أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
829
التاريخ: 13-11-2016
989
التاريخ: 13-11-2016
947
التاريخ: 2023-04-30
1206
|
يتصل الحديث عن الانباط بالحديث عن مكان اخر له علاقة بهم ايضا وقد سكنه اقوام من بلاد الشام وهو (تدمر) (1) ، حيث تقع هذه المدنية في بادية الشام حول نبع ماء بالقرب من حمص (2) وعلى مسافة تبعد نحو 150 كم الى الشمال الشرقي من دمشق في منتصف الطريق تقريباً ما بين دمشق والفرات (3) ولذلك كانت تدمر تعد مركزا هاما للقوافل التجارية التي تصل ما بين العراق والشام (4) .
ولقد ورد اسم تدمر لأول مرة في نقش يرجع تأريخه الى أيام الملك (تجلات بلاسر الاول) (5) على هذه الصورة (تدمر أمورو) ، وقد عرفت تدمر عند كتاب اليونان بأسم بلميرا (Palmyra) (6) حيث لوحظ أن المقطع الثاني من بلميرا وهو (Myra) قريب من المقطع الثاني لكلمة تدمر(Mor) الامر الذي دعا الى التساؤل عما اذا كان هناك ثمة صلة بين التسميتين، او ان الكتابات اليونانية او اللاتينية قد حرفت اسم المدينة الاصلي من تدمر الى (Palmyra) (7) .
ويعتقد بعض الباحثين ان كلمة بلميرا مشتقة من كلمة (Palma) اللاتينية التي تعني النخل ، وان تدمر سميت ببلميرة منذ ان تغلب عليها الاسكندر وذلك لكثرة ما كان يزرع فيها من اشجار النخيل(8) .
ويعتقد ايضا ان كلمة بلميرة هي ترجمة لكلمة ثامار العبرانية (9) التي تعني النخلة ، وان ثامار العبرانية اسم موضع او بلدة تقع الى الجنوب الشرقي من يهوذا ، ويذكرون ان ثامار هي البلدة التي بناها سليمان (عليه السلام) وقد وردت في جملة المدن التي اسسها سليمان ، ولكنها ذكرت تحت اسم تدمر(10)، وان ورود اسم ثامار على هذه الصورة كان نتيجة خطأ قد ورد في الكتابات القديمة فخلطوا بين ثامار الواقعة في جنوب البحر الميت وبين تدمر المدينة المشهورة ، ولكنها كتبت تحت اسم تدمر بدلا من ثامار بعد ذلك واصبحت تدمر على هذا النحو من بين المدن التي اسسها سليمان (عليه السلام) (11) .
ومن هنا ارتبط اسم تدمر بثامار أي النخيل وجاءت التسمية اليونانية ترجمة لمعنى كلمة ثامار وذلك بعد تدوين (اخبار الايام) (12) ونتج عن ذلك التحريف والخلط ان اصبح بناء تدمر منسوبا الى سليمان (عليه السلام) سواء في المصادر العبرية او العربية ، فقد ذكر يوسيفوس (13) ، ان تدمر من بناء سليمان واعتمد في ذلك على التوراة والروايات التي جاءت على السنة القوم جيلا بعد جيل حتى وصلت اليه .
ولقد اختلف الاخباريون في تحديد الزمن والوقت الذي بنيت فيه هذه المدينة كما اختلفوا في تحديد اسم اول من بناها، حيث تزعم الراويات العربية التي اخذت عن التوراة ان تدمر مما بنته الجن لسليمان (14) ويتضمن شعر النابغة هذه النسبة (15) الى سليمان في قوله :
الا سليمـان ، اذ قال الالـه لـه قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن اني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفــاح والعمـد (16)
ولا يصلح شعر النابغة ان يكون حجة في بناء سليمان (عليه السلام) لتدمر، فمن الجائز ان يكون النابغة وغيره، قد اخذ فكرته هذه من اهل الكتاب ومن الجائز ايضا ان يكون هذا الشعر من وضع الوضاعين الذين نسبوه اليه وقد وضعت اشعار كثيرة ونسبت الى قابيل وهابيل والجن وابليس (17) .
ولكن ياقوت يستبعد نسبة بناء تدمر الى سليمان (عليه السلام) فيعلق على زعم الاخبارين بقوله (( واهل تدمر يزعمون ان ذلك البناء قبل سليمان بن داود (عليه السلام) بأكثر مما بيننا وبين سليمان، ولكن الناس اذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه اضافوه الى سليمان والى الجن)) .
وهناك من اخباريّي العرب من ينسب بناء تدمر الى شخصية خرافية هي تدمر بنت حسان بن أذينة بن السميدع التي يرتفع نسبها الى سام بن نوح وذكروا قصة تفيد عثورهم على قبر (تدمر بنت حسان) وهذا ولا شك من وضع الاخباريّين لان العثور على قبر في تدمر ووجود جثة فيه امران ممكنان ولكن المهم هو اثبات هوية صاحب القبر.
على ان الكشوف الاثرية الحديثة اثبتت ان تدمر كانت بعيدة عن مملكة سليمان (عليه السلام) وان حكمه وسلطانه لم يصل الى تلك المنطقة (بل ان تدمر قد وجدت قبل سليمان بأزمان بعيدة فقد عثر على رقيم اشوري في منطقة كباد وكيا وهي مستعمرة للأشوريين في بابل في النصف الثاني من الالف الثالث قبل الميلاد ذكرُ في هذا الرقيم اسم شخص اسمه (بوزو عشتار التدمري – تدمريم) كما ذكرت تدمر بعد ذلك في رقيمين من مدينة ماري (تل يقع على الفرات) يعود للقرن الثامن عشر قبل الميلاد يذكر الرقيم الاول اربعة رجال تدمريين ( 4 اويلو تدمريا) ويذكر الرقيم الثاني ان ستين سوتيا (اراميا) ذهبوا لينهبوا تدمر ونزلا (القريتين) ولكنهم عادوا صفر اليدين بعد ان قتل التدمريون رجلا من السوتين .
وقد عثر ايضا على رقيم يعود تاريخه للقرن الرابع عشر او الثالث عشر قبل الميلاد في مسكنه ايمار على الفرات قرب بابل يشير الى التدمريين ، فضلا عما كشفته الاثار من انه قد ورد ذكر التدمريون في نقوش (تغلات فلاصر الاول) المتعلقة بحملته ضد العموريين في سنة 1115 ق.م .
وقد ذكر احد المستشرقين مدينة تدمر ووصفها بانها مدينة مشهورة لها موقع ممتاز ، ووصف ارضها بالخصب وكثرة الينابيع والعيون، والواقع ان موقع مدينة تدمر يدين بشهرته هذه الى توافر مياهها الكبريتية وخصوبة حدائقها ثم الى التباين بين الصحراء الكبرى العارية المترامية نحو الجنوب وبين سلسلة الجبال التي ترتكز عليها تدمر في الشمال ووقوعها بين امبراطوريات عظيمة استرقت أنظار هذه الامبراطوريات.
غير ان مما لا جدال فيه ان مدينة تدمر قد بنيت قبل الميلاد بقرون طويلة، اذ كانت ممرا للقوافل تحمل حاصلات اليمن والحبشة الى العراق واسيا الصغرى (تركيا اليوم) منذ القرن السادس قبل الميلاد حتى بلغت قمة الازدهار في القرن الثالث بعد الميلاد.
ولكن ما زال اصل تسميتها بتدمر مجهولا الى الان على الرغم من الابحاث الكثيرة التي قام بها العلماء في هذا المجال .
ويبدو ان وقوع تدمر على طريق القوافل التجارية في بادية الشام قد جعلها مكانا مناسبا لاستقرار القبائل العربية فيها بحكم الفتهم لحياة البوادي والصحاري واستخدامهم الحمل في تنقلاتهم عبر مساحاتها الواسعة .
وترجع اقدم اشارة الى وجود العرب كجماعات متميزة تحمل هذا الاسم وتعيش في سوريا الى عهد شلمنصر الثالث (858 – 854 ق.م) حيث جاء في احد النقوش : ان شلمنصر قد حارب ملك دمشق وكان الى جانب ملك دمشق الف راكب من العرب بزعامة (جندبو)ويبدو ان هؤلاء العرب كانوا على قدر كبير من التنظيم حيث كانوا يعيشون في بادية الشام قريباً من دمشق .
في ضوء ما تقدم توصل بعض الباحثين الى ان مدينة تدمر كغيرها من مدائن بلاد الشام تقلبت عليها موجات شعوب شبه الجزيرة العربية كالكنعانين والاراميين وغيرهم ، ثم اخذ العنصر العربي بالمعنى الاصلي للكلمة يغلب عليها تدريجيا من مطلع الالف الاول قبل الميلاد، حتى اصبح هذا العنصر هو النواة الثابتة في تدمر والغالب عليها .
وان مما يؤيد عروبة سكان تدمر في خلال هذه الفترة ان اغلب أسمائهم التي وصلت الينا كانت عربية كسعد وتيم اللات ووهب اللات وزبيد وأذينة وغيرها ، ولغتهم التي كانوا يتخاطبون بها فيما بينهم كانت العربية الشمالية، وان استخدموا الى جانبها اللغة الارامية في الحديث والكتابة بصفتها اللغة السائدة حضاريا في عموم المنطقة في ذلك الوقت .
_________
(1) ابن خرداذبه ، ابو القاسم عبيد الله ، المسالك والممالك ، بغداد – بلا.ت ، ص76 ؛ ابن عبد ربه ، شهاب الدين احمد بن محمد ، العقد الفريد ، ج3 ، تحقيق : خليل شرف الدين ،بيروت – 1986، ص102؛ الزمخشري، ابو القاسم محمد، الامكنة والجبال ،تحقيق : ابراهيم السامرائي، الاردن – 1999، ص40؛ البكري، معجم ما استعجم، ج1، ص194؛ الحموي، المصدر السابق ، ج2، ص17؛ ابو الفدا ، تقويم البلدان، ص89 ؛ البغدادي ، مراصد الاطلاع ، ج1 ، ص254 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية ، ج1، ص187 ؛ ابن بطوطة ، تحفة النظار، ص650 ؛ علي ، المفصل ، ج3 ،ص76 ؛ Cook , Palmyra, Ency Brita, Vol 17 , P.167.
(2) البكري ، المصدر نفسه، ج2 ، ص468 ؛ الحموي ، المصدر نفسه ، ج2 ، ص302 ؛ العمري ، شهاب الدين بن فضل الله ،مسالك الابصار في ممالك الامصار،ج1 ، تحقيق : احمد زكي باشا ، القاهرة – 1924 ، ص12 ؛ ابن الوردي ، خريدة العجائب ، ص33 .
(3) العلي ، محاضرات، ج1 ، ص44 ؛ ابو ضيف ، تاريخ العرب ، ص47 ؛ فروخ ، عمر ، تاريخ الجاهلية ، بيروت – 1964 ، ص67 .
(4) نافع، المرجع السابق، ص11؛ عبد الحميد، المرجع السابق، ص150؛ سالم، المرجع السابق، ج1، ص171؛ الملاح، المرجع السابق، ص167؛ Cook, Ency, Brita, Vol 17, P. 167.
(5) مهران، المرجع السابق، ص534؛ حسن، التاريخ الاسلامي، ص76 ؛ الحوفي، الحياة العربية ، ص128؛ بروكلمان ، كارل، تاريخ الشعوب الاسلامية، ترجمة : نبيه امين فارس ومنير البعلبكي ، بيروت – 1965 ، ص6 ؛ لوبون، حضارة العرب، ص98 ؛ حتي، تاريخ العرب (مطول) ، ج1، ص97 .
(6) علي، المفصل، ج3، ص77 ؛ نافع، عصر ما قبل الاسلام ،ص11 ؛ جونز ، مدن بلاد الشام، ص18 ؛ ستاركي ، جان ، تدمر عروس الصحراء ، دمشق – 1947 ، ص12؛البستاني ، دائرة المعارف ، مج6 ، ص79 ؛ Cook , Ibidem , Vol 17 ,P. 167.
(7) عاقل ، المرجع السابق ، ص126 ؛ ابو ضيف ، تاريخ العرب ، ص47 ؛ جونز ، المرجع السابق ، ص19.
(8) سالم ، المرجع نفسه ، ج1 ، ص171 ؛ العلي ، المرجع نفسه ، ج1 ، ص44 ؛ الالوسي ، محمود شكري ، بلوغ الارب في معرفة احوال العرب ، ج1 ، تصحيح : محمد بهجت الاثري ، مصر – 1947 ، ص210 ؛ برو ، توفيق ، تاريخ العرب القديم ، بغداد-1984 ، ص112 .
(9) علي ، المفصل ، ج3 ، ص76 ؛ طلس ، تاريخ العرب ، ج1 ، ص38 ؛ حتي ، تاريخ سورية ، ج1 ، ص433 .
(10) علي، المفصل، ج3، ص76؛ يحيى، العرب في العصور القديمة، ص435.
(11) عاقل ، تاريخ العرب ، ص127 ؛ يحيى ، المرجع نفسه ، ص435 ؛ حتي ، تاريخ العرب ، ج1 ، ص98 ؛ مهران ، محمد بيومي ، دراسات في تاريخ الشرق الادنى القديم – اسرائيل ، ج2 ، القاهرة – 1973 ، ص511 ؛ الذهبي ، محمد السيد ، الاسرائيليات في التفسير والحديث ، القاهر’ –1971 ، ص42.
(12) علي ، المفصل ، ج3 ، ص77 ؛ مهران ، محمد بيومي ،التوراة ، بحث منشور في مجلة الاسطول ، ع64 ، الاسكندرية – 1970 ، ص15 .
(13) علي ، المفصل ، ج3 ، ص78 ؛ حتي ، تاريخ سورية ، ج1 ، ص432.
(14) القزويني ، زكريا بن محمد ، اثار البلاد واخبار العباد ، بيروت – 1960 ، ص169 ؛ القرماني ، اخبار الدول ، ص440 ؛ الالوسي ، بلوغ الارب ، ج1 ، ص210 ؛ يني ، جرجي ، تاريخ سورية ، بيروت – 1881 ، ص476 ؛ البستاني ، دائرة المعارف ، مج6 ، ص80 .
(15) الملاح، المرجع السابق، ص169؛ سالم، المرجع السابق، ج1، ص172.
(16) الفند : الخطأ والظلم ، خيٍس : ذلل ، الصفاح : الحجارة الكبيرة . الذبياني ، ابو امامة زياد بن معاوية ، ديوان النابغة الذبياني ، ق2 ، تحقيق : فوزي عطوي ، بيروت – 1931 ، ص46 ؛ الهمداني، ابو محمد الحسن، الاكليل،ج8 ،تحقيق: محمد بن علي بن الحسن ، بلا .م – 1979 ، ص183 ؛ البكري، معجم ما أستعجم، ج1،ص306 ؛الحميري، الروض المعطار ، ص131 ؛ اليسوعي ،لويس ، زينب ملكة تدمر ، بحث منشور في مجلة المشرق ، عدد 140 ،بيروت – 1898 ، ص496 .
(17) الحموي، المصدر السابق ،ج2 ،ص17 ؛مهران ،دراسات في تاريخ العرب القديم، ص536؛الالوسي،بلوغ الارب.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|