تحليل مستوى العلاقات البينية الكلية وغير المباشرة في الاقتصادات العربية 2
المؤلف:
أ. د. علي مجيد الحمادي
المصدر:
التشابك الاقتصادي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة:
ص261 - 267
2025-10-29
36
وبخصوص التجارة البينية من خلال النقل البحري، فلم تزل محدودة وتواجه العديد من الصعوبات، وبالذات ما يتعلق بارتفاع الكلفة (1)، علما ان هناك ما يزيد عن 2392 باخرة عربية حمولتها الكلية المسجلة نحو 12 مليون طن عام 1992. وفي حقيقة الامر يستحسن استخدام الوسائط الوطنية هذه تفاديا لمخاطر القرصنة التجارية، والاحتيال التجاري الدولي التي كثرت في الآونة الاخيرة.
ومن الروابط والتأثيرات غير المباشرة الاخرى للتجارة البينية المساهمة في تحريك الفعاليات الاستثمارية في بعض الاقطار العربية في الاردن - على سبيل المثال - بمعدل %59.7 بين عامي 1993 و1998، وذلك نتيجة لعدة عوامل، اهمها: الاتفاق الثنائي بين العراق والأردن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للعراق، وقد ادى ذلك إلى الطلب الخارجي على المساعدة في نمو بعض الصناعات الانتاجية والوسيطة والاولية مثل: صناعة الآلات والاجهزة الكهربائية وصناعة الخشب والمنتجات الخشبية والمنتجات الكيمائية، وبعض الصناعات الغذائية (2). ونشير الى ان عملية انتقال ومرور السلع بين الدول العربية وان كانت ذات منشأ غير عربي سيعمل – هو الاخر - عــلى تحقيق فرص ذات منافع اقتصادية واجتماعية تتصل بالاستخدام وتنشيط القطاع الخدمي، وانشطة الشحن والتأمين، والترويج، والمعلومات، كالذي تحقق للاقتصاد الاردني ابان الحرب العراقية – الإيرانية ، واعتبار ميناء العقبة المنفذ الرئيس لتجارة العراق الواسعة عندئذ.
ومع اعتقادنا بتواضع تجربة تجارتنا البينية - من حيث الكم والنوع والانتشار - الا انها اسهمت بحكم التاريخ الطويل الذي يقترب من اربعين سنة في تبسيط محدود، وموقعي في اجراءات انتقال الافراد وقوة العمل العربية ورجال الاعمال وتحريك وسائل التمويل التجارية العربية، وبالذات في اقطار مجلس التعاون الخليجي، وبعض الاقطار العربية المتمتعة بعلاقات تاريخية مستقرة نسبيا، مثل: مصر ودول الخليج، او سوريا ولبنان. كما تمخض عن تلك السنين الطويلة سجل للخبرة في المجالات التشريعية والقانونية عبر ما تم عقده من اتفاقيات ثنائية وموسعة وعقود تجارية مختلفة، تمثل نتائج غير مباشرة للتجارة البينية العربية، ومدخلاً هاماً للعلاقات الاقتصادية الشاملة والتكامل الاقتصادي العربي (3)
خلاصة واستنتاجات
1- على الرغم من ان التجارة مدخل هام لالتقاء الشعوب والحضارات المختلفة، غير انها عجزت عن تحقيق امنية ابناء الامة في تبادل منافعهم ومصالحهم فيما بينهم كأساس للسلوك الاقتصادي الرشيد.
2- لقد اتسمت التجارة العربية البينية بالتواضع الشديد والتذبذب المتواصل في مستويات الاداء والاهمية النسبية في اجمالي التجارة العربية الى الحد الذي لم تتجاوز فيه ما نسبته 10 % .
3- ان هناك طائفتين من الدوافع والتبريرات التي تكمن وراء ضرورة تنمية التجارة العربية البينية، أولاهما ما اطلقنا عليه بالدوافع الموضعية، وثانيتهما: مجموعة الدوافع الذاتية.
4- تزداد صورة التجارة البينية تواضعاً وضعفاً عند النظر الى مصفوفة التبادل البيني للاقطار العربية، المنسوبة الى GDP في هذه الاقطار، مقارنة بانتسابها الى مجمل التجارة العربية البينية، فقد تراوح الوزن النسبي لأربع عشرة دولة عربية في المصفوفة البينية للصادرات "Eij" بين 0.029 و 6.8% عام 1997، ولا تختلف الصورة كثيرا عند متابعة مصفوفة العلاقات المباشرة للواردات "Mij" المستندة الى "GDP" ايضاً، اذ انحصرت مساهمة خمس عشرة دولة عربية في الواردات البينية، بناء على طريقة احتساب هذه المصفوفة بين 4.127 و 6.693% في العام المذكور نفسه.
5- يشكل التركز السلعي والجغرافي للتجارة البينية العربية سمة خطيرة مزمنة، تنعكس اثارها السلبية على واقع التبادل التجاري وجهود التكامل الاقتصادي في البلاد العربية.
6- لقد اتضح تراجع دور السعودية عن مركز الصدارة في التجارة البينية عند اعتمادنا مصفوفتي "Eij" و "Mij"، وهذا يعني ان صادراتها بالنسبة لحجم التجارة البينية قد يتمخض عن ضآلة هذا الحجم اصلاً، وليس لفاعلية مساهمتها.
7 - لقد وجدنا بان هناك خمس دول عربية تمارس دوراً ريادياً في مجال العلاقات البينية الكلية للصادرات وهي: السعودية وعمان، ومصر، وسوريا، والكويت على التوالي. فقد كانت قيمة 1 < Efi فيها.
8 ـ ان هناك خمس دول عربية تحتل مركز الصدارة في مجال العلاقات البينية الكلية للواردات، وهي البحرين واليمن والامارات والسعودية، والاردن على الترتيب، حيث بلغت قيمة 1 < M bj لديها.
9- استنتجت الدراسة بان العلاقات والروابط غير المباشرة "Ei" و"Mj" تحقق وزناً مهماً في مصفوفة الروابط الكلية للتجارة البينية " Efj" و "bj M" مقارنة بالروابط المباشرة، ويعود ذلك لأسباب جمة اهمها: الاستمرار في تطوير البنى الارتكازية والمواصلات والاتصالات والخدمات المصرفية والتامين وانتقال السلع ومرورها وخدمات التجارة الالكترونية واقامة المعارض، وبعض الانشطة الاستثمارية التي هي بمثابة دعائم للروابط التجارية المباشرة.
10 - لم تظهر النتائج دولة عربية واحدة تمتلك روابط بينية كلية للواردات والصادرات تفوق الواحد الصحيح ؛ اي ان 1 > E bj و E fj في ان واحد. وهذا ما يدلل على عشوائية التركز الجغرافي في التجارة البينية العربية.
11 - تواجه التجارة البينية العربية جملة من العراقيل والمشاكل الداخلية كاختلال الهيكل الانتاجي للبلاد العربية وعدم تنوع الصادرات، وكثرة التعقيدات الادارية والاجرائية والجمركية وغير الجمركية، واختلاف السياسات المالية والنقدية واسعار الصرف وغياب الارادة السياسية.. هذا، الى جانب مجموعة اخرى من المعوقات الخارجية، مثل: سياسة الاغراق التي تعتمدها الشركات الاجنبية وسيطرتها على تجارة السلع الاساسية عالمياً، وسياسات الدعم التي تضعها الدول المتقدمة، ونظم الافضليات والاولويات والتأثيرات السياسية التي من شانها ان تربك العلاقات البينية العربية.
12- ان هناك قصوراً واضحاً في البيانات الخاصة بإجمالي التركيب السلعي للتجارة البينية العربية، وغياب الشفافية والافصاح عن الكثير من الاجراءات الادارية او السياسات التجارية، وهذا يجعل عملية احتساب تكاليف انتاج السلع المتبادلة والتنبؤ بأسعارها غاية في الصعوبة.
13- ان محدودية التجارة البينية واتساع التجارة الخارجية العربية مع العالم الخارجي، سيفضي الى تعميق حالة التبعية والتقلبات في شروط التبادل التجاري، والأزمات المزمنة، وخلق قواعد انتاجية عربية متنافسة.
14 - يعد انشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى خطوة بالاتجاه الصحيح للتعاون التجاري البيني، فهي منسجمة مع التوجهات الدولية بإقامة التكتلات الاقتصادية الكبيرة، كما أنها الملجأ الأكثر أمناً لتجنب المخططات الدولية مثل: الشرق أوسطية والمتوسطية.
وتأسيساً على ما تقدم من استنتاجات يمكننا وضع بعض المقترحات، وكما يلي:
1- ضرورة اعادة النظر في هيكلة الاقتصادات العربية، ومعالجة اختلال جهاز الإنتاج فيها بقصد التخلص من الهيكل المشوه للصادرات العربية.
2- تهيئة المناخ اللازم لاستقطاب الاستثمارات العربية من الخارج والداخل.
3- التوسع في مفردات البنى الارتكازية للتجارة البينية، كما في حالة تطوير خدمات النقل البري والبحري والجوي والخدمات المصرفية، والتامين، والاتصالات وخدمات التجارة الالكترونية.
4- العمل على تحسين نوعية المنتجات العربية المعدة للتبادل البيني، وفق المواصفات القياسية، لتعزيز قدرتها على المنافسة.
5- الحث على تطوير اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري العربي، وعدم الابطاء في تنفيذ مفرداتها وصولاً الى تحقيق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل موعدها المقترح في 2008.
6- السعي لتوفير قاعدة بيانات ومعلومات على درجة عالية من الشفافية والدقة لتصبح الصورة واضحة امام الموردين والمصدرين والصناعيين العرب، ليتخذوا قراراتهم بطريقة عقلانية رشيدة.. ولابد من تطوير متطلبات شبكة معلومات التجارة العربية "IATIN".
7- ضرورة تبسيط الاجراءات الادارية والمالية، وتوحيد التعرفة الجمركية بين الأقطار العربية.
8- عدم ربط السياسات التجارية البينية مع التوجهات والمزاج السياسي في البلدان العربية، والحفاظ على استقلالية القرارات المتعلقة بالسياسة التجارية والاقتصادية من خلال هيئة عليا ذات طابع فني واقتصادي منبثقة عن القطاعين العام والخاص، كأن تقام " منظمة التجارة العربية " تفوض لها الصلاحيات التي من شأنها تنفيذ اهداف مسيرة التبادل البيني العربي، في ضوء معايير فنية وتجارية معلومة للمتخصصين والمهتمين، وعموم المجتمع في فترة زمنية محدودة.
9- ضرورة تنمية القدرات التفاوضية العربية، وبناء القاعدة اللازمة لإنجاح عمليات التفاهم مع التكتلات والاطراف التجارية والاقتصادية في العالم الخارجي، بما يضمن حقوق ومصالح البلاد العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. برهان الدجاني، منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واحتمالات المستقبل مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 107.
(2) حسام الدين علي فارس، دور تجارة الاردن الخارجية في نمو وتطوير قطاع الصناعة التحويلية، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2001، ص 143
(3) صندوق النقد العربي واخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد ،2001، مصدر سابق، ص 180.
الاكثر قراءة في التحليل الأقتصادي و النظريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة