًا لمصر ولم يقدم قربانًا لإله غيره ... وكان سقنن رع في ذلك الوقت حاكمًا على طيبة ولم يقبل أن يعبد إلهًا غير الإله "آمون رع". ثم تشير البردية بعد ذلك إلى أن رسولًا من الملك "أبو فيس" جاء من أواريس إلى طيبة ليبلغ سقنن رع أن "أفراس النهر في مياه طيبة تقلق نوم "أبو فيس" وهو في قصره في الدلتا" وهو يطلب إسكاتها أو أن تهجر ذلك المكان كما أبلغه كذلك بأن "أبو فيس" يحتم أن يعبد الإله سوتخ، ومن الواضح أن هذه الرسالة الملتوية تدل على ما كان يشعر به ملك الهكسوس من تفشي روح التمرد والثورة ضده في جنوب مصر, وأنه أراد أن يجبر أمير طيبة على إعلان خضوعه له. وقد فقدنا بقية هذه القصة عن كفاح مصر ضد الهكسوس؛ لأن البردية تهشمت ولم يسلم منها سوى الجزء المدونة فيه هذه الرسالة؛ ولكن مما لا شك فيه أن هذه البردية إنما كتبت لتبين أن "سقنن رع" بدأ الكفاح فعلًا ضد الهكسوس ولتبين الدور المجيد الذي قام به خلال هذا الكفاح، ويؤيد ذلك أن مومياءه تدل على أنه مات متأثرًا بجراح أصيب بها في رأسه وصدره؛ مما يرجح أنه قتل أثناء حربه مع الهكسوس.
ولا بد من أن ملوك طيبة السابقين كانوا أشبه بولاة من قبل الهكسوس, وقد وردت أسماء ثمانية ملوك قبل "سقنن رع" ويظهر أن آخرهم بدأ بإعلان عصيانه عليهم وربما امتنع عن دفع الضرائب المطلوبة لهم, وبدأ يستنهض الهمم للوقوف في وجههم؛ ولكن أجله لم يمهله حتى يبدأ النضال وقدر لخلفه "سقنن رع" أن يقوم بذلك ثم تبعه في تحمل أعباء هذه المهمة كلٌّ من ولديه "كاموزا" و"أحمس" على التوالي.
طرد الهكسوس:
يبدأ طرد الهكسوس في الوصول إلى مرحلة حاسمة في عهد كاموزا خليفة "سقنن رع"، كما يتبين ذلك من لوحة خشبية مؤرخة بالسنة الثالثة من عهده(14), وهي وإن كانت غير كاملة؛ إلا أن ما دون عليها يدل على مواصلة كاموزا للكفاح ضد الهكسوس، وقد عثر على جزء من لوحة من الحجر الجيري بالكرنك(15) لا شك في أنها كانت الأصل الذي نقلت عنه اللوحة السابقة, وهي تذكر أن كاموزا جمع رجاله لاستشارتهم في الكفاح ضد الهكسوس، محاولًا أن يستنهض هممهم؛ إذ يذكر لهم أنه يجد نفسه محصورًا بين عدوين "الهكسوس في الشمال والنوبيين في الجنوب"؛ ولكن هؤلاء المستشارين كانوا متقاعسين راغبين عن القتال في بداية الأمر, إذ إنهم أجابوه بما يفيد أنهم لا يرون مبررا للقتال ضدهم ما دامت حدود المملكة المصرية "من اليفانتين إلى القوصية" لم تمس وما دامت أراضيهم وأملاكهم سليمة لم يغتصب أحد منها شيئًا أو تنقطع عنهم إيراداتها ولم يعتدَ على جزء من المملكة؛ إلا أن كاموزا لم يقتنع بإجاباتهم وصمم على طرد هؤلاء الذين يشاركونه في حكم مصر في الشمال "أي: الهكسوس".
ولا شك في أن ما ورد في لوحة الكرنك التي كشف عنها سنة "1954"(16)
يعد مكملًا لما جاء في اللوحة التي أسلفت الإشارة إلى أنها الأصل الذي نسخت منه لوحة كارنارفون؛ فمن نصوص هذه اللوحة الأخيرة يتبين لنا أن كاموزا انتصر انتصارًا حاسمًا على الهكسوس في معركة نيلية, كما تشير أيضا إلى حملة على النوبة سبق أن قام بها كاموزا، كذلك توضح لنا كيف أن ملك الهكسوس أراد الاتصال بملك النوبة ليفاجئ هذا الأخير الملك كاموزا من الخلف أثناء انشغاله في حربه ضد الهكسوس؛ إلا أن رسول ملك الهكسوس إلى النوبة قبض عليه وهو في طريقه إليها؛ فلم تنجح المؤامرة التي أريد تدبيرها ضد المصريين.
ولا ندري إلى أي مدى وصل كاموزا في كفاحه, ولكن لا شك في أنه نجح في كسر شوكة الهكسوس, وأنه مهد السبيل للانتصار الأخير الذي انتهى بطردهم من مصر على يد خلفه وأخيه أحمس الأول.
__________
(1) Posener. "Princes ET Pays d.htm' Asie ET de Nubie", "Bruxelles 1940".
(2) لوحة رقم 52453 بمتحف القاهرة.
(3) Rec, de Trav. 15, pp. 97-101.
(4) JEA 37, pp. 56-61.
(5) انظر ص143.
(6) JEA 32, pp. 45 ff...
(7) W, G, Waddel "Manlto" "1940" pp, 79 ff.
(8) انظر بعد: مطاردة أحمس للهكسوس ص158.
(9) Chr, D'eg. 30, PP, 198 ff.
(10) آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة المصرية، انظر ص155-159.
(11) JEA 35, pp, 50 ff.
(12) PSBA 35, p, 117; JEA3 , pp, 99-110.
(13) Gardiner, Late Egyptian Stories, pp. 87 ff.
(14) تعرف باسم لوح "كارنارفون" انظر:
Carnarvon & Carter, "Five Years' Exploration at Thebes", p. 3; JEA 3, pp. 95-110, pls. XII, XIII 7, pp. 36-56.
(15) ASA 5, p. III & 39 pp. 145 ff.
(16) انظر أعلاه ص153.