حليب الام
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 331 ــ 334
2025-11-19
29
لقد تطرق القرآن الكريم إلى قضية ارضاع الام طفلها لمدة عامين فقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233].
وقال أيضاً: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14].
نعم، أن رزق الطفل في ثدي أمه، ولا يجوز للأم حرمان طفلها عما رزقه الله تعالى نتيجة لمصالحها الشخصية أو لما يساورها من أوهام ساذجة، أو للمحافظة على بعض الجوانب البدنية، وتوكل أمره إلى الحليب الجاف أو حليب الحيوانات وغير ذلك. ولتعلم أن اهم عامل يؤدي إلى افراز الثدي للحليب هو ارضاع الطفل، وليس هنالك علاج أفضل منه يدفع الثدي لان يدر الحليب.
ويأخذ أدرار الحليب بالانتظام رويداً رويداً مع الرضاعة وتسير الحالة العامة للام نحو التحسن.
ان الحليب المترشح من ثدي الأم يحتوي على نسبة 1,6% من البروتينات و4% من الدهنيات، و3,8% من السكريات وبعض الاملاح والفيتامينات، وهذا ما لا يمكن الحصول عليه من أية مادة أخرى على الاطلاق، وصدر الأم وحده الذي يستطيع انتاج مثل هذا الغذاء للضيف الذي قد حل تواً!
ثمة فارق قليل بين هذا الحليب وبين حليب الحيوانات، أي أن الحيوانات التي تنمو بسرعة كالجاموس تزداد نسبة البروتينات في حليبها، والعكس صحيح.
ان حليب الأم يشهد تغييرات مستمرة على مدى أشهر الرضاعة، اذ تشهد نسبة السكريات والدهنيات انخفاضاً على مرور الأيام، أما البروتينات فهي تسير نحو الازدياد.
ان لثم الطفل لثدي أمه بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى اشباعه واستمرار حياته، فهو يؤدي إلى مضاعفة ادرار الحليب وعمل غدد الثدي أيضاً.
خلال الايام الخمسة عشر الأولى من الولادة يكون عدد دفعات الرضاعة سبع مرات يومياً تبدأ من الساعة السادسة صباحاً وتستمر حتى الثانية عشرة مساءً بمعدل رضعة واحدة كل ثلاث ساعات، والطفل خلال هذه الفترة يجب أن يخلد إلى الراحة من الساعة الثانية عشرة مساءً وحتى السادسة صباحاً، وبعدها تقلل مرات الارضاع إلى ست، أي يقطع الحليب عنه في الساعة التاسعة مساءً وينوم كي تخلد الام إلى الراحة، وليستعد الجهاز الهضمي للطفل إلى عملية هضم جديدة.
وعلى الأم التأكد من أن ينام الطفل شبعاناً بعد كل مرة ترضعه فيها، وهذا ما يمكن تحقيقه بقليل من الصبر والتحمل، وبعد أشباعه يطرح على جانبه الايمن ثم تتوجه إلى اعمالها اليومية.
أن الطفل الذي ينام مطمئناً بعد كل مرة من الرضاعة ولا يضطرب في نومه، وإذا ما أجري الفحص على وزنه ووجد أنه يزداد من 25 - 30 غرام، فإنه طفل صحيح البنية، وامتلاك مثل هذا الطفل مدعاة للفرح والسرور.
بالرغم من كثرة مشاغل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أنه كان كثير الاهتمام بحليب الاطفال، فقد كان (صلى الله عليه وآله) يأتي بيت فاطمة (عليها السلام) ويضع سبابته في فم الحسين (عليه السلام) ليختبر شهيته من خلال مصه للأصبع، كي تبادر امه إلى ارضاعه إذا كانت لديه شهية إلى الحليب، أما إذا كانت شهيته كاذبة وبكاؤه ليس سبب جوعه فلا ترضعه من أجل اسكاته، لان تراكم الحليب في معدته يورث التخمة، ويتسبب في بطء عمل المعدة، وبالتالي فإنه يترك أثراً سلبياً في تركيب الطفل، ويتسبب في خموله وضعفه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس للصبي لبن خير من لبن امه) (1).
لقد صدرت هذه العبارة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ قرون مضت، وهي حقيقة أدركها كبار العلماء حديثاً، حيث ورد في الدراسات التي قام بها علماء الغرب - وأكثر العوائل في الغرب تودع اطفالها في دور الحضانة كي يشبوا على الحليب الصناعي. ليس هنالك حليب وغذاء أفضل من حليب الام بالنسبة للطفل.
وإذا شح حليب الام - وهذا قليلاً ما يحدث - عليها التفحص في اختيار مرضعة له كما أكدت على ذلك الروايات، لما يتركه الحليب من أثر بالغ في جسم الطفل وعقله وروحه.
فقد ورد في الروايات نهي عن استرضاع سيئة الخلق والمجنونة والحمقاء والفحشاء واليهودية والنصرانية والمجوسية وشاربة الخمر اذ ان طبائعهن تنقل إلى الصبي مع اللبن (2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأم سلمة وقد قالت له: ذهب الرجال بكل خير فإي شيء للنساء المساكين؟ بلى إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا يدري أحد ما هو لعظمه، فإذا ارضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولد اسماعيل، فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملك كريم جنبها وقال: استأنفي العمل فقد غفر الله لك (3).
على الامهات التزام ما نبّه اليه الامام الصادق (عليه السلام) في مسألة الرضاعة، إذ قال (عليه السلام) لامرأة تدعى ام إسحاق: (لا ترضعيه من ثدي واحد وارضعيه من كليهما، يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البحار: ج 103، ص 323.
2ـ المصدر السابق: باب الرضاعة، الوسائل: ج 15، باب الرضاعة.
3ـ الوسائل: ج 21، ص 451.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة