دراسة تطبيقية لتشخيص القطاعات المحورية في الاقتصاد العراقي( طرق اختيار القطاعات الرائدة: معالجة نظرية)
المؤلف:
أ. د. علي مجيد الحمادي
المصدر:
التشابك الاقتصادي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة:
ص 269 - 274
2025-10-29
36
الفصل السابع
دراسة تطبيقية لتشخيص القطاعات المحورية في الاقتصاد العراقي
تمهيد
استأثرت مسألة تطوير القطاعات والفروع الاقتصادية عن طريق وضع الخطط الاقتصادية القومية الشاملة وبالذات الخطتين الاقتصاديتين الخمسيتين (70-1974) و (76 - 1980) والمناهج الاستثمارية خلال الثمانينات (*)، باهتمام بالغ لــدى واضعي السياسة الاقتصادية في القطر العراقي. وبغية الوقوف على مقدرة كل قطاع من هذه القطاعات على خلق الفرص الاستثمارية الجديدة التي تمكن من توسيع نطاق السوق (الطلب) عمدنا الى دراسة تطبيقية تنطوي على مفاهيم العلاقات التشابكية بدرجة اساسية وتكشف عن واقع القطاعات والفروع الاقتصادية المختلفة في هذا المضمار وتساعد في تشخيص القطاعات القادرة على ممارسة الدور الريادي في الاقتصاد الوطني، وبالتالي تفرض اولوية دعمها بأوجه الدعم المختلفة (**)...
1- 7 طرق اختيار القطاعات الرائدة: معالجة نظرية
ان العمل النظري لدراسة وتشخيص القطاعات المحورية في مختلف الاقتصادات انها يرتبط الى حد كبير بأفكار ودائرة مفاهيم استراتيجية النمو غير المتوازن بدرجة كبيرة تلك الدائرة التي حظيت بقبول في الوسط الاقتصادي وقد تغلبت من حيث الحجة الموضوعية والنتائج العملية لتجارب التاريخية الانمائية للمجتمعات المتقدمة، ومحاولات التنمية في العديد من الاقطار النامية، على كثير من الاستراتيجيات التنموية الاخرى بما في ذلك استراتيجية النمو المتوازن. دون ان يعني ذلك تخلص هذه الاستراتيجية من النقائض والعيوب التي تكتنف طرق التفكير العلمي والفلسفي لأنصارها (1). وتتلخص نظرة استراتيجية النمو غير المتوازن لعملية التنمية في كونها سلسلة متصلة من اختلالات التوازن وكل اختلال في التوازن يخلق قوى لتصحيح هذا الاختلال. وبتصحيح هذا الاختلال يتولد اختلال جديد، وهكذا الى حدود غـير معلومة، الامر الذي يدفع بعملية التنمية الاقتصادية باتجاه الامام (2).
وتستعين هذه الاستراتيجية بمسالة الارتباط المتبادل بين الفروع والقطاعات الاقتصادية المختلفة والوفورات النقدية الخارجية وغير النقدية المتحققة عن ذلك الارتباط، فكل استثمار سيولد فرصاً جديدة للاستثمار ويشكل ذلك باعثاً جديداً للنشاط التنموي.
وما يشغل اهتمام مفكري هذه الاستراتيجية هو وجوب تحديد المجالات والنشاطات الاقتصادية القادرة على خلق الروابط القوية والمتعددة بينها وبين الفروع والقطاعات الاقتصادية الاخرى، وبالاتجاهات المختلفة بصورة اكثر اعتدالاً والمجالات تلك، هي ما يطلق عليها بالقطاعات القائدة او اقطاب النمو، وبالتالي فانــه يشترط دعم وتوسيع هذه القطاعات بصورة تتميز عن سواها من القطاعات الأخرى في الاقتصاد الوطني.
ويميز هيرشمان في هذا النطاق بين نمطين من خيارات الاستثمار، أولاهما ما يطلق عليه بخيارات التعويض Substitution Choices " المتضمنة تحقيق مفاضلة بين بدائل المشروعات واتخاذ قرار بشان البديل الافضل اقتصادياً، ويتمثل النمط الثاني بخيارات التأجيل "Postponement Choices " ومنح الاسبقية لمشروعات دون اخرى (3)، وبالذات ما يتصل بحتمية العلاقة الاعتمادية بين راس المال الاجتماعي SOC) Social Overhead Capital)] بما في ذلك مفردات البنى الارتكازية المادية كالطرق والجسور وسكك الحديد والمطارات والموانئ والنواظم (..الخ)، أو المعنوية مثل بيوت الخبرة والجامعات والمعاهد ومؤسسات تطوير الصحة (.. الخ)، من جهة، وبين الفعاليات ذات الانتاج المباشر [DPA Direct Production Activities)] من جهة اخرى. فالتنمية التي تتأسس على اعطاء الاولوية لــ (SOC) اسماها هيرشمان بالتنمية من خلال الطاقة المضافة، اما تلك التي تتقدم لها (DPA) فقد أسماها بالتنمية من خلال العجز.
ويعتقد هيرشمان بان كلا الترتيبين يخلقان المحفزات والضغوط اللازمة لتحقيق الاهداف الانمائية، بيد ان التركيز على الاستثمار في النشاط الانتاجي سيولد برأيه قدراً اكبر من اسباب الترابط القطاعي في الاقتصاد، ناهيك عن قدرته على خلق الضغوط الاجتماعية والسياسية على اصحاب القرار في فعاليات راس المال الاجتماعي. ويتضح ذلك من الشكل البياني 1-7 أن الخط MX يمثل مسار النمو المتوازن بين (SOC) و (DPA) وهو يربط النقاط المثلى على المنحنيات الثلاثة a,b,c ذات الانحدار السالب والتي تعبر عن مستويات متفاوتة من (DPA) جراء استثمار متتابع ومتصاعد من تطبيق اسلوب التنمية من خلال العجز فاذا كانت خطوة التوسع الأولية مبتدئة بـDPA، فان اتجاه المستقيمات في الشكل ستأخذ المسارات ("AA',A"A",BB) وسيولد ذلك اختلالاً وضغطا بهدف تطوير راس المال الاجتماعي من خلال ("AB,A,B,A ,"B) ، بحيث يعوض هذا النقص او الاختلال في النقطة B. فالنمط المثالي للتنمية لدى هيرشمان يتجسد في خطوات متعاقبة تقود الاقتصاد بعيداً عن التوازن ليحقق مستوى اعلى من توازنه السابق وهكذا. يوضح الشكل كيفية احداث الاختلالات وظهور قوى تصحيح باتجاه التوازن بمستوى أعلى (4) ومن الحقائق الاساسية التي يشير اليها ان نظرية النمو غير المتوازن قــد اثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية خلال العقد الثامن من القرن الماضي على وجه التحديد، حينما فكر العديد من الدول النامية جدياً بأمر التنمية وضرورة وضع الخطط الاقتصادية اللازمة لذلك.

وفي مقدمة تلك النقاشات ان هذه النظرية ترفض منح الدولة الدور الاساسي او القيادي للتنمية وتولي اهمية بارزة للمبادرة الفردية في ممارسة ذلك. وقد وجد معارضو هذه النظرية تأييداً واسعاً في فترة السبعينات نظراً لاشتداد الدعوة لتأميم النشاط الاقتصادي والاعتقاد بفلسفة التدخل الواسع للدولة في شؤون الاقتصاد وادارته (5) وقد انتقدت هذه النظرية على انها اطلقت العنان لجهاز الثمن في اتخاذ القرارات المتعلقة بعملية التنمية في الوقت الذي لاقى فيه التخطيط الاقتصادي الشامل قبولاً شديداً بوصفه وسيلة لا بديل عنها في تعجيل النمو في البلاد النامية وقتئذ. كما وصف النمو غير المتوازن بانه يبقي الكثير من المتغيرات الاقتصادية للصدف ولدرجة عالية من عدم التأكد Uncertainty كما في حالة عدم توافر الضمانات اللازمة للقضاء على البطالة ومواجهة التضخم وسوء توزيع الدخل (6) .
ومن اوجه النقاش الأخرى أن استراتيجية النمو غير المتوازن تفترض بان القيد الذي يكبل مسالة النمو يكمن في ندرة القدرة على اتخاذ قرارات الاستثمار، واهمال عرض الموارد والعناصر الأخرى، اعتقاداً من منظري هذه الاستراتيجية بإمكانية تدفق الموارد وبحرية عالية في حالة توافر الحوافز اللازمة لاتخاذ القرارات. وهذا ما يعترض عليه الفريق المعارض لهذه الاستراتيجية بحجة ان توافر الموارد تحل في المكانة الاولى لإنجاز مراحل العملية الانمائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا العقد، والعقود الأخرى المذكورة في الدراسة ترجع الى القرن المنصرم.
(**) دراسة للمؤلف نشرت أصلاً في النفط والتعاون العربي، م27 ، ع 98، 2001.
(1) H.w.singer. "Balanced Growth in Economic International Development" London, 1964, p.47.
(2) د. عمر محي الدين التخلف والتنمية، دار النهضة العربية، القاهرة 1977، ص 309.
(3) أ.ب. ثرلوول، النمو والتنمية مع اشارة خاصة الى البلدان النامية، ترجمة قاسم الدجيلي واخرون، جامعة الفاتح، طرابلس 1998، ص 344.
(4) Pan A, Yoto Poulos, Jeffery B Nugent Economics of Development, Empirical Investigation, Harper & Row Oublisher, New Yourk, 1976, pp.299.
(5) د. محمد عبد العزيز عجمية، ود. عبد الرحمن يسري احمد ، التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشكلاتها، الدار الجامعية، اسكندرية، 1999، ص 122
(6) آ. ماثور، النمو المتوازن مقابل النمو غير المتوازن، وجهة نظر توفيقية مجلة اوكسفورد للاقتصاد، يوليو، 1966.
الاكثر قراءة في التحليل الأقتصادي و النظريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة