الناقص مطرود من رحمة الله
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 139 ــ 141
2025-10-26
30
ورد في رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (الناقص ملعون).
لا شك في أن الناقص لا يعني من فقد عينه أو يده أو رجله، أو من ولد بعاهة، بل الناقص من لم يبادر إلى طلب العلم ولم يتخلق بفضائل الأخلاق ولم يقم بالأعمال الصالحة ولا هم له سوى الاكل والنوم وارضاء الشهوة.
ان الانسان يمتلك الأرضية اللازمة لبلوغ كافة الكمالات والحقائق، وعليه السعي والتحرك في هذا المجال، وأن يكون مثابراً، ونشيطا ويعمل على سد ما يعتريه من نواقص على الصعيد الفكري والروحي ما دام حيا، ولا يركن الى الخمول والسكون، فهو أن لم يبادر إلى إزالة ما فيه من نواقص وبقي خاملا فاقدا للحركة يغدو كالماء الراكد الذي تعفن وأصبح كريه الرائحة، وبذلك يلعنه الله ويطرقه عن بحبوحة رحمته.
وللأسف فإن البعض يبلغ من العمر سبعين أو ثمانين عاماً الا انه لم يزل من حيث العقل كالطفل في سنته الأولى، وكالطفل في الخامسة من عمره من حيث الاخلاق والسلوك، إذا أنهم لم يتزودوا من المواهب المعنوية التي افاض بها الباري تعالى كالكتب السماوية والأنبياء والأئمة والعرفاء والحكماء، وانكبوا على حشو بطونهم كالحيوانات والاعتناء بشكلهم الظاهري، ونفخوا نطفتهم التي لا تعدل في وزنها بضعة غرامات حتى بلغت ثمانين أو تسعين كيلو غرام!!
لقد كان بوسع هؤلاء أن يحولوا براعم وجودهم إلى دوحة طيبة ويصنعوا من ذواتهم معيناً لا ينضب من الكمالات والحقائق، بيد أن الأمور المادية قد عزتهم ولم يهموا بشيء سوى بناء الجسد الحيواني، وبقوا يراوحون منذ أول يوم جاؤوا فيه إلى هذه الدنيا فقراء ناقصين، وبالرغم مما في حوزتهم من اعمال وتجارة ومراكز ادارية وأموال وثروات وعيال وذراري إلا انهم ناقصون.
وبسبب نقصهم فهم مضرون، إذ أنهم يرتكبون ما شاؤوا من المعاصي والموبقات، فيتجاوزون على حقوق الآخرين ولا يتورعون عن ارتكاب المظالم، وفي الوقت الذي يقتاتون على مائدة الانعام الالهي يضعون أيديهم بيد اعداء الله، أي شياطين الجن والانس دون حياد وعلى كافة الاصعدة.
نقرأ في رواية عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يلي: (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة) (1).
وثمة رواية أخرى عن الامام الصادق (عليه السلام) مقاربة في مضمونها إلى الرواية المتقدمة وردت في الكتب الشيعية المعتبرة (2).
وفي رواية أخرى عن الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) نقرأ: (الكاسب حبيب الله).
لا شك في أن أرقى الكسب وأفضل التجارة يتمثل في كسب الفضائل والحقائق والمبادرة إلى التزود من المعارف الالهية والكمالات والمحاسن الأخلاقية والانسانية.
والكاسب في مثل هذه المجالات يعد حبيب الله، هذه المنزلة التي حازها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويصبح وجوده زاخراً بالعظمة ويتحول إلى مخلوقٍ بالغ الاهمية.
هيا بنا كي نتحرز عن النقصان ونجنب أنفسنا أن يتساوى يومانا وان لا نقنع بالقليل من الكمال، اذ من قل نصيبه من الأمور المعنوية والنمو العقلي والكمال الاخلاقي والعملي فهو ملعون ومغبون وخفيف الميزان عند الحساب، وبالتالي فهو مستحق للعذاب، أما من ثقلت موازينه المعنوية أو بتعبير آخر ثقل إيمانه واخلاقه وفعله فهو الفائز والناجي.
وفي هذا المجال تأملوا هاتين الآيتين: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8، 9].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البحار: ج 78، ص 327، البحار: طبعة بيروت، ج 75، ص 327.
2ـ المصدر السابق: ج 71، ص 173.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة