المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الممنوع من الصرف
22-10-2014
اللبن العلاجي ضد المضادات الحيوية Antibiotic Therapy Yoghurt
18-5-2017
سراية إجمال المخصِّص إلى العامّ
8-8-2016
إذاعة صوت العراق
9-7-2021
المضاربة والتلاعب
31-10-2016
قاعدة « لا ضرر ولا ضرار »
20-9-2016


حركة المثقف الثقافية في المجتمع الحديث  
  
3098   12:13 مساءً   التاريخ: 28-4-2017
المؤلف : د. معن خليل العمر
الكتاب أو المصدر : علم اجتماع المثقفين
الجزء والصفحة : ص206-222
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية العلمية والفكرية والثقافية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017 2776
التاريخ: 2-3-2022 5915
التاريخ: 25-3-2021 2923
التاريخ: 16-8-2022 1531

لم يبق المثقف المعاصر أسيرا لمحيط الحاكم أو نظام الحكم في جميع المجتمعات الحديثة (سواء أكانت حضرية أو صناعية أو ما بعد التصنيع أو نامية أو متخلفة) كما كان قبل منتصف القرن العشرين، بل ظهرت مدارات ومجالات استقطبته لاحتياجها له في أنشطتها الخاصة بها مثل الجامعات والمؤسسات الإعلانية والسينما والمسرح ومراكز البحوث العلمية أو التجارية أو المستشفيات أو الأحداث الدولية وصراعاتها، فضلاً عن أنظمة الحكم والمؤسسات الدينية وهي مدارات ومجالات كانت ومازالت تستخدمه وتعتمد عليه في تسويق عقائدها وأفكارها من خلاله.

بتعبير آخر، أضحى المثقف المعاصر يعمل في مؤسسات حديثة ومتقدمة في العلم والمعرفة تحتاج إلى كفاءته و علميته وإبداعه دون تقيده بقيود سلطوية أو دينية بسبب احترامها لاختصاصها ومريديها وخضوعها لمنافسة مهنية وعلمية شديدة، وازاء ذلك فإنه يخضع لمغريات عديدة من أجل استقطابه وكسبه وهذا بدوره أبعده عن هيمنة الحكومة والمؤسسات الدينية عليه وتقييدها له واستغلال كفاءته ومقدرته الثقافية أو العلمية أو المعرفية كما كانت في الأزمنة الغابرة التي حولته إلى بوق ينفخ به لخدمة ‏مصالحها على حساب المصلحة العامة. بمعنى أنه تحرر من جبروتها واغراءاتها . لكن ليس جميع المثقفين المعاصرين حصل لهم مثل هذا بل هناك من جند نفسه أو جندته هذه الجهات لخدمة مصالحها وأغراضها .

ـ أما المدارات التي دلف إليها المثقف المعاصر فهي :

1ـ الجامعات والكليات والمعاهد والمراكز العلمية التي يعمل بها ويمارس اختصاصه ويطرح أفكاره ونظرياته وينشرها في أدبياتها التي توصله في النهاية إلى إنضاج أفكاره ونظرياته دون الخضوع إلى توجيهات وقوالب حكومية جامدة ، وهذا يشير إلى تحرره من القيود الرسمية التي كان يقيد بها من قبل المؤسسات الحكومية.

2ـ الأجهزة الإعلامية: مثل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والأقمار الصناعية والسينما والفنون التشكيلية التي دلف إليها المثقف المختص أو المتدرب لإنماء وتطوير خبرته فيها سواء أكان ذلك في المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية أو الحرة. ففي الأولى يكون مقيداً لخدمتها بينما في الثانية يستطيع التحرر منها.

3ـ الحاجات المجتمعية المتزايدة والمتناغمة مع تطور المجتمع في المجال التربوي والتجاري والصحي والخدمي والسياسي.

‏4ـ القنوات الفضائية ودراساتها التوثيقية والميدانية .

5ـ تكنولوجيا المعلومات .

أهدافه من هذه المقدمة السريعة إلى القول بأنه كلما تطورت مناشط الحياة الاجتماعية وتغيرت أنساق الأبنية الاجتماعية وتبدلت الأنظمة السياسية، فإن مهمة ومسئولية المثقف تتطور وتتغير تباعاً، وهذا ينطوي على تبنيه وظائف جديدة لم يكن يقوم بها سابقاً وتخليه عن مسئوليات وضوابط مهنية أو أدبية تخص دوره الثقافي.

بعد هذه. الإطلالة العاجلة أعرج إلى ترجمة ما جاء فيها على شكل نموذج مرتسم يوضح

مضمونها.

 

مخرجات مؤثرات العصر

مؤثرات

العصر

المتطلبات

الأساسية من المثقف المعاصر

                                                                              شكل رقم -1-

ـ المتطلبات الأساسية من المثقف المعاصر :

1ـ أن يكون مختصاً بحقل علمي أو معرفي دقيق.

2ـ أن يكون ذا فضول علمي دائم.

3ـ لديه طموح ثقافي مستمر.

‏4ـ أن يتمتع بوعي بما يدور حوله من تطورات محلية أو ثقافية عالمية.

‏5ـ أن يتصف بصفة المتفاعل الإيجابي مع زملائه المتخصصين.

‏6ـ له رؤية موضوعية للأحداث التي تدور في محيطه المهني.

ـ مؤثرات العصر :

1ـ التعددية السياسية.

2ـ نمو الثقافة الجماهيرية وفاعليتها المجتمعية.

3 ـ تبلور ثقافة كونية عبر الفضائيات.

4ـ هيمنة ثورة المعلومات الكونية على المجتمع الإنساني المعاصر.

 5ـ تفاعل الرأي العام الدولي عبر منظمات دولية.

6ـ فاعلية منظمة حقوق الإنسان على الأنظمة السياسية في العالم.

7ـ الدعم المالي السخي للأنشطة الثقافية.

8ـ وهن سيطرة الأنظمة التقليدية والمحافظة في تسخير المثقف لصالحها بسبب تأثير الفضائيات وتقنيات المعلومات الحرة.

9ـ حاجة المجتمع الكبيرة لأعداد هائلة من المثقفين المختصين من أجل مواجهة تغيراته التقنية والسياسية والثقافية السريعة.

ـ مخرجات مؤثرات العصر :

1ـ أمسى المثقف الحكومي - الرسمي محدود الأفق الثقافي بسبب خضوعه لبيروقراطية جامدة مع قلة الحوافز المالية له ودفعه لمغالطة الواقع فأصبح عقيماً ثقافياً ومحجماً تفاعلياً وبليداً حسياً وسطحياً معرفياً وذاتياً أخلاقياً.

2ـ أضحى المثقف المعاصر متخصصاً علمياً أو معرفياً في أحد التخصصات الدقيقة في ميدان علمه.

3ـ خضوع نتاج المثقف المعاصر لمراجعة وتثمين ونقد جماعته المرجعية (في اختصاصه) فضلاً عن الرأي العام والوسائل الإعلامية والباحثين الجامعيين.

4ـ استمرار المثقف المعاصر في اتصاله مع كل ما يصدر من نتاجات معرفية وثقافية عالمية عبر الأجهزة الإلكترونية.

 ‏5ـ انحصرت وظيفة المثقف المعاصر في البحث والتنوير في اختصاصه وليس لخدمة ‏الحاكم أو نظامه.

 ‏6ـ إجادته لغة أجنبية بجانب لغته الأصلية.

 7ـ اتسام تحليلاته بالعقلانية والموضوعية أكثر من اتمامها بالوجدانية والذاتية.

8ـ اتصاف أعماله بالتجديد والإبداع أكثر من التكرار والمحافظة التقليدية.

لقد أجملت فيما تقدم التغيرات ذات المدى البعيد macro-change وأثرها على دور ووظيفة المثقف المعاصر الذي تفاعل مع أحداث العصر التقنية والسياسية والمعرفية فبلور نتاجاً جديداً مختلفاً عما كان ينتجه المثقف قبل ظهور المؤثرات التقنية (حاسوب، فضائيات، الهاتف النقال والوسائل الإلكترونية) والتبدلات السياسية (من الأحادية النظام إلى التعددية السياسية) وسيطرة الماديات على المعنويات، والانفتاح الدولي على الثقافة الكونية، أسميت هذه الحالة الجديدة، (حركة المثقف الثقافية في المجتمع الحديث) ولكي أبصّر القارئ بما أسلفت في هذا الموضوع أستعين بما جاء به ادورد شيلز1972 ‏في دراسته عن التطورات الجديدة التي طرأت على وظيفة المثقف في المجتمع الحديث.

تنحصر فعاليات ومناشط المثقف في مجالات الأدب والفن والعلوم والفكر الفلسفي والعقائدي. أي كل ما هو منتج عقلياً المتفاعل مع الأحداث (الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والاقتصادية) سواء ‏كان هذا التفاعل إيجابياً أو سلبياً، محابياً أو ناقداً فضلاً عن التعبير عن طموحات إنسانية أو ثقافية أو علمية مأمولة.

إلا أن مثقفي أوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين ارتبطوا بالمفاهيم الدينية الكنسية والحكومية والتقاليد الثقافية الدينية (المسيحية) وما بعدها، ‏ثم تطعيم عطائهم الثقافي بالعمل الجامعي والطبقة الارستقراطية وملاك الأراضي مما أضفى على عملهم مسحة رفيعة المستوى

أما إذا انتقلت إلى حياة المثقف الحديثة فإننا نجدها ولدت في ظل الحكومات الاستبدادية ذات السلطة المطلقة المناطة بحاكم واحد والملكية ذات النفوذ المحدود أو الجمهورية أو الديموقراطية فوصل عطاؤهم إلى نمط متميز في الأنساق البنائية.

وإذا أردنا أن نغرف معرفتنا عن المثقف الحديث فإننا نجد الرؤية الحديثة عنه قد أخذت ألواناً وزوايا وأدواراً ومضامين متنوعة ومتغيرة بشكل سريع. وقد يرجع ذلك إلى سلسلة أسباب مترابطة بعضها ببعض منها تشربه أو اكتسابه المعارف العلمية والأدبية الجامعية المطعمة بالتراث العالمي الكوني الجامع لعدة ثقافات وعدة خبرات تراثية وعلمية لعدة أمم وشعوب وقد أضاف بدوره إلى حصيلة المثقف الثقافية طيفاً جديداً وسّع من دائرة اهتماماته ونقاط تركيزه فدلف إلى مدار الأفعال والمعتقدات السياسية ونوعت من ميوله. ليس هذا فحسب بل تطلب من المثقف الحديث أن يمارس تخصصه المهني ويطبقه في الحياة العملية التي بدورها عملت على إرقاء ثقافته النظرية التي اكتسبها في الجامعة.

إن سياق الحديث يلزمني أن أتطرق إلى حياة المثقف الحديثة في مجال عملها المهني المختص عبر عدة قرون وترعرعت فيها فأخذت شكلا مستقرا ومصقولاً ومنسقا فاستخدمت آليات متعددة ومتنوعة ساعدتها على التعمق المعرفي والتشعب الصوري والارتقاء الحراكي. كل ذلك غذى تقاليدها وأكسبها فرصاً جديدة مضافة إلى مدارها وحركتها وساهم في تكوين أجيال مبدعة ومتفتحة، وازاء هذه الحالة فقد استمرت على مواكبة التغيرات الدائرة في المجتمع فدلفت إلى مدار المحيط السياسي والاقتصادي والتنظيمي والثقافي، بل دخلت إلى مجتمعات وصل فيها المثقف إلى مستوى رفيع في الخلق والإبداع وبلغت ـ أحياناً - إلى أصقاع عالمية جديدة لم تدخلها من قبل وليس لها وجود سابق فيها وتنامت وهي لا تمتلك قاعدة ثقافية وطنية - إقليمية تنطلق منها.

ومن خلال مراجعتنا المستمرة وملاحظتنا القريبة لفعاليات ومناشط المثقفين في الوقت الراهن نجدها في توسع دائم وتكاثر قائم وبشكل منسق ومترابط، سواء كان ذلك في الحقول العلمية أو التغذية أو المعرفية وذلك ‏راجع إلى تزايد أعداد المثقفين وبحوثهم ودراساتهم التي جذبت العديد من اللوذعيين والموهوبين في المجتمع لمتابعة أعمالهم الخلاقة والمبدعة بل إن فتح العديد من المعاهد والمراكز التدريبية لإقامة البحوث والدراسات التي تتعلق بحياة الناس اليومية، بلور كذلك تقارباً وتنسيقاً ‏دمج العديد من الحقوق العلمية في دراسة ظاهرة واحدة من عدة جوانب بحيث أمست تواجه الباحث العلمي والمثقف صعوبة في معرفة كل ما يصدر وينتج من زملائه العلماء والباحثين، بحيث لا يجد الوقت الكافي للاطلاع على دراساتهم وبحوثهم الأمر الذي أدى به إلى أن ينتقي أو يختار فقط ما يسمح له به وقته لقراءة ما يختار، فضلاً عن استخدام المعاهد والمراكز العلمية برامج علمية متقدمة جعلته غير قادر على مواكبة مناشطها والتعرف عليها. مثل هذه ‏التطورات العلمية الرفيعة المستوى التي تبلورت من خلال تأسيس هذه ‏المعاهد والمراكز العلمية ورصانة بحوثها وشدة التزامها في البحث العلمي، كل ذلك ادى إلى تضييق اهتماماته وتقليصها إلى الحد الأدنى. هذا على صعيد البلدان المتقدمة علميا . لكن لا نجد نفس الصورة في البلدان النامية والدول التي يحكمها طاغية أو حزب واحد أو حاكم واحد أو أسرة حاكمة لأنها لا تريد من مثقفي مجتمعاتها أن ينوروا ويثوروا عامة الناس ولا تدفعهم إلى أن يكتشفوا ويبدعوا بل يريدونهم مدجنين لخدمة مصالح حكمهم الفردي وتلميع صورهم الكالحة والبشعة ويعززوا الماضي المجيد لدعم سلطانهم واغراق العامة في بحر من الأساطير والخيال الجامح والأفكار والشعارات الفارغة والشمولية المخاد‏عة والمخدرة. أعني خمرتهم أو أسكرتهم بأفكار طوبائية حُلْمّيه وألفاظ معسولة رنانة تدغدغ خيالهم وتنعشه في الوقت ذاته تبلد ذهنهم وتخرس منطقهم. هذه الحالة موجودة في مجتمعنا العربي الآن وقد شاهدنا ذلك في ميثاق وزراء الإعلام العربي الذي طلب تكميم الفضائيات والإعلاميين العاملين فيها لأنها تفتح أذهان ووعي كافة الشرائح الاجتماعية العربية وهذا يخالف سياسة الأنظمة الحاكمة.

ومن أجل استجلاء أكثر لما تقدم نقول بأن ما يحصل من تغيرات وتطورات في المحيطات الثقافية للمثقفين تكون مرتبطة بالتغيرات والتطورات التي تحصل في نوع الحكم والفلسفة السياسية له لأنها تطبع المجتمع بطابعها الحكمي والسياسي. فالمجتمع الأوربي القديم - على سبيل المثال لا الحصر - كانت تسيطر عليه الاستبدادية الفردية ثم تغيرت إلى أنظمة مؤيدة للإصلاح، بعدها جاءت البرجوازية الليبرالية التي تنادي بفلسفة سياسية تقوم على الإيمان بالتقدم واستقلال الفرد الذاتية وحماية الحريات السياسية والمدنية. كل ذلك أثر على مناشط وفعاليات المثقفين الذين عاشوا تحت ظلال هذه التبدلات والتغيرات الكبيرة في المجتمع الأوربي. علما بأن حجم المثقفين (عدديا - ديموغرافيا) صغير جداً مقارنةً بالنسبة لحجم السكان العام، لكن مع ذلك فإن الدخل القومي يصرف مبالغ مالية كبيرة على إنماء وتطوير هذه الأعداد الصغيرة من المثقفين في مجتمعه بسبب أهميتها الوظيفية المناطة بها في تنوير وتبصير أبناء المجتمع أو خدمة نظام الحكم.

وعلى هدى ما سبق نستطيع القول بأن التغيرات التي تحصل في المحيط والمناخ المعنوي - الأدبي تأخذ الجانب الشعبي وخدمة مصالح الناس العامة مثل فتح وطرح فرص التعليم لكافة أفراد المجتمع أكثر من أي وقت مضى والسماح للمثقفين بالتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم أقول تستطيع مشاهدة التغير الاجتماعي في كل زاوية من زوايا الحياة الاجتماعية وفي جميع التنظيمات الرسمية سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو المنظومة الثقافية التي يعيش المثقف في وسطها.

وعطفاً على ما تقدم فإن التنوع البارز والمتميز في حياة المثقف المعاصر ينطوي على الظواهر التالية.

1ـ التعددية السياسية والتجمعات الجماهيرية والأشكال الديموقراطية في القوانين واللوائح والتشريعات السياسية، وطغيان التصنيع على الاقتصاد والثقافة.

2ـ المجتمع الاستبدادي (الشمولي) الذي هو ذو علاقة بنظام سياسي مبني على إخضاع الفرد للدولة وعلى السيطرة ‏الصارمة على جميع مظاهر حياة الأمة وطاقاتها المنتجة، أما سياسياً فتكون حكومة الأقلية المهيمنة همها الاستغلال وتحقيق المنافع الذاتية، وتكون ذات تصنيع عال وموجود سلفاً أو تبحث بشكل جاد لتكون دولة صناعية متقدمة وتتضمن قوانين وعقيدة صارمة وحادة تضغط على أنماط الحياة الثقافية.

3ـ البلدان النامية بدءاً من النظام الكياني الشمولي مرورا بحكومة الأقلية العسكرية وصولاً بالأشكال الديموقراطية في سياستها وهي في الأصل كانت دولاً ذات اقتصاد زراعي لكنها تريد أن تكون صناعية في الوقت ذاته فضلاً عن كونها حاملة للثقافة التقليدية، مع طموحها بتجميلها بأطياف وألوان حضارية جديدة ومعاصرة لتواكب روح العصر الذي تعيشه.

جدير بالذكر في هذا الخصوص أنه في الأنظمة الشمولية في البلدان الغربية تتعرض فعاليات ومناشط المثقفين لتأثيرات وضغوط هذا النظام الذي يقوم بتوجيهها لخدمة عقيدته ورموزه فتمسي متخلفة في استخدام التقنيات الحديثة وتفتقر إلى معرفة النظريات الحديثة الخاصة بالاتصالات والتعامل مع العوالم المتحضرة والمتعددة في أنظمتها السياسية، بحيث تبدو وكأنها تتعامل مع صورتها وذاتها ونفسها أي تحاكي مخيلتها فضلاً عن تعاملها البسيط والخجول لذاكرتها التاريخية وتراثها الثقافي أي لا تعير له أهمية بالغة أو مهمة لأنها مركزة على عقيدتها ورموزها السياسية. فضلاً عن عدم وجود جماعة اجتماعية أو عقيدة سياسية مغايرة تعارض أو تنتقد أو تكشف الوجه الأخر مما يطرحه مثقفو النظام الشمولي.

أما فعاليات ومناشط المثقفين في مجتمعات ذات التعددية السياسية فإنها تكون متطورة ومتنوعة ومتكاثرة لا بسبب التعددية السياسية فحسب بل بسبب الدعم المالي وتنوع القوى السياسية والعسكرية والوعي السياسي العام عند الناس والنقد الذاتي ومحاسبة الرأي العام. كل ذلك ‏يعمل على تطوير مناشط وفعاليات المثقفين الذين فيها.

إن أهمية الولوج في هذا الموضوع يقتضي استجلاء العناصر المؤثرة في تنمية المناشط والفعاليات الثقافية للمثقف داخل مجتمعه. وفي تقديرنا هناك ثلاثة مؤثرات نشطة لعبت وتلعب دوراً فاعلاً في مناشط وفعاليات المثقف في المجتمع الحديث بغض النظر عما إذا كان المجتمع يخضع لنظام سياسي شمولي أو متعدد القوى السياسية وهي ما يلي:

1ـ وجود ثقافة جماهيرية تعبر عن حركة الأغلبية الشعبية في بؤسها وفرحها ومواقفها ومصيرها.

2ـ الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تقوم بتغطية حية وجريئة. ومما زاد من نشاط هذه الوسائل في الوقت الراهن ‏ظهور القنوات التلفازية الفضائية التي قربت البعيد وأعلمت الغائب وأوعت الساذج وأبصرت رؤية البصير وأنمت عقلية القاصر وفتحت ثقافة المقفل بأنشطة عقلية وميدانية حية نابضة بالديمومة والتنوع.

3ـ اتساع نشاط الحركة الرومانسية (حركة أدبية تميزت بحب الطبيعة والتأكيد على الخيال والعاطفة) التي أضفت طيفا منميا ومنمقا ومجملاً للتقاليد السائدة في حياة المجتمعات الحديثة.

على أن نتذكر أن الثقافة الجماهيرية والحركة الرومانسية لها عمق تاريخي في حياة الشعوب فضلاً عن مساهمتها الخلاقة في تشكيل المشهد العقلاني - الميداني الذي بدوره أنعش شعبيتهما وتفاعلهما مع إيقاعات الحياة الاجتماعية اليومية. علاوة على منحهما الاعتبار الاجتماعي العالي لمشهد الثقافة العقلية الميدانية الذي تظهر فيه مشاركات ومساهمات المثقفين المعاصرين وهذا ما هو بارز في بعض دول أوربا واليابان وكندا، وذلك بسبب النمو المطرد لاقتصادها وفتح أبواب الحوار والنقاش السياسي مع كافة الأطياف السياسية والعرقية والدينية وفتح أبواب الحوار والسجال المفتوح أمام الجميع في التعبير الحر.

لكننا لا نجد مثل هذه الصورة في المشهد الثقافي العقلاني الميداني في مجتمعات ذات نظام شمولي، وفي بعض البلدان النامية بسبب التحكم المركزي المحوري والتكتم الإعلامي والتدجين الفكري والتقنين المعلوماتي وابعاد الرومانسية وتحجيم الوسائل الإعلامية الحرة في نقل وتصوير مشاهد تحكماتها المركزية وتكميمها الإعلامي لكي لا نكشف سلبيات حكمها وكيفية محاربتها لحرية الطبيعة البشرية التي يتمتع بها كل إنسان حر . أقول إنها تغتال حرية الطبيعة البشرية لأفرادها ومثقفيها وهذا ‏لا يحصل في مجتمعات ذات أنظمة متعددة القوى السياسية.

إن مهمة ووظيفة المثقف سواء أكانت في المجتمعات النامية أو المتقدمة تنحصر في تنوير الناس حول ما يدور حولهم وما يؤثر فيهم من تغيرات وتحولات تدفعهم نحو تصرفات معينة ، لذا تمسي هذه المسئولية رافدا واسعا في تراث المثقفين يمتد مع امتداد مجتمعهم الذي يكون في العادة تنويرا واقعيا معيشا وليس ما وراثيا، عليانيا . بمعنى آخر أنها مهمة مسئولة لا يستطيع المثقف أن يمارس وظيفته الثقافية بدونها أو إنكارها لأنها (أي المهمة التنويرية) هي التي تجعل منه مثقفا . باختصار شديد تكون مهمة المثقف المهنية عبارة عن مسئولية تنويرية مهما اختلفت أهدافها ومراحل تطورها وأماكن ممارستها.

 بشيء من الدقة، إن المهمة التنويرية تبقى كما هي في جوهرها على مر الزمن إلا أن ذلك لا يمنع من اكتسابها مزايا جديدة تفرضها المرحلة التطورية التي يعيشها المثقف، إذ تتطلب منه تنمية وتطوير دوره لكي يتساير مع روح العصر الذي يعيش فيه ويترعرع في مناخه، الامر الذي يتطلب منه التوقف عن ممارسة بعض من اتجاهاته الاهتمامية ليتحول إلى أخرى مستجدة حتى يمسي ابن عصره، وهذه ليست بمثلبة بل بصفة متعايشة وعصرية متنامية وغالبا ما تتطلب منه التحول السريع واكتساب مهارات جديدة في استخدام التقنية أو الإدارة العامة أو تعلم لغة أجنبية جديدة أو آلية منهجية حديثة حتى يمارس دوره المتجدد وليس (الجديد) والمتنامي لكي لا يكون متخلفا في إشباع متطلبات دوره المتجدد وهذه إيجابية له.

يحسن بنا أن نطرح في هذا الموطن حقيقة مفادها أن الحكومات الحديثة لا تستطيع أن تستمر في أداء مهامها الجديدة ما لم يكن له شق تعليمي محبك يحابي ويتجاوب مع احتياجات الطبقة الوسطى والاقتصاد الحديث وبالذات فيما يخص الاحتياجات الوظائفية الملحة في الخدمات العامة والعلوم التطبيقية والهندسية والطبية والمحاسبة والتعليم والابتعاد عن التخصصات الأدبية والفلسفية التي كانت تهم المثقفين فيما مضى.

أما في الوقت الراهن فقد أمست الحاجة إلى الاستعانة بأعداد كبيرة من المثقفين المتخصصين بالحقول المذكورة أعلاه وتدريبهم في مؤسسات التعليم العالي حتى يمسوا مؤهلين لخدمة مجتمعهم وهذه خاصية لم تكن متوفرة قبل منتصف القرن العشرين. وبالذات في البلدان المتقدمة التي تخرج كوادر متخصصة في الحقول والتخصصات العلمية والعملية والأدبية والفنية ذات الاحتياج العالي في الحياة اليومية. لكن هذه الحالة لا تكون سائدة في المجتمعات النامية أو تستحوذ دوائر الحكومة على جميع خريجي الجامعات تستخدمهم موظفين إداريين فيها وبالذات بعد استقلالها من السيطرة الأجنبية، لذا كانت مشاركتهم في رفد ثقافتهم المحلية والوطنية محدودة جدا بسبب انشغالهم بالروتين الإداري المؤسسي الذي بدوره يقلص من طموحهم العلمي والثقافي وعادة ما تضع الحكومة ضغوطا مالية على عدد الخريجين.

وحري بنا أن نشير إلى أن الدراسة وحدها غير كافية لجعل الشخص مثقفا (سواء أكان في المجتمعات النامية أو المتقدمة) بل هناك قرائن معززة لها ومتفاعلة معها تلقح دراسة الشخص واختصاصه العلمي - المعرفي لكي تجعلها قابلة للاستولاد الثقافي وهي فضوله العلمي وطموحه الثقافي وحساسيته الإدراكية من الأحداث الدائرة حوله ونوع تفاعله مع الأفراد المحيطين به ومع أفراد أسرته ومدى استمراره مع هذا التفاعل أقول هناك تفاعلات ذاتية وموضوعية مع دراسته المتخصصة وإذا تم ذلك فإن حصيلة ذلك يستولد ثقافة معرفية حية ومعاصرة تغذي حاملها بإدراكات ورؤى متوهجة ومتألقة تمنحه خاصية المثقف. وإزاء ذلك فإن مواضيع اهتمام المثقف تكون واحدة من حيث المنطلق لكنها تختلف من حيث المسار والطابع العام . أي وجود حس إنساني وعمق ثقافي وحياد أخلاقي ورؤية ثاقبة كقواسم مشتركة بين جميع مثقفي العالم، إنما يختلفون في أسلوب تعاملهم مع قضايا مجتمعهم وثقافتهم تعبيريا ورمزيا.

من الملاحظات البارزة على مثقفي العالم في القرن العشرين أن معرفتهم الثقافية كانت تأخذ مساحة كبيرة من المحيط الخارجي للمحيط الذي يعيشون فيه ومتأثرين بالضغوط السياسية أكثر من مثقفي القرن التاسع عشر. هاتان الصفتان طبعتا مثقف القرن العشرين بسعة الاطلاع على العالم الخارجي بالإضافة إلى العالم الذي يعيشون فيه بحيث لا يخلو مثقف منهم بعدم تفاعله مع التيارات والعقائد السياسية التي سادت القرن العشرين، وهذا لم يكن موجودا عند مثقفي القرن التاسع عشر، سواء أكان عند المثقف الفرد أو المؤسسي.

فضلاً عما تقدم فإن المثقفين الاكاديميين (الذين يعملون في الجامعات والكليات والمعاهد ومراكز البحوث سواء أكانوا في سلك التدريس أو البحوث) كانوا غير مستقلين في عطاءاتهم العلمية لأنهم مرتبطين بأعمال جامعية ذات أهداف مؤسساتية تخضع لمساعدات مالية من الحكومات أو المؤسسات المالية أو دور النشر بسبب كلفة إجراء البحوث التي باتت (‏هذه البحوث ميدانية وحقلية وليست نظرية وانشائية) مكلفة ماليا ومستعينة باختصاصات علمية متنوعة ذات الاختصاص والعلاقة. أي تعاون ‏وتنسيق مجموعة باحثين من عدة حقول علمية من أجل دراسة مشكلة قائمة من معظم جوانبها وهذا يتطلب صندوقا ماليا يمول تكاليف إجراء

‏البحث. ولما كانت الجامعة لديها العديد من المشاريع البحثية فإنها تكون بحاجة إلى مساعدات مالية تقدم لها الدعم المالي. هذه الحالة ظهرت بشكل متزايد بعد الربع الثالث من القرن العشرين ولم تكن موجودة قبل ذلك التاريخ، الأمر الذي سرهم في تنويع معرفة المثقف العلمي الاكاديمي.

وإزاء هذه الحالة برزت مشكلة بيروقراطية للمثقفين الأكاديميين وهي تدخل المثقفين المهنيين - المكتبيين البيروقراطيين في أداء البحوث الميدانية الحقلية بسبب تمويل دوائرهم للمشاريع الجامعية والتعليم العالي. وهذه الحالة أيضا لم تكن قائمة قبل ذلك التاريخ (أي قبل الربع الأخير من القرن العشرين).

غايتي من هذا القول هو أن المثقفين الأكاديميين (أساتذة وباحثين) في الوقت الراهن لا يكونون أحرارا ومستغلين في نشاطهم الثقافي وهم مرتبطون مع مؤسسات علمية بسبب كلفة إجراء البحوث العلمية الحقلية أو الميدانية، وبسبب احتياج البحث لأكثر من اختصاص علمي، الأمر الذي يجعل نشاطهم الثقافي موجها من قبل المؤسسة التي يعملون فيها، وهذه استجابة علمية سليمة إلا أنها لا تكون موضوعية بالقدر المطلوب بل تتأثر بضغوط الجامعة أو الممول المالي.

هناك عوامل ساهمت في تنشيط فعاليات المثقفين والاستفادة من طاقاتهم الغنية والثقافية، في الوقت ذاته منحتهم خبرة ثقافية ذات طابع بيئي معين (سواء أكان ذلك في المجتمعات الرأسمالية أو الشمولية أو المتخلفة) فمثلاً التطورات التي حصلت لتقنيات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والمقروءة جذبت واستوعبت العديد من المثقفين على مختلف اختصاصاتهم العلمية والثقافية مما رفدت وغذت خبراتهم في المجال الإعلامي، إلا أنهم اختلفوا باختلاف الأنظمة السياسية التي يخضعون لها. فالنظام الشمولي استقطبهم وأغدق عليهم المال وأحيانا بالقوة والقهر لتسخير طاقاتهم من أجل تلميع صورة الحاكم أمام الجمهور والعالم الخارجي فحصل إبداع في الفن والأدب والفكر المؤدلج لصالح عقيدة الحزب الحاكم أو الأهداف القيادية للحاكم الطاغية. نقيض ذلك ‏حصل في المجتمعات الرأسمالية التي استقطبت وسائل الإعلام فيها المثقفين والمبدعين المستقلين في رؤاهم ومعتقداتهم وذلك بسبب عدم سيطرة الحكومة على هذه الأجهزة الأمر الذي جعل مثقفيها غير مقيدين بقيود سياسية أو أمنية مما أدى إلى ازدهار الإبداعات عند مثقفي هذا ‏المجتمع.

بتعبير آخر، استطاعت الوسائل الإعلامية المتطورة تنمية وتثمير كفاءة وابداعات المثقفين وعدم إهمالها أو تركها بل تفجير طاقاتها المبدعة ورعرعة مواهبها وعدم إهدارها في وظائف لا تخدم إبداعاتهم (جدير بالذكر في هذا السياق أن الحكومات العربية عادة ما تعين أو تنصب الموهوبين والمبدعين في وظائف حكومية كتابية - بيروقراطية لا علاقة لها باختصاصاتهم لا لجهلها بذلك بل لكون الموهوب لا يساير أوامرهم وسياستهم، وهنا تقوم بتبديد طاقات المبدع معبرة عن سياستها الحمقاء والجاهلة لأنها لا تميز بين المبدع والمخرب، أو بين العمل الجاد والمتصنع بالعمل معتمدة على مبدأ إقحام اللامعقول على المعقول في الأجهزة الحكومية وتلبيس الصح لباس الخطأ فلا يحصل تماس ثقافي لهم. أي لا توجد في المجتمع العربي مؤسسات ثقافية أو فنية أو أدبية أو علمية تقوم بتربية وتنشئة أعضائها تنشئة مؤسساتية متخصصة لأن الحكومات مسيطرة عليها لخدمة أغراضها التسلطية والدعائية الخاصة بها. لذلك لا تكون ‏أعمالهم الثقافية موجهة لخدمة الجمهور المختص أو العام. إذ يكون جل أعمالهم مبني على المدح والثناء وتكبير وتضخيم أعمال الحاكم والتعتيم على أخطائه أو انكارها والتحذير من كل إبداع لا يخدم سياسة الحاكم ‏وتجميل وتلميح صورته أمام الأغلبية العربية الخرساء.

فالثقافة من أجل الثقافة والفن من أجل الفن والعلم من أجل العلم غير معروف في المجتمع العربي بل موجود من أجل خدمة مصالح الحاكم الظرفية وليست موجهة لخدمة المختصين أو العامة.

وهذه أكبر عقبة تقف أمام تقدم وتطور المجتمع العربي أو مؤسساته الثقافية وأحد الاهدارات الكبيرة لميزانية الحكومة التي لا تجني أو لا تقدم اضا‏فة جديدة لثقافة المجتمع.

لكن أرجو أن لا يفهم من كلامي هذا بأن المجتمع العربي لا يمتلك مثقفين أو مبدعين... لا بل هناك مبدعون ومثقفون عرب إنما مقيدون بقيود نظام الحكم، إنما لو رفعت هذه القيود لانطلقت وتفجرت إمكانيات ذهنية وابداعية لا تقل عن أي مبدع آخر في مجتمع حر غير عربي إذ هناك العديد من العلماء العرب أثبتوا جدارة في الأعمال العلمية الجادة تعترف بها المؤسسات العلمية بصراحة وبعلن، لأنهم غير ملجومين. بينما العالم والمثقف العربي الذي يعيش في المجتمع العربي يكون ملجوما بشكل مزدوج (لَجماً عرفياً ولجماً رسمياً) وازاء ذلك من أين تأتي انطلاقاته الجموحة ؟.

ولا جرم من القول بأن هذه المؤسسات الإعلامية العربية استخدمت بعض المثقفين المؤدلجين أو الانتهازيين في بعض من أنشطتها الموجهة لأهداف غير مؤسسية أو ثقافية.

 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.