أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-2-2021
15266
التاريخ: 24-3-2021
7932
التاريخ: 23-3-2021
13184
التاريخ: 23-2-2021
4467
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران : 21 ، 22] .
لما قدم سبحانه ذكر الإحتجاج على أهل الكتاب ، وحسن الوعد لهم إن أسلموا ، وشدة الوعيد إن أبوا ، فضل في هذه الآية كفرهم فقال : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} أي : يجحدون حجج الله تعالى ، وبيناته {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} قيل : هم اليهود . فقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قلت : يا رسول الله! أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ فقال : " رجل قتل نبيا ، أو رجلا أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، ثم قرأ {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} ثم قال " عليه السلام " : يا أبا عبيدة ! قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم ، وهو الذي ذكره الله تعالى " .
{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي : أخبرهم بأن لهم العذاب الأليم ، وإنما قال {بَشِّرْهُمْ} على طريق الاتباع والاستعارة . والبشارة تكون في الخير دون الشر ، لأن ذلك لهم مكان البشارة للمؤمنين ، ولأنها مأخوذة من البشرة . وبشرة الوجه تتغير بالسرور في الخير ، وبالغم في الشر . ويقال : كيف قال {فبَشِّرْهُمْ} وإنما قتل الأنبياء أسلافهم والجواب : لأنهم رضوا بأفعالهم ، واقتدوا بهم ، فأجملوا معهم .
وقيل : معناه بشر هؤلاء بالعذاب الأليم لأسلافهم . وقوله : {بغير حق} لا يدل على أن في قتل النبيين ما هو حق ، بل المراد بذلك أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق ، كقوله : {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون : 117] ، والمراد بذلك تأكيد النفي والمبالغة فيه كما يقال : فلان لا يرجى خيره ، والغرض في ذلك أنه لا خير عنده على وجه من الوجوه ، وكما قال أبو ذؤيب :
متفلق أنساؤها عن قانئ ، * كالقرط صاو ، غيره لا يرضع (2) .
أي : ليس له بقية لبن فيرضع . وعلى هذا فقد وصف القتل بما لا بد أن يكون عليه من الصفة ، وهو وقوعه على خلاف الحق . وكذلك الدعاء في قوله تعالى :
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} وصفه بأنه لا يكون إلا من غير برهان .
وقد استدل علي بن عيسى بهذه الآية على جواز إنكار المنكر مع خوف القتل ، وبالخبر الذي رواه الحسن عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر يقتل عليه " وهذا فيه نظر ، لأن من شرط حسن إنكار المنكر ، أن لا يكون فيه مفسدة . ومتى أدى إلى القتل ، فقد انتفى عنه هذا الشرط ، فيكون قبيحا .
والوجه في الآية والأخبار التي جاءت في معناها ، أن يغلب على الظن أن إنكار المنكر لا يؤدي إلى مفسدة ، فيحسن ذلك ، بل يجب ، وإن تعقبه القتل ، لأنه ليس من شرطه أن يعلم ذلك ، بل يكفي فيه غلبة الظن .
أولئك الذين} كفروا بآيات الله ، وقتلوا الأنبياء ، والآمرين بالمعروف {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} يريد بأعمالهم ما هم عليه من ادعائهم التمسك بالتوراة ، وإقامة شريعة موسى " عليه السلام " . وأراد ببطلانها في الدنيا أنها لم تحقن دماءهم وأموالهم ، ولم ينالوا بها الثناء والمدح . وفي الآخرة أنهم لم يستحقوا بها مثوبة ، فصارت كأنها لم تكن ، لأن حبوط العمل عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب والأجر والمدح وحسن الذكر ، وإنما تحبط الطاعة حتى تصير كأنها لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به . {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} يدفعون عنهم العذاب .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص262-264 .
2- الانساء جمع النسا : عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ، فإذا سمنت الدابة انفلقت فخذاها بلحمتين عظيمتين ، وجرى النسا بينهما واستبان . أحمر قاني : شديد الحمرة .
الصاوي اليابس . الغبر : بقية اللبن في الضرع . وقاني كالقرط : كنى به عن حلمة ثدي الأتان .
الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ :
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} . وتسأل : ان الشرائع بكاملها السماوية والوضعية تحرم القتل ، بل جميع الناس يرون القاتل مجرما ، بخاصة إذا كان المعتدى عليه من أهل الخير والصلاح ، وعلى هذا يكون الاخبار بأن القاتل مجرم يستحق العذاب والعقاب أشبه بتوضيح الواضحات ، مع العلم بأن كلام اللَّه يجب أن يحمل على أحسن المحامل ؟
الجواب : ان المقصود بالآية اليهود والنصارى الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه واله) ، ورفضوا الإسلام . وقد أشارت الآية إلى أنه لا غرابة في رفضهم وعنادهم للإسلام . .
لأن أسلاف اليهود قتلوا الأنبياء كزكريا ويحيى ، وأسلاف النصارى قتلوا من جاهر بالوحدانية وبشرية المسيح ، قتلوهم لا لشيء إلا لأنهم أمروا بالقسط والعدل وعملوا به ، فالآية تقريع وتوبيخ ، كما هي تهديد ووعيد .
سؤال ثان : ان القتل لم يقع من أهل الكتاب الذين كانوا في زمن محمد (صلى الله عليه واله) فكيف صحت نسبته إليهم ؟ .
الجواب : سبق أكثر من مرة ان الأمة في تكافلها تجري مجرى الشخص الواحد ، وان الخلف قد رضي بفعل السلف ، ومن رضي بفعل قوم شاركهم فيه ، وكثيرا ما يضاف صنع الأب إلى الابن .
سؤال ثالث : ان قتل الأنبياء لا يكون الا بغير حق ، فما الفائدة من هذا القيد ؟ .
الجواب : للإشارة إلى أن فظاعة قتل الأنبياء لم تكن لمكانتهم وعظمتهم ، بل لأنه لا مبرر له إطلاقا . . وبكلمة ان المسألة ليست مسألة أشخاص وفئات ، وانما هي مسألة حق وعدم حق .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} . أما الحبط في الدنيا فلأنهم ملعونون على كل لسان ، لما تركوه من سوء الآثار ، وأما في الآخرة فلأنهم معاقبون .
الأمر بالمعروف مع خوف الضرر :
ذكر الفقهاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطا ، منها أن لا يخاف الآمر الضرر على نفسه وأهله وماله . . وبعض الفقهاء أنكر هذا الشرط ، وأوجب الأمر بالمعروف ، وان أدى إلى القتل ، واستدل بهذه الآية ، ووجه الدلالة بزعمه ان الأنبياء قد أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وقتلوا في هذه السبيل بشهادة القرآن الكريم .
والذي نراه ان للأنبياء في التبليغ عن اللَّه شأنا غير شأن العلماء ، لأنهم يقدمون ويحجمون بوحي من اللَّه سبحانه ، فإذا قتلوا في سبيل التبليغ فإنهم قد أقدموا بأمر منه تعالى ، أما العلماء فيعتمدون على ما يفهمونه من مدارك الأحكام ومصادرها ، والذي نفهمه نحن من هذه الأدلة والمصادر ان أي انسان يسوغ له السكوت عن المنكر إذا غلب على ظنه ان الإنكار لا يحقق أية فائدة دينية ، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى المضرة والمفسدة .
أما إذا غلب على ظنه ان وجود المنفعة الدينية من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، مع تضرره منه فتجب ، والحال هذه ، المقارنة بين دفع الضرر عن النفس ، وبين المنفعة المترتبة على الأمر والنهي ، فإن كانت المنفعة الدينية أهم ، كالقضاء على الكفر والظلم والفساد في الأرض جاز تحمّل الضرر في هذه السبيل ، وقد يجب . . وان كان دفع الضرر عن النفس أهم من انكار المنكر ، كالنهي عن أكل المتنجس - مثلا - جاز الاحجام دفعا للضرر ، وقد يجب ، فالمسألة ، إذن ، تختلف باختلاف الموارد ، وبهذا يتبين معنا ان قياس غير الأنبياء على الأنبياء في هذا المقام قياس مع وجود الفارق . . وقد نعود إلى الموضوع بمناسبة ثانية .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص31-33 .
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ} إلى آخر الآية ، الكلام في الآية وإن كان مسوقا سوق الاستئناف لكنه مع ذلك لا يخلو عن إشعار و بيان للتهديد الذي يشعر به آخر الآية السابقة فإن مضمونها منطبق على أهل الكتاب و خاصة اليهود .
و قوله : يكفرون ، و يقتلون ، في موضعين للاستمرار و يدلان على كون الكفر بآيات الله و هو الكفر بعد البيان بغيا ، و قتل الأنبياء و هو قتل من غير حق ، و قتل الذين يدعون إلى القسط و العدل و ينهون عن الظلم و البغي دأبا و عادة جارية فيما بينهم كما يشتمل عليه تاريخ اليهود ، فقد قتلوا جمعا كثيرا و جما غفيرا من أنبيائهم و عبادهم الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر و كذا النصارى جروا مجراهم .
وقوله : {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ} أليم تصريح بشمول الغضب و نزول السخط ، و ليس هو العذاب الأخروي فحسب بدليل قوله تعالى عقيب الآية : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}"الخ" فهم مبشرون بالعذاب الدنيوي والأخروي معا ، أما الأخروي فأليم عذاب النار ، و أما الدنيوي فهو ما لقوه من التقتيل و الإجلاء و ذهاب الأموال والأنفس ، و ما سخط الله عليهم بإلقاء العداوة و البغضاء بينهم إلى يوم القيامة على ما تصرح به آيات الكتاب العزيز .
وفي قوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ، دلالة أولا : على حبط عمل من قتل رجلا من جهة أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر .
و ثانيا على عدم شمول الشفاعة له يوم القيامة لقوله : و ما لهم من ناصرين .
____________________
1 . تفسير الميزان ، ج3 ، ص 108-109 .
علامات الطغيان :
تعقيباً للآية السابقة التي تضمّنت أنّ اليهود والنصارى والمشركين كانوا يجادلون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يستسلمون للحق ، ففي الآية الاُولى إشارة إلى بعض علامات هذا الأمر حيث تقول الآية : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } .
وتشير هذه الآية في البداية إلى ثلاث ذنوب كبيرة وهي الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير الحق وقتل الّذين يدعون إلى العدالة ويدافعون عن أهداف الأنبياء ، وكلّ واحد من هذه الذنوب يكفي لوحده لجعل الإنسان معانداً ومتصلّباً بكفره وعدم تسليمه للحق ، بل يسعى لخنق كلّ صوت يدعو إلى الحقّ .
التعبير بـ (يكفرون) و (يقتلون) جاء بصيغة الفعل المضارع وهو إشارة إلى أنّ كفرهم وقتلهم الأنبياء والآمرين بالقسط كان من جملة برنامجهم في الحياة فيرتكبون هذه الأعمال بصورة دائمة ومستمرّة (لأن الفعل المضارع يدلّ على الإستمراريّة) .
وبطبيعة الحال إنّ هذه الأعمال كانت تصدر عادةً من اليهود حيث نلحظ إستمرارهم بهذه الأعمال في زماننا الحاضر بشكل آخر ، ولكنّ هذا لا يمنع من عموميّة مفهوم الآية أيضاً .
ثمّ أنّ الآية تشير إلى ثلاثة عقوبات مترتّبة على إرتكاب هذه الذنوب ، ففي البداية تشير الآية {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
ثمّ تقول : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فلو فرض أنّهم عملوا بعض الأعمال الصالحة فإنّها ستمحى وتزول بسبب الذنوب الكبيرة التي يرتكبونها .
والثالث أنّ الآية تقول : {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} فلا أحد يحميهم من العقوبات الإلهيّة التي تنتظرهم ولا أحد يشفع لهم في ذلك اليوم .
وسبق وأن قلنا في تفسير الآية 61 من سورة البقرة أنّ هذه الآية تشير إلى تاريخ اليهود المضطرب ، فهم فضلاً عن إنكارهم آيات الله تجرّؤا على قتل الأنبياء ، كما كانوا يقتلون أتباع الأنبياء من المجاهدين ، ولكنّ هذا العمل لا يختصّ بهم وحدهم ، بل يصحّ بالنسبة إلى جميع الأقوام التي فعلت وتفعل فعلهم .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص230-231 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|