المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Classification of Carbohydrates
13-9-2021
الوصف النباتي للباذنجان
19-6-2017
سلطات الرئيس الامريكي في مجال السلطة التنفيذية
26/12/2022
Do not save me
15/10/2022
Self-Similarity
26-9-2021
الميراث وانتقال التركة عند الرومان
6-2-2016


تفسير الاية (17-33) من سورة القلم  
  
22686   04:49 مساءً   التاريخ: 27-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف القاف / سورة القلم /

قال تعالى : {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم: 17 - 33].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 قال سبحانه {إنا بلوناهم} يعني أهل مكة أي اختبرناهم بالجوع والقحط {كما بلونا أصحاب الجنة} أي البستان الذي فيه الشجر قال سعيد بن جبير وهذه الجنة حديقة كانت باليمن في قرية يقال لها صروان بينها وبين صنعاء اثنا عشر ميلا كانت لشيخ وكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلما مات قال بنوه نحن أحق بها لكثرة عيالنا ولا يسعنا أن نفعل كما فعل أبونا وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله تعالى في كتابه وهو قوله {إذ أقسموا} أي حلفوا فيما بينهم {ليصرمنها مصبحين} أي ليقطعن ثمرتها إذا دخلوا في وقت الصباح {ولا يستثنون} أي غير مستثنين في أيمانهم فلم يقولوا إن شاء الله فإن قول القائل لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء ومعناه إلا أن يشاء الله منعي أو تمكين مانعي.

 {فطاف عليها طائف من ربك} أي أحاطت بها النار فاحترقت عن ابن عباس وقيل معناه طرقها طارق من أمر الله عن قتادة {وهم نائمون} أي في حال نومهم قال مقاتل بعث الله نارا بالليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت مسودة فذلك قوله {فأصبحت كالصريم} أي كالليل المظلم والصريمان الليل والنهار لانصرام إحداهما من الآخر عن ابن عباس وأبي عمروبن العلاء وقيل الصريم المصروم ثماره أي المقطوع والمعنى أنها صارت كأن جميع ثمارها قطعت عن الجبائي وقيل الصريم الذي صرم عنه الخير فليس فيه شيء منه عن الحسن وقيل كالصريم أي كالرملة انصرمت عن معظم الرمل عن مؤرج وقيل كالرماد الأسود بلغة خزيمة {فتنادوا مصبحين} أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح وأصل التنادي من الندى بالقصر لأن النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان لأن الصوت إنما يمتد للإنسان بندى حلقه {أن اغدوا على حرثكم} أي تنادوا بأن غدوا معناه قال بعضهم لبعض اغدوا على حرثكم والحرث الزروع والأعناب.

 {إن كنتم صارمين} أي قاطعين النخل {فانطلقوا} أي فمضوا إليها {وهم يتخافتون} أي يتسارون بينهم وأصله من خفت فلان يخفت إذا أخفى نفسه {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} هذا ما كانوا يتخافتون به {وغدوا على حرد} أي على قصد منع الفقراء {قادرين} عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز ما في جنتهم وقيل على حرد أي على جد وجهد من أمرهم عن مجاهد وقتادة وأبي العالية وقيل على جد في المنع عن أبي عبيدة وقيل على حنق وغضب من الفقراء عن سفيان وقيل قادرين مقدرين موافاتهم في الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه وهو وقت الصبح والتقدير قصدوا الجنة للوقت الذي قدروا إصرامها فيه عن أبي مسلم {فلما رأوها} أي رأوا الجنة على تلك الصفة {قالوا إنا الضالون} ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا عن قتادة وقيل معناه إنا لضالون عن الحق في أمرنا فلذلك عوقبنا بذهاب ثمر جنتنا.

 ثم استدركوا فقالوا {بل نحن محرومون} والمعنى أن هذه جنتنا ولكن حرمنا نفعها وخيرها لمنعنا حقوق المساكين وتركنا الاستثناء {قال أوسطهم} أي أعدلهم قولا عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقيل معناه أفضلهم وأعقلهم وقيل أوسطهم في السن {أ لم أقل لكم لولا تسبحون} كأنه كان حذرهم سوء فعالهم قال لولا تستثنون عن مجاهد لأن في الاستثناء التوكل على الله والتعظيم لله والإقرار بأنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلا بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا وقيل معناه هلا تعظمون الله بعبادته واتباع أمره وقيل معناه هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم وقيل معناه هلا نزهتم الله تعالى عن الظلم واعترفتم بأنه لا يظلم ولا يرضى منكم بالظلم وقيل معناه لم لا تصلون.

 ثم حكى عنهم أنهم {قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} في عزمنا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام فحرمنا قطعها وبالانتفاع بها والمعنى أنه سبحانه منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} قد غلونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه والويل غلظ المكروه الشاق على النفس والويس دونه والويح بينهما قال عمرو بن عبيد يجوز أن يكون ذلك منهم توبة ويجوز أن يكون على حد ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} أي لما تابوا ورجعوا إلى الله قالوا لعل الله يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي هلكت {إنا إلى ربنا راغبون} أي نرغب إلى الله ونسأله ذلك ونتوب إليه مما فعلناه وقرىء يبدلنا بالتشديد والتخفيف ومعناهما واحد {كذلك العذاب} في الدنيا للعاصين {ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} والأكبر هو الذي يصغر مقدار غيره بالإضافة إليه وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا وقال أبو خالد اليمامي رأيت تلك الجنة ورأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص92-94.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ} . ضمير بلوناهم يعود إلى مشركي قريش الذين كذبوا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) . . وقد أشار سبحانه إليهم في الآية 8 من هذه السورة بقوله : {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} . ومنهم المعتدي الأثيم الذي طغى وبغى اعتدادا بكثرة الأموال ، ونقلنا عن المفسرين في المقطع السابق انه الوليد بن المغيرة ، وهومن عتاة قريش وينطق بلسان المكذبين منهم ، ويعبر عن عتوهم وتمردهم على الحق . . والآيات التي نحن بصددها تضرب مثلا له ولهم بقوم كانوا يملكون بستانا يدر الثمرات والخيرات ، ولكنهم كانوا أشحة على الفقراء والمساكين . .

فإذا أينعت الثمار وحان وقت قطافها تواطئوا فيما بينهم ، وأقسموا أن يجنوا ثمار البستان في الصباح الباكر على غفلة من الفقراء ، ودون ان يعلقوا جني الثمار على مشيئة اللَّه وإرادته . . وقد تواصوا بالشح وحرمان المحتاجين مما آتاهم اللَّه ومنّ به عليهم ذاهلين عن تدبير اللَّه وتقديره . . وفي نفس الليلة التي أرادوا قطف الثمار في صباحها سلَّط اللَّه على البستان آفة سماوية أفسدت الثمار عن آخرها ، أو استأصلت البستان من جذوره .

ولما استيقظوا من نومهم وذهبوا إلى البستان للقطاف في الوقت الموعود هالهم ما حاق به من الهلاك ، وأخذ يلوم بعضهم بعضا ، ويقول كل لصاحبه : أنت السبب . . وكان منهم رجل رشيد قد حذرهم سوء العاقبة من قبل ، فلم يستمعوا له ، وبعد ان وقع المحذور قال لهم : نصحت لكم ، ولكن لا تحبّون الناصحين ، فتوبوا الآن إلى ربكم لعلكم تفلحون ، فتابوا إليه تعالى ، وسألوه العفو عما سلف ودعوه مخلصين أن يرحمهم ويمنّ عليهم بخير من بستانهم .

والقصد من هذا المثل ان يتعظ به كل من أنعم اللَّه عليه بشيء من فضله وبخاصة أهل مكة ، ومنهم الأثيم الزنيم وإلا دارت عليهم دائرة السوء تماما كما حدث لأصحاب البستان . . ويقول الرواة : ان اللَّه سبحانه ابتلى أهل مكة بالجوع والقحط لأنهم كذبوا محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) فدعا عليهم واستجاب اللَّه لدعائه ، ودام فيهم القحط سبع سنين حتى أكلوا العظام والجيف ، وقال الرواة أيضا انه تعالى أهلك أموال الزنيم الوليد بن المغيرة الذي كان ذا مال وبنين .

هذا هو المعنى المراد من مجموع الآيات وما تهدف إليه ، وفيما يلي الشرح والكشف عن المعنى المتبادر من كل آية :

{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ} . الهاء تعود إلى الجنة ، وهي في اللغة البستان ، ثم كثر استعمالها في جنة الخلد حتى أصبحت علما عليها بكثرة الاستعمال ، والمراد منها هنا البستان ، والمعنى ان أصحاب البستان حلفوا على أن يجنوا ثماره في الصباح الباكر على غفلة من الفقراء {ولا يَسْتَثْنُونَ} أي لم يقولوا : نجني الثمار صباحا إن شاء اللَّه ، وقال البعض : المعنى دون أن يستثنوا من ثمر البستان شيئا للمساكين . . وكل من المعنيين يجوز ، وأيضا يصح إرادتهما معا .

{فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} . نام أصحاب البستان آمنين مطمئنين على أن يجنوا ثماره في الصباح ، وفي تلك الليلة بالذات سلط اللَّه آفة على البستان أو على ثماره فأصبح كالصريم ، وللصريم معان ، منها المصروم أي المقطوع ثماره ، وعليه يكون المعنى ان البستان أصبح كالذّي قطعت ثماره ولم يبق منها شيء ، ومن معاني الصريم أيضا السواد ، وعليه يكون المعنى ان البستان احترق وأصبح في سواده كالليل المظلم {فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ} . حين دخل وقت الصباح نادى بعضهم بعضا :

هلموا نقطف الثمار على غفلة من الفقراء ما دمتم على عزمكم .

{فَانْطَلَقُوا وهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} . أسرعوا وهم يتسارون مغتبطين : لن يذوق اليوم من ثمار بستاننا محروم . . وليس من شك ان هذا جفاء وقسوة ، ولكنه في حدود الشح والحرص ، فالبستان بستانهم ، والثمار ثمارهم لم يسرقوا ولم ينهبوا . . ومع هذا غضب اللَّه عليهم وأعد لهم الخزي والعذاب فكيف إذا تجاوزوا إلى الاعتداء على حياة الناس وأقواتهم بالقتل والتشريد والسلب والنهب كما يفعل الآن قادة الاستعمار الجديد في شرق الأرض وغربها ! . . {وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ} . مضوا إلى بستانهم ، وهم مصممون على حرمان الفقراء من ثمره : وتخيلوا ان البستان وثمره بأيديهم ، وما دروا ان يد اللَّه فوق أيديهم .

{فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} . لما وصلوا إلى البستان هالهم ما رأوا واعترفوا بضلالهم ، وقالوا : نحن المحرومون من فضل اللَّه وثوابه ، والمستحقون لغضبه وعذابه ، وليس الفقراء والمساكين . . وكان منهم رجل رشيد يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ولكنهم لم يستمعوا لنصحه ، وحين رأى ما حل بهم {قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَولا تُسَبِّحُونَ} ؟ أي تشكرون اللَّه قولا وفعلا بالبذل والعطاء . . قال لهم هذا بحنان وإشفاق عليهم ، ثم أمرهم بالتوبة والإنابة {قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} أنفسنا بمعصية اللَّه {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} يتنصل كل من التبعة ويلقي بها على صاحبه كما هو شأن الشركاء في الجريمة حين يؤخذون بما كسبت أيديهم .

{قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ} . ثم رجعوا إلى عقولهم وتركوا التلاوم ، واعترفوا بأنهم في التبعة والطغيان سواء ، ودعوا على أنفسهم بالموت والهلاك ، وسألوا اللَّه العفو والمغفرة وقالوا : {عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ} . هذا دعاء ورجاء منهم إلى اللَّه سبحانه أن يصفح عما سلف ، ويعوضهم خيرا مما فات . . واللَّه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير ، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه بصدق واخلاص {كَذلِكَ الْعَذابُ} . هكذا يفعل اللَّه في الدنيا بالعصاة والطغيان ، فيسلط عليهم وعلى أموالهم الآفات والنكبات متى شاء ، فليحذر الذين يعرضون عن أمر اللَّه ان يصيبهم ما أصاب أصحاب البستان ، وهم نائمون {ولَعَذابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَو كانُوا يَعْلَمُونَ} . قال الرازي : هذا واضح لا يحتاج إلى تفسير ، وأبى الشيخ المراغي إلا أن يفسره بقوله : (أي ان عذاب الآخرة أشد وأنكى من عذاب الدنيا) .

_________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص390-393.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} إلى تمام سبع عشرة آية وعيد لمكذبي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الرامين له بالجنون، وفي التشبيه والتنظير دلالة على أن هؤلاء المكذبين معذبون لا محالة والعذاب الواقع عليهم قائم على ساقه، غير أنهم غافلون وسيعلمون، فهم مولعون اليوم بجمع المال وتكثير البنين مستكبرون بها معتمدون عليها وعلى سائر الأسباب الظاهرية التي توافقهم وتشايع أهواءهم من غير أن يشكروا ربهم على هذه النعم ويسلكوا سبيل الحق ويعبدوا ربهم حتى يأتيهم الأجل ويفاجئهم عذاب الآخرة أو عذاب دنيوي من عنده كما فاجأهم يوم بدر فيروا انقطاع الأسباب عنهم وأن المال والبنين سدى لا ينفعهم شيئا كما شاهد نظير ذلك أصحاب الجنة من جنتهم وسيندمون على صنيعهم ويرغبون إلى ربهم ولا يرد ذلك عذاب الله كما ندم أصحاب الجنة وتلاوموا ورغبوا إلى ربهم فلم ينفعهم ذلك شيئا كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، هذا على تقدير اتصال الآيات بما قبلها ونزولها معها.

وأما على ما رووا أن الآيات نزلت في القحط والسنة الذي أصاب أهل مكة وقريشا إثر دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم بقوله: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فالمراد بالبلاء إصابتهم بالقحط وتناظر قصتهم قصة أصحاب الجنة غير أن في انطباق ما في آخر قصتهم من قوله: {فأقبل بعضهم على بعض} إلخ، على قصة أهل مكة خفاء.

وكيف كان فالمعنى: {إنا بلوناهم} أصبناهم بالبلية {كما بلونا} وأصبنا بالبلية {أصحاب الجنة} وكانوا قوما من اليمن وجنتهم فيها وسيأتي إن شاء الله قصتهم في البحث الروائي الآتي {إذ} ظرف لبلونا {أقسموا} وحلفوا {ليصرمنها} أي ليقطعن ويقطفن ثمار جنتهم {مصبحين} داخلين في الصباح وكأنهم ائتمروا وتشاوروا ليلا فعزموا على الصرم صبيحة ليلتهم {ولا يستثنون} لم يقولوا إلا أن يشاء الله اعتمادا على أنفسهم واتكاء على ظاهر الأسباب.

أو المعنى: قالوا وهم لا يعزلون نصيبا من ثمارهم للفقراء والمساكين.

{فطاف عليها} على الجنة {طائف} أي بلاء يطوف عليها ويحيط بها ليلا {من} ناحية {ربك، فأصبحت} وصارت الجنة {كالصريم} وهو الشجر المقطوع ثمره أو المعنى: فصارت الجنة كالليل الأسود لما اسودت بإحراق النار التي أرسلها الله إليها أو المعنى: فصارت الجنة كالقطعة من الرمل لا نبات بها ولا فائدة.

قوله تعالى: {فتنادوا مصبحين - إلى قوله - قادرين} التنادي نداء بعض القوم بعضا، والإصباح الدخول في الصباح، وصارمين من الصرم بمعنى قطع الثمار من الشجرة، والمراد به في الآية القاصدون لقطع الثمار، والحرث الزرع والشجر، والخفت الإخفاء والكتمان، والحرد المنع وقادرين من القدر بمعنى التقدير.

والمعنى: {فتنادوا} أي فنادى بعض القوم بعضا {مصبحين} أي والحال أنهم داخلون في الصباح {أن اغدوا على حرثكم} تفسير للتنادي أي بكروا مقبلين على جنتكم - فاغدوا أمر بمعنى بكروا مضمن معنى أقبلوا ولذا عدي بعلى ولوكان غير مضمن عدي بإلى كما في الكشاف - {إن كنتم صارمين} أي قاصدين عازمين على الصرم والقطع.

{فانطلقوا} وذهبوا إلى جنتهم {وهم يتخافتون} أي والحال أنهم يأتمرون فيما بينهم بطريق المخافتة والمكاتمة {أن لا يدخلنها} أي الجنة {اليوم عليكم مسكين} أي أخفوا ورودكم الجنة للصرم من المساكين حتى لا يدخلوا عليكم فيحملكم ذلك على عزل نصيب من الثمر المصروم لهم {وغدوا} وبكروا إلى الجنة {على حرد} أي على منع للمساكين {قادرين} مقدرين في أنفسهم أنهم سيصرمونها ولا يساهمون المساكين بشيء منها.

قوله تعالى: {فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون} أي فلما رأوا الجنة وشاهدوها وقد أصبحت كالصريم بطواف طائف من عند الله قالوا: إنا لضالون عن الصواب في غدونا إليها بقصد الصرم ومنع المساكين.

وقيل: المراد إنا لضالون طريق جنتنا وما هي بها.

وقوله: {بل نحن محرومون} إضراب عن سابقه أي ليس مجرد الضلال عن الصواب بل حرمنا الزرع.

قوله تعالى: {قال أوسطهم أ لم أقل لكم لولا تسبحون - إلى قوله - راغبون} أي {قال أوسطهم} أي أعدلهم طريقا وذلك أنه ذكرهم بالحق وإن تبعهم في العمل وقيل: المراد أوسطهم سنا وليس بشيء {أ لم أقل لكم} وقد كان قال لهم ذلك وإنما لم يذكر قبل في القصة إيجازا بالتعويل على ذكره هاهنا.

{لولا تسبحون} المراد بتسبيحهم له تعالى تنزيههم له من الشركاء حيث اعتمدوا على أنفسهم وعلى سائر الأسباب الظاهرية فأقسموا ليصرمنها مصبحين ولم يستثنوا لله مشية فعزلوه تعالى عن السببية والتأثير ونسبوا التأثير إلى أنفسهم وسائر الأسباب الظاهرية، وهو إثبات للشريك، ولو قالوا: لنصر منها مصبحين إلا أن يشاء الله كان معنى ذلك نفي الشركاء وأنهم إن لم يصرموا كان لمشية من الله وإن صرموا كان ذلك بإذن من الله فلله الأمر وحده لا شريك له.

وقيل: المراد بتسبيحهم لله ذكر الله تعالى وتوبتهم إليه حيث نووا أن يصرموها ويحرموا المساكين منها، وله وجه على تقدير أن يراد بالاستثناء عزل نصيب من الثمار للمساكين.

قوله تعالى: {قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} تسبيح منهم لله سبحانه إثر توبيخ أوسطهم لهم، أي ننزه الله تنزيها من الشركاء الذين أثبتناهم فيما حلفنا عليه فهوربنا الذي يدبر بمشيته أمورنا لأنا كنا ظالمين في إثباتنا الشركاء فهو تسبيح واعتراف بظلمهم على أنفسهم في إثبات الشركاء.

وعلى القول الآخر توبة واعتراف بظلمهم على أنفسهم وعلى المساكين.

قوله تعالى: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضا على ما ارتكبوه من الظلم.

قوله تعالى: {قالوا يا ويلنا - إلى قوله - راغبون} الطغيان تجاوز الحد وضمير {منها} للجنة باعتبار ثمارها والمعنى: قالوا يا ويلنا إنا كنا متجاوزين حد العبودية إذ أثبتنا شركاء لربنا ولم نوحده، ونرجو من ربنا أن يبدلنا خيرا من هذه الجنة التي طاف عليها طائف منه لأنا راغبون إليه معرضون عن غيره.

قوله تعالى: {كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} العذاب مبتدأ مؤخر، وكذلك خبر مقدم أي إنما يكون العذاب على ما وصفناه في قصة أصحاب الجنة وهو أن الإنسان يمتحن بالمال والبنين فيطغى مغترا بذلك فيستغني بنفسه وينسى ربه ويشرك بالأسباب الظاهرية وبنفسه ويجترىء على المعصية وهو غافل عما يحيط به من وبال عمله ويهيىء له من العذاب كذلك حتى إذا فاجأه العذاب وبرز له بأهول وجوهه وأمرها انتبه من نومة الغفلة وتذكر ما جاءه من النصح قبلا وندم على ما فرط بالطغيان والظلم وسأل الله أن يعيد عليه النعمة فيشكر كما انتهى إليه أمر أصحاب الجنة، ففي ذلك إعطاء الضابط بالمثال.

وقوله: {ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} لأنه ناش عن قهر إلهي لا يقوم له شيء لا رجاء للتخلص منه ولو بالموت والفناء كما في شدائد الدنيا، محيط بالإنسان من جميع أقطار وجوده لا كعذاب الدنيا دائم لا انتهاء لأمده كما في الابتلاءات الدنيوية.

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص329-332.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قصة ( أصحاب الجنة ) :

في الآيات أعلاه يستعرض لنا القرآن الكريم - بما يتناسب مع البحث الذي ورد في الآيات السابقة - قصة أصحاب الجنة كنموذج لذوي المال الذين غرقوا في أنانيتهم ، فأصابهم الغرور ، وتخلوا عن القيم الإنسانية الخيرة ، وأعماهم حب المال عن كثير من الفضائل . . فالآيات الكريمة تذكر لنا قصة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنة ( بستان مثمر ) إلا أنهم فقدوها فجأة ، وذلك لعتوهم وغرورهم وكبرهم على فقراء زمانهم .

ويبدو أنها قصة معروفة في ذلك الزمان بين الناس ، ولهذا السبب استشهد بها القرآن الكريم .

يقول في البداية : {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} .

لقد تعددت الروايات في مكان هذه الجنة ، فقيل : إنها في أرض اليمن بالقرب من صنعاء ، وقيل : هي في الحبشة ، وهناك قول بأنها في أرض الشام ، وذهب آخرون إلى أنها في الطائف . . إلا أن المشهور أنها كانت في أرض اليمن .

وموضوع القصة هو : أن شيخا مؤمنا طاعنا في السن كان له بستان عامر ، يأخذ من ثمره كفايته ويوزع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين ، وقد ورثه أولاده بعد وفاته ، وقالوا : نحن أحق بحصاد ثمار هذا البستان ، لأن لنا عيالا

وأولادا كثيرين ، ولا طاقة لنا بإتباع نفس الأسلوب الذي كان أبونا عليه . . ولهذا فقد صمموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعا ، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها ، فكانت عاقبتهم كما تحدثنا الآيات الكريمة عنه . .

يقول تعالى : {إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين} (2) .

ولا يستثنون أي لا يتركون منها شيئا للمحتاجين .

وعند التدقيق في قرارهم هذا يتضح لنا أن تصميمهم هذا لم يكن بلحاظ الحاجة أو الفاقة ، بل إنه ناشئ عن البخل وضعف الإيمان ، واهتزاز الثقة بالله سبحانه ، لأن الإنسان مهما اشتدت حاجته ، فإنه يستطيع أن يترك للفقراء شيئا مما

أعطاه الله .

وقيل : إن المقصود من عدم الاستثناء هو عدم قولهم ( إن يشاء الله ) حيث كان الغرور مسيطرا عليهم ، مما حدا بهم إلى أن يقولوا : غدا سنذهب ونفعل ذلك ، معتبرين الأمر مختصا بهم ، وغافلين عن مشيئة الله ، ولذا لم يقولوا : ( إن شاء الله ) .

إلا أن الرأي الأول أصح (3) .

ثم يضيف تعالى استمرارا لهذا الحديث : {فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون} .

لقد سلط الله عليها نارا حارقة ، وصاعقة مهلكة ، بحيث أن جنتهم صارت متفحمة سوداء {فأصبحت كالصريم} ، ولم يبق منها شيء سوى الرماد .

" طائف " من مادة ( طواف ) ، وهي في الأصل بمعنى الشخص الذي يدور حول شيء معين ، كما تستعمل أحيانا كناية عن البلاء والمصيبة التي تحل في الليل ، وهذا المعنى هو المقصود هنا .

" صريم " من مادة ( صرم ) بمعنى ( القطع ) وهنا بمعنى ( الليل المظلم ) أو ( الشجر بدون الثمار ) أو ( الرماد الأسود ) لأن الليل يقطع عند مجئ النهار ، كما أن النهار يقطع عند مجئ الليل ، ولذا يقال أحيانا لليل والنهار ( صريمان ) ، والمقصود بذلك هو : البلاء السماوي الذي تمثل بصاعقة عظيمة - فيما يبدو - أحالت البستان

إلى فحم ورماد أسود ، وهكذا فعل الصواعق غالبا .

وعلى كل حال فإن أصحاب البستان بقوا على تصورهم لأشجار جنتهم المملوءة بالثمر ، جاهزة للقطف : {فتنادوا مصبحين} (4) .

وقالوا : {أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} .

" ( أغدوا " من مادة ( غدوة ) بمعنى بداية اليوم ، ولذا يقال للغذاء الذي يؤكل في أول اليوم - وجبة الإفطار - غداء ، بالرغم من أن ( غداء ) تقال في التعابير المستعملة حاليا لوجبة الأكل المتناولة في وقت الظهر . وعلى ضوء المقدمات السابقة : {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم: 23، 24] .

لقد كانوا يتكلمون بهدوء حتى لا يصل صوتهم إلى الآخرين ، ولا يسمعهم مسكين ، ويأتي لمشاركتهم في عملية جني الثمر أو تناول شيء من الفاكهة .

ويرتقب الفقراء يوم الحصاد بفارغ الصبر في مثل هذه الأيام ، لأنهم تعودوا في كل سنة أن ينالهم شيء من الفاكهة كما كان يفعل ذلك الشيخ المؤمن ، إلا أن تصميم الأبناء البخلاء على حرمان الفقراء من العطاء ، والسرية التي غلفوا بها

تحركاتهم ، لم تدع أحدا يتوقع أن وقت الحصاد قد حان . . حيث يطلع الفقراء على الأمر بعد انتهائه ، وبهذا تكون النتيجة : {وغدوا على حرد قادرين} .

" حرد " على وزن " فرد " بمعنى الممانعة التي تكون توأما مع الشدة والغضب ، نعم إنهم كانوا في حالة عصبية وانفعالية من حاجة الفقراء لهم وانتظار عطاياهم ، ولذا كان القرار بتصميم أكيد على منعهم من ذلك .

وتطلق كلمة ( حرد ) أيضا على السنوات التي ينقطع فيها المطر ، وعلى الناقة التي ينقطع حليبها .

وقوله تعالى : {فلما رأوها قالوا إنا لضالون ( 26 ) بل نحن محرومون ( 27 ) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ( 28 ) قالوا سبحن ربنا إنا كنا ظالمين ( 29 ) فأقبل بعضهم على بعض يتلومون ( 30 ) قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ( 31 ) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ( 32 ) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}

أصحاب البستان والمصير المؤلم :

الآيات الشريفة - أعلاه - استمرار لقصة أصحاب الجنة ، التي مرت علينا في الآيات السابقة . . فلقد تحركوا في الصباح الباكر على أمل أن يقطفوا محصولهم الكثير ، ويستأثروا به بعيدا عن أنظار الفقراء والمحتاجين ، ولا يسمحوا لأي أحد

من الفقراء بمشاركتهم في هذه النعمة الإلهية الوافرة ، غافلين عن تقدير الله . . . فإذا بصاعقة مهلكة تصيب جنتهم في ظلمة الليل فتحولها إلى رماد ، في وقت كان أصحاب الجنة يغطون في نوم عميق .

يقول القرآن الكريم : {فلما رأوها قالوا إنا لضالون} .

المقصود من ( ضالون ) يمكن أن يكون عدم الاهتداء إلى طريق البستان أو الجنة ، أو تضييع طريق الحق كما احتمل البعض ، إلا أن المعنى الأول أنسب حسب الظاهر .

ثم أضافوا : {بل نحن محرومون} أي أردنا أن نحرم الفقراء والمحتاجين من العطاء إلا أننا حرمنا أكثر من الجميع ، حرمنا من الرزق المادي ، ومن البركات المعنوية التي تحصل عن طريق الإنفاق في سبيل الله للفقراء والمحتاجين .

{قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} .

ألم أقل لكم اذكروا الله بالتعظيم وتجنبوا مخالفته واشكروا نعمته وامنحوا المحتاجين شيئا مما تفضل الله به عليكم ؟ ! لكنكم لم تصغوا لما قلته لكم ، وأخيرا وصلتم إلى هذه النتيجة البائسة في هذا اليوم الأسود .

ويستفاد مما تقدم أن أحدهم كان شخصا مؤمنا ينهاهم عن البخل والحرص ، إلا أنهم كانوا لا يسمعون كلامه ، ولقد أفصح عن رأيه بقوة بعد هذه الحادثة ، وأصبح منطقه أكثر حدة وقاطعية . وقد وبخهم كثيرا على موقفهم من الفقراء ، ووجه لهم ملامة عنفية .

وتستيقظ ضمائرهم في تلك اللحظة ويعترفون بخطئهم وذنوبهم {وقالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} .

إن التعبير ب‍ ( أوسطهم ) في الآية السابقة يمكن أن يكون بلحاظ حد الاعتدال في العقل والفكر والعلم وقيل : إنه الوسط في السن والعمر . إلا أنه مستبعد جدا ، وذلك لعدم وجود ارتباط بين العمر وهذه المقالة الوافية المعبرة . وارتباط يكون عادة - بمثل هذا الكلام بين العقل والفكر .

والتعبير ب‍ {لولا تسبحون} مأخوذ بلحاظ أن أصل وجذر كل الأعمال الصالحة هو الإيمان ومعرفة الله وتسبيحه وتنزيهه .

وقد فسر البعض " التسبيح " هنا بمعنى ( شكر النعمة ) والتي من ملازماتها إعانة المحرومين ، وهذان التفسيران لا يتنافيان مع بعضهما البعض ، وهما مجموعان في مفهوم الآية الكريمة .

لقد سبق تسبيحهم ( الاعتراف بالذنب ) ، ولعل هذا كان لرغبتهم في تنزيه الله تعالى عن كل ظلم بعيدا عما نزل بجنتهم من دمار وبلاء عظيم ، وكأن لسان حالهم يقول : {ربنا إننا كنا نحن الظالمين} لأنفسنا وللآخرين ، ولذا حق علينا مثل هذا العذاب ، وما أصابنا منك هو العدل والحكمة .

كما يلاحظ في قسم آخر من آيات القرآن الكريم - أيضا - أن التسبيح قبل الإقرار بالظلم ، حيث نقرأ ذلك في قصة يونس ( عليه السلام ) عندما أصبح في بطن الحوت ، وذلك قوله : {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].

والظلم بالنسبة لهذا النبي العظيم هو بمعنى ترك الأولى ، كما أوضحنا ذلك في تفسير هذه الآية .

إلا أن المسألة لم تنته إلى هذا الحد ، حيث يقول تعالى : {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} .

والملاحظ من منطوق الآية أن كل واحد منهم في الوقت الذي يعترف بذنبه ، فإنه يلقي بأصل الذنب على عاتق الآخر ، ويوبخه بشدة ، وأنه كان السبب الأساس فيما وصلوا إليه من نتيجة بائسة مؤلمة ، وكل منهم - أيضا - يؤكد أنه لم يكن غريبا عن الله والعدالة إلى هذا الحد .

نعم ، هكذا تكون عاقبة كل الظالمين عندما يصبحون في قبضة العذاب الإلهي .

ومع الإقرار بالذنب فإن كلا منهم يحاول التنصل مما لحق بهم ، ويسعى جاهدا لتحويل مسؤولية البؤس والدمار على الآخرين .

ويحتمل أن يكون شعور كل منهم - أو غالبيتهم - بالأدوار المحدودة لهم فيما حصل ، هو الذي دفع كلا منهم للتخلي عن مسؤولية ما حصل ، وذلك كأن يقترح شخص شيئا ، ويؤيده الآخر في هذا الاقتراح ، ويتبنى ثالث هذا العمل ، ويظهر الرابع رضاه بسكوته . . ومن الواضح في مثل هذه الأحوال مساهمة الجميع في هذه الجريمة ومشاركتهم في الذنب .

ثم يضيف تعالى : {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} .

لقد اعترفوا في المرحلة السابقة بالظلم ، وهنا اعترفوا بالطغيان ، والطغيان مرحلة أعلى من الظلم ، لأن الظالم يمكن أن يستجيب لأصل القانون إلا أن غلبة هواه عليه يدفعه إلى الظلم ، أما الطاغي فإنه يرفض القانون ويعلن تمرده عليه ولا يعترف برسميته .

ويحتمل أن يكون المقصود بالظلم هو : ( ظلم النفس ) ، والمقصود بالطغيان هو ( التجاوز على حقوق الآخرين ) .

ومما يجدر ملاحظته أن العرب تستعمل كلمة ( ويس ) عندما يواجهون مكروها ويعبرون عن انزعاجهم منه ، كما أنهم يستعملون كلمة ( ويح ) أحيانا ، وأحيانا أخرى ( ويل ) وعادة يكون استعمال الكلمة الأولى في المصيبة البسيطة ، والثانية للأشد ، والثالثة للمصيبة الكبيرة ، واستعمال كلمة ( الويل ) من قبل أصحاب البستان يكشف عن أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مستحقين لأشد حالات التوبيخ .

وأخيرا - بعد عودة الوعي إلى ضمائرهم وشعورهم . بل واعترافهم بالذنب والإنابة إلى الله - توجهوا إلى البارئ عز وجل داعين ، وقالوا : {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون} (5) فقد توجهنا إليه ونريد منه انقاذنا مما تورطنا فيه . .

والسؤال المطروح هنا : هل أن هؤلاء ندموا على العمل الذي أقدموا عليه ، وقرروا إعادة النظر في برامجهم المستقبلية ، وإذا شملتهم النعمة الإلهية مستقبلا فسيؤدون حق شكرها ؟ أم أنهم وبخوا أنفسهم وكثر اللوم بينهم بصورة موقتة ، شأنهم شأن الكثير من الظالمين الذين يشتد ندمهم وقت حلول العذاب ، وما إن يزول الضر الذي حاق بهم إلا ونراهم يعودون إلى ما كانوا عليه سابقا من ممارسات مريضة ؟

اختلف المفسرون في ذلك ، والمستفاد من سياق الآية اللاحقة أن توبتهم لم تقبل ، بلحاظ عدم اكتمال شروطها وشرائطها ، ولكن يستفاد من بعض الروايات قبول توبتهم ، لأنها كانت عن نية خالصة ، وعوضهم عن جنتهم بأخرى أفضل منها ، مليئة بأشجار العنب المثمرة .

ويقول تعالى في آخر آية من هذه الآيات ، بلحاظ الاستفادة من هذا الدرس والاعتبار به : {كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} .

وهكذا توجه الآية خطابها إلى كل المغرورين ، الذين سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمكانات المادية ، وغلب عليهم الحرص والاستئثار بكل شيء دون المحتاجين . . بأنه لن يكون لكم مصير أفضل من ذلك . وإذا ما جاءت صاعقة وأحرقت تلك الجنة ، فمن الممكن أن تأتي صاعقة أو عذاب عليكم من أمثال الآفات والحروب المحلية والعالمية المدمرة ، وما إلى ذلك ، لتذهب بالنعم التي تحرصون عليها .

____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14، ص358-364.

2 - " يصرمن " من مادة ( صرم ) ، ( على وزن ضرب ) بمعنى حصد الفاكهة ، وبمعنى القطع المطلق ، وجاءت أيضا بمعنى تقوية عمل ما وإحكامه .

3 - بالإضافة إلى التناسب الخاص الموجود بين المعنى الأول مع أصل القصة ، فإننا إذا اعتبرنا المعنى الثاني هو المقصود ، كان يجب أن يقال ( ولم يستثنوا ) بدلا عن ( ولا يستثنون ) .

4 - يقول الراغب في المفردات : إن ( تنادوا ) . أصلها من ( نداء ) مشتقة من ( ندى ) ، بمعنى الرطوبة المأخوذة ، لأن المعروف أن الأشخاص الذين تكون في أفواههم رطوبة كافية يتكلمون براحة ، ويتصف كلامهم بالفصاحة .

5 - " راغبون " : من مادة ( رغبة ) ، هذه المادة كلما كانت متعدية ب‍ ( إلى ) أو ( في ) تكون بمعنى الميل إلى شيء معين ، وكلما كانت متعدية ب‍ ( عن ) تكون بمعنى الانصراف وعدم الاعتناء بشئ معين .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .