للتشجيع طرق مختلفة فتارة يكون التشجيع بالكلام وأخرى يكون بالسلوك والفعل الحسن تجاه الأولاد وأخرى يكون بالكتابة والتحرير وتارة يكون بالمكافأة المادية فهناك أربعة طرق للتشجيع نذكرها فيما يلي:
الأول: التشجيع الكلامي
يكون التشجيع بالكلام من خلال مدحه على بعض الإنجازات التي قام بها فمثلا عندما ينجح في إمتحانات نهاية العام الدراسي ويأتي بالشهادة إلى المنزل وهو مسرور لما حصل عليه من نتائج في الإختبار فينبغي أن نقول له أحسنت يا ولدي مبروك على هذا النجاح أنت بذلت مجهودا في الدراسة.. أنت تستحق هذه النتيجة.
وعندما تقوم البنت في مساعدة الأم على القيام بأعمال المنزل كتنظيف سفرة الطعام أو تهيئة الطعام واعداد المأدبة فينبغي على الوالدين أن يقدرا مجهودها التي قامت به ويشكرانها عليه فيقول كل من الأبوين لها أحسنت يا بنتي على مساعدتك هذا هو التعاون والبرّ فقال الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
والأبناء عادة ما يميلون الى هذا النوع من المكافأة والإثابة ولكن قد يبخل بعض الآباء بإظهار السرور والمديح للسلوكيات الجيدة التي يقوم بها الطفل وذلك إما لإنشغالهم، فلا وقت لديهم للإنتباه إلى السلوكيات الحسنة التي يقوم بها الطفل أو لإعتقادهم الخاطئ أنه من واجب الطفل أن يسلك سلوكاً جيدا وحسناً من دون حاجة إلى المكافأة أو المثابة.
ولا شك أن هذا الاعتقاد يعتبر من الأخطاء التربوية التي لابد أن يتجنبها الآباء لأنه من الواضح أنّ الولد الذي يقوم بمساعدة والديه خارج المنزل وهكذا البنت الصغيرة التي ترغب في مساعدة والدتها في بعض شؤون المنزل كترتيب غرفة النوم أو غسل الأواني فتتوقع الإثابة والمدح من الوالدة ولكن إذا لم تجد أي مدح وثناء من الأم فإنّها تلقائياً لن تكون متحمسة لتكرار هذه المساعدة في المستقبل.
وبما أن الهدف هو جعل سلوك الطفل الجيّد متكرراً ومعتاداً فمن المهم على الآباء أو من كان معنيّا بتربية الأولاد أن يثيب الأولاد بالمدح والثناء والكلام الطيب.
ومن مصاديق التشجيع الكلامي هو التحدث مع الطفل والإستماع إلى حديثه في أي أمر يستحسنه سواء كان عن فلم ممتع شاهده مؤخرا أو عن واجباته المدرسية أو عن علاقته الحسنة مع أصدقائه وزملائه فليشجعه على تكوين علاقة طيبة مع أصدقائه.
وقد أكد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية الصداقة بين الأشخاص لاسيما بين الآباء والأبناء فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ((الْأَصْدِقَاءُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فِي جُسُومٍ مُتَفَرَّقَة))(1).
ويزداد التشجيع الكلامي أهمية عندما يرى أنّ هناك من يمنع الأطفال عن القيام بالسلوك والعمل الجيّد، فهنا يجب علينا بموقفنا الداعم والمشجّع لسلوك الطفل الجيد أن نقف أمام تلك الشريحة الخاذلة لعمل الطفل ونحثه بكلامنا على المبادرة والسلوك الجيد الذي قام به وقد تعامل ذلك النبي الأكرم بعض الصحابة حينما كان يكتب حديث النبي وقد نهاه بعضهم فأمره النبي أن يواصل عمله فقد روي عن عبدِ اللهِ بن عمر، قال: كنتُ أكتُبُ كلَّ شيءٍ أَسْمَعُهُ مِن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، أُريدُ حِفْظهُ، فنهَتْني قريش، وقالوا: أتكتُبُ كلَّ شيءٍ تسمَعُهُ ورسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بشَرٌ يتكلَّمُ في الغضبِ والرِّضا؟! فَأَمْسَكْتُ عَنِ الكِتابِ، فذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فأَوْماً بِإِصْبَعِهِ إِلى فِيهِ، فقال: اكتُب؛ فوالذي نفسي بيدِهِ، ما يخرُجُ منه إلَّا حق(2).
ملاحظة:
ينبغي علينا أن نركز على مدح السلوك وليس الطفل. لكي يشعر الطفل بعظمة فعله والعمل الذي قام به وأنّ فعله قد نال إعجابنا وليس المدح لشخصه بالذات أو لأنه ولدنا ومن صلبنا وهكذا عندما نقبّحه أو نعاتبه ونلومه فيجب أن يكون عتابنا ولومنا لعمله السيئ الذي صدر عنه ولا يكون تقبيحنا موجها لشخصه وذاته لأنّ الطفل إذا عرف أننا نتبرأ من فعله وسلوكه السيء وليس من شخصه فأنه يحاول أن يغيّر ذلك السلوك وأما إذا تصوّر أننا نطعن في ذاته وننقص من شخصه وليس من فعله وعمله المعيب والشنيع فحينئذ لن يبادر الى تغيير ذلك السلوك السيء ولربما سيترك آثاراً سيئة لن نستطيع بعد ذلك أن نتداركها مثل تركه الأهل وإعتزاله لهم لأن الولد لاسيما المراهق إذا حسب أن أهله لا يودونه بل يكرهونه سوف لا يطيق البقاء عندهم ولا يحب أن يعيش معهم وسوف ينفصل عنهم ويسعى الى أن يجد مكاناً آخراً للعيش بعيدا عن الأهل والأقرباء.
ومن أجل ذلك يجب على الآباء إذا أرادوا تقبيح فعل وسلوك أولادهم أن يشعروهم بأنهم أولادهم وأفلاذ أكبادهم ولا يستطيع أي أب أو أم أن ترفض ولدها وتكرهه بل الرفض والإستنكار موجّه إلى سلوكه وفعله السيء وليس إلى شخصه.
الثاني: التشجيع العملي
الطريق الثاني لتشجيع الأولاد هو الطريق العملي وله أنحاء مختلفة منها إحتضان الأبوين ولدهما وتقبيله أو التظاهر بإبتسامة عريضة في وجهه او إظهار المودة بأشكال أخرى عندما يشاهدون منه السلوك الجيد، وفائدة هذا الأسلوب من التشجيع العملي هي أنها مجانية وفورية لذا يمكننا إستخدامها بمجرد أن يفعل إبننا الفعل الجيد.
ومن أشكال التشجيع العملى هو مكافأة الولد بقضاء وقت مضاعف للعب معه فمثلاً إذا كنا نلعب معه في كل يوم نصف ساعة ينبغي أن نزيد على هذا النصف نصف ساعة أخرى والأفضل أن يكون في ساعة أخرى. وكذا السماح له باللعب على الموبايل لوقت محدّد لا يتجاوز النصف ساعة.
ومن مصاديق التشجيع العملي أيضاً هو أن يقضي الأب ساعة مع إبنه خارج المنزل فيصطحبه إلى المسبح أو المنتزه أو السينما ويقضي معه وقتاً ممتعاً وليقل له أن هذا هو جزاء ومكافأة على ما قمت به من تصرف وسلوك حسن لتشجيع الولد على التواصل والإستمرارية على فعله الايجابي.
وقد يتمثل هذا النوع من التشجيع في السماح له بالذهاب إلى منزل اصدقائه أو يسمح له بالذهاب في رحلة ترفيهية معهم لكي يقضي وقتاً جميلاً باللعب والمرح مع أصدقائه، ولكن هذه المكافأة تناسب الأطفال الذين هم أكبر سناً.
الثالث: التشجيع بالكتابة
النحو الآخر من التشجيع هو التشجيع بالكتابة وهو أن يقوم الوالدان بكتابة السلوكيات والأفعال الحسنة التي صدرت عن الطفل في دفتر خاص ثم في نهاية كل اسبوع أو بعد خمسة أو عشرة أيام يطلعه على مجموع الأفعال والحسنات التي قام بها.
أو أن يقوم الوالدان بتحضير قلم وورقة ويكتبا عليها المهام التي يجب على الطفل الالتزام بها، وكلما حقق الطفل واحدة منها نال علامة أو نجمة أو ...
إن هذه الطريقة من التشجيع تدعوه إلى الإزدياد والإكثار من الأعمال الحسنة وبالتالي إلى الإلتزام بالسلوك الجيد والإبتعاد عن الأفعال السيئة والقبيحة.
الرابع: التشجيع بالمكافأة المادية
تعتبر المكافأة المادية المتمثلة بإعطاء النقود وشراء اللعب و... من أهم سبل تعزيز السلوك الجيّد عند الاطفال بعد التشجيع الكلامي والتشجيع العملي. فكما أن معاقبة الطفل عند قيامه بالسلوكيات السلبية يعتبر أمرا طبيعيا، كذلك تعتبر المكافأة المادية عند قيام الطفل بالسلوكيات الجيدة من الأمور الطبيعية والضرورية في نظر الأولاد.
ولهذا يجب أن يشعر الطفل بأنه يوجد لسلوكه الجيد مردودا إيجابيا ملموساً، فينبغي أن لا تغفل الأم وكذلك الأب عن أهمية وفوائد المكافأة المادية للطفل على سلوكياته الإيجابية، وسنذكر هنا بعض تلك الفوائد التي تترتب على التشجيع بالمكافأة المادية:
1- إن المكافأة المادية تشجع الطفل على عدم ترك السلوكيات الإيجابية وذلك لأن الطفل عندما يقوم بالعمل الجيد ويكافأ من قبل والديه سوف يستمتع بالمكافأة التي أعطيت إليه ويتذوق لذة الهدية التي أهديت اليه جزاء العمل الذي قام به ولا يحبّ أن يخسر تلك المتعة التي أحس بها ومن أجل ذلك يحاول أن يستمر على ممارسة العمل الذي كان عليه.
2- إن المكافأة المادية على عمل الطفل الجيد تعزّز ثقته في نفسه لأنها توحي إليه بالقدرة على القيام بسلوكيات إيجابية يفخر بها أمام الآخرين وهذا ما يجعله أن يكون واثقاً بنفسه يقوم بالعمل من دون وجل ورعب ومن دون منافس له بل ربما يتحدّى أصدقاءه وزملاءه على القيام بذلك العمل.
3- إن المكافأة المادية تدفع الطفل الى أن يتجنب السلوكيات السلبية ولأن الطفل إذا علم أنّ والديه قد كافأه على سلوكه الجيد وإبتعاده عن الأفعال السيئة سوف لا يقدم على ما لا يحبه أبواه ويحاول أن لا يعصي لهما أمرا لأنه سوف يشعر ويدرك بكل وجوده وضميره أن الإحسان لا يقابل إلا بالإحسان قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].
لكن ربما يتبادر التساؤل التالي للقارئ الكريم وهو يا ترى هل يمكن أن يكافأ الطفل من دون أن يكون هناك حدود وضوابط في مكافأته؟ أليست المكافأة الدائمة للطفل تترك آثارا سلبية؟ وبعبارة أخرى كيف يمكن أن يكافأ الطفل مادياً من دون أن تكون لتلك المكافأة ردوداً سلبية؟
يرى بعض الخبراء عدم صحة المكافأة المادية الدائمية أو الثمينة المقابلة للسلوك الجيد للأولاد، بل يذهب إلى أنّ تلك المكافأة يجب أن تكون في ضمن الحدود والأطر المعقولة، فيذهب إلى ضرورة مراعاة حصول الطفل على المكافأة بعد اتباع السلوك الجيد؛ لأن حصول الطفل عليها قبل تنفيذه يؤدي الى نتائج عكسيه حيث يحد من تحفيزه نحو العمل، ويضعف من قوة إرادته، وتحمله للمسؤولية. كما يفضل أن تكون المكافأة المادية بعد تحقيق إنجاز مهمة صعبة بالنسبة للطفل، عندما يكون النموذج الدائم المتبع لتحفيز الطفل وجعله يقوم بمهامه الحياتية الأساسية من طعام ونظافة ودراسة وأخلاقيات وغيرها هو مكافأة مادية، أو تجميع النجوم والنقاط ليحظى بالهدية الموعودة، سيؤثر ذلك عليه بشكل سلبي وسينقلب الأمر الى ضدّ الأهداف التي بنى عليها الأبوان فقد قام بمكافأة الطفل لتحفيزه نحو الفعل الحسن وإذا بهم يشاهدان أن الطفل لا يرغب في القيام بالفعل الجيد إلا بالمكافأة وفي المقابل تتحول طاعة الأبناء إلى مقايضات دائمة، فلا يلتزم الأبناء الطاعة إلا بمقابل.
وهكذا يصبح أخطر ما في الأمر هو تعويد الأطفال على تحقيق أي إنجاز ازاء مقابل مادي.
ومن أجل ذلك يجب على الأبوين ان يتجنّبا منح المكافأة للطفل في كل مرة يقوم بها بسلوك ايجابي حتى لا ينشأ الطفل ماديا في تعامله، لذا وجب التنويع في طرق مكافأة الطفل بحيث تجمع بين المكافأة المادية والمعنوية وغيرها، فالتنوع مفيد جدا وهو حافز جيد للطفل أيضا على إستمراره في القيام بسلوكيات إيجابية.
ملاحظات هامة
الأولى: من الأفضل أن تكون المكافأة مرتبطة بالعمل والسلوك الذي يقوم به الطفل، على سبيل المثال، إذا كان ولدنا قام بأداء فريضة الصلاة وأردنا أن نشجعه بالمكافأة المادية من المناسب أن تكون تلك المكافأة مرتبطة بفريضة الصلاة كأن نشتري له ثوباً مخصصاً للصلاة أو خاتماً أو عطراً يتحلى ويتزين به في صلاته وهذا النوع من المكافأة تحبب عنده الصلاة وترغبه في التوجه إليها كلما حان وقتها. وهكذا فيما إذا كان السلوك المفضل الذي قام به الطفل هو الإجتهاد في الدراسة والنجاح في الإمتحان السنوي فينبغي أن تكون المكافأة المادية شراء بعض السلع التي ترتبط بالمدرسة والدراسة وإذا كان عمله المفضل هو تقدمه في هواية السباحة، فحينئذ يمكننا مكافأته بشراء شيء ما من مستلزمات السباحة التي يرغب فيها.
الثانية: يجب أن تتناسب قيمة المكافأة المادية مع سلوك الطفل الإيجابي، فلا يصح أن يكافأ الطفل بإعطائه مبلغاً ضخما أو شراء لعبة كبيرة للطفل، لأنه واظب على حضور حصصه الدراسية مدة أسبوع. أو لأنه قام بشراء بعض حوائج البيت بدلاً عن الأب.
وينبغي للوالدان أن يستخدما في أغلب أوقاتهم مكافآت صغيرة مثل، أقلام رصاص، أو دفاتر ملاحظات، أو ملصقات لتزيين دفاتره. وأن يكافآ طفلهما بأشياء تتعلق بهوايته أو نشاطه المفضل، أو اهتماماته، لأنه إذا إشترينا له ما يتعلق بنشاطه وهوايته فنكون عندئذ قد قدمنا له اللعبة الجديدة والمكافأة المادية أولاً وما يستأنس فيه ويرغب به وبهوايته ثانياً.
الثالثة: يوصي خبراء علم نفس الأطفال بالمكافآت، بعد إنجازه لشيء ما، ليس قبله، فتصبح بذلك رشوة للطفل، حتى يقوم بالعمل المطلوب منه، ويصبح الطفل يعمل من أجل المكافأة، ليس من أجل متعة الإنجاز والتعلم.
الرابعة: يفضل أن يمنح الأبوان طفلهما مالاً، بمجرد بلوغه سن الرابعة أو الخامسة، إذ يميل الأطفال في هذا العمر إلى أن يكونوا أكثر وعياً باحتياجاتهم، ومن جهة أخرى إنّ هذه طريقة تعلّمه كيف يتصرف في ماله بنفسه فيتعلم من خلالها تقييم المال ومقدار أهميته في إدارة الحياة كما يتعلم من هذه الطريقة أيضاً كيف يكون مسؤولا عن ماله ويتدرب على قبول مسؤوليات أخرى أكبر حجماً وأكثر أهمية.
الخامسة: كما أنّه يجب أن تتناسب قيمة المكافأة المادية مع سلوك الطفل الإيجابي كذا يجب أن يكون مقدار المال الذي يعطى للأبناء متناسباً مع عمرهم، فمن الخطأ أن يكافأ الطفل الصغير الذي لا يعرف قيمة المال ولا يدرك مقداره أن يعطى مبلغا كبيراً من المال والنقود تصبح حينئذ المكافأة محفزا سلبيا للأطفال.
_____________________
(1) غرر الحكم ودرر الكلم: ص 115.
(2) مسند أحمد: ج 11 ص 56.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة