الإطار المفاهيمي لتصنيف رأس المال البشري 1
المؤلف:
د . سعد علي حمود العنزي د . احمد علي صالح
المصدر:
إدارة رأس المال الفكري في منظمات الاعمال
الجزء والصفحة:
ص221 - 225
2025-09-24
174
الإطار المفاهيمي لتصنيف رأس المال البشري
إن موارد منظمة الأعمال، عادة ما تكون محدودة، وحالما تكون نادرة للغاية فإن المصروفات، أحياناً يتم تقليصها لغرض تقليل الخسارات في السجلات المحاسبية. وعلى كل حال، في ظل المبادئ المحاسبية الجارية، تدوّن جميع استثمارات رأس المال البشري كمصروفات، رغم أن الكلفة الناشئة من تطويره تصب في التأثير بالأهداف الستراتيجية أو خلق المزايا التنافسية في المستقبل. وبالنتيجة، إن أية معلومات غير مناسبة في هذا الخصوص، يمكن أن تؤدي إلى حسابات توزيع غير صحيحة للموارد والقرارات المتعلقة بها. ويحاول الفصل الحالي عزل الموارد البشرية في منظمات الأعمال، واستخراج رأس المال البشري الذي يتماشى مع تحقيق الأهداف الستراتيجية لها، بحيث يفترض امتلاكه القيمة العالية والتفرد العالي. ولابد أن ترسم حدود استثمارات رأس المال البشري والإنفاق عليه، وذلك استناداً إلى المراحل المحددة التي تستثمر فيه المنظمات بمواردها البشرية. ومن المؤمل أن الفقرات المحاسبية التفصيلية، ستحل كل جمع مصروفات الموارد البشرية، وبدون تمييز لها، وبالتالي قد يكشف ذلك عن معلومات أكثر دقة حول الوضع أو المركز المالي للمنظمة. وأخيراً أن تصوير الاستثمار في حماية رأس المال البشري والمحافظة عليه، بدقة، هو الذي سيضمن ديمومة الموارد البشرية التنافسية المتمتعة بالقابليات الجوهرية.
إن الهيكل النظري المبين في الشكل (2 - 5) يعكس المحور الأفقي قيمة العاملين من حيث التأكيد على أن الاستثمارات في الموارد البشرية ذات القيمة العالية، والتي تخلق المزايا التنافسية للمنظمة، والقيمة هذه تزداد كلما تم التوجه نحو اليمين. وأما المحور العمودي، فيمثل درجة تفرد العاملين المبينة بدرجة الطاقات المتميزة لهم لتزويد المنظمة بالمزايا التنافسية، والتي لا يمكن إظهارها بسهولة، وتكوينها واكتسابها. والتفرد كخاصية لرأس المال البشري تتزايد كلما تم التوجه نحو الأعلى.
يتضح في المربع الرابع من الشكل أعلاه للنفقات على العاملين ذوي التفرد العالي والقيمة الواطئة. ومثلهم فئة المحامين والمحاسبين الذين يتمتعون بتخصص عالٍ لكونهم أصحاب شهادات علمية مجازة، تجعلهم متفردين بدرجة عالية. وعلى أساس ذلك، تستخدم الشركات أولئك العاملين في التعامل مع القضايا العرضية أو / و الروتينية، ليكونوا بالتالي غيـر مهمين بشكل مباشر من حيث تمتعهم بالمهارات الجوهرية للشركة وإضافة قيمة متميزة لها، وبالتالي هذا ما يجعل أن يعدون كونهم ليسوا ذو قيمة عالية لها. وفي إطار ذلك، قد يكون من المهم صرف وقت وجهد وكلف عالية لتدريبهم على أداء مهماتهم، لكونهم على الدوام هم مجدّين وكفوءين واقتصاديين في عملهم، وتعد أفضل طريقة لاستخدامهم في الشركات هو إجراء تحالفات (Alliances) معهم. وأما نفقات رأس المال البشري في المربع الثالث من الشكل (1-5) ، فهي التي توضح نوع العاملين الذين يتمتعون بتفرد ضعيف وقيمة واطئة، ومثلهم عمال التنظيف ورجال أمن الشركة، حيث يمكن الحصول عليهم من سوق العمل بسهولة، واستبدالهم كذلك. بسهولة، وبما يجعلهم أن يكونوا غير متفردين. ويضاف إلى ذلك، أن هؤلاء العاملين من نوع العمالة اليدوية التي لا يمكن عدها من النمط ذوي القيمة العالية بالنسبة لشركاتهم، وبالتالي قد يمكن استئجارهم باستخدام صيغة التعاقد (Contracting) معهم، بحيث ينظم عقد عمل بين طرفين الشركة طرفه الأول والعامل المستخدم طرفه الثاني. فعليه، إن النفقات التي تدخل هنا هي مبادلة موجودات الشركة بخدمات الأفراد لأداء المهمات، وبالتالي يتم تسجيلها كمصروفات في السجلات المحاسبية.
على هذا الأساس، ومن منظور محاسبي، أن مبادلة موجودات الشركة بسهولة في إطار المثالين السابقين (المربع الثالث والرابع) تتم بإطار الخدمات المقدمة من قبل العاملين المستخدمين والتي يمكن تصنيفها كمصروفات والشركات هنا، تدفع الرواتب للعاملين في هذين المربعين مقابل خدماتهم في إجراء الحسابات وتدقيقها، والرواتب التي تدفع لرجال الأمن مقابل حماية الشركة وأفرادها.


ومثل هذا الوضع يجعل الشركة أن تسجل النفقات هنا مصروفات، وليس استثمارات في رأس المال البشري. وأما العاملون في المربع الثاني في الشكل (2 - 7) ، فهم الذين يتمتعون بتفرد ضعيف وقيمة عالية، مثل: العاملون ذوي الشهادات العليا من حملة الماجستير، الذين يعملون في الشركات الإلكترونية، والذين لا تعد شهاداتهم هذه متفردة بحد ذاتها، إذ يمكن الحصول على الكثيرين منهم بسهولة من سوق العمالة. ولكن من جانب آخر، يعد مثل هذا النوع من العاملين بحكم قدراتهم التخصصية، أن يكونوا قادرين على خلق مدى واسع من القيمة لشركاتهم، على الرغم من تفردهم الضعيف وعليه فإنه يمكن الحصول عليهم من مصادر التوريد الخارجي (Outsourcing). ويضاف إلى ذلك، أن مثل هؤلاء العاملين القابعين في المربع الثاني، إذا ما أحسن تدريبهم باستمرار، يمكن نقلهم وتحويلهم إلى المربع الأول من ذوي التفرد القوي، والقيمة العالية، وبلغة محاسبة الكلفة، فإن كل المصروفات ذات العلاقة بهم، باستثناء ما يتعلق بالتدريب، ينبغي أن تدرج كنفقات ولعل ما يفيد ذكره أيضاً، أنه على الرغم من أن هذا النوع من العاملين لهم إسهامات استثنائية وقيمة في تحقيق الأهداف الستراتيجية للشركة، فإن التفرد القليل يمكن الحصول عليه بسهولة، ونقله ببساطة، وإن تلك الإسهامات في تفرد رأس المال البشري لها ليس قوياً، سواء أكان على مستوى كلف الإعداد والاكتساب (الاستخدام) في المراحل الأولية لتطويره، أو على مستوى كلف الاستبدال في المراحل النهائية لتطويره أيضاً. وعلى وفق التحليلات المحاسبية، إن هذه الكلف ينبغي أن تدوّن أو تدرج كمصروفات للفترة الجارية، أي السعر الذي تدفعه الشركات لاستخدام الموارد البشرية، وتستقطع من إيرادات تلك الفترة. وبالنسبة لذلك النوع من العاملين فقط أن كلف التعلم في المراحل الوسطى لتطويرهم، بعد الأخذ بالحسبان ظروف التعاقد معهم وحركتهم التي يمكن عدها بالتالي كاستثمارات في رأس المال البشري. كما أنه بافتراض معطيات التدريب المستمر في ظل ظروف مؤاتية ومرضية، فإن مثل هؤلاء الأفراد، سيكونوا المصدر المستقبلي لرأس المال البشري للشركة مع عدم نسيان التركيز على تحقيق التفرد القوي والقيمة العالية.
وبالرجوع إلى الشكل (2 - 7)، والتركيز على المربع الأول منه، يلاحظ العاملون الذين يعدون رأس مال بشري، بحيث يمكن الحصول عليهم من إجراءات التطوير الداخلي في الشركات ذاتها، ونظراً، لكونهم من أصحاب الإسهامات القيمة في الأهداف الستراتيجية لها، وتفردهم القوي، فيكون من الضروري الاستثمار الدائم فيهم بوصفهم أداة التنافسية الجوهرية ورأس المال البشري المستدام للشركة. إن مفردات الاستثمار، في هذا الخصوص، تتضمن كلف التعلم في المراحل الوسطى وكلف الاستبدال في المراحل النهائية من تطوير رأس المال البشري. وعلى سبيل المثال، أن الاستثمارات المتواصلة في هذا النوع من رأس المال البشري، يمكن أن يدعم أو يزيد من المزايا التنافسية للشركة، بينما الاستثمارات في كلف الاستبدال المتعلقة به يمكن أن تكوّن أو تضيف خسارات محتملة لتلك المزايا التنافسية. وعادة ما يتم وضع المديرين، الخبراء الفنيين، والأفراد المعنيين لتطوير الأهداف الستراتيجية للشركة، أو على حسب ما أطلق عليهم (1998 ,Boxtall) بالجزء المركزي الروحي (Inner Core) للشركة.
فالشركات ينبغي أن تركز على زيادة مزايا الموارد البشرية الخاصة بهم، من خلال جذب رأس المال البشري، وتأهيله بالمهارات فائقة المستوى والاحتفاظ به، سعياً لامتلاك قابليات أعلى، لتكون بالنهاية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية مقارنة بالشركات الأقل توجهاً في هذا الخصوص. وإذا ما تم اعتبار أن المصروفات في هذا النوع من العاملين نفقات بدلاً من كونها استثمارات في رأس المال البشري، فمن البداية كل ما يتعلق بخلق القيمة المستقبلية للشركة يكون غير موجود على الإطلاق، هذا من جهة و من جهة أخرى، عند اتخاذ قرارات تقليص النفقات وتشذيبها، فمن المرجح أن تسير هذه الشركة في نفق مظلم حتماً، بحكم أنها ستستقطع مبالغ الاستثمارات في رأس المال البشري، وبما يقلل ذلك من إمكانياتها على البقاء والتنافس المستقبلي.
ومن نافلة القول، لعلنا نؤكد هنا أن أية أهداف إستراتيجية للشركة، عادة ما تكون معرضة للتغيير بحكم تغير العوامل البيئة الخارجية، مثل: الإبداع التكنولوجي، وطريقة السير في تحقيقها بمرور الزمن. ونفس الشيء، أن قيمة العاملين وتفردهم المحددة من قبل الشركة تتأثر هي الأخرى بذلك حتماً. وعليه، أن رأس المال البشري المحدد في المربع الأول من الشكل سابق الذكر، ينبغي إعادة تنظيمه ليتكيف مع مجريات البيئة الخارجية وتغيراتها كلما اقتضت الضرورة لذلك.
الاكثر قراءة في استراتيجية ادارة الموارد البشرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة