المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

استحباب وداع مكة بطواف سبعة أشواط.
15-4-2016
طبيعة العقلية العربية
2-2-2017
كيفية الأذان والإقامة
8-10-2018
الحالات المرضيةالبكتيرية : الحالة السادسة والسبعون
15-9-2016
قياس الأس الهيدروجيني
6-11-2020
الاتصال في اتجاهين
24-6-2016


تحريم الخمر  
  
4296   11:13 صباحاً   التاريخ: 28-5-2017
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : سيد المرسلين
الجزء والصفحة : ج‏2،ص216-225.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /

 كانت الخمور، وعلى العموم جميع المسكرات ولا تزال من أشد الاوبئة الاجتماعية التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات البشرية وتجر إليها أكبر الأخطار ويكفي في خطورة هذا السمّ القاتل أنه يعادي أكبر ما يميّز البشر عن ما سواه من الاحياء، ذلكم هو العقل، فان الخمرة هو العدوّ الأول لهذه الموهبة الالهية التي في سلامتها ضمان سعادة الانسان.

إن الفارق بين الانسان وبين سائر الاحياء هو القوة العاقلة التي يمتلكها الانسان دون غيره، وتكون المسكرات من أعدى أعداء هذه القوة، من هنا كان المنع من تعاطي الخمور والمسكرات من أبرز البرامج التي جاء بها الأنبياء، وكانت الخمور محرمة في جميع الشرائع السماوية.

ولقد كانت معاقرة الخمور من الآفات التي كانت متفشية ومتجذرة في المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربيّة بحيث كانت معالجتها تحتاج الى وقت طويل، واسلوب مدروس، ولم تكن الظروف والاحوال في ذلك العهد لتسمح بأن يعلن رسول الاسلام عن تحريم الخمر دفعة واحدة ومن دون آية مقدمات، وممهّدات لذلك، بل كان يتحتم عليه أن يعالج هذا الوباء الاجتماعيّ من خلال إعداد الناس لمرحلة التحريم النهائي والقطعي تماما كما يفعل الطبيب بالنسبة إلى المرضى الذين طال بهم المرض، وتجذر.

من هنا حرّمت الخمر في أربع مراحل تدريجية ضمن آيات أربع أظهرت الاستياء من الخمر لكن لا على نمط واحد، بل بدأت من مرحلة مخفّفة حتى انتهت إلى مرحلة الاعلان عن التحريم القطعي.

إنّ التمعن في هذه الآيات تكشف لنا عن كيفيّة الاسلوب النبويّ في التبليغ والإرشاد، والدعوة والهداية، وينبغي للخطباء، والكتاب أن يتبعوا هذا الاسلوب المؤثر والمفيد في معالجة الأدواء الاجتماعية المزمنة، ويكافحها بهذا الشكل حتى يحصلوا على أفضل النتائج.

إن الشرط الاساسي لمكافحة ناجحة لأيّ خلق وسلوك فاسد هو إيقاظ المجتمع وإيقافه أوّلا على أضرار ذلك السلوك، ومفاسده، وتذكيره بآثاره السيئة ليحصل لدى المجتمع ـ بذلك ـ الاستعداد الروحي بل والدافع الباطني إلى خوض معركة أساسية وجذرية ضدّ ذلك السلوك الفاسد، والخلق الذميم، ويكون الناس هم الضمانة لا نجاح هذه المهمة. وذلك لأن ردّ المعتاد عن عادته كالمعجز كما في الحديث الشريف.

كيف والعرب كانوا يعشقون الخمرة حتى أن الرجل منهم ربما كان يوصي بأن يدفن الى جنب كرمة لتسقى عظامه بالخمر.

يقول أحدهم :

اذا مت فادفني الى جنب كرمة

                   تروّي عظامي بعد موتي عروقها

من هنا اعتبر القرآن الكريم اتخاذ الخمر من التمور والاعناب ـ في مجتمع كان تعاطي الخمر جزء أساسيا من حياته ـ مخالفا للرزق الحسن، وبذلك ايقظ العقول العافية، إذ قال : {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] .

إنّ القرآن أعلن ـ في المرحلة الاولى من مراحل النهي عن تعاطي الخمر ـ أن اتخاذ المسكر من التمر والعنب لا يعد من الارتزاق الحسن بل الارتزاق الحسن هو تناول التمر والعنب على حالتهما الطبيعية.

إن هذه الآية : أعطت هزة ذكيّة للعقول وهيّأت الطبائع المنحرفة لمرحلة أقوى في مسيرة تحريم الخمر حتى يتسنى لرسول الله (صلى الله عليه واله) أن يشدد من نبرته، ويعلن عن طريق آية اخرى أنّ النفع المادي القليل، الذي تعود به الخمر ويأتي به القمار، ليس بشيء بالقياس الى أضرارهما الكبرى وأخطارهما العظيمة، وقد تم الكشف عن هذه الحقيقة في قوله تعالى :

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] .

ولا ريب أن مجرد المقارنة بين النفع والضرر، وكذا الوقوف على زيادة الضرر على النفع كاف لايجاد النفور والاشمئزاز لدى العقلاء، والداعين من الخمر وما شاكلها، وشابهها.

إلاّ أن جماهير الناس وعامتهم لن يقلعوا عن هذه العادة الشريرة المتجذرة ما لم يسمعوا نهيا صريحا وقاطعا عنها.

فها هو عبد الرحمن بن عوف رغم نزول هذه الآية قد استضاف جماعة من الصحابة وأحضر على المائدة خمرا، فأكلوا، وشربوا الخمر، ثم قاموا الى الصلاة، فأخطأ أحدهم في القراءة وهو سكران خطأ غيّر من مراد الله تعالى في ما قرأ من

الآية، فقد تلا سورة الكافرون ، وبدل أن يقول : لا أعبد ما تعبدون  قرأ : أعبد ما تعبدون. فاضطربت تلك الجماعة لهذا الأمر، وخشيت أن تكون ارتكبت بذلك أمرا عظيما!!

وقد هيّأ هذا الحادث الناس ليحرّم تعاطي الخمر في ظروف وحالات خاصة على الاقل.

من هنا جاء الاعلان عن حرمة تعاطي الخمر قبل الصلاة، وأعلن القرآن الكريم بصراحة أنه لا يجوز لمسلم أن يصلّي في حالة السكر، وقد أعلن عن هذا التشريع الالهيّ في قول الله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] .

ولقد بلغ من تأثير هذه الآية، وفاعليتها أن هجر جماعة من المسلمين تعاطي الخمر بالمرّة بحجة أن ما يضرّ بالصلاة يجب ان يطرد من حياة المسلم نهائيا.

ولكن البعض بقي يتعاطاها حتى أنّ رجلا من الأنصار دعا جماعة الى مائدة أحضر فيها الخمر ـ رغم نزول الآية الحاضرة ـ فلما شربوا وأسكروا حمل بعضهم على بعض، وجرح بعضهم بعضا فشكوا أمرهم إلى النبيّ (صلى الله عليه واله)، وكان الخليفة الثاني لم يزل يشرب الخمر إلى ذلك معتقدا عدم كفاية الآية الحاضرة في التحريم القطعيّ لها ولهذا رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم بيّن لنا بيانا شافيا في الخمر.

ولا يخفى أن هذه الحوادث والوقائع المؤسفة قد هيّأت الارضية بشكل رائع لتقبّل مسألة تحريم الخمر تحريما كاملا وقاطعا، من هنا نزل قوله تعالى يعلن عن هذه الحرمة القطعية :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

وقد دفع هذا البيان البليغ القاطع أن يقلع عن الخمر نهائيا من كان يشربها حتى تلك الساعة بحجة عدم وجود نهي صريح وقاطع عنها.

وقد جاء في كتب السنة والشيعة أن الخليفة الثاني قال بعد سماع هذه الآية : انتهينا يا ربّ !!

وقفة عند البيان الشافي  : قلنا إن الخليفة الثاني لم يقتنع بعد سماع الآيات الثلاث بحرمة الخمر، بل بقي ينتظر بيانا شافيا يكشف عن التحريم القطعي، حتى اقنعته الآية الرابعة بحرمة الخمور والمسكرات، وقد كان حكم الله تعالى في هذه الآية هو : أنّ الخمر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون  ولكن المتغربين، وهواة المادية الغربية في عصرنا لم تقنعهم كل هذه الآيات بحرمة الخمر، حتى الآية الرابعة الصريحة في هذا الأمر، فيقولون لا بدّ أن يعلن عن هذا التحريم بلفظة : حرام أو حرّمت، والاّ لم يمكن القطع بحرمة الخمر!!

إن هذه الزمرة التابعة لأهوائها، الأسيرة لشهواتها الحرام، لا تريد في الحقيقة إلاّ أن تظل عاكفة على الخمر أبدا، ومن هنا تطرح مثل المعاذير وتتوسل بمثل هذه التحججات الجوفاء.

على أن القرآن الكريم قد استعمل لفظ الحرام بشكل ما في شأن الخمر إذ قال : وإثمهما أكبر من نفعهما .

وقد حرّم تعالى جميع أنواع الإثم في آية اخرى إذ قال : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} [الأعراف: 33] .

وبعبارة اخرى : لقد بين الله تعالى في آية اخرى الموضوع، وهو أن الخمر ( التي تسمّى إثما أيضا ) قد حرّمت.

فهل ينتظر هواة الغرب بعد هذا البيان الواضح والتحريم الصريح بيانا كافيا شافيا؟!

وفي الحقيقة نحن لا نحتاج إلى مثل هذا الاستدلال أبدا فالآيات الأربع المتقدمة التي وصفت الخمر بأنها رجس  وأنها نظير الميسر ، وأنها عمل شيطاني ، مناقض للفلاح، وسبب للعداوة  و البغضاء ، قد أعلنت عن حرمتها بصورة واضحة لا إبهام فيها، ولا غموض، وهي بالتالي أقوى بيان لمن تدبّر وأنصف، وتجرّد عن الاهواء والأغراض المريضة.

وهنا لا بدّ أن نذكّر بنقطة هامة وهي أن النبيّ الاكرم (صلى الله عليه واله) استطاع ان يطهّر في هدى هذه الآيات الأربع، بيئته ومجتمعه من أدران هذه العادة الشريرة، ويقوم المؤمنون أنفسهم بتنفيذ هذا الحكم من دون قهر أو إجبار، بينما لم يستطع العالم الغربي رغم كل ما يملك من الإمكانات الماديّة العريضة، وأجهزة الدعاية الواسعة أن يخطو خطوة ناجحة في هذا الطريق، فقد اخفقت كل خططه، أمام هذا السمّ القاتل، والفشل الذي أصاب الولايات المتحدة في مكافحة المشروبات الروحية في أعوام 1933 ـ 1935 أمر معروف للجميع، وله قصة عجيبة يمكن أن يقف عليها القارئ الكريم في مصادرها.

رواية مختلقة :

ومن عجيب الأمر أن يروي بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : ولا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون  رواية جاء فيها أن امام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان ضمن جماعة شربوا الخمر ثم قاموا الى الصلاة فقرأ أمامهم غلطا : اعبد ما تعبدون  فانزل الله تعالى هذه الآية : لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ.

نقول إن من العجيب أن تنسب إلى الامام علي (عليه السلام) مثل هذه النسبة وهو الطاهر المطهّر بحكم آية التطهّر  وهو الذي نشأ وترعرع في احضان سيد المرسلين (صلى الله عليه واله) الذي كان يتجنب الخمر، حتى قبل نزول النهي الصريح عنها، هذا وعلي (عليه السلام) المعروف بحكمته وفهمه وعلمه عارف بما للمسكر من تبعات خطيرة.

نعم من العجيب أن نصدق بأن عليا (عليه السلام) شرب الخمر، وهناك في الجاهلية ( وقبل الاسلام ) من حرّم الخمر على نفسه لكونه يذهب بالعقل، ويؤول بالمرء الى ما لا يحمد.

ففي السيرة الحلبية كان عبد الله بن جدعان من جملة من حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية أي بعد ما كان مغرما بها وسبب ذلك أنه سكر ليلة فصار يمدّ يده على ضوء القمر ليمسكه فضحك منه جلساؤه ثم اخبروه بذلك حين صحا فحلف أن لا يشربها أبدا.

وكان عثمان بن مظعون ممّن حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية أيضا وقال : لا أشرب شيئا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن انكح كريمتي من لا اريد.

وورد عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) قال : أوحى الله تعالى إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) اني أشكر لجعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أربع خصال.

فدعاه النبيّ (صلى الله عليه واله) فأخبره فقال : لو لا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك :

ما شربت خمرا قط لاني لو شربتها زال عقلي.

وما كذبت قط لان الكذب ينقص المروة.

وما زنيت قط لأني خفت إذا عملت عمل بي.

وما عبدت صنما قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع.

فضرب النبيّ (صلى الله عليه واله) على عاتقه وقال : حق لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنّة .

نعم هذا هو موقف من هو أقل مرتبة ومنزلة من الإمام علي (عليه السلام) من الخمر، ولو في العهد الجاهلي، وقبل تحريمها في الاسلام.

لكن يد الوضع والدس أبت إلاّ أن تختلق رواية في المقام، فقد جاءت في جامع البيان للطبري روايتان نذكرهما سندا ومتنا ليقف القارئ على ما تعانيان من مآخذ :

1 ـ حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ : يا أيها الكافرون فخلط فيها فنزلت : لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى.

2 ـ حدثني المثنى قال حدثنا الحجاج بن المنهال قال حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حبيب أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه واله) فأكلوا وشربوا حتى تملّوا فقدّموا عليا يصلّي بهم المغرب فقرأ : قل يا أيها الكافرون اعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد وأنا عابد ما عبدتم. لكم دينكم ولي دين. فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ .

والروايتان ـ مضافا إلى ما يرد عليهما من الاشكال ـ تعانيان من مؤاخذات متعددة أبرزها الاشكال في سندهما، فكلتا الروايتان تنتهيان إلى عطاء بن السائب، وهو مطعون في وثاقته وديانته، وفي حفظه وحديثه، وإليك ما قال عنه أئمة علم الرجال :

قال عنه الذهبي : عطاء بن السائب أحد علماء التابعين، تغيّر بأخرة وساء حفظه.

قال عنه أحمد : من سمع منه قديما فهو صحيح، ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء.

وقال عنه يحيى بن معين : لا يحتج به.

وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى : حديثه ضعيف.

وقال عنه أبو حاتم : محلّه الصدق قبل أن يخلّط.

وقال النسائي : ثقة في حديثه القديم لكنه تغيّر.

وقال ابن عليّة : قدم علينا عطاء بن السائب البصرة، فكنا نسأله، فكان يتوهّم، فنقول له : من؟ فيقول : اشياخنا ميسرة، وزاذان، وفلان.

وقال الحميدي، حدثنا سفيان، قال : كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما، ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت، فخلّط فيه، فاتقيته واعتزلته.

واضاف الذهبي : ومن مناكير عطاء... .

أجل هذا هو عطاء في منظار علماء الرجال، انه سيئ الحفظ، ضعيف مخلّط له مناكير، يتوهّم، تغيّر بأخرة، وقد ظهرت آثار الوهم وسوء الحفظ والتخليط هذا في روايتيه هاتين. فهو تارة يقول أن عليا (عليه السلام) كان مأموما في هذه القصة ( كما في الرواية الاولى ) وتارة يقول كان (عليه السلام) إماما للجماعة.

وهذه الرواية من مناكيره، وأوهامه بلا ريب، إذ كيف يصح أن ينسب إلى رجل لازم رسول الله (صلى الله عليه واله) الطيّب الطاهر منذ نعومة أظفاره، شرب الخمر، والائتمام برجل دونه في الفضل، أو إمامته للجماعة وتخليطه في قراءة سورة عظيمة من سور القرآن الكريم؟!

ولنستمع معا إلى ما يقوله إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن فترة صباه في كنف رسول الله (صلى الله عليه واله) فانه أفضل ردّ على هذه الرواية ونظائرها : قال (عليه السلام) : قد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه واله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء فيلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه واله) من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به .

هذا وأغلب الظن ان الذين اختلقوا هذه الرواية لما وجدوا أمثال هذه القبائح في حياة بعض الصحابة أرادوا ان يساووا بين الامام علي (عليه السلام) وغيره، فاختلقوا هذه الفرية الوقحة.

ومما يثير الاستغراب أن يقع بعض الكتّاب والمفكّرين المعاصرين في نفس ما وقع القدامى من الخطأ في هذا المجال، ويذكر هاتين الروايتين في تفسيره للقرآن الكريم، مع كل هذه المؤاخذات عليهما حتى في صورة النقل، كما فعل سيد قطب في تفسيره في ظلال القرآن  ، إذ ليس كل ما هو مذكور في كتب الاقدمين يصح نقله، ويجوز تكراره. وبخاصة من دون تعليق وتكذيب.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.