تفسير الآية: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص21-23
2025-11-26
36
قال اللهُ الحكيمُ في كِتابِهِ الكَرِيمِ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[1].
المقصود بالهداية الإلهيّة في هذه الآية الأنبياء والأئمّة الذين تألّقت قلوبهم وتلألأت ضمائرهم بنور الله، وكشف لهم الغطاء عن الأسرار المكنونة في عوالم الغيب، ولم يضِنّوا على من يلتحق بركبهم أن يبلغوا به الغاية المنشودة. ولو تيّسر لأبناء النوع الإنسانيّ أن يتحرّروا من ربقة متطلّباتهم في شُئونهم التكامليّة لبلوغ الغاية والكمال البشريّ ويسلّموا لمثل اولئك الهداة تسليماً حقيقيّاً، فمن البديهيّ أنَّ إرادة المربّي ذي البصيرة النافذة، الخبير بجميع ميزات السير والسلوك، ومصالح الطريق ومفاسده ستكون بديلة عن إرادتهم الضعيفة المظلمة في كيان وجودهم. ومثل هذه الحالة، تكون متمّمة لنقاط ضعفهم وفتورهم. تعالج آلامهم المعنويّة وتجتاز بهم عقبات النفس الكؤودة، وتمرّنهم على مجاهدة النفس وطرق الإخلاص، والهيمنة المعنويّة والملكوتيّة على قلوبهم وتشعّ على أذهانهم ونفوسهم بقبس النور الحقيقيّ، وتبلغ بهم محطّة النجاح والتمتّع بجميع المواهب الإلهيّة، وتنضج لهم فاكهة وجودهم الفجّة لتعجل منها فاكهة رويّةً حلوة المذاق، ذلك من خلال التربية التشريعيّة، والتموين بالنور التكوينيّ.
أمّا الإنسان الذي لم يتحرر ولم يتجاوز أفكاره الشخصيّة، ولم يتلقّى تعليمه وتربيته من مثل هذا المربّي، فإنَّه سيظلّ حبيس خيالاته الضيّقة وأفكاره القاصرة. ويوصد باب التكامل بوجهه، ولا يتسنّى له العبور من عمى الجهل إلى بصيرة العلم، ومن الظلمات إلى النور. وحقّاً سيكون حرمانه وخسرانه أكثر من الآخرين. وهذا هو الضلال البعيد الذي لا يتيسّر علاجه؛ لأنَّ كلّ داءٍ يمكن علاجه إلّا داء الجهل. وكفى الجاهل داءً أنَّه جاهل، فهو قد انغمس في الزوابع المظلمة منتظراً مصيره الأبديّ الذي يمثّل ردّ الفعل الطبيعيّ لجهله.
الإمام منبع النور والعلم، وإذا أرغمنا القلب المظلم على التسليم له واتّباعه، فإنَّه سيستضيءُ بنوره. وستترع العين الجافّة بالماء، وتنبعث الروح في الجسد الذي لا حراك فيه، والإمام هو الذي ينفخ الروح فيه. وأمّا إذا لم نتّصل بالإمام، فإنَّ العين الجافّة ستظلّ على جفافها، والقلب المظلم على ظلمته، والجسد على سكونه وجموده.
روى النعمانيّ في كتاب «الغيبة» عن الكلينيّ بإسناده المتّصل، عن أبي النصر، عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام أنَّه قال في تفسير الآية الكريمة: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}: «مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ ورَأيَهُ بِغَيْرِ إمَامٍ مِن أئِمَّةِ الْهُدَى»[2]. وهذه هي الجاهليّة الواردة في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه».
[1] الآية 50، من السورة 28، القصص.
[2] «بحار الأنوار» ج 7، ص 17.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة