أقرأ أيضاً
التاريخ: 10/12/2022
1154
التاريخ: 19-3-2022
2021
التاريخ: 9-1-2016
2340
التاريخ: 2024-09-25
146
|
بحسب متابعاتي لهذه المواضيع وجدت أن هناك أسبابا كثيرة يتحجج بها من يريد الإجهاض وقد يكون صادقا فيما يدعيه إلا أنه وحيث إن الموضوع يتعلق بحياة إنسان لا يقوي أن يدافع عن نفسه فإننا يجب علينا تحري الدقة قبل إعطاء الإذن بالإجهاض وهو سلفا لن يكون ممكنا إلا في حالات نادرة وضمن ظروف قاهرة سنبينها فيما يلي :
1ـ خوف الفقر :
من الأمور التي تدعو بعض الأهل الى الإجهاض مسألة خوف تأمين المصاريف اللازمة والضرورية , بل والثانوية بالنسبة لبعض الناس للقادم الجديد خاصة مع الظروف الاقتصادية الصعبة , وهذا الامر ليس سمة لهذا العصر , بل في كل زمان كانت هناك من تقوم بإجهاض جنينها خوفا من الفقر وعدم القدرة على تأمين مصاريف الولد . وقد تحدث القرآن الكريم عن الموضوع بقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]،ومعنى الإملاق كما في كتاب العين هو:{خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} أي الفقر والحاجة (1) .
فالله عز وجل يوضح في هذه الآية أن الرزق من عند الله سبحانه وتعالى وليس من جهد الإنسان فقط , بل إن الإنسان يسعى والله هو الذي يوفق للرزق ، لذلك فإنه ينهى عما كان يفعله الناس من قتل الأولاد خشية الإملاق وهو كما قلنا الفقر والحاجة , فان الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزقهم وأيضا يرزقكم بسببهم , وكثيرا ما نسمع من أهل كان وضعهم الاقتصادي غير جيد فأنجبوا ولدا فانفتح عليهم باب الرزق بسبب هذا الولد الجديد .
إذا من الناحية الشرعية لا يجوز إجهاض الجنين خوفا من الفقر ، ويعتبر كما ورد في الآية خطأ كبيرا يوجب دخول النار على فاعله. وإن الله سبحانه وتعالى يعطي من يحافظ على الجنين مع فقره اعتمادا على وعده له بالرزق رزقا واسعا لأنه أحسن الظن بالله والله كما في الروايات عند حسن ظن عبده به ،
فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال:(أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول : أنا عند حسن ظن عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا)(2) .
فلذلك حتى لو لم ننطلق في الحفاظ على الجنين من موضوع الإثم الشرعي فإن الوعد بالرزق بسبب المحافظة عليه وهو وعد إلهي كافٍ لترك الأمر ثقة بأن الله ينجز وعده . ولكن الاهم والموجب لرضا لله سبحانه وتعالى هو أن نقوم بذلك التزاما بالأحكام الشرعية واعتمادا على التقوى التي بسببها يكون المخرج من كل خطر متوقع كما يقول الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2] .
فتقوى الله سبحانه وتعالى تعتبر سببا للخروج من أي مأزق مالي أو غير مالي لا يجوز أن تكون ثقتنا بالله عز وجل ضعيفة .
2- الخوف على النفس من الحمل :
في بعض الأحيان تصل الحامل الى مرحلة تكون بين خيارين إما أن تموت هي أو تجهض جنينها فماذا تفعل ؟ هل يجوز لها أن تستمر بحملها لتنقذ حياة الولد القادم وتموت هي ؟ أم تجهض جنينها لتنقذ نفسها إذ لا خيار ثالث ؟ في هذه الحالة أفتى الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تجهض واعتبروه أنه من باب حق الدفاع المشروع عن النفس , فكما يجوز لك أن تقتل العدو الذي يهجم عليك في دارك يريد قتلك يجوز للأم أن تجهض جنينها كي لا تموت هي دفاعا عن نفسها. الحالة التي ذكرنا واضحة ولكن هناك حالة تصل إليها الحامل يكون فيها بقاء الحمل خطر على حياة أحدهما ولا يعلم من هو المعرض للخطر هل هو الام حتى تدفع عن نفسها أم الجنين؟. ففي هذه الحالة تكون نسبة الخطر على حياة الام خمسين بالمائة وفي هذه الحالة أيضا حيث إن حياة الام معرضة للخطر بنسبة معتبرة أفتى الفقهاء بجواز الإجهاض ذلك أنه إذا كان الخطر على حياة الأم فقد أنقذت نفسها وإن كان الخطر على حياة الطفل فلم يتغير شيء . وهنا أيضا يكون الإجهاض من باب الدفاع المشروع عن النفس , وكون نسبة الخطر خمسين بالمائة لا تمنع من التحرز عن تعريض حياة الام للخطر .
وهناك حالة ثالثة لا يوجد فيها خطر متحقق على الام ولكن هناك خوف معتبر من إمكان موت احدهما , او كلاهما , أو نجاتهما معا , أو نجاة أحدهما وكل الاحتمالات واردة , ففي هذه الحالة أفتى الفقهاء بعدم جواز الإجهاض واعتبروا أنه لابد من الانتظار حتى يقضي الله سبحانه وتعالى في هذا الامر لأنه لا يوجد ما يبرر تعريض حياة محترمة للقتل مع وجود احتمال معتبر بالنجاة . لذلك افتوا في هذا المجال بعدم جواز الإجهاض ووجوب الانتظار .
3- خوف السمعة السيئة :
في بعض الحالات تقوم الأم بفعل فاحشة الزنا وتحمل من جراء ذلك، وتخاف إن هي استمرت بحملها ان يعرضها ذلك الى السمعة السيئة والعار في مجتمعها وعائلتها فهل يجوز لها في هذه الحالة إجهاض نفسها إنقاذا لسمعتها , وصونا لكرامة عائلتها ؟
قد يستغرب الإنسان في هذا المجال من عدة أمور : أولها : كيف لهذه الزانية التي لم تسأل عن رضا الله سبحانه وتعالى عندما زنت أن تسأل هنا عن رضاه في موضوع الإجهاض ؟ وكيف لهذه المرأة التي زنت أيضا أن تسأل عن موضوع العار والخوف على الكرامة وهي من انتهكت أعز ما تمتلكه المرأة وهو شرفها ؟.
وفي الواجب نقول : إن كل هذه الأسئلة مشروعة ولكنها لا تمنع من إجابة هذه المرأة كائنا ما كان الفعل الذي ارتكبته عن سؤالها . فهي قد تكون زنت انسايقا وراء شهوة عارمة ثم استيقظت منها لتجد نفسها أمام هذا الواقع , أو قد تكون وقعت كما كثير من النساء في حبائل شخص مخادع وعدها بالزواج فسلمته نفسها لتكشف بعد ذلك خداعه , أو حتى قد تكون فعلت هذه الفعلة وهي تدري عظم الذنب الذي سترتكبه وارتكبته بكامل قواها العقلية ومع ذلك بعد أن أصبحت وجها لوجه أمام موضوع الحمل أرادت حلا شرعيا له , ولعلها تابت . أو لعلها يمكن أن ترتكب فاحشة الزنى ولكنها عندما اصبحت في مواجهة مشروع قتل لجنين قادم توقفت ووجدت أنها غير قادرة على اتخاذ قرارها بمفردها وأرادت حكما شرعيا بذلك .
في هذا المجال أفتى الفقهاء بأن ذلك لا يشكل مبررا للإجهاض وإنه حتى ولد الزنى لا يجوز إجهاضه , بل عليها أن تتوسل للحفاظ على الحمل كل السبل الممكنة ولو بالخروج من المنطقة التي تعيش فيها الى منطقة غير معروفة فيها , أو أن تجد من يتزوجها شكلا للحفاظ على السمعة الى حين الوضع , غير أنه لا يجوز لها إجهاض نفسها لمجرد الخوف من التعبير والسمعة السيئة .
بعض الفقهاء أفتوا أنه إذا لم يكن التملص من الامر بترك المنطقة التي تعيش فيها الحامل الى
منطقة أخرى وكان العار الذي سيلحق بها من جراء انكشاف حملها لا يُحتمل عادة جاز لها إسقاط حملها حفاظا على سمعة نفسها وسمعة عائلتها.
قد يَرِد هذا الأمر أيضا فيما لو كان الجنين من غير الزنى, كأن يكون من عقدة منقطع أي من زواج متعة , وبعد أن حصل الحمل تبرأ العاقد منه , ومع ذلك فإن الحرمة الشرعية هنا أوضح أكثر من الزنى إذ إن المرأة هنا عقدت عقدا شرعيا والحمل ايضا شرعيا , وبالتالي لا موجب منطقي وموضوعي للشعور بالعار وعليها في هذه الحالة اللجوء للقضاء الشرعي لإلزام العاقد بالاعتراف بالحمل .
4- الخوف من قتل الأهل للأم :
إذا خافت المرأة الحامل من الزنى أن يقتلها أهلها إن عرفوا بذلك فهل يجوز لها أن تجهض نفسها ؟ وهنا أيضا نقول إن عليها أن تترك المنطقة , أو أن تجد حلا لا يصل الى حد الإجهاض ولو باللجوء الى السلطات التي تردع الاهل عن القيام بهذا العمل , فإن لم يمكن التملص من ذلك وكانت تعلم علم اليقين أن أهلها سيقتلونها إذا ما علموا بحملها جاز لها الإجهاض هربا من القتل المتيقن عندها فيما لو عرفوا بحملها .
5- تشوه الجنين أو إصابته بمرض عضال :
في بعض الأحيان تكشف الام من خلال الوسائل التشخيصية الطبية الحديثة كالتصوير الصوتي وغيره ان الجنين الذي تحمله مشوه , او مصاب بمرض عضال , فهل يجوز لها في هذه الحالة إجهاض نفسها كي لا تبتلى هي بطفل معاق , أو مشوه , أو مريضا مرضا لا شفاء منه ؟ في هذه الحالة فإن إجماع الفقهاء قائم على عدم جواز الإجهاض لهذا السبب , إذ لو جاز ذلك فقط لأن الطفل سيلد مشوها لجاز والحال هذا قتل كل مشوه , أو الإجهاز على أي مريض بمرض عضال كالسيدا , أو السرطان وهذا لا مجال إليه ، وعليه فلا يجوز من الناحية الشرعية إجهاض الجنين لاحتمال كونه مشوها أو مجنونا أو مريضا بمرض عضال .
وقد جاءني في احد الأيام رجل مع زوجته وقال لي إنه أثناء إحدى الأحداث الدامية في لبنان قامت زوجته بمشاهدة عدد كبير من الجثث في إحدى المجازر ما أدى الى حصول صدمة عصبية لديها وأدخلت على أُثرها الى المستشفى حيث عُولجت من قبل طبيب نفسي وأعطاها أصنافا من الأدوية العصبية وكانت في أثناء ذلك حاملا وقد قال لها الطبيب إن الجنين سيأتي قطعا مشوها وغير سوي خلقه وعقلا وأنه لا بد من إجهاض هذا الجنين وسألوني عن ذلك وحيث إن هذا الموضوع في جانبه التشخيصي الموضوعي أمر من اختصاص الطب , وبما أن الحكم الشرعي في هذه القضية مرتبط بتشخيص الموضوع قمت بسؤال أحد الأطباء عن هذه الأدوية لعلني أقنع الأهل بأن لا مبرر لخوفهم فأكد لي الطبيب الصديق نفس الكلام الذي قيل لهم فاضطرت ساعتئذ لأبين لهم بشكل واضح أنه لا يجوز من الناحية الشرعية الإجهاض وعليهما انتظار أمر الله سبحانه وتعالى فلعله يقضي غير ما هو ظاهر فاتركوا أمركم الى الله سبحانه وتعالى وادعوه مخلصين أن ينقذ طفلكم .
وفعلا بعد أربع أشهر أنجبت هذه المرأة طفلا جميلا سوي الخلقة وتابعت الموضوع لعدة سنوات حتى دخل المدرسة لأعرف لاحقا أنه أيضا كامل العقل , مما يؤكد في هذه الحالات أنه يمكن أن لا تكون التقارير صحيحة ومع ذلك حتى في موارد يقينية هذه التقارير فلا يجوز الإجهاض لمجرد أنه هناك خوف من تشوه أو مرض .
متى يجوز الإجهاض ؟
من خلال ما سبق تأكد لنا أن المورد الوحيد الذي يجوز فيه الإجهاض هو ما إذا أدى استمراره الى تشكيل خطر على حياة الأم , أو في مورد أن تتعرض حياتها للخطر بسبب حملها كأن يقوم أهلها بقتلها لأنه حملت من دون علمهم في مورد العقد الشرعي السري أو لزناها .
باختصار من ناحية شرعية لا يجوز الإجهاض لأنه قتل لنفس محترمة من دون مبرر شرعي ومهما كانت الأسباب الداعية لذلك سواء أكان الأمر بسبب خوف الفقر , أو الخوف على السمعة أو أي سبب آخر . نعم في مورد الخوف على النفس يجوز ذلك من باب الدفاع عن النفس الذي هو حق مشروع , وفي حال حصول الإجهاض يجب دفع الدية لورثة الجنين غير المشاركين في علمية الإجهاض , وكذلك تجب الكفارة بعد ولوج الروح في الجنين على بعض الآراء ولا تجب مطلقا قبل ذلك وهي مخيرة بين عتق رقبة أو صيام شهرين متتالين أو إطعام ستين مسكين إذا كان الإسقاط خطأ , أما إذا كان عمدا فهي كفارة جمع بين هذه الخصال الثلاث . ومن الناحية الشرعية فإن الإسلام حث على التكاثر وزيادة النسل لزيادة أمة محمد (صلى الله عليه واله) التي سيباهي بها الأمم يوم القيامة ومع ذلك لا مانع من تنظيم النسل بأن يكون هناك فاصل زمني معتبر بين الحمل والآخر وذلك من أجل أن يكون للأم فرصة لتربية ابنها من دون ضغوط كثرة الأولاد التي تمنع من التربية السليمة .
_______________
1ـ كتاب العين ج 5 ، ص 175 .
2ـ بحار الانوار ج 67 ، ص 366 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|