أقرأ أيضاً
التاريخ: 21/11/2022
1838
التاريخ: 24-5-2017
3572
التاريخ: 30-11-2021
3186
التاريخ: 26-7-2016
2935
|
من أكثر الأدوار الاجتماعية تبدلاً وتغيراً في حياة الإنسان هو دور المثقف في المجتمع لأنه يجمع بين النشاط الذهني والمصلحة الشخصية ، بين الموقع الاجتماعي واعتباره ، بين العقيدة والريادة ، بين الصراع والبناء ، بين التفاعل والتبادل بين الشهرة والفقر ، بين النفوذ والقمع. فضلاً عن تبدله من حقبة تاريخية إلى أخرى ومن نظام سياسي لآخر ومن مرحلة تطورية اجتماعية لأخرى.
علاوة على اختلاف التكوين الثقافي للشخص الذي يكتب عن دور المثقف ووظيفته النسقية ومسئوليته الثقافية والتزامه بأخلاقية الكتابة. ولا جناح من التنويه بأن لدور المثقف مستلزمات ومتطلبات دورية يحددها المجتمع والمرحلة التطورية والتاريخية التي يؤدي فيها مهمته الفكرية. ولا مرية من القول أيضا بأن التكوين الثقافي للمثقف يتولد من ما تحتويه البيئة الثقافية التحتية في مجتمعه من مكونات ثقافية مثل المدارس والجامعات والمكتبات والصحف والمجلات ومحطات إذاعية وتلفازية ومنتديات ومقاهي ثقافية، وعدم احتكارها على أفراد معينين أو اقتصارها على أبناء طبقة اجتماعية خاصة أو طائفة دينية محددة بل متاحة لكافة أبناء المجتمع. كذلك لا غرو من التصريح بأن للحرية التعبيرية في المجتمع دوراً مهماً في إبداء الآراء البناءة والناقدة والصريحة.
إذن لهذا الدور آية تتضمن رسالة تخاطب العقل أو الوجدان أو المنطق وتتحدث مع العامة والخاصة وممثلة للرسول الثقافي ديدنها خدمة المصلحة العامة والحس الإنساني والتراكم الثقافي والدفاع عن المظلومين والمضطهدين والفقراء والعاطلين عن العمل وكشف الاستبداد والجور والاستقلال والفساد الذي يمارسه شاغلو المناصب القيادية أو المسئولون الرسميون وأصحاب الأملاك والأثرياء أو مقارعة الهيمنة الأجنبية الخارجية أو حتى تنبيه المربين وأولياء الأمور لأخطاء يرتكبوها في عملية تنشئتهم للناشئة (في مجال العنف) وسواها.
ولما كان الرسول الثقافي يحمل هذه الصفات النادرة والرخيصة المستوى والحيوية في حركتها فإن أصحاب المواقع العليا في النسق السياسي والاقتصادي يفضلون تقريبه منهم واستغلال مهاراته الذهنية في خدمة مناصبهم ومسئوليتهم وتلميع صورته أمام الأتباع عن طريق الاغراء أو التهديد أو الإجبار. لذلك نرى قسما من ممارسي دور المثقف يخضعون لهذا الإغراء أو التهديد أو الاجبار والبعض الآخر يهرب منه.
ولما كان المثقف مرتبطا بأسرته ومجتمعه المحلي وثقافته المحلية وتكوين البنية التحتية الثقافية لمجتمعه فإنه في أغلب الأحيان يتجاوب مع هذه الممارسات لكي يستطيع ممارسة دوره بشكل علني، فيقترب من أصحاب المواقع المسئولة ويبتعد عن المصلحة العامة، وهنا لا يكون حراً ومستقلاً فيما يكتب ويفكر. وعندما يتبنى عقيدة سياسية أو دينية معينة فإنه أيضاً لا يكون حراً ومستغلاً في قلمه وفضاءاته عندما يكتب عن المشاهد الاجتماعية والثقافية. واذا شغل منصباً حساساً أو متميزاً في مؤسسة رسمية ويحصل على راتبه منها فإنه أيضا لا يكون حراً ومستغلاً فيما يكتب ويفكر حول المشاهد والظواهر والمشاكل التي تحصل أمامه بل يميل لخدمة المؤسسة الرسمية التي يعمل فيها.
ولما كان لا ينتمي إلى طبقة اسمها طبقة المثقفين التي هي بالأساس غير موجودة فيه (أي في مجتمعه) فإن ذلك يعني أنه لا يمتلك السند الذي يسنده إذا أراد أن يكون حرا أو موضوعياً في تفكيره أو خطاباته.
ولما كانت النقابات المهنية الصحفية والإعلامية والثقافية موجهة ومتحكم بها من قبل أصحاب القرار في النسق السياسي أو الإعلامي الثقافي فإن دوره يكون محدداً ومقيداً من قبلهم. بتعبير آخر، يكون من النادر أن يمارس المثقف دوره الثقافي كما رسمه له مجتمعه بل يمارسه كما يخطط له رئيس الدولة أو المؤسسة الرسمية الثقافية، وعند مخالفته لهذا المخطط يكون مصيره الاعتقال (الجسدي أو القلمي أو الفكري) أي يدجن لكي يؤهل داعية لأصحاب المواقع المسئولة.
بعد هذه المقدمة ندلف إلى مدار بعض علماء الاجتماع لنتعرف على مرئياتهم فيما يخص المثقف وهم ما يلي:
1ـ مرئيات جرامشيGRAMSCI:
عن المثقفين المعاصرين في المجتمعات الصناعية وما بعد التصنيع.... تشير إلى أنها قرأت في المشهد الثقافي أن المثقف لا يمثل الحياد الاجتماعي بل هو منحاز لإحدى الفرق السياسية أو الاتجاهات العقائدية إلا أنه يمثل تكنولوجية الحرية. أي أن الفرد في هذه المجتمعات لا يستطيع أن ينال حريته الفكرية أو التعبيرية بعدم وجود مفكرين أو مثقفين يطالبون بها ويدافعون عن بؤس الضعفاء - إن جاز التعبير- في مرثية جرامشي التي شبهته (المثقف) بالتكنولوجي الحديث الذي لابد منه في المجتمعات الصناعية فضلا عن كونه مالكا اليد العليا والكعب العالي. بمعنى أن جرامشي يقابل المثقف أمام أهمية استخدام التكنولوجي في مجتمع صناعي متقدم وهذا تشبيه عصري لم يستخدم من قبل أي مفكر أو فيلسوف.
من هذه الزاوية حاول جرامشي ربط ثقافة ومعرفة المثقف بالقوة المتنفذة التي يمتلكها في المجتمع المعاصر. أي لولا الخزين المعرفي والأسلوب المؤثر والمنطق السليم لا يستطيع أن يحصل على قوة متنفذة في مجتمعه. إلا أن هذا الجمع بين الثقافة والقوة المتنفذة يكون أفضل وأقوى إذا شكلت طبقة اجتماعية تجمع كافة أصحاب الثقافة ومالكي القوة المتنفذة، عندئذ يتحول المثقف إلى قوة ضاربة ومؤثرة داخل المجتمع من خلال طبقتها التي شكلتها. ليس هذا فحسب بل إن صراعها مع باقي الطبقات لا يكون من خلال حرب المواقع الاقتصادية بل من خلال حرب سجالية لبقة مبنية على الدهاء ، وهذه آلية ضاغطة جديدة في حياة الطبقات لأنها لا تستخدم مالها وثروتها في نزاعاتها بل دهاءها وفكرها ومنطقها وكلها في نزاعها مع الطبقات الاجتماعية الأخرى.
علاوة على ما تقدم، إذا حصل أي ادعاء غير دقيق من قبل المثقفين عن أي موضوع من المواضيع فإن هناك نقادا وباحثين علميين يقومون باختبار هذه الادعاءات والتحقق من مدى مصداقيتها على أرض الواقع . بمعنى أنه حتى إنتاج وعطاء المثقفين في البلدان الديموقراطية لا يمر بسهولة على الرأي العام بل يتم اختباره من قبل أصحاب الاختصاص وهم المهنيون والعلميون الذين يقيسوه حسب مقاييس علمية. لذا يحرص المثقفون الديموقراطيون عندما يكتب ويصرح أو يعلن عنه المثقف التأكد من صدقه وواقعيته، وهذا يعني أن المثقف في هذه المجتمعات لا يمثل المطلق أو أنه حر طليق يدعي ما يشاء أو ينقد ما يريد أو يجمل ما يرغب.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هناك مواضيع لا يمكن تقييمها من خلال معايير علمية دقيقة كما يحصل في العلوم الفيزيائية والكيميائية مثل الشعر والقصة والقصيدة والأسطورة والإشاعة لأنها من النتاجات الأدبية التي لا تشكل المعرفة المجتمعية أو ترقي من التراكم العلمي لأنها ذاتية ووجدانية. أي لا تعد أحد أوجه صور المعرفة الجمعية، ولا تضيف شيئا جديدا إلى التراكم المعرفي ولا تخدم حركة التقدم العلمي بل لا تخرج عن كونها تجربة ذاتية فردية وجدانية ليس إلا.
وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذه النتاجات الثقافية لا ننصح بإهمالها لأنها تعبر عن تيارات فكرية سائدة في المجتمع أو تعبر عن عقيدة فكرية قائمة فيه أو تقول لنا فما هي صاحبها مع نفوذ سائد في مجتمعه إلا أن موقعها يكون على هامش التراكم الثقافي والتكوين المعرفي.
يفضي هذا الموضوع في إبانة واستجلاء مفهوم المثقف عند جرامشي إلى كونه لا يمثل أية وكالة تاريخية لأن الأخيرة تعتمد على الوجود الطبقي الذي يعكس الروابط المصلحية بين أفرادها والمثقفين عبر تاريخهم الثقافي والاجتماعي لم يمثلوا أو يشكلوا طبقة اجتماعية. أي أنهم لم يمثلوا أية وكالة تاريخية. بمعنى أنهم لم يكونوا قادرين على صنع تاريخ شعوبهم الذي يحتاج إلى كفاح مرير صادر عن طبقة لها أهداف وفلسفة قويمة. والمثقفون ليس لديهم هذه الأدوات الاجتماعية (وكالة تاريخية، طبقة اجتماعية، نضال جمعي) .
ونردف إلى ما عرج إليه جرامشي في تأكيده على أن المثقف لا يستطيع أن يساهم ويشارك في أي نشاط ثقافي كما يحلو له أو حسب مزاجه بل حسب التزامات عقائدية أو طبقية أو دينية أو تكتل فئوي معارض أو سياسة حكومية قائمة. واذا تصرف بشكل فردي فإن نشاطه يكون معبراً.
عن موقف فردي – شخصي ، وهذا غالبا لا يكون له تأثير يذكر بل مجرد موقف فردي عابر لا وزن له ولا تأثير له على الحياة الاجتماعية أو على الفضاءات الثقافية. وازاء هذا المتطلب المجتمعي نطرح السؤال التالي:
هل يعني أن المثقف لا يكون له وزن أو ثقل أو أهمية إلا إذا انتمى إلى طبقة اجتماعية تتضمن علاقات إنتاجية جديدة؟ أو هل من الضروري أن يشكل المثقف أحد مفاصل الحياة الطبقية الاجتماعية أو حتى معارضتها، أو هل من اللازم أن يكون للمثقف دور سياسي أو وظيفة سياسية تلعب دورا حيويا في إحدى المؤسسات الرسمية؟ وهل يجب أن يشغل منصبا حساسا وفاعلا لكي يكون مؤثرا في الحياة الاجتماعية العامة؟
في الواقع أن هذه الحاجة المجتمعية ظهرت على سطح الحياة الاجتماعية عندما حدثت ثورات برجوازية وتشكلت تكتلات جماهيرية خرجت إلى الشوارع تطالب بحقوقها المشروعة وبالعدل الاجتماعي (Aronowitz,1990,p.p. 11-12).
مؤدى ما جاء به جرامشي عبارة عن تساؤلات مشروعة دلت على أن المثقفين في المجتمعات الصناعية وما بعد التصنيع لا يحتاج إلى بنية تحتية ثقافية ولا إلى روحها ومناخها لأنها موجودة من زمان وليس مثل مثقفي المجتمعات النامية الذين يفتقرون إليها، بل يريد جرامشي أن يحدد نفوذ المثقفين وفاعليتهم ليس فقط من خلال قلمهم وتفكيرهم بل من خلال زاوية اجتماعية قوية وهي الطبقة الاجتماعية التي تجمع شملهم وتنسق أفكارهم ومبادئهم وتحمي وجودهم وتزيد من ثقلهم الثقافي، وان لم يستطيعوا ذلك فعليهم أن يشغلوا مناصب قيادية حساسة يستطيعون أن يمارسوا فيها نفوذهم الذهني بشكل واضح ومباشر وفعال وبدون شغلهم هذه المناصب أو من دون انخراطهم في طبقة خاصة بهم فإن تأثيرهم يكون فرديا وشخصيا وفعليا تبتلعهم المناصب القيادية العليا وتسخرهم لصالحها.
هذه الرؤية (رؤية جرامشي تبدو سهلة القول والتعبير إلا أنها صعبة التطبيق لأن المناصب الحساسة لا يتم شغلها بواسطة الكفاءات النزيهة بل من خلال المداهنة الانتهازية أو الانتماء إلى أسر حاكمة أو حزب حاكم. أما تشكيل طبقة اجتماعية فإنه لا يتم من خلال إصدار قرار بتشكيلها بل تتشكل من خلال اجتماع أصحاب المصالح المتضررة أو المنتفعة تريد الحفاظ عليها أو الدفاع عنها، الأمر الذي يتطلب منهم أن يشكلوا تجمعا يعبر عن مصالحهم (المتضررة أو المنتفعة) وهذا لا يحصل إلا من خلال كفاح مرير وصراع مستمر وحاد مع المتضررين من تشكيلها، وهذا قد يحصل مستقبلا لمجتمعات ما بعد التصنيع .
جدير بالذكر في هذا السياق أن المثقف إذا شغل منصبا حساسا ألم يخضع لقيود ومسئوليات تحدد رؤاه وطموحاته وأفكاره المبدعة التي لا تخلو من صراحة وجرأة تتجاوز الروتين والتدرج الهرمي التنظيمي؟ ولما هو يستلم راتبا وظيفيا ألم يخضع لمحفزات مهنية تخدم التنظيم الذي يعمل فيه أكثر من عامة الناس أو المصلحة العامة؟ نحن لا ننكر أن المثقف قد يؤثر على سياسة التنظيم من خلال منصبه السامي إلا أنه يبقى محبوسا داخل أسوار تنظيمه أي لخدمة تنظيمه وسياسته وأهدافه فقط ومهمة المثقف تنطوي على خدمة أكبر مساحة من عامة الناس والمصلحة العامة لا المحدودة . كل هذا يتعارض مع طرح جرامشي الذي يرى قوة المثقف وتأثيره يأتي بالدرجة الأساس من شغله منصبا حساسا أو انخراطه في طبقة اجتماعية خامة به. في المقترح الأخير (الانخراط في طبقة اجتماعية) سوف لا يكون مستقلا وحراً في طروحاته بل يتأثر بمؤثرات أبناء طبقته وهذه حالة جيدة من حيث تأثيرها الذي يكون أكثر فاعلية وأكثر نضجا لكنه يفقد استقلاليته الشخصية. ويبدو أن جرامشي يميل نحو التأثير الطبقي أكثر من التأثير الطبقي، إلا أن الأول (الطبقي) غير موجود الآن ولا نعلم هل في الإمكان حصوله ووقوعه مستقبلا في المجتمعات المتقدمة أو لا؟! ! !
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|