اشار ممثل المرجعية الدينية العليا، الجمعة، ان التعايش الاجتماعي وفق المنظور الاسلامي يعد ضرورة مهمة في مجتمعنا العراقي وبقية المجتمعات خصوصا في هذا الوقت الذي نواجه فيه الازمات والفتن.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (11 /8 /2017)، ان تطبيق مبادئ واسس التعايش الاجتماعي وفق المنظور الاسلامي في مجتمع وشعب متعدد الاديان يضم مسلمين واتباع ديانات متعددة، يضمن الامن والاستقرار والازدهار والابتعاد عن اشكال الصراع والعنف والفتن.
واضاف ان مسالة الاختلاف في الاديان تعني الاختلاف في المنظومة الفكرية والثقافية والعقدية والاجتماعية والتربيوية والنفسية، مبينا ان هذه المسالة تفرض وتفرز مجموعة من التحديات والمخاطر والمشاكل خصوصا اذا كان اتباع تلك الديانات يعيشون كشعب واحد وفي وطن واحد او في مجتمعات شبه متجاورة او في شعوب بينها علاقات متعددة.
وتابع ان تلك المخاطر لاتقتصر على المجال العقائدي والثقافي فقط بل انه في حال لم يحسن التعايش بين اتباع هذه الديانات يولد مخاطر ومشاكل امنية واجتماعية تهدد الامن الاجتماعي، موضحا ان الاسلام لم يهمل هذه المسالة واعتبر هذا الاختلاف قدر يعيشه الناس الى يوم القيامة ولابد ان يتم التعامل معه كأمر واقع وان الفصل فيه سيكون من قبل الله تعالى مستشهدا بقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
واكد الشيخ الكربلائي على ضرورة مراعاة منظومة التعايش الاجتماعي السليم بين اتباع الديانات المختلفة بما يحقق المصالح المشتركة ويدفع الضرر عن الجميع، مبينا ان اولى تلك الملامح يكمن في ضرورة القبول بالتنوع والاختلاف - اي ان كل طرف يقبل ويرضى بوجود الاخر-، مشيرا الى ان الاجبار والقسر واكراه الاخرين على الايمان والتبني والاعتقاد بمعتقد الاخر يقود الى الفتن والعنف والدمار للجميع ولايجلب المنفعة لاي شخص.
واردف ان الفقرة الثانية من ملامح منظومة التعايش الاجتماعي تؤكد على ضرورة التعايش السلمي الاجتماعي المبني على ارادة الشرع الحنيف في ان يكون هنالك تعامل عادل بين الجميع ومع الجميع وفق قاعدة ولاتُظلمون ولاتَظلمون.
وسلط ممثل المرجعية الدينية العليا الضوء خلال الخطبة على القواعد والاسس التي وضعها الاسلام لتحقيق الاستقرار والامن والازدهار في المجتمع، موضحا ان وحدة الاصل الانساني تعد اولى تلك الاسس المهمة، مشيرا الى ان القران الكريم بين من خلال الكثير من اياته النظرة العقائدية الصحيحة التي يجب ان يتم تبنيها تجاه الاخرين من اتباع الديانات الاخرى، مستشهدا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، موضحا ان الاية الكريمة تؤكد ان الجميع بما فيهم المسلم وغير المسلم يعود الى اب واحد واصل انساني واحد ومن عائلة انسانية واحدة.
واستدرك ان الاية تشير الى ضرورة ان تكون النظرة العقائدية تجاه الاخر في انه انسان مماثل وان الاختلاف في اللون واللغات والجنس من ايات قدرة الله العظيمة، مؤكدا انه من غير الصحيح النظر الى الانسان الاسود او الانسان الاقل تطورا نظرة استعلاء او احتقار او ازدراء، مستشهدا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، موضحا ان الله حينما خلق الناس على شكل شعوب وقبائل لم يكن الهدف منه التناحر والتقاتل والصراع والعداء بل انه اكد على ضرورة التعارف كونه السبيل الى التفاهم والتعاون والتعايش وفق اسس العدالة بعيدا عن الكراهية للوصول الى الاهداف المشتركة والقبول بالاخرين من خلال اعتماد مبادئ العدل والانصاف واحقاق حقوق الاخرين وعدم اجحافهم، مستشهدا بعهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر للتعامل مع رعيته الذين فيهم المسلم وغير المسلم من اصحاب القوميات والطوائف والذي جاء فيه ( (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، اوإ نَظِيرٌ لَكَ فِي الخلق))، مشيرا ان الانسان الاخر اذا اختلف معك في الدين فانه لايحق لك ان تتعامل معه بالقسر والاكراه والظلم بل لابد ان تعيش وتتعامل معه بالاحترام والانسانية.
واشار الشيخ الكربلائي ان الاساس الثاني الذي وضعه الاسلام لتحقيق الاستقرار والامن والازدهار في المجتمع يكمن في ضرورة حفظ حرمة الدماء والاموال والاعراض، مبينا ان هنالك عدد كبير من النصوص القرانية والاحاديث الشريفة التي وضعت الضوابط والمحددات للدماء والاموال والاعراض واحتاطت فيها كثيراً لحفظ الامن والسلام وابعاد المجتمع عن الوان العنف والقتل والخطف والجريمة سواء على المسلمين وكذلك على غير المسلمين مستشهدا بقوله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).
واستدرك ان الاساس الثالث ينص على ضرورة اقامة العدل والقسط في الحكم بين جميع الطوائف، مبينا انه لا يجوز ان يكون الموقف السلبي للشخص تجاه الاخر لأي سبب كان، ولا سيما الاختلاف في الدين والعقيدة، موجباً لسلب حقه والاجحاف في الحكم عليه بابطال حق او احقاق باطل وذلك وفقا لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)، وكذلك في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
واوضح ان الاساس الرابع ينص على ضرورة التعامل الاجتماعي الانساني واخلاقيات التعاطي مع الاخرين، موضحا ان الاسلام حرص على التعامل مع الاخرين على اساس المحبة والاخوة الانسانية من خلال الجدال بالتي هي احسن كما في قوله تعالى (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، وحثه على صلة الارحام ولو لم يكن مسلما، فضلا على تأكيده على مشايعة صاحب الطريق، مبينا ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ندب الى مشايعة الصاحب في الطريق ولو كان غير مسلم، وورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه صاحب رجلا غير مسلم فقال له صاحبه اين تريد يا عبد الله؟ قال اريد الكوفة فلما عدل الطريق بصاحبه عدل معه (عليه السلام) فقال له صاحبه لما عدلت معي فقال له هذا من تمام الصحبة ان يشيع الرجل صاحبه هنيئة اذا فارقه وكذلك امرنا نبينا.
وسلط خطيب جمعة كربلاء الضوء في ختام خطبته على الاساس الخامس الذي يؤكد على ضرورة الاعتراف والاقرار بوجود الاخر، داعيا الى ضرورة التفريق بين شيئين، بين كون الاخر في عقيدته ودينه على حق صحيح او لا، وبين حقه في الوجود والعيش بسلام مع الاخرين، موضحا تارة يكون للاخر دين ومعتقد حق صحيح او لا هذا شيء، والشيء الاخر ان هذا الانسان الذي يخالفني في المعتقد والدين له الحق في ان يوجد ويعيش معي بسلام وفق قواعد ومبادئ العدالة.
واكد على ضرورة ان يكون هناك تعايش اجتماعي مبني على قبول الاخر والاعتراف بوجوده ضمن مبادئ اعطاء الحقوق واداء الواجبات ليضمن للعراق من خلال تطبيق هذه المبادئ والاسس التي وضعها الاسلام الوصول الى حالة الامن والاستقرار والتطور والازدهار وتحقيق الامن الاجتماعي.