أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-2-2020
1346
التاريخ: 14-1-2020
1349
التاريخ: 2023-02-22
1434
التاريخ: 12-2-2020
1483
|
وتتلخص فلسفة المدرسة الإمكانية في "أن الإنسان ليس مجرد مخلوق سلبي، غير مفكر، خاضع تمامًا لمؤثرات وضوابط البيئة؛ ولكنه قوة إيجابية فعالة ومفكرة، وذو خاصية ديناميكية قادرة على التغيير والتطوير".
ومن رواد هذا الفكر الإمكاني الجغرافي - وهم في غالبيتهم أصحاب مدرسة الحوليات في الفكر التاريخي، الذين يتزعمهم بروديل -: الفرنسي فيدال دولا بلاش "أبو الإمكانية"، وإسحاق بومان، وكارل سور، وفلير, وقد جاءت هذه المدرسة الإمكانية - التي حاولت أن تنكأ الجراح التي أثخنتها المدرسة الحتمية - من خلال التركيز على دور الإنسان وفاعليته، وفعاليته ودوره الإيجابي في تغيير منظومة الحياة.
ويتساءل الإمكانيون: هل يتجاهل الحتميون هذا الإبداع البشري، الذي تظهر بصماته واضحة في التفوق والإبداع الصناعي، وإقامة السدود الضخمة، والأنفاق الهائلة، والتطور الذي مسَّ استنباط السلالات النباتية والحيوانية، وغيرها من مظاهر تفوق وتعاظم القدرة البشرية؟ هل مع هذا الإبداع يصرُّ البعض أن الإنسان مكبَّل بأغلالِ وأصفادِ الطبيعة؟
من خلال استقراء واقع العالم خلال فترات تاريخية، يتبيَّن مدى الخلل والخور، وزيف هذا الادعاء الذي سقطت فيه المدرسة الحتمية، من خلال الإطلالة على بعض الحضارات البائدة في مناطق الشرق الأقصى والأدنى، التي تنتمي في غالبيتها إلى النطاق الصحراوي:
- الحضارة المصرية: بَنَوا أهرامات شاهقة، التي هي قِبْلة للسياح الغربيين، وهم الذين ارتقوا بالكتابة من التصويرية والرمزية، إلى كتابة خاصة بهم، وهي الكتابة الهيروغليفية، كما ابتكروا بعض الأنشطة الهيدروغرافية.
- الحضارة السومرية: وقد اخترعوا الكتابة المسمارية حوالي 3600 ق. م، وأنشأوا أول المدارس والمكتبات، وكذلك ابتكروا أول أنظمة الري، وأول من استخدم الذهب والفضة في تقويم السلع(1).
- الحضارة الإسلامية: التي بلغت أوج عزِّها وعظمتها في العصور الوسطى، في وقت كانت أوروبا غارقة في ظلمات الجهل والتخلف.
في نفس السياق، كيف نفسِّر التقدم الذي عرفته الأراضي المنخفضة في الإنتاج الزراعي، برغم افتقارها إلى المجالات الزراعية؟ وذلك باتِّباعها ما يسمى بالرقات أو البولديرات (وهي مجالات أو أراضٍ مكتسبة على حساب البحر، عن طريق التجفيف، أو غمرها بالأتربة).
من جهة أخرى، كيف نفسر أيضًا التقدم الذي تعرفه اليابان - وقد عانت من التخلف الاقتصادي شأنها شأن البلدان العربية والإسلامية - برغم افتقارها إلى الثروات الطبيعية (البترول والغاز الطبيعي)، الذي تستورد غالبيتها من بلدان الخليج؟ يجيب أحد اليابانيين: "تعيش البلدان على ثروات تحت أقدامها، أما نحن، فنعيش على ثروات فوق أكتافنا، تزيد بقدر ما نأخذ منها".
والموضوع بحاجة إلى مزيد من الوقوف عنده؛ فالفكرة - في اعتقادي - لم توضع لتفسير نشوء حضارة الغرب، بقدر ما وُضعت لإقناع غيرهم بعدم جدوى عملية التنمية والالتحاق بالدول المتقدمة، ومن هنا تأتي خطورة هذا التفسير في تثبيط همم بقية شعوب الأرض، وإقناعهم بالصبر والرضا على ما هم فيه من أشكال التخلف، وانتظار مَن يجود عليه بلقيمات تهوِّن عليهم وطأة الجوع، ومرارة القهقرية والنكوصية.
مثال آخر: فمنطقة ألاسكا، وكندا، والولايات المتحدة، ومنطقة أمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل)، بالرغم من وجود سكانهما الأصليين منذ آلاف السنين فيهما، لم تنهضا إلا بعد هجرة الأوروبيين إليها في إطار حركة الاستكشافات الجغرافية الأوروبية، وازدادت تفوقًا أكثر مع هجرة غالبية علماء البلدان العربية وعلماء آسيا إليها، في إطار ما يسمى هجرة الأدمغة.
في هذا السياق أيضًا، هناك مشكلة كبرى تطرح نفسها بقوة؛ تتمثل في الانفجار الديموغرافي الذي ضخمته الدول المتقدمة؛ لتبرير تخلف العالم الثالث، لكن هذه المدرسة لم تبقَ مكتوفةَ الأيدي وأشارت إلى دور العنصر البشري في عملية التنمية؛ ومن روادها ألبرت هيرشمان، وكلارك، وبوسرب، الذين يرون أنه من الخطأ اعتبار الزيادة المطردة في السكان بالنسبة إلى الدول عائقًا للعملية التنموية؛ بل يرون أن هذه الزيادة تعمل على إيجاد قوة ضاغطة، تؤدي إلى مضاعفة الجهد من قِبل السكان أنفسهم؛ لتحسين مستوياتهم المعيشية؛ مما يسرع العملية التنموية.
- يعتبر الاقتصادي الأسترالي كولين كلارك من الأوائل الذين لاحظوا أن المعطياتِ الواقعيةَ والميدانية لا تؤكِّد أطروحة العلاقة السلبية بين النمو الديموغرافي والنمو الاقتصادي، ويرى أن العلاقة بين ارتفاع الدخل الفردي والزيادة في عدد السكان علاقةٌ إيجابية.
- أما جوليان سيمون، فقد عدَّد مجموعة من الأدلة لصالح النمو الديموغرافي، الذي يرى فيه عملاً قويًّا يساعد في حل المشكلات الإنسانية، فهو يرى أن إبداع الإنسان يمثل المورد الوحيد الذي يمكنه أن يحلَّ ويحدَّ من مشكلة ندرة الموارد الأخرى.
- ففي سنة 1986، موَّلت الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية دراسةً حول السكان والتنمية، وقامت بتحليل سلسة من التصريحات حول الآثار السلبية للنمو الديموغرافي، فوجدت أنه على العموم ليست هناك أدلة واقعية تسندها.
ويزكي هذا الطرحَ ما ذهب إليه المفكر المغربي المهدي المنجرة، من أن موقف الغرب تحكمه ثلاثة مخاوف رئيسة:
أولاً: الخوف الديموغرافي؛ لأن وزنه البشري داخل العالم أصبح يتراجع سنةً بعد سنة.
ثانيًا: الخوف من العرب والإسلام، ولو أن وزن العرب بالنسبة للمسلمين لا يمثل حتى عشرين في المائة، فالعرب جميعًا، يقلُّون عن تعداد بلد مسلم واحد، هو إندونيسيا.
ثالثًا: الخوف من اليابان؛ لأسباب حضارية، فالغرب لا يقبل ما برهنت عليه التجربة اليابانية والماليزية، وهو أن الحداثة والتقدم يمكنها أن تتبلور بواسطة قيم أخرى غير القيم اليهودية والنصرانية الغربية، وهذا يعاكس ما يذهب إليه بعض المثقفين في بلداننا من أن وسيلة تقدمنا هي تقليد الغرب، والسير على نهج الغرب، وليس انطلاقًا من قِيَمنا(2).
من هنا ندرك حقيقة مفهوم التنمية - في مقابل التخلف - أنه عملية توالد ذاتي، وحركة جوانية، لا تتم بمؤثر خارجي، الذي أصبح لا يعكس مقاصد التنمية؛ بل ويعمل ضدها، والدليل على ذلك فشل العديد من الخطط والبرامج التنموية، فالنهضة لا تتحقق باجترار القديم، ولا الانقطاع عنه، وإنما هي عمليات متوالية ومتتالية، وتجليات مختلفة لذات واحدة، صقلت - ولم تزل تصقل - من خلال تجربة حضارية ممتدة في الزمان والمكان، متفاعلة مع المحيط الجغرافي والتاريخي، تفاعلاً يؤدي إلى توسيع محيطها، دون أن يغيِّر موضع مركزها وقطبها.
________________
(1) أحمد محمد شملان: "الإقصاء عن الفعل الحضاري"، مجلة العربي، العدد 565، دجنبر 2005، ص: 163.
(2) المهدي المنجرة: "حوار التواصل"، كتاب الشهر، سلسلة شراع، العدد الأول، مايو 1997، ص84.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|