المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



النقد بين الموضوعية والذاتية  
  
41227   11:39 صباحاً   التاريخ: 22-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص:151-154
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-1-2020 1926
التاريخ: 23-3-2018 2225
التاريخ: 1-04-2015 2456
التاريخ: 19-1-2020 2998

 

اعتمد النقد العربي في مراحله الاولى- على ما فيه من الاختصار والايجاز- على الموضوعية السليمة والروح البنّاءة إذْ اتخذ من النحو واللغة والصرف والبلاغة اصولاً منهجيّة في نقد النص كبداية للتقويم، وكخطوة اولى في الاصلاح الادبي وتوجيه الاديب الى الصورة الجيّدة في السبك والإنشاء، وتحذيره من الوقوع في الوهم أو الالتباس.

لهذا نجد النقد الادبي في عصوره القديمة قد حقق جملة من الاهداف، منها: ردع الشاعر من الإقواء كما حصل مع النابغة لمّا عيب ذلك عليه.. فقال قدمت الحجاز وفي شعري صنعة ورحلت عنها وأنا اشعر الناس.

او التنبيه على خطأ الاستعمال في المفردات والمفاهيم، كما حصل مع المسيب بن علس، اذْ اعترض عليه طرفة بن العبد لمّا اخطأ الشاعر في استعمال الصيعرية كصفة في عنق البعير.

وهناك نقد بناءٌ تناول المضمون، كما حصل مع حسّان بن ثابت لمّا اخطأ في اعطاء الصورة المثالية لقومه وانه قصّر في تأدية المعنى المطلوب.

هكذا نقد لابدّ أن نجعله في عداد النقد البنّاء الذي يتوخّى صاحبه التقويم الصحيح والموضوعية، فهو جدير بالاحترام والتقدير ولو كان نقّادنا اليوم ينهجون ذلك الاسلوب النزيه وتلك المبادئ العلميّة لما كان في البين خصوم أو نزاع يُؤدي الى السباب والشتم، غير انّ الاهواء والعواطف جنحت الى تقسيم جديد في النقد فهو اما مؤيّد أو معارض، وبمعنى آخر ان الناقد اذا رأى بعين الرضا فعينه عن كل عيبٍ كليلة، وان رأى بعين السخط فجواهر الكلام عنده كبعر الارام..

والذي خلق هذا التعصّب عند النقاد والادباء هو الجو السياسي، والاحزاب المناوئة بعضها للبعض الاَخر، لذا اصبح النقد ذريعة للتسقيط والسباب وكيل التهم والموبقات من دون أي رادع.

بل واصبح الكلام عن شخصية الاديب قبل كل شيء وكأنما نتاجه في معزل عن التقويم؟ فالأديب إذا كان صديقاً حميماً للناقد فسوف تراه يرقى الى كبد السماء في علوه وسؤدده وتراه هو العبقري الفذ وهو وحيد دهره ونادرة زمانه.

ولو كان الامر معكوساً أي ليس بين الناقد والاديب صفاء ووئام فعليك أن تسمع من الكلام الفاحش المقذع والسباب و التسقيط ما يأباه حتى السوقي.

ولا يخفى ان دواعي هذا اللون من التجريح والتسقيط انما هو الحسد واللؤم الدفين، والعقد النفسيّة، ومن امثلته البارزة هو موقف مصطفى صادق الرافعي من عباس محمود العقاد اذ طالما سخر الأوّل من الثاني واستهزأ به حتى كان يلقب العقّاد بالشاعر (المراحيضي) و لا ادري كيف استساغ الرافعي ان يطلق تلك الكلمة الجارحة على شاعر واديب كالعقاد؟. اليك مقطعاً مما سطّره في كتابه (على السفود):

(..في ديوان هذا المراحيضي- يقصد به العقاد- ابيات منسجمة، حسنة السبك، كأنها من سائر شعره بقايا مبنية في خرائب متهدمة. واكثر شعره ركيك يلتوي فيه المعنى أو يضطرب السبك أو يقصر اللفظ عن الأداء، فإما ظهر الكلام غامضاً لا يفهم، أو يقصر اللفظ عن الأداء، فإما لا يخلص، وإما لغواً أو هذياناً أو قريباً منهما. وعلى هذه الوجوه أكثر شعره...(1)).

انني لا اتصور اديبا نزيهاً وناقداً بحقّ يتطاول على خصومه بكلمات بذيئة كهذه.

وقد اعترف الصادقي لزميله الزيات مرة فقال: أما ما كتبته (على السفود) فأكثره رجس من عمل الشيطان..

وفي شأن العقاد يقول: أما العقاد فإني أكرهه وأحترمه اكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه، قليل الإنصاف لغيره، ولعله أعلم الناس بمكاني من الأدب فيتجاهلني حتى لا أجرى معه في عنان، وأحترمه لأنه أديب قد استهلك اداة الأدب، وباحث قد استملك عدة البحث، قصر عمره وجهده على القراءة، فلا ينفك بين كتاب وقلم، ومن آفة الذين يُديمون النظر في كلام الناس أنهم يفقدون استقلال الفكر وابتكار القريحة، وليس كذلك العقاد، فإن رأيه لقوة عقله وسلامة طبعه يظل متميّزاً عن رأي الكتاب... (2)

هذه بعض عباراته وجملة من تصريحاته التي تكشف النقاب عن كلامه الأوّل وما فيه من حقد وضغينة.. فهل تعتقد بعد هذا ان صولات الرافعي وجولاته في حلبة النقد والأدب نزيهة كما ينبغي؟! وهل تستطيع ان تعوّل على أحكامه وتثق به كناقدٍ موضوعي؟!

يقول الدكتور بدوي:

والناقد الأدبي السامي قاضٍ عادل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يرهبه وعيد، ولا تطمعه الوعود، قد تنزّه عن صغائر إنسانيته، وجاد من فوق الزمان بكلمة الحق التي تهدي سواء السبيل.. وليكن رائد الناقد الاخلاص والاصلاح جهد الطاقة، حتى يكون عامل بناءٍ وتوطيد، لا أداة هدم وتخريب(3).

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)على السفود ص111 دار العصور، القاهرة 1930.

(2) التيارات المعاصرة ص59.

(3) التيارات المعاصرة ص 66.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.