طرق معالجة ظاهرة الكذب عند الأطفال
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص117 ــ 123
2025-12-10
28
ربما يسأل سائل لماذا أطفالنا يكذبون؟ كيف يقوم الأبوان بردع أطفالهم عن الكذب؟ ما هو الدور السلبي للآباء في ممارسة الكذب عند الأطفال؟ هذه الأسئلة وغيرها تشغل بال كثير من الآباء الذين يعانون من كذب أطفالهم، فهم يتساءلون على الدوام عن مدى معاناتهم لهذه المشكلة وماذا عليهم أن يفعلوا لمنع أبنائهم عن هذا السلوك السيء.
لا شك إنّ ظاهرة الكذب تعتبر من التصرفات والسلوكيات السيئة لاسيما عند الأطفال والأسوأ منها أن تصبح هذه الظاهرة عادة مستمرة يقوم بها الطفل باستمرار فحينئذ يصعب على الآباء ردعه عن الكذب. وعلى أية حال هناك طرق مختلفة لمعالجة ظاهرة الكذب عند الأطفال.
الأولى: تعليم المفاهيم الأخلاقية
ازرع المفاهيم الأخلاقية الطيبة لدى الأطفال، ومن بينها مفهوم حُسنِ الصدق وقبح الكذب...
فعلى الأب والأم أن يبحثا عن الفرص المناسبة للحديث مع أبنائهم بشأن ذلك، وترغيبهم بالاستماع إلى حديثهم من خلال جلسة عائلية بين فترة وأُخرى، وأن يُعطيا الفرصة لأولادهما للحديث وإبداء الرأي، والتفاعل معهم وإبداء الاهتمام والإصغاء إلى أحاديثهم.
فهذه الخطوة ستزرع الثقة لدى الطفل بنفسه، وستشعره بأهميته، وستمكن الأبوين كذلك من فهم ما يُفكِرُ بِهِ أبناؤهما، ويعرفان مدى أهمية المصداقية في حديثهم، وينبغي أن يتحدث كل منهما مع الأبناء عن أهمية الصدق ومفاسد الكذب ويذكرونهم ببعض الأحاديث المروية عن النبي والأئمة (عليهم السلام) بعقوبة الكذب وقبحه مثل حديث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث قال ((أربا الربا الكذب، وقال رجل له (صلى الله عليه وآله): المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك، قال: المؤمن يسرق؟ قال (صلى الله عليه وآله): قد يكون ذلك؟ قال: يا رسول الله المؤمن يكذب؟
قال: لا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النحل: 105](1).
وقوله (صلى الله عليه وآله) ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا ولمن ترك الكذب وإن كان هازلا، ولمن حسن خلقه))(2).
وما قاله الإمام العسكري (عليه السلام) جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب))(3).
فيجب أن نعلم أن أسلوب الترغيب والترهيب نافعا للطفل على جميع الأحوال، إذ لو كان الطفل صادقا فسيحفزه على الاستمرار والتمسك بهذه الصفة التي تحلى بها، وإن كان يمارس الكذب فسيكون تنبيها له، ففطرة الطفل سليمة ونقية، ولديه ضمير يُؤنبه على خطئه، وسيسعى جاهدا لتغيير هذه العادة السيئة، والابتعاد عنها، إما رغبةً بأن يكون طفلًا جيدا أو خوفا من العقوبة.
الثاني: تعزيز العلاقة مع الأبناء
إن العلاقة القوية بين الآباء والأبناء تساعد بشكل كبير في تعديل السلوك السيء ومنها ممارسة الكذب ولنعلم أنّ تعويد الطفل على الإلتزام بالقوانين والضوابط لا يمكن إلا إذا كانت علاقة الأبوين بالأبناء علاقة حسنة وطيبة، مملوءة بالرحمة والشفقة والحنان ولهذا علينا أن نحذر من إفساد علاقتنا مع أبنائنا وإن صدرت منهم بعض التصرفات السيئة التي تستوجب العقاب ولكن ثمن العقاب هو تدهور العلاقة بيننا فالأفضل أن نترك تلك العقوبة ولنحافظ على تلك العلاقة مهما كلّف الأمر لأنّ المواظبة على ذلك الإرتباط وتلك العلاقة يجعل الطفل يشعر بالقرب منا ولا يرى موجبا للتستر عنا أو أن يكذب في الحديث معنا وبذلك نكون قد عالجنا هذا التصرف السيء الذي كان يمارسه الطفل.
الثالث: تأثير السلوك الإيجابي للأبوين
على الآباء الذين يمارسون الكذب في أفعالهم وأقوالهم أن لا يتوقعوا الصدق في سلوك وتصرفات أبنائهم، فإن الكثير من الآباء والأمهات ينصحون أولادهم بقول الصدق، ويردعونهم من التقول وإستخدام الكذب وهم غير ملتزمين بالصدق، قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
فينبغي الحذر من الكذب على أولادنا بحجة أنهم صغار لا يفهمون، أو لا يدركون، بل هم يحسون ويدركون ويتأثرون، ويقلدون في نفس الوقت ولكن من المؤسف أن بعض الآباء يتخذون الكذب وسيلة للتخلص من مضايقة الأبناء، فنرى أن الأب أو الأم لكي لا تصطحب معها ولدها، تعده بالعودة إلى البيت في وقت مبكر، وأن عملها خارج البيت لن يطول، أو عندما يطلب الطفل منهما شراء الألعاب أو الحلوى يقولا له ليس معنا شيء من المال والنقود بينما يرى الطفل أنهما ينفقان أموالا كثيرة لشراء ما يريدونه.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((لَا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ وَلَا أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِيَ لَهُ إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ))(4).
وليعلم الآباء أن الطفل سيتعلم الأخلاق الحسنة أو السيئة مما يراه من سلوكياتهما وتصرفاتهما لا ممّا ينصحانه به، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، [فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأ] فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ؛ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ؛ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا، أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ))(5). فينبغي على الأبوان وجميع المعنيين بتربية الأطفال قبل الإهتمام بتربية وتعليم الأبناء، أن يبدأوا بتربية أنفسهم، ويكفي في تعليم الأطفال أن يشاهدوا منكم السلوك الجيد والأخلاق الحسنة.
الرابع: مساعدة الطفل على تجنّب الكذب
من الأمور التي تدعو الطفل الى إستخدام الكلام الكذب الوقوع في الموقع الحرج، وذلك بسبب الظرف الذي أوجده له الأبوان. فإنّ الوالدين قد يوقعون الطفل في ضيق بحيث يضطر الطفل الى أن يكذب عليهما، كما إذا علمنا أن الطفل قد كسر الإناء فهنا لا ينبغي علينا أن نسأله هل أنه كسر الإناء ام لا؟ لإنّه من المحتمل أن الطفل سيهرب من قبول مسؤولية هذا الخطأ، وسيلجأ إلى الكذب ويقول كلا أنا لم أكسره، وبالتالي نكون قد ساعدناه على إستخدام الكذب، ولذلك إذا أردنا أن نطلعه بأننا نعلم أن الذي كسر الإناء ليس إلا هو فمن الأفضل أن نغيّر شكل السؤال ولنسأله بهذا النحو: ولدي قد رأيت أن الإناء وقع من يدك وإنكسر ولكن فلنتأمل معاً كيف يمكن لنا أن نصلحه مرة ثانية أو تعال فلنجمع الشظايا من الأرض.
الخامس: مدح الطفل حينما يتحدث بالصدق
من الطرق المهمة لمعالجة ظاهرة الكذب عند الأطفال هو مدح الطفل والثناء عليه حينما يكون في موقع حرج وهو يتحدث بالصدق رغم أن تصريحه بواقع الأمر وقوله الصادق ربّما لم يكن في صالحه لكن مع هذا لم يتجنّب الحقيقة والصدق يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ((عَلَامَةُ الْإِيمَانِ أَنْ تُؤْثِرَ الصَّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ))(6).
فينبغي حينئذ للوالدين أن يمتدحاه ويثنيا عليه لموقفه الشجاع والجريء وليكن الطفل على يقين من أن والديه سوف يعذرانه على الخطأ الذي إرتكبه إن تكلم بالصدق، وأنهما سيساعدانه على أن يتدارك ما فاته.
قصة يوسف
يحكى أن ولداً كان اسمه يوسف في يوم من الأيام كان يلعب مع أخيه حسن في البيت بالكرة. أثناء اللعب اصطدمت الكرة بزجاج النافذة فانكسرت الزجاجة.
سمعت أم يوسف صوتا شديدا فذهبت الى مكان الصوت، فوجدت أن الزجاجة قد انكسرت سألت الأم من كسر زجاجة النافذة؟ قال يوسف: أنا يا أماه ولكن دون قصد مني.
اعتذر يوسف الى أمه ووعدها أن لا يعود الى هذا العمل مرة ثانية.
سامحت الأم يوسف ولم تعاقبه لأنه قال الصدق ووعد يوسف أمه أنه لن يلعب في البيت بالكرة مرة ثانية حتى لا يكون سببا في كسر أي شيء من أدوات المنزل. يجب علينا بهذا الأسلوب التربوي أن نعلم أولادنا أن نجاتهم يكون في الصدق قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ((النجاة في الصدق، كما ان الهلاك في الكذب)).
السادس: عدم تأييد الطفل على كذبه
تجنّب الضحك والإعجاب وطلب الإعادة من الطفل عند اقترافه الكذب... ولو كان أداؤه "مهضوماً". فكثيرة هي الأمور الجذابة في شخصية الطفل، لأنه طفل، بما في ذلك بعض الألفاظ والحركات والإشارات والتصرفات! فهل نضحك... ونُشجعه! كذلك عدم نقل كذبه للآخرين ليعجبوا به! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويل له ويل له))(7).
____________________________
(1) الدعوات للراوندي: ص 118.
(2) الخصال: ج 1 ص 144.
(3) بحار الأنوار: ج 69 ص 263.
(4) أمالي الصدوق ص 419.
(5) نهج البلاغة: ص 480.
(6) وسائل الشيعة: ج 12 ص 255.
(7) أمالي الطوسي: ص 537.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة