تفسير الآية: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص39-47
2025-11-27
36
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ، واللَّيْلِ وما وَسَقَ، والْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}[1].
ذكرت معظم التفاسير أنَّ الآية الكريمة {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} تشير إلى الحالات المتنوّعة التي يمرّ بها الإنسان في عالم البرزخ، والقيامة، والعرض، والصراط، والميزان، وأخيراً الجنّة، والنار.
فقد جاء في «تفسير عليّ بن إبراهيم» في ذيل الآية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال: «لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعلِ والْقُذَّةِ بالقُذَّةِ[2]، لَا تُخطِئونَ طَرِيقَهُمْ ولَا يُخْطَا شِبرٌ بِشِبْرٍ وذِراعٌ بِذِراعٍ وبَاعٌ بِبَاعٍ[3]، حتى أنْ لَوْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ». قَالُوا: اليهُودَ والنَّصَارى تَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «فَمَنْ أعْنِي؟ لَتَنْقُضُنَّ عُرَى الإسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَيَكُونُ أوَّلُ مَا تَنْقُضُونَ مِنْ دِينِكُمْ الأمَانَةَ وآخِرُهُ الصَّلاةَ»[4].
وردت أحاديث اخرى أيضاً عن طريق الخاصّة والعامّة تحمل مضمون هذا الحديث نفسه. فقد كان الاختلاف بين الامّة من جملة الأحداث التي وقعت لليهود والنصارى. ونشبت خلافات جمّة في امّة موسى، وامّة عيسى، وظهرت منازعات ومشاجرات كثيرة بينهم أفضت إلى بروز آراء ونِحَل مختلفة. وذهبت كلّ طائفة منهم وراء رئيس من رؤسائهم. وبلغ التكتّل والتحزّب والانحراف عن أصل الشريعة حدّاً ضاع فيه الدين الحقيقيّ بينهم. وقلّ أتباعه حتى أصبحوا يعدّون بالأصابع. وكانت طائفة واحدة من كل امّة موسى قد اتّبعت وصيّة يوشع بن نون. وكذلك فرقة واحدة من امّة عيسى كلّها قد سارت وراء وصيّة شمعون بن الصفا. فلا بدّ- إذَن- أن يظهر الاختلاف في امّة خاتم الأنبياء. وتبقى فرقة واحدة فقط تتّبع وصيّة عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
ويروي موفّق بن أحمد الخوارزميّ، وهو من أعيان العامّة وكبارهم بسنده المتّصل عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عَلِيّ مَثَلُكَ في امتى مَثَلُ عيسى ابنِ مَريَمَ، افْتَرَقَ قَوْمُهُ ثَلاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ مُؤمِنُونَ وهُمُ الْحَوارِيُّونَ، وفِرْقَةٌ عَادُوهُ وهُمُ اليهُودُ، وفِرْقَةٌ غَلَوا فِيهِ فَخَرَجُوا عَنِ الإيمانِ. وإنَّ امتى سَتَفْتَرِقُ فِيكَ[5].
ثَلَاثَ فِرَقٍ: شيعَتُكَ وهُمُ الْمُؤمِنُونَ، وفِرْقَةٌ هُمْ أعْدَاؤُكَ وهُمُ الْنَّاكِثُونَ، وفِرْقَةٌ غَلَوا فِيكَ وهُمُ الْجَاحِدُونَ وهُمُ الضَّالُّونَ، وأنْتَ يَا عَلِيّ؛ وشِيعَتُكَ في الْجَنَّةِ، وعَدُوُّكَ والْغَالي فِيكَ في النَّارِ».
وروي عن ابن مَردويه أيضاً، وهو من كبار العامّة وثِقاتهم، بسنده المتّصل عن أبان بن تغلب، عن مسلم أنَّه قَالَ: سمِعْتُ أبَا ذرٍّ والْمِقدادَ وسَلْمَانَ يَقُولُونَ: كُنّا قُعُوداً عِنْدَ النَّبِيّ إذْ أقْبَلَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «تَفْتَرِقُ امتى بَعْدِي ثَلاثَ فِرَقٍ: أهْلُ حَقٍّ لَا يَشُوبُونَهُ بِباطِلٍ، مَثَلُهُمْ كَالذَّهَبِ كُلَّما فَتَنَتهُ النَّارُ زَادَ جُودَةً، وإمَامُهُمْ هَذَا- وأشَارَ إلى أحَدِ الثَّلاثَةِ- وهُوَ الذي أمَرَ اللهُ في كِتَابِهِ {إمَامًا ورَحْمَةً} وفِرْقَةٌ أهْلُ بَاطِلٍ لَا يَشُوبُونَهُ بِحَقٍّ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْحَدِيدِ كُلَّمَا فَتَنَتْهُ النَّارُ زَادَ خُبْثاً، وإمَامُهُمْ هَذَا، فَسَألْتُهُمْ عَنْ أهْلِ الْحَقِّ وإمَامِهِمْ»، فَقَالُوا: عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ وأمْسَكُوا عَنِ الآخَرَينِ، فَجَهَدْتُ في الآخَرَينِ أن يُسَمُّوهُمَا فَلَمْ يَفْعَلُوا، هَذِهِ روايَةُ أهْلِ الْمَذْهَبِ[6].
جاءت هذه الرواية ذاتها في كتاب «سليم بن قيس الهلالي الكوفيّ» وذكر عباراتها واحدة بعد الاخرى حتى هذه العبارة: «كُلَّما فَتَنَتْهُ النّارُ زَادَ خُبْثاً وإمَامُهُم هَذَا»، ثُمَّ قال: «وَ فِرْقَةٌ مُذَبْذَبينَ ضُلّالًا لَا إلى هَؤلاءِ ولَا إلى هَؤلاءِ، وإمَامُهُمْ هَذَا- أحَدُ الثَّلاثَةِ»- وسَألْتُهُمْ عَنِ الثَّلاثَةِ، فَقَالُوا: إمَامُ الْحَقِّ والْهُدَى عَلِيّ بنُ أبي طَالِبٍ، وسَعْدُ[7] إمَامُ الْمُذَبْذَبينَ، وحَرَصْتُ أن يُسَمُّوا لِيَ الثَّالِثَ فَأبَوا، وعَرَّضُوا لِي حتى عَرَفْتُ مَنْ يَعنُونَ.[8]
وجاءت أحاديث كثيرة عن الشيعة والسنّة تذكر على أنَّ الامّة ستنقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة ناجية في الجنّة، والباقون في النار. وهذه الفرقة الناجية هم شيعة وصيّ رسول الله عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأتباعه.
أمّا عن طريق الشيعة فقد وردت في عدّة مضامين:
1- عن «الكافي»، و«تفسير العيّاشيّ»، و «أمإلى» الشيخ الطوسيّ، و«جامع الأخبار» و«الخصال» للصدوق، و«الاحتجاج» للطبرسيّ، و«تفسير الثعلبيّ»[9]، وكتاب «سليم بن قيس الهلإلى»، و«فضائل» ابن شاذان، وكتاب «الروضة في الفضائل» هؤلاء جميعاً رووا بإسنادهم عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ امَّةَ موسى افْتَرَقَتْ بَعْدَهُ على إحْدَى وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَّةٌ، وسَبْعُونَ في النَّار. وافْتَرَقَتْ امَّةُ عيسى بَعْدَهُ على اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيةٌ، وَاحِدى وسَبْعُونَ في النّارِ. وإنَّ امتى سَتَفْتَرِقُ بَعْدِي على ثَلَاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ، واثْنَتَانِ وسَبْعُونَ في النّارِ»[10].
2- عن كتاب «الغارة» عن ابن عقيل، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: «اخْتَلَفَتِ النَّصَارى على كَذَا وكَذَا، واخْتَلَفَتِ إلىهُودُ على كَذَا وكَذَا، ولَا أراكُمْ أيُّهَا الامَّةُ إلّا سَتَخْتَلِفُونَ كَمَا اخْتَلَفُوا وتَزيدُونَ عَلَيْهِمْ فِرْقَةً، ألَا وإنَّ الْفِرَقَ كُلَّهَا ضَالَّةٌ إلّا أنَا ومَنِ اتَّبَعَني»[11].
3- عن كتاب «الفضائل» لابن شاذان، وكتاب «الروضة» أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «بعد أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله افتراق الامم، قال: الفرقة الناجية من قوم موسى هم الذين اتّبعوا وصيّه. والفرقة الناجية من قوم عيسى هم الذين اتّبعوا وصيّه، ثمّ قال: سَتَفْتَرِقُ امتى على ثَلاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، اثْنَتَانِ وسَبْعُونَ في النّار، ووَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وهِيَ التي اتَّبَعَتْ وَصِيِّي وضَرَبَ بِيَدِهِ على مَنْكِبي ثُمَّ قَالَ: اثنَتَانِ وسَبْعُونَ فِرْقَةً حَلَّتْ عَقْدَ الإلهِ فِيكَ، ووَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ وهِيَ التي اتَّخَذَتْ مَحَبَّتَكَ وهُمْ شِيعَتُكَ»[12].
4- وجاءت رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّهُ قَالَ لِرَأسِ اليهُودِ: «على كَمِ افْتَرَقْتُمْ»؟ قَالَ: على كَذَا وكَذَا فِرْقَةً، «فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: كَذَبْتَ، ثُمَّ أقْبَلَ على الناس فَقَالَ: واللهِ، لَو ثُنِيَتْ لِيَ الْوَسَادَةُ لَقَضَيْتُ بَيْنَ أهْلِ التَّوراةِ بِتَوراتِهِمْ وبَينَ أهْلِ الإنْجِيلِ بِإنْجِيلِهِمْ، وبَيْنَ أهْلِ الْقُرآنِ بِقُرآنِهِمْ. افْتَرَقَتِ اليهُودُ على إحْدَى وسَبْعِينَ فِرْقَةً، سَبْعُونَ في النَّارِ، ووَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وهِيَ التي اتَّبَعَتْ يُوشَعَ بنَ نُونٍ وَصِيّ موسى. وافْتَرَقَتِ النَّصَارى على اثْنَتَينِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً إحْدَى وسَبْعُونَ في النَّارِ، ووَاحِدةٌ في الْجَنَّةِ وهِيَ التي اتَّبَعَتْ شَمْعُونَ وَصِيّ عيسى. وتَفْتَرِقُ هَذِهِ الامَّةُ على ثَلَاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، اثْنَتَانِ وسَبْعُونَ في النَّارِ، ووَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وهِيَ التي اتَّبَعَتْ وَصِيّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّم. وضَرَبَ بِيَدِهِ على صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: ثَلاثَ عَشْرَةَ فِرْقَة مِنَ الثَّلاثِ والسَّبعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا تَنْتَحِلُ مَوَّدَتِي وحُبِّي، وَاحِدَةٌ مِنْهَا في الْجَنَّةِ وهُمُ النَّمْطُ الأوْسَطُ واثنَتا عَشْرَةَ في النَّارِ»[13].
وأمّا عن طريق أهل السنّة بشأن حديث الافتراق، فقد جاءت أحاديث في «مسند أبي داود»، و«سنن ابن ماجة»، و«مسند أحمد بن حنبل»[14]. وروى إمام الحرمين موفّق بن أحمد الخوارزميّ أيضاً بإسناده عن عليّ بن أبي طالب أنَّه قَالَ: «تَفْتَرِقُ هَذِهِ الامَّةُ على ثَلَاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، ثِنْتَانِ وسَبْعُونَ في النَّارِ ووَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في حَقِّهِمْ: {وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ}[15] وهُمْ أنَا وشِيعَتِي»[16].
وروى الحافظ محمّد بن موسى الشيرازيّ في الكتاب الذي استخرجه من التفاسير من الاثني عشر تفسيراً (تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان، وتفسير ابن جُرَيح، وتفسير مُقاتل بن سليمان، وتفسير وَكيع بن الجَرّاح، وتفسير يوسف بن موسى القَطّان، وتفسير قَتادَة، وتفسير أبي عُبَيْدَةَ القاسم بن سلام، وتفسير عليّ بن حرب الطائيّ، وتفسير السُّدّي، وتفسير مجاهد، وتفسير مُقاتل بن حيّان، وتفسير أبي صالح وكلهم من العامة) عن أنس بن مالك [أنَّه] قال: كنّا جلوساً عند رسول الله فتذاكرنا رجلا يصلّي ويصوم ويتصدّق يزكّي فقال لنا رسول الله لا أعرفه، فقلنا يا رسول الله إنَّه عبد الله ويسبّحه ويقدّسه ويوحّده فقال رسول الله لا أعرفه. فبينا نحن في ذكر الرجل، إذ قد طلع علينا، فقلنا: هو ذا. فنظر إليه رسول الله فقال لأبي بكر خذ سيفي هذا وامضِ إلى هذا الرجل فاضرب عنقه فإنَّه أوّل من يأتيه من حزب الشيطان فدخل أبو بكر المسجد فرآه راكعاً فقال والله لا أقتله فإنَّ رسول الله نهانا عن قتل المصلّين فرجع إلى رسول الله [وقال:] إنّي رأيته يصلّي فقال رسول الله اجلس فلستَ بصاحبه، قم يا عمر خذ سيفي من يد أبي بكر فاضرب عنقه وادخل المسجد. قال عمر فأخذت السيف من أبي بكر ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجداً فقلت والله لا أقتله فقد استأمنه من هو خير منيّ. فرجعتُ إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إنّي رأيت الرجل ساجداً. فقال يا عمر! اجلس فلست بصاحبه قم يا عليّ فإنَّك أنت قاتله إن وجدته فاقتله فإنَّك إن قتلته لم يقع بين امتى اختلاف أبداً. قال عليّ عليه السلام. «فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره، فرجعت إلى رسول الله فقلت يا رسول الله ما رأيتُه. فَقالَ لِي: يَا أبَا الْحَسَنِ، إنَّ امَّةَ موسى افْتَرَقَتْ إحْدَى وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ والْبَاقُونَ في النَّار؛ وإنَّ امَّةَ عيسى افْتَرَقَتِ اثْنَتَينِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ ناجِيَةٌ والْبَاقُونَ في النَّارِ؛ وإنَّ امتى سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجَيَةٌ والْبَاقُونَ في النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ومَا النَّاجِيَةُ؟ فَقَالَ: الْمُتَمَسِّكُ بِمَا أنْتَ عَلَيْهِ وأصْحَابُكَ. فَأنزَل الله تعالى في ذَلِكَ الرَّجُل: {ثانِيَ عِطْفِهِ [لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ}[17].
يقول هذا أوّل من يظهر من أصحاب البدع والضلالات قال ابن عبّاس: والله ما قتل ذلك الرجل إلّا أمير المؤمنين يوم صفّين، ثمّ قال: له في الدنيا خزي قال القتل ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق بقتاله عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم صفّين[18].
قال كثير من العلماء: قتل ذلك الرجل المشاغب في حرب النهروان، وكان من الخوارج، ويُدعى: ذُو الثَّديَة أو ذُو الثُّدَية بالتصغير. وجاء في كتاب «الإصابة»: أنَّه عند ما أقبل، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنشدك الله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل منيّ أو خير منّي؟ قال: اللهم! نعم».
ثمّ قال صاحب «الإصابة»: القول القويّ هو أنَّ ذا الثَّدية هو ذُو الخُوَيْصِرة نفسه وهو حرقوص بن زهير الذي قتل في النهروان على يد عليّ بن أبي طالب عليه السلام. ولمّا فرغ الإمام من أهل النهروان، قال: «التمسوا المجدع (ذو الثديّة)، فطلبوه»، ثمّ جاءوا، فقالوا: لم نجد، قال: «ارجعوا، ثلاثاً». كلّ ذلك لا يجدونه. فقال [الإمام] عليّ عليه السلام: «والله، ما كَذبتُ، ولا كُذّبت. قال: فوجدوه تحت القتلى في طين[19]. فظهر صدق كلام رسول الله عند ما قال للإمام: أنت قاتله.
ومن الأخبار الغيبيّة للإمام في حرب النهروان أنَّه قال: لا يبقى منهم عشرة ولا يقتل منّا عشرة. فسلم من أهل النهروان تسعة فقط وكانوا أربعة آلاف. وقتل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام تسعة فقط. وكان عبد الرحمن بن ملجم المرادي أحد الخوارج. وقد اتّفق مع اثنين من أصحابه في مكّة على أن يقوم هو بقتل الإمام.
نقل ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» بإسناده المتّصل عن أبي عبد الرحمن السُّلمي أنَّه قَالَ: «قَالَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ عَلَيْهمَا السَّلامُ: خَرَجْتُ وأبي يُصَلَّي في الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيّ إنِّي بِتُّ اللَّيْلَةَ اوقِظُ أهْلِي؛ لأنَّها لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبيحَةِ يَوْمِ بَدْرٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَلَكَتْنِي عَيْنَاي فَشَبَحَ لِي رَسُولُ الله، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ؛ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ امَّتِكَ مِنَ الأوْدِ واللَّدَدِ! فَقَالَ: ادْعُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ: اللهُمَّ؛ أبْدِلْ لِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي، وأبْدِلْ لَهُمْ بي مَنْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ مِنِّي». فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ «وَجَاءَ ابنُ أبي النَّبّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ وخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَرَوَهُ رَجُلَانِ، فَأمّا أحَدُهُما فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ في الطّاقِ، وأمَّا الآخَرُ أثبَتَها في الرَّأسِ»[20].
وجاء في بعض الروايات أنَّ هذه الرؤيا التي قصّها أمير المؤمنين عليه السلام على الإمام الحسن عليه السلام رآها الإمام في آخر ليلة من عمره الشريف. وقال بعد ذلك: «قال رسول الله بعد دعائي: يا عليّ؛ دعاؤك مستجاب. وأنت ضيفنا بعد ثلاث ليال. أي حسن: مضت على تلك الرؤيا ليلتان، وهذه هي الليلة الأخيرة».
[1] الآيات 16 إلى 19، من السورة 84: الانشقاق.
[2] لإن الفرد من الحذاء يُشبه الفرد الآخر منه كثيراً. ولمّا كانوا يجعلون السهام التي يقطعونها من الخشب أو القصب في مجموعة واحدة جنباً إلى جنب ثمّ يقصّونها من الأعلى والأسفل بشكل متساو حتى تكون بحجم واحد، لذلك فإنَّ طول السهم متماثل مع طول السهم الآخر تماماً.
[3] الذراع من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسط، والباع قدر مدّ يدين.
[4] «بحار الأنوار» ج 8، ص 4؛ و«تفسير عليّ بن إبراهيم» ص 718. لكنّه وضع في التفسير نفسه كلمة «لا يحطّ» بديلة عن «لا يخَطا».
[5] حسيني طهراني، سيد محمد حسين، معرفة الإمام، 18جلد، دار المحجة البيضاء بيروت لبنان، چاپ: 1، 1416 ه.ق.
[7] المقصود سعد بن أبي وقّاص.
[8] «كتاب سليم» ص 227؛ ونقل ذلك أيضاً في «بحار الأنوار» ج 8، ص 6 عن أبان، عن «كتاب سليم».
[9] يبدو أنَّ الثعلبيّ من العامّة.
[10] «بحار الأنوار» ج 8، ص 2 إلى ص 5.
[11] «المصدر السابق» ج 8، ص 740.
[12] «بحار الأنوار» ج 8، ص 5.
[13] «غاية المرام» ص 578 عن «أمالي» الشيخ؛ وكتاب «سليم بن قيس» ص 214، و «بحار الأنوار» ج 8، ص 3، عن «الاحتجاج» للطبرسيّ.
[14] «المعجم المفهرس» ج 5، ص 136.
[15] الآية 181، من السورة 7: الأعراف.
[16] «غاية المرام» ص 577؛ و«مناقب» الخوارزميّ، الفصل 19، ص 237.
[17] الآية 9، من السورة 22: الحجّ.
[18] نقل المرحوم المجلسيّ هذه الرواية المفصّلة في «بحار الأنوار» طبع الكمباني، ج 8، ص 239، عن «كشف الحقّ» للعلّامة الحلّيّ.
[19] «الإصابة» ص 472، (حرف الذال) الرقم 2446.
[20] غاية المرام» ص 573 الحديث الثامن. وذكره ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج 6، ص 121، ضمن شرح الخطبة 68. وعبارة أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة 68 من «نهج البلاغة» هي كالاتي: "مَلَكَتْنِي عَيْني وأنا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ امَّتِكَ مِنَ الأودِ واللَّدَدِ! فَقَالَ: ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: أبْدَلنِي اللهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وأبْدَلهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي". وذكر ابن أبي الحديد ضمن هذه الخطبة في شرحه ج 6، من ص 113 إلى ص 126 سبب استشهاد الإمام وكل الوقائع والأخبار والوصيّة والمدفن وسائر ما يتعلّق به.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة