أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2018
1984
التاريخ: 23-10-2017
32804
التاريخ: 26-5-2016
3868
التاريخ: 14-3-2022
1759
|
ان التخلف مصطلح مطاطي، ولفظة شائعة الاستخدام، يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها وبين مستخدمها، فنقول: التخلف الاقتصادي، التخلف الزراعي، التخلف الصناعي، تعليم متخلف، نمط عيش متخلف، ويعني ذلك علاقة النشاطات البشرية المتعلقة بهذه المجالات.
في هذه الآونة الأخيرة، لم يركز المجتمع الدولي، وتقارير التنمية البشرية العربية على مفهوم التخلف، بقدر ما ركز على مقومات ودعائم التنمية، كعمل ماكياج أو ستار خشبة مسرح الدول المتخلفة؛ لطمس معالم التخلف من خلال استنبات واختراع مصطلحات جديدة، لا محل لها من الإعراب: الدول النامية، الدول السائرة في طريق النمو، دول الجنوب، الدول شبه النامية؛ ولكن بالضد تتبين الأشياء كما يقال.
انطلاقًا من هذه المعايير الموضوعة للحكم على تنمية بلدان الجنوب؛ نستخلص مؤشرات التخلف، وما مدى مطابقتها لرغبات وتطلعات الشعوب المتعطشة للخروج من مستنقعها الآسن.
في هذا الإطار، نجد البذرة الأولى في التعاطي مع هذه المؤشرات، وإن كان بمسميات أخرى مع المفكرين الرواقيين والإبيقوريين في العصر الهلنستي، الذين ميزوا بين الحاجات الحقيقية والزائفة، كمعيار للمفاضلة بين الحياة الصالحة والحياة الطالحة، وهو ما يتضح بشكل كبير في تمييز إبيقور بين حاجة ضرورية كالماء، وأخرى غير ضرورية كالرغبة في احتساء عصير جيد، وهو عين ما ارتآه مفكرون تنويريون.
والذين فرَّقوا بين الحاجات الطبيعية والإنسانية، مشيرًا إلى أن الخلل في إشباعها يكمن في الاستعمال السيئ للموارد؛ بسبب تقسيم العمل، وظهور الملكية؛ مما يؤدي إلى استئثار القلة بوسائل الإنتاج، سيما الأرض، ومن ثم التحكم في حاجة الكثرة للإنتاج، كما هو الحال حاليًّا بالنسبة للبلدان التي تسيطر تقريبًا على 58 % من ثروات العالم(1).
جرد تاريخي لمعايير قياس التقدم والتخلف:
1- مقياس الدخل الحقيقي للسكان: منذ خمسين عامًا، كان المؤشر الذي حظي بأكبر قدر من الاتفاق بين الاقتصاديين لقياس التقدم والتخلف - هو مؤشرَ متوسط الدخل؛ أي: حجم الدخل الحقيقي المتاح للفرد الواحد من السكان، والمقصود بوصف "الحقيقي": الإشارة إلى السلع والخدمات، وليس إلى قيمتها النقدية التي قد تتقلب من وقت لآخر، دون أن يعكس هذا التقلب بالضرورة تقدمًا أو تخلفًا.
2- مقياس إشباع الحاجات الأساسية: في أوائل السبعينيات ظهر اتجاه جديد بين الاقتصاديين، يسلِّط الضوءَ على شيء آخر غير متوسط الدخل، وهو ما سمي بإشباع الحاجات الأساسية، واعتَبر أصحاب هذا الاتجاه أن هذا المعيار أفضل بكثير من معيار متوسط الدخل كمقياس للتقدم والتخلف؛ للحكم على مدى نجاح أو فشل التنمية؛ وذلك لسببين:
الأول: أن الحاجاتِ الإنسانيةَ ليست متساوية في الأهمية، وزيادة الدخل قد تستخدم لإشباع هذه الحاجة أو تلك، ومن ثم فالانشغال بزيادة الدخل قد يعني الانشغالَ بإشباع حاجات قليلة الأهمية - كمطالب القلة المترفة مثلاً - على حساب حاجات أكثر أهمية؛ كتوفير الغذاء الضروري، أو الملبس، أو المسكن الملائمين.
الثاني: أن هناك من الحاجات الإنسانية ما لا يدخل في حساب الدخل، فالدخل قد يزيد، لكن يزيد أيضًا معدلُ البطالة، والزيادة في الأسعار، فلا تدل زيادة الدخل على ارتفاع مستوى الرفاهية.
مؤشر التنمية البشرية: لتجاوز عيوب ونقائص مؤشر الدخل الفردي؛ وضع برنامج الأمم المتحدة للتنمية منذ 1990 مؤشرًا جديدًا، هو مؤشر التنمية البشرية، ويمزج هذا المعيار بين ثلاثة عناصر:
1- متوسط الدخل، ويمثله الناتج الداخلي للفرد.
2- مستوى المعرفة، والذي تمثله نسبة الأمية عند البالغين، ومعدل مستوى الدراسة.
3- ومستوى الصحة، الذي يمثله متوسط أمد الحياة عند الولادة.
وهكذا رتبت بلاد العالم، بعضها فوق البعض، على مدى نجاحها أو فشلها في الارتفاع بمتوسط الدخل، وزيادة العمر المتوقع عند الميلاد، وفي محو الأمية، وزيادة نسبة المسجلين بالمدارس.
حاز هذا المعيار الجديد للتقدم والتخلف شهرةً كبيرة، ولكن هو الآخر تعتريه عيوبٌ ونقائصُ؛ لأنه لا يقيس إلا عددًا محدودًا من الحاجات الإنسانية تم اختيارها اعتباطًا، واستبعد أشياء لا تقل أهمية في التأثير على الرفاهية، والشعور بالكرامة الإنسانية، وسبق لنا ذكره؛ كالبطالة، ونمط العلاقات الاجتماعية، ومدى الشعور بالاستقرار والطمأنينة للمستقبل، والحريات السياسية والفردية، ومدى انتشار الجريمة بأنواعها، الناجمة إما عن أشكال الفقر المدقع، أو عن حب الشراهة والتخمة.
إن مثل هذه المحاولة لا بد أن تُحدث من التضليل أكثر مما تحدثه من التنوير، وقد تستخدم استخدامات خاطئة للإيحاء بأشياء بعيدة عن الحقيقة، ومهما قال أصحاب هذا المعيار والمدافعون عنه، مِن أنه لم يقصد به الإحاطة بكل جوانب التقدم الإنساني، ومهما قيل إن هناك مجالاً واسعًا لتحسينه، وزيادة حظِّه، والدقة فيه - فسيظل هذا المؤشر خطرًا من حيث إنه يمكن أن يستخدم لإخفاء أشياء مهمة، وتضخيم أشياء أقل أهمية.
3- مقياس التنمية الإنسانية: وجاء به "تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002"؛ ليزيد الطين بِلَّة، احتفظ التقرير بمؤشري العمر المتوقع عند الميلاد، ومستوى التعليم، وأضاف إليهما أربعة مؤشرات جديدة، هي: الحرية، ومركز المرأة (أو ما أسماه: تمكين النوع)، ودرجة الاتصال بشبكة الإنترنت، ودرجة نظافة وتلوث البيئة، فأصبحت المؤشرات ستةً بعد أن كانت ثلاثة، ولكن المهم أن نلاحظ أنه استبعد تمامًا ذلك المؤشر القديم والمشهور، وهو متوسط الدخل.
نعم، كنا نعرف أن هذا المؤشر قاصر عن الإحاطة بكل جوانب الرفاهية، كما هو بالنسبة لبعض دول الخليج؛ كقطر مثلاً (متوسط الدخل الفردي 15140 دولار عام 1994)، ولكن علاج هذا القصور هو باستكمال النقص، فما معنى القول: إن الحرية هي الوسيلة الأساس لتمكين البشر؟ وما قيمة الحرية إذا لم تقترن بالحصول على الدخل؟ (2).
على ضوء هذه المؤشرات المزيفة التي تحاول إيهام البلدان المتخلفة أنها على الدرب؛ وذلك بإقصاء مقاييس أكثر أهمية مثل التصنيع، خاصة وأن البلدان المتخلفة تركز على أنشطة صناعية، يمكن تسميتها هامشية، لا يمكن أن تشكل ثورة كوبرنيكية، وطفرة نوعية للحاق بالدول المتقدمة، على حد قول الشاعر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يُزْرِي بِهِ الفَتَى إِذَا قَالَ هَذَا السَّيْفُ أَمْضَى مِنَ العَصَا
وعلى أي حال، فإنه من الأفضل - على المستوى الاقتصادي - الإبقاء على تعبير "المتخلفة"، وليس النامية؛ فإن التعبير الأخير يخلق انطباعًا بأن كافة بلدان إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية تفلت من حالة تخلف اقتصادي، وتنضمُّ إلى أمم العالم الصناعية، وأنها تحرر ذاتها من علاقة الاستغلال؛ بل هناك بلدان "متخلفة" في إفريقيا تتحول إلى بلدان أكثر تخلفًا، بالمقارنة بالقوى العظمى في العالم.
إن الاقتصادياتِ المتقدمةَ تتسم بسمات معينة، تتناقض مع خصائص الاقتصاديات "المتخلفة"؛ فجميع البلدان المتقدمة بلاد صناعية، وتتميز هذه البلدان بإنتاجية مرتفعة للفرد في الصناعة؛ نظرًا للتكنولوجيا والمهارة المتطورتين، ولكن من المدهش أيضًا أن الزراعة في البلدان المتقدمة أكثر تقدمًا منها في بقية أنحاء العالم.
وقد تحولت الزراعة فيها إلى صناعية بالفعل، وإن بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تسمى زراعية؛ لأنها تعتمد على الزراعة، وليس لديها إلا قليل من الصناعة، لكن زراعتها غير علمية، وإنتاجيتها أقل من إنتاجية البلدان المتقدمة(3).
لذا؛ فتناول إشكالية التنمية يتطلب إجراءَ عملية تحليل معمقة للفروض والمسلَّمات من ناحية، والنتائج والغايات من ناحية أخرى، وما بينهما من علاقات تربط المنطلقات بالغايات، وتجعلها متسقة أو منسجمة، بحيث لا تكون عملية النهوض حركة عشوائية، أو استجابة وقتية لمتطلبات واقعية، أو رد فعل لبيئة دولية أو إقليمية، وأن تكون عملية متواصلة في تحقيق تجلي الذات الإنسانية في مكانها الحضاري، وفي زمانها القادم.
______________
(1) د. محمد حافظ دياب: "حاجات البشر: جوع أم إشباع؟"، مجلة العربي، العدد 558، مايو 2005، ص 132.
(2) د. جلال أمين: "كيف ندرك الوجه الإنساني للتنمية؟"، مجلة العربي، العدد530، يناير 2003، ص: 17، 18، بتصرف.
(3) د. والتر روني: "أوروبا والتخلف في إفريقيا"، ترجمة د. أحمد القصير، سلسة عالم المعرفة، عدد 132، دجنبر 1988، الكويت، ص: 27 - 31.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|