أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2018
2688
التاريخ: 2-2-2017
2417
التاريخ: 6-11-2016
12360
التاريخ: 7-11-2016
3320
|
الطبقة الأولى من العرب و هم العرب العاربة و ذكر نسبهم و الإلمام بملكهم و دولهم على الجملة, هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح و أعظمهم قدرة و أشدهم قوة و آثارا في الأرض و أول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه لأن أخبار القرون الماضية في قبلهم يمتنع اطلاعنا عليها التطاول الأحقاب و دروسها إلا ما يقصه علينا الكتاب و يؤثر عن الأنبياء بوحي الله إليهم و ما سوى ذلك من الأخبار الأزلية فمنقطع الإسناد و لذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القرآن في قصص بالأنبياء الأقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم و ذكر دولهم و حروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود و علمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة فيما علمناه و ما سوى ذلك من حطام المفسرين و أساطير القصص و كتب بدء الخليقة فلا نعول على شيء منه و إن وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري و البدء للكسائي فإنما نحوا فيها منحى القصاص و جروا على أساليبهم و لم يلتزموا فيها الصحة و لا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغي التعويل عليها و تترك و شأنها و أخبار هذا الجيل من العرب و إن لم يقع لها ذكر في التوراة إلا أن بني إسرائيل من بين أهل الكتاب أقرب إليهم عصرا و أوعى لأخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لأخبار هذا الجيل ثم إن هذه الأمم على ما نقل كان لهم ملوك و دول.
فملوك جزيرة العرب و هي الأرض التي أحاط بها بحر الهند من جنوبها و خليج الحبشة من غربها و خليج فارس من شرقها و فيها اليمن و الحجاز و الشحر و حضرموت و امتد ملكهم فيها إلى الشام و مصر في شعوب منهم على ما يذكر و يقال : إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك و آطام و قصور حسبما نذكره إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان و هؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة و هم عاد و ثمود و طسم و جديس و أميم و عبيل و عبد ضخم و جرهم و حضرمون و حضورا و السلفات و سمي أهل هذا الجبل العرب العاربة إما بمعنى الراسخة في العروبية كما يقال : ليل أليل و صوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية و المبتدعة لها بما كانت أول أجيالها و قد تسمى البائدة أيضا بمعنى الهالكة لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم فأما عاد و هم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن و عمان إلى حضرموت و الشحر و كان أبوهم عاد فيما يقال أول من ملك من العرب و طال عمره و كثر ولده و في التواريخ ولد له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه و تزوج ألف امرأة و عاش ألف سنة و مائتي سنة و قال البيهقي : إنه عاش ثلاثمائة سنة و ملك بعده بنوه الثلاثة شديد و بعده شداد و بعده إرم و ذكر المسعودي : إن الذي ملك من بعد عاد و شداد منهم هو الذي سار في الممالك و استولى على كثير من بلاد ملك من بعد عاد و شداد منهم هو الذي سار في الممالك و استولى على كثير من بلاد الشام و الهند و العراق و قال الزمخشري : إن شداد هو الذي بنى مدينة إرم صحارى عدن و شيدها بصخور الذهب و أساطين الياقوت و الزبرجد يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه و عتوا و يقال : إن باني إرم هذه هو إرم بن عاد وذكر ابن سعيد عن البيهقي : أن باني ارم هو ارم بن شداد بن عاد الأكبر و الصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم و إنما هذا من خرافات القصاص و إنما ينقله ضعفاء المفسرين و إرم المذكورة في قوله تعالى : { إرم ذات العماد } القبيلة لا البلد و ذكر المسعودي أن ملك عوص كان ثلاثمائة و أن الذي ملك من بعده ابنه عاد بن عوص و أن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم و أنه الذي اختط مدينة دمشق و مصرها و جمع عمد الرخام و المرمر إليها و سماها إرم و من أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون و ذكره الشعراء في معاهدها قال الشاعر :
( النخل فالقصر فالحماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون )
و هذا البيت في الصوت الأول من كتاب الأغاني و ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق جيرون و يزيد أخوان هما ابنا سعد بن لقمان بن عاد و بهما عرف باب جيرون و نهر يزيد و الصحيح أن باب جيرون إنما سمي باسم مولى من موالي سليمان عليه السلام في دولة بني إسرائيل جيرون كان ظاهرا في دولتهم
و ذكر ابن سعيد في أخبار القبط : أن شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد حارب بعضها من القبط و غلب على أسافل مصر و نزل الإسكندرية و بنى بها حينئذ مدينة مذكورة في التوراة يقال لها أون ثم هلك في حروبهم و جمع القبط إخوتهم من البربر و السودان و أخرجوا العرب من ملك مصر ثم لما اتصل ملك عاد و عظم طغيانهم و عتوهم انتحلوا عبادة الأصنام والأوثان من الحجارة و الخشب و يقال : إن ذلك لانتحالهم دين الصابئة فبعث الله إليهم أخاهم هودا و هو فيما ذكر المسعودي و الطبري هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد و في كتاب البدء لابن حبيب رباح بن حرب بن عاد و بعضهم يقول هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فوعظهم و كان ملوكهم لعهده : الخلجان و لقمان بن عاد بن عاديا بن صدا بن عادف آمن به لقمان و قومه و كفر الخلجان و امتنع هود بعشيرته من عاد و حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين و بعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم كان في الوفد على ما قاله الطبري نعيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن صدا بن عاد و قيل ابن عنز منهم و حلقمة بن السخري و مرثد بن سعد بن عنز و كان ممن آمن بهود و اتبعه و كان بمكة من عاد هؤلاء : معاوية بن بكر و قومه و كانت هزيلة أخت معاوية عند نعيم بن هزال و ولدت له عبيدا و عمرا و عامرا فلما وصل الوفد إلى مكة مروا بمعاوية بن بكر و ابنه بكر و نزل الوفد عليه ثم تبعهم لقمان بن عاد و أقاموا عند معاوية و قومه شهرا لما بينهم من الخؤلة و مكثوا يشربون و تغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر و ابنه بكر ثم غنتاهم شعرا تذكرهم بأمرهم فانبعثوا و مضوا إلى الاستقساء و تخلف عنهم لقمان بن عاد و مرثد بن سعد فدعوا في استسقائهم و تضرعوا و أنشأ الله السحب و نودي بهم أن اختاروا فاختاروا سوداء من السحب و أنذروا بعذابها فمضت إلى قومهم و هلكوا كما قصه القرآن.
وفي خبر الطبري أن الوفد لما رجعوا إلى معاوية بن بكر لقيهم خبر مهلك قومهم هنالك وأن هودا بساحل البحر و أن الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك و أن الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله حتى تقطعوا في الجبال و تقلع الشجر و ترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون انتهى كلام الطبري.
ثم ملك لقمان ورهطه من قوم عاد و اتصل لهم الملك فيما يقال ألف سنة أو يزيد و انتقل ملكه إلى ولده لقمان و ذكر البخاري في تاريخه أن الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا هو هدد بن بدد بن الخلجان بن عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر و أن المدينة بساحل برقة و لم يزل ملكهم متصلا إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان و اعتصموا بجبال حضرموت إلى أن انقرضوا و قال صاحب زجار أن ملكهم عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر هو الذي حارب يعرب بن قحطان و كان كافرا يعبد القمر و أنه كان على عهد نوح و هذا بعيد لأن بعثة هود كانت عند استفحال دولتهم أو عند مبتدئها و غلب يعرب كان عند انقراضها و كذلك هدد الذي ذكر البخاري أنه ملك برقة إنما هو حافد الخلجان الذي اعتصم آخرهم بجبل حضرموت و خبر البخاري مقدم.
و قال علي بن العزيز الجرجاني : و كان من ملوك عاد يعمر بن شداد و عبد أبهر بن معد يكرب بن شمد بن شداد بن عاد و حناد بن مياد بن شمد بن شداد و ملوك آخرون أبادهم الله و البقاء لله وحده فأما عبيل و هم إخوان عاد بن عوص فيما قاله الكلبي و إخوان عوص بن إرم فيما قاله الطبري و كانت ديارهم بالحجفة بين مكة و المدينة و أهلكهم السيل و كان الذي اختط يثرب منهم هكذا قال المسعودي و قال هو يثرب بن ابائلة بن مهلهل بن عبيل و قال السهيلي إن الذي اختط يثرب من العماليق و هو يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق و أما عبد ضخم بن إرم فقال الطبري كانوا يسكنون الطائف و هلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل و قال غيره إنهم أول من كتب بالخط العربي.
و أما ثمود بنو ثمود بن إرم فكانت ديارهم بالحجر و وادي القرى فيما بين الحجاز و الشام و كانوا ينحتون بيوتهم في الجبال و يقال لأن أعمارهم كان تطول فيأتي البلاء و الخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر و هي لهذا العهد و قد مر بها النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك و نهى عن دخولها كما في الصحيح و فيه إشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل و يشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص و وقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول و العظم و هذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه وعلى آله يشهد بأنهم في طولهم و عظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عاد و أجيالهم فيما بلغنا و يقال إن أول ملوكهم كان عابر بن إرم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة ثم كان من بعده جند بن الدبيل بن إرم بن ثمود و يقال ملك نحوا من ثلاثمائة سنة و في أيامه كانت بعثة صالح عليه السلام و هو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود و كانوا أهل كفر وبغي و عبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين و التوحيد قال الطبري : فلما جاءهم بذلك كفروا و طلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن الناقة و نهاهم أن يعترضوا لها بعقر أو هلكة و أخبرهم مع ذلك أنهم عاقروها و لا بد و رأس عليهم قدار بن سالف و كان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا و لما طال النذير عليهم من صالح سئموه وهموا بقتله وكان يأوي إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطبقت عليهم و هلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه و أقبل صالح و قد تخوف عليهم العذاب فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغات فأنذرهم صالح ثلاثا وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين و هلك جميعهم حيث كانوا من الأرض إلا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب قيل من هو يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال و يقال إن صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم و توفي ابن ثمان و خمسين سنة و في الصحيح [ أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم و قال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا و أنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم ] كلام الطبري.
و قال الجرجاني : كان من ملوكهم دؤوبان بن يمنع ملك الإسكندرية و موهب بن مرة بن رحيب و كان عظيم الملك و أخوه هوبيل بن مرة كذلك و فيما ذكره المفسرون أنهم أول من نحت الجبال و الصخور و أنهم بنو ألفا و سبعمائة مدينة و في هذا ما فيه ثم ذهبوا بما كسبوا و درجوا في الغابرين و هلكوا و يقال إن من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان و ليس ذلك بصحيح وأهل الرس هم حضور ويأتي ذكرهم في بني فالغ بن عابر و كذلك يزعم بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود هؤلاء و هو مردود و كان الحجاج بن يوسف إذا سمع ذلك يقول كذبوا و قال و الله جل من قائل يقول و ثمود فما أبقى أي أهلكهم فما أبقى أحدا منهم و أهل التوراة لا يعرفون شيئا من أخبار عاد و لا ثمود لأنهم لم يقع لهم ذكر في التوراة و لا لهود و لا لصالح عليهما السلام بل و لا لأحد من العرب العاربة لأن سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم إنما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى و آدم صلوات الله عليهم و ليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها.
و أما جديس و طسم فعند ابن الكلبي أن جديسا لإرم بن سام و ديارهم اليمامة و هم إخوان لثمود بن كاثر و لذلك ذكرهم بعدهم و أن طسما للاوذ بن سام و ديارهم بالبحرين و عند الطبري أنهما معا للاوذ و ديارهم باليمامة و لهذين الاثنين خبر مشهور ينبغي سياقه عند ذكرهم قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي بسنده إلى ابن اسحق و غيره من علماء العرب : أن طسما و جديسا كانوا من ساكني اليمامة و هي إذ ذاك من أخصب البلاد و أعمرها و أكثرها خيرا و ثمارا و حدائق و قصورا و كان ملك طسم غشوما لا ينهاه شيء عن هواه و يقال له : عملوق و كان مضرا لجديس مستذلا لهم حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها و كان السبب في ذلك أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجها و أخذ ولده منها فأمر عملوق ببيعها و أخذ زوجها الخمس من ثمنها فقالت شعرا تتظلم منه فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفترعها فقاقوا كذلك حتى تزوجت الشموس و هي عفيرة ابنة غفار بن جديس أخت الأسود فافتضها عملوق فقال الأسود بن غفار لرؤساء جديس : قد ترون ما نحن فيه من الذل و العار الذي ينبغي للكلاب أن تعافه فأطيعوني أدعوكم إلى عز الدهر فقالوا و ما ذاك قال : أصنع للملك و قومه دعوة فإذا جاؤوا يعني طسما نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم فأجمعوا على ذلك و دفنوا سيوفهم في الرمل و دعوا عملوقا و قومه فلما حضروا قتلوهم فأفنوهم و قتل الأسود عملوقا و أفلت رباح بن مرة بن طسم فأتى حسان بن تبع مستغيثا فنهض حسان في حمير لإغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل قال لهم رباح إن لي أختا متزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها و إنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل و أخاف أن تنظر القوم فأمر كل رجل أن يقع شجرة فيجعلها في يديه و يسير كأنه خلفها ففعلوا و بصرت بهم اليمامة فقالت لجديس : لقد سارت إليكم حمير و إني أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أو نعل يخصفها فاستبعدوا ذلك و لم يحفلوا به و صبحهم حسان و جنوده من حمير فأبادهم و خرب حصونهم و بلادهم و هرب الأسود بن غفار إلى جبلي طيء فأقام بهما و دعا تبع باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع عينها و يقال إنه وجد بها عروقا سودا زعمت أن ذلك من اكتحالها بالإثمد و كانت تلك البلد تسمى جو فسميت باليمامة باسم تلك المرأة.
قال أبو الفرج الأصبهاني : و كانت طيء تسكن الجرف من أرض اليمن و هي اليوم محلة مراد وهمدان و سيدهم يومئذ سامة بن لؤي بن الغوث بن طيء و كان الوادي مسبعة و هم قليل عددهم و كان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف و يذهب في زمن الخريف و يذهب ثم يجيء من قابل و لا يعرفون مقره و كان الأزد قد خرجت أيام سيل العرم و استوحشت طيء فظغنوا على أثرهم و قالوا لسامة هذا البعير إنما يأتي من الريف و الخصب لأن في بعره النوى فلما جاءهم زمن الخريف أتبعوه يسيرون لسيره حتى هبط عن الجبلين و هجموا على النخل في الشعاب و على المواشي و إذا هم بالأسود بن غفار في بعض تلك الشعاب فهالهم خلقه و تخوفوه و نزلوا ناحية و نفضوا الطريق فلم يروا أحدا فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الأسود فجاء إليه فعجب من صغر خلقه و قال : من أين أقبلتم ؟ قال : من اليمن و أخبره خبر البعير ثم رماه فقتله و أقامت طيء بالجبلين بعده.
و ذكر الطبري عن غير ابن اسحاق أن تبع الذي أوقع بجديس هو والد حسان هذا و هو ثبان أسعد أبو كرب بن ملكي كرب و يأتي ذكره في ملوك اليمن إن شاء الله تعالى انتهى كلام الطبري.
و قال غيره إن حسان بن تبع لما سار بحمير إلى طسم بعث على مقدمته إليه عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذي رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرة الرمل و كانت الزرقاء أخت رباح ناكحا في طسم و تسمى عنزة و اليمامة و كانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا و صبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصة و بقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير و السباع حتى نزلها بنو حنيفة و كانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد فلما أكل من ذلك الثمر قال إن هذا الطعام ! و حجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة فسميت حجرا و استوطنها بنو حنيفة و بها صبحهم الإسلام كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى و أما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ و بهم بضرب المثل في الطول و الجثمان قال الطبري : عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت في البلاد فكان أهل المشرق و أهل عمان و البحرين و أهل الحجاز منهم و كانت الفراعنة بمصر منهم و كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون منهم و كان الذين بالبحرين و عمان و المدينة يسمون جاسم و كان بالمدينة من جاسم هؤلاء بنو لف و بنو سعد بن هزال و بنو مطر و بنو الأزرق و كان بنجد منهم بديل و راحل و غفار بالحجاز منهم إلى تيما بنو الأرقم و يسكنون مع ذلك نجدا و كان ملكهم يسمى الأرقم قال : و كان بالطائف بنو عبد ضخم بن عاد الأول انتهى.
و قال ابن سعيد فيما نقله عن كتب التواريخ التي اطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال : كانت موطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام المناذرة من بني حام و لم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسمعيل صلوات الله عليه و آمن به من آمن منهم و تطرد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق و في أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا و نزل بمكان المدينة منهم بنو عبيل بن مهلايل بن عوص بن عمليق فعرفت به و نزل أرض أيلة ابن وهمر بن عمليق و اتصل ملكها في ولده و كان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن وهمر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشام بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك فغلبه يوشع و أسره و ملك أريحا قاعدة الشام و هي قرب بيت المقدس و مكانها معروف لهذا العهد ثم بعث من بني إسرائيل بعثا إلى الحجاز فملكوه و انتزعوا من أيدي العمالقة ملوكه و نزعوا يثرب و بلادها و خبير و من بقاياهم يهود قريظة و بنو النضير و بنو قينقاع و سائر يهود الحجاز على ما نذكره ثم كان لهم ملك بعد ذلك في دولة الروم و ملكوا أذينة بن السميدع على مشارف الشام و الجزيرة من ثغورهم و أنزلوهم في التخوم ما بينهم و بين فارس و هذا الملك أذينة ابن السميدع هو الذي ذكره الشاعر في قوله :
( أزال أذينة عن ملكه ... و أخرج عن أهله ذا يزن )
و كان من بعده حسان بن أذينة و من بعده طرف بن حسان بن بدياه نسبة إلى أمه و بعده عمرو بن مطرف و كان بينه و بين جذيمة الأبرش حروب و قتله جذيمة و استولى على ملكهم و كان آخرا من العمالقة كما نذكر ذلك في موضعه ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر و أن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده و اسمه الوليد بن دومغ و يقال ثوران بن أراشة بن فادان بن عمرو بن عملاق فجاء معه ملك مصر و استعبد القبط قال الجرجاني و من ثم ملك العماليق مصر و يقال أن منهم فرعون إبراهيم و هو سنان بن الأشل بن عبيد بن عولج بن عمليق و فرعون يوسف أيضا منهم و هو الريان بن الوليد بن فوران و فرعون موسى كذلك و هو الوليد بن مصعب بن أبي أهوان بن الهلوان و يقال أنه قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السواس بن فاران و كان الذي ملك مصر بعد الريان بن الوليد طاشم بن معدان كلام الجرجاني و قال غيره : الريان فرعون يوسف و هو الذي تسميه القبط نقراوش و أن وزيره كان أطفير و هو العزيز و أنه آمن بيوسف و أن أرض الفيوم كانت مغايض للماء فدبرها يوسف بالوحي و الحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية و ملك بعده ابنه دارم بن الريان و بعده ابنه معد انوس فاستعبد بني إسرائيل قال الكلبي : و يذكر القبط أنه فرعون موسى و ذكر أهل الأثر أنه الوليد بن مصعب و أنه كان نجارا من غير بيت الملك فاستولى إلى أن ولي حرس السلطان ثم غلب عليه ثم استبد بعده و عليه انقرض أمر العمالقة و لما غرق في اتباع موسى صلوات الله عليه رجع الملك إلى القبط فولوا من بيت ملكهم دلوكه العجوز كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى و أما بنو إسرائيل فليس عندهم ذكر لعمالقة الحجاز و عندهم أن عمالقة الشام من ولد عملاق بن أليفاذ ـ بتفخيم الفاء ـ ابن عيصو أو عيصاب أو العيص بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام و فراعنة مصر منهم على الرأيين و أما الكنعانيون الذين ذكر الطبري أنهم العمالقة فهم عند الإسرائيليين من كنعان ابن حام و كانوا قد انتشروا ببلاد الشام و ملكوها و كان معهم فيها بنو عيصو المذكورون و يقال لهم بنو يدوم و من أيديهم جميعا ابتزها بنو اسرائيل عند المجي أيام يوشع بن نون و لذلك تزعم زناتة المغرب أنهم من هؤلاء العمالقة و ليس بصحيح و أما أميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ قال السهيلي : يقال بفتح الهمزة و كسر الميم و بضم الهمزة و فتح الميم و هو أكثر و وجدت بخط بعض المشاهير أميم بتشديد الميم و يذكر أنهم أول من بنى البنيان و اتخذ البيوت و الأطام من الحجارة و سقفوا بالخشب و كان ديارهم فيما يقال أرض فارس و لذلك زعم بعض نسابة الفرس أنهم من أميم و أن كيومرث الذين ينسبون إليه هو ابن أميم بن لاوذ و ليس بصحيح و كان من شعوبهم و بار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة و الشحر و سالت عليهم الريح فهلكوا.
و أما العرب البائدة من بني أرفخشذ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فهم جرهم و عبادة أوثان و بعث إليهم نبي منهم اسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه و هلكوا كما هلك غيرهم من الأمم و أما جرهم فكانت ديارهم باليمن و كانوا يتكلمون بالعبرانية و قال البيهقي : إن يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن و ملكه من أيديهم ولى إخوته على الأقاليم و ولى جرهم على الحجاز و ولى بلاد عاد الأولى و هي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به و ولى جرهم على الحجاز و ولى بلاد عاد الأولى و هي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به و ولى عمان يقطن بن قحطان انتهى كلام البيهقي و قيل إنما نزلت جرهم الحجاز ثم بني قطور بن كركر بن عملاق لقحط أصاب اليمن فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن إسمعيل عليه السلام و نبوته فآمنوا به و قاموا بأمره و ورثوا ولاية البيت عنه حتى غلبتهم عليه خزاعة و كنانة فخرجت جرهم من مكة و رجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا.
و أما حضرموت فمعدودون في العرب العاربة لقرب أزمانهم و ليسوا من العرب البائدة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة إلا أن يقال أن جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الأولى و اندرجوا في كندة و صاروا من عدادهم فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا و بادوا و الله أعلم و قال علي بن عبد العزيز إنه كان فيهم ملوك التبابعة في علو الصيت و نهاية الذكر قال و ذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكه منهم و ارتفع ذكره عمرو الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملك مائة سنة و قاتل العمالقة ثم ملك كريب ذوكر اب ثم نمر الأزج مائة و ثلاثا و ثلاثين سنة و هلك إخوته في ملكه ثم ملك مرثد ذو مروان بن كريب مائة و أربعين سنة و كان يسكن مأرب ثم تحول إلى حضرموت ثم ملك علقمة ذو قيعان ابن مرثد ذي مروان بحضرموت ثلاث سنة ثم ملك ذو عيل بن ذي قيعان عشر سنين و سكن صنعاء و غزا الصين فقتل ملكها و أخذ سيفه ذا النور ثم ملك ذو عيل بن ذي عيل بحضرموت عشر سنين و لما شخص سنان ذو ألم لغزو الصين تحول ذو عيل إلى صنعاء و اشتدت وطأته و كان أول من غزا الروم من ملوك اليمن و أول من أدخل و الديباج إلى اليمن ثم ملك بدعات بن ذي عيل بحضرموت أربع سنين ثم ملك بدعيل بن بدعات و بني حصونا و خلف آثارا ثم ملك بديع ذو عيل ثم ملك حماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب و غزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف و خرب و سبى و دام ملكه ثمانين سنة و كان أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم ثم ملك يشرح ذو الملك بن ودب بن ذي حماد بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة و كان أول من رتب الرواتب و أقام الحرس و الروابط ثم ملك منعم بن ذي الملك دثار بن جذيمة بن منعم ثم يشرح بن جذيمة بن منعم ثم نمر بن بشرح ثم ساجن المسمى ابن نمر و في أيامه تغلبت الحبشة على اليمن.
هذه قبائل هذا الجيل من العرب العاربة و ما كانوا عليه من الكثرة و الملك إلى أن انقرضوا و أزال الله من أمرهم بالقحطانية كما نحن ذاكروه و لم نغفل منهم إلا من لم يصلنا ذمره من خيره.
و أما جرهم فقال له ابن سعيد : إنهم أمتان أمة على عهد عاد و أمة من ولد جرهم بن قحطان و لما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد يا ليل ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنة عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه الحرس ثم ملك من بعده جرهم بن عبد يا ليل ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه يشير بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض قال و هذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسمعيل عليه السلام و تزوج فيهم انتهى.
و أما بنو سبا بن يقطن فلم يبيدوا و كان لهم بعد تلك الأجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير و كهلان و ملوك التبابعة و هم أهل الطبقة الثانية و في مسند الإمام أحمد : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قيل هو فروة بن مسيك المرادي عن سبا أرجل هو أو امرأة أم أرض ؟ فقال به رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة و الشام أربعة فأما اليمانيون فمذ حج و كندة و الأزد و الأشعر و أنمار و حمير و أما الشاميون فلخم و جذام و عاملة و غسان و ثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم بالعربية و لقنها عن الأجيال قبله فكانت لغة بينه و لذلك سموا العرب المستعربة و لم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية و كذلك كان أخوه فالغ و بنوه إنما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء اسمعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة نبيه و هم أهل الطبقة الثالثة المسلمون بالعرب التابعة للعرب فلنذكر هذا النسب لينتظم أجياله مع الأجيال السابقة و اللاحقة و نستوفي أنساب الأمم منها.
الطبقة الثانية من العرب و هم العرب المستعربة و إنما سمي أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لأن السمات و الشعائر العربية و لما انتقلت إليهم ممن قبلهم اعتبرت فيها الصيرورة بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم و هي اللغة العربية التي تكلموا بها و فهو من استفعل بمعنى الصيرورة من قولهم : استنوق الجمل و استحجر الطين و أهل الطبقة الأولى لما كانوا أقدم الأمم فيما يعلم جيلا كانت اللغة العربية لهم بالأصالة و قيل العاربة, واعلم أن أهل هذا الجيل من العرب يعرفون باليمينة و السبئية و أن نسابة بني إسرائيل يزعمون أن أباهم سبا من ولد كوش بن كنعان و نسابة العرب يأبون ذلك و يدفعونه و الصحيح الذي عليه كافتهم أنهم من قحطان و أن سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان و قال ابن إسحق يعرب بن يشجب فقدم و أخر و قال ابن ما كولا على ما نقل عنه السهيلي اسم قحطان مهزم و بين النسابة خلاف في نسب قحطان فقيل هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام أخو فالغ و يقطن و لم يقع له ذكر في التوراة و إنما ذكر فالغ و يقطن و قيل هو معرب يقطن لأنه اسم أعجمي و العرب تتصرف في الأسماء الأعجمية بتبديل حروفها و تغييرها و تقديم بعضها على بعض و قيل إن قحطان بن يمن بن قيدار و قيل إن قحطان من ولد إسمعيل و أصح ما قيل في هذا إنه قحطان بن يمن بن قيدر و يقال الهميسع بن يمن بن قيدار و أن يمن هذا سميت به اليمن و قال ابن هشام أن يعرب ابن قحطان كان يسمى يمنا و به سميت اليمن فعلى القول بأن قحطان من ولد إسمعيل تكون العرب كلهم من ولده لأن عدنان و قحطان يستوعبان شعوب العرب كلها.
و قد احتج لذلك من ذهب إليه بأن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال لرماة الأنصار : [ ارموا يا بني إسمعيل فإن أباكم كان راميا ] و الأنصار من ولد سبا و هو ابن قحطان و قيل إنما قال ذلك لقوم من أسلم من أقصى أخوة خزاعة بن حارثة بناء على أن نسبهم في سبا و قال السهيلي و لا حجة في شيء منهما لأنه إذا كانت العرب كلها من ولد إسمعيل فهذا من السهيلي جنوح إلى القول بمفهوم اللقب و هو ضعيف ثم قال : و الصحيح أن هذا القول إنما كان منه صلى الله عليه وآله و سلم لأسلم كما قدمناه و إنما أراد أن خزاعة من معد بن إلياس بن مضر و ليسوا من سبا و لا من قحطان كما هو الصحيح في نسبهم على ما يأتي و احتجوا أيضا لذلك بأن قحطان لم يقع له ذكر في التوراة كما تقدم فدل على أنه ليس من ولد عابر فترجح القول بأنه من إسماعيل و هذا مردود بما تقدم أن قحطان معرب يقطن و هو الصحيح و ليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم و يقال إنه أول من تكلم بالعربية و معناه من أهل هذا الجيل الذين هم العرب المستعربة من اليمنية و إلا فقد كان للعرب جيل آخر و هم العرب العاربة و منهم تعلم قحطان تلك اللغة العربية ضرورة و لا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه و كان بنو قحطان هؤلاء معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة و مظاهرين لهم على أمورهم و لم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك و ترفه الذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاة من الهرم الذي يسوق إليه الترف و النضارة فتشعبت في أرض الفضا فصائلهم و تعدد في جو القفر أفخاذهم و عشائرهم و نما عددهم و كثر إخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل و زاحموهم بمناكبهم و استجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم. و كانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم و كان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب يقال إنه أول من حياة قومه بتحية الملك قال ابن سعيد : و هو الذي ملك بلاد اليمن و غلب عليها قوم عاد و غلب العمالقة على الحجاز و ولى إخوته على جميع أعمالهم فولى جرهما على الحجاز و عاد بن قحطان على الشحر و حضرموت بن قحطان على جبال الشحر و عمان بن قحطان على بلاد عمان هكذا ذكر البيهقي و قال ابن حزم : وعد لقحطان عشرة من الولد و أنه لم يعقب منهم أحد ثم ذكر ابنين منهم دخلوا في حمير ثم ذكر الحرث بن قحطان و قال فولد فيما يقال له لأسور و هم رهط حنظلة بن صفوان نبي الرس و الرس ما بين نجران إلى اليمن و من حضرموت إلى اليمامة ثم ذكر يعرب بن قحطان و قال فيهم الحميرية و العداد انتهى قال ابن سعيد و ملك بعد يعرب ابنه يشجب و قيل اسمه يمن و استبد أعمامه بما في أيديهم من الممالك و ملك بعده ابنه عبد شمس و قيل عابر و يسمى سبا لأنه قيل إنه أول من سن السبي و بنى مدينة سبا و سد مأرب و قال صاحب التيجان إنه غزا الأقطار و بنى مدينة عين شمس بإقليم مصر و ولى عليها ابنه بابليون و كان لسبا من الولد كثير و أشهرهم حمير و كهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان من اليمنية أهل الكثرة و الملك و العز و ملك حمير منهم أعظمه و كان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم و عد ابن حزم في ولده زيدان و ابنه نجران بن زيدان و به سميت البلد و لما هلك سبا قام بالملك بعد ابنه حمير و يعرف بالعرنجج و قيل هو أول من تتوج بالذهب و يقال إنه ملك خمسين سنة و كان له من الولد ستة فيما قال السهيلي : واثل و مالك و زيد و عامر و عوف و سعد و قال أبو محمد بن حزم الهميسع : و مالك و زيد و واثل و مشروح و معد يكرب و أوس و مرة و عاش فيما قال السهيلي ثلاثمائة سنة و ملك بعده ابنه واثل و تغلب أخوه مالك بن حمير على عمان فكانت بينهما حروب و قال ابن سعيد : إن الذي ملك بعد حمير على عمان فكان بينهما حروب و قال ابن سعيد : إن الذي ملك بعد حمير أخوه كهلان و من بعده واثل بن حمير ثم من بعد واثل السكسك بن واثل و كانت مالك بن حمير قد هلك و غلب على عمان بعده ابنه قضاعة فحاربه السكسك و أخرجه عنها و ملك بعده ابنه يعفر بن السكسك و خرجت عليه الخوارج و حاربه ملك بن الحاف بن قضاعة و طالت الفتنة بينهما و هلك يعفر و خلف ابنه النعمان حملا و يعرف بالمعافر و استبد عليه من بني حمير ماران بن عوف بن حمير و يعرف بذي رياش و كان صاحب البحرين فنزل نجران و اشتغل بحرب مالك بن الحاف بن قضاعة
و لما كبر النعمان حبس ذارياش و استبد بأمره وطال عمره و ملك بعده ابنه أسجم بن المعافر فاضطربت أحوال حمير و صار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الرايش و بنيه التبابعة كما نذكره.
و يقال إن بني كهلان تداولوا الملك مع حمير هؤلاء و ملك منهم جبار بن غالب بن كهلان و ملك أيضا من شعوب قحطان نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان و ملك من حمير هؤلاء ثم من بني الهميسع بن حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع و إليه نسب عرب أبين من بلاد اليمن و ملك منهم أيضا عبد شمس بن واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير ثم ملك من أعقابه شداد بن الملطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الصوان بن عبد شمس و بعده أخوه و بعد أخوه لقمان ثم أخوهما ذو شدد و هداد و مداثر و بعده ابنه الصعب و يقال إنه ذو القرنين و بعده أخوه الحرث بن ذي شدد و هو الرائش جد الملوك التبابعة و ملك في حمير أيضا من بني الهميسع من بني عبد شمس هؤلاء حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس.
قال أبو المنذر هشام بن الكلبي في كتاب الأنساب و نقلته من أصل عتيق بخط القاضي المحدث أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حبيش قال : ذكر الكلبي عن رجل من حمير من ذي الكلاع قال : أقبل قيس يحرق موضعا باليمن فأبدى عن أزج فدخل فيه فوجد سريرا عليه رجل ميت و عليه جباب و شيء مذهبة في رأسه تاج و بين يديه محجن من ذهب و في رأسه ياقوتة حمراء و إذا لوح مكتوب فيها : بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل مات في زمان هيد و ما هيد هلك فيها اثنا عشر ألف قبيل فكنت آخرهم قبيلا فابتنيت ذا شعبين ليجرني من الموت فاخفرني كلامه و قال الطبري : و قيل أن أول من ملك من اليمن من حمير شمر بن الأملوك كان لعهد موسى عليه السلام و بني طفار و أخرج منها العمالقة و يقال كان من عمال الفرس على اليمن.
الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة هذه الأمة من العرب البادية أهل الخيام الذين لا أغلاق لهم لم يزالوا من أعظم أمم العالم و أكثر أجيال الخليفة يكثرون الأمم تارة و ينتهى إليهم العز والغلبة بالكثرة فيظفرون بالملك ويغلبون على الأقاليم والمدن والأمصار ثم يهلكهم الترفه و التنعم و يغلبون عليهم و يقتلون و يرجعون إلى باديتهم وقد هلك المتصدرون منهم للرياسة بما باشروه من الترف ونضارة العيش وتصيير الأمر لغيرهم من أولئك المبعدين عنهم بعد عصور أخرى هكذا سنة الله في خلقه و للبادية منهم مع من يجاورهم من الأمم حروب ووقائع في كل عصر وجيل بما تركوا من طلب المعاش وجعلوا طلب المعاش رزقهم في معاشهم بترصد السبيل و انتهاب متاع الناس, ولما استفحل الملك للعرب في الطبقة الأولى للعمالقة و في الثانية للتبابعة و كان ذلك عن كثرتهم فكانوا منتشرين لذلك العهد باليمن و الحجاز ثم بالعراق و الشام فلما تقلص ملكهم و كانوا بالعراق بقية أقاموا ضاحين من ظل الملك يقال في مبدأ كونهم هنالك أن بختنصر لما سلطه الله على العرب و على بني إسرائيل بما كانوا من بغيهم و قتلهم الأنبياء قتل أهل الوبر بناحية عدن اليمن نبيهم شعيب بن ذي مهدم على ما وقع في تفسير قوله تعالى : { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون } فأوحى الله إلى إرمياء بن حزقيا و برخيا أن يسيرا بختنصر إلى العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم أن يقتل ولا يستحيى ويستلحمهم أجمعين و لا يبقي منهم أثرا و قال بختنصر : و أنا رأيت مثل ذلك و سار إلى العرب و قد نظم ما بين أيلة و الأبلة خيلا و رجلا و تسامع العرب بأقطار جزيرتهم و اجتمعوا للقائه فهزم عدنان أولا ثم استلحم الباقين و رجع إلى بابل و جمع السبايا فأنزلهم بالنبار ثم خالطهم بعد ذلك النبطة.
و قال ابن الكلبي : إن بختنصر لما نادى بغزو العرب افتتح أمره بالقبض على من كان في بلاده من تجارهم للميرة و أنزلهم الحيرة ثم خرج إليهم في العساكر فرجعت قبائل منهم إليه آثروا الإذعان و المسالمة و أنزلهم بالسواد على شاطئ الفرات و ابتنوا موضع عسكرهم و سموه الأنبار ثم أنزلهم الحيرة فسكنوها سائر أيامه و رجعوا إلى الأنبار بعد مهلكه.
قال الطبري : إن تبعا أبا كرب لما غزا العراق أيام أردشير بهمن كانت طريقة على جبل طيء و منه إلى الأنبار و انتهى إلى موضع الحيرة ليلا فتحير و أقام فسمي المكان الحيرة ثم سار لوجهه و خلف هنالك قوما من الأزد و لخم و جذام و عاملة و قضاعة وطنوا و بنوا و لحق بهم ناس من طيء و كلب و السكون و إياد و الحرث بن كعب فكانوا معهم وقيل وهو قريب من الأول : خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة فنزل بها ضعفاء الناس فسميت الحيرة و لما رجع و وجدهم قد استوطنوا تركهم هنالك و فيهم من كل قبائل العرب من هذيل و لخم و جعفى و طيء و كلب و بني لحيان من جرهم.
قال هشام بن محمد : لما مات بختنصر انتقل الذين أسكنهم بالحيرة إلى الأنبار و معهم من انضم إليهم من بني إسمعيل و بني معد وانقطعت طوالع العرب من اليمن عنهم ثم كثر أولاد معد و فرقتهم العرب وخرجوا يطلبون المنسع و الريف فيما يليهم من بلاد اليمن و مشارف الشام و نزلت قبائل منهم البحرين وبها يومئذ قوم من الأزد نزلوها أيام خروج مزيقياء من اليمن و كان الذين أقبلوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم بن أسد بن وبرة بن قضاعة و ابن أخيهما مالك بن زهير و ابن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم و الخنفار بن الحيق بن عمرو بن معد بن عدنان في قفص كلها و لحق بهم غطفان بن عمرو بن لطمان بن عبد مناف بن بعدم بن دعمى بن أياد بن أرقص بن صبيح بن الحارث بن أفصى بن دعمى و زهير بن الحرث بن أليل بن زهير بن أياد و اجتمعوا بالبحرين و تحالفوا على المقام و التناصر و أنهم يد واحدة و كان هذا الاجتماع و الحلف أزمان الطوائف و كان ملكهم قليلا و مفترقا و كان كل واحد منهم يغير على صاحبه و يرجع على أكثر من ذلك فتطلعت نفوس العرب بالبحرين إلى ريف العراق و طمعوا في غلب الأعاجم عليه أو مشاركتهم فيه و اهتبلوا الخلاف الذي كان بين الطوائف و أجمع رؤساؤهم المسير إلى العراق فسار منهم الأول الخنفار بن الحبق في أشلاء قفص بن معد و من معهم من أخلاط الناس فوجدوا بأرض بابل إلى الموصل بني إرم بن سام الذين كانوا ملوكا بدمشق و قيل لها من أجلهم دمشق إرم و هم من بقايا العرب الأولى فوجدوهم يقاتلون ملوك الطوائف فدفعوهم عن سواد العراق فارتفعوا عنه إلى أشلاء قفص هؤلاء ينسبون إلى عمرو بن عدي بن ربيعة جد بني المنذر عند نسابة مضر و في قول حماد الراوية كما يأتي ذكره ثم طلع مالك و عمرو ابنا فهم و ابن مالك بن زهير من قضاعة و غطفان بن عمرو و صبح بن صبيح وزهير بن الحرث من أياد فيمن معهم من غسان و حلفائهم بالأنبار و كلهم تنوخ كما قدمنا فغلبوا بني إرم و دفعوهم عن جهات السواد و جاء على أثرهم نمارة بن قيس و نمارة بن لخم نجدة من قبائل كندة فنزلوا الحيرة وأوطنوها و أقامت طالعة الأنبار و طالعة الحيرة لا يدينون للأعاجم و لا تدين لهم حتى مر بهم تبع و ترك فيهم ضعفة عساكره كما تقدم و أوطنوا فيهم من كل القبائل كما ذكرنا جعف وطيء و تميم و بني لحيان من جرهم و نزل كثير من تنوخ ما بين الحيرة و الأنبار بادين في الخيام لا يأوون إلى المدن و لا يخالطون أهلها و كانوا يسمون عرب الضاحية و أول من ملك منهم أزمان الطوائف مالك بن فهم و بعده أخوه عمرو و بعده ابن أخيه جذيمة الأبرش .
و كان أيضا ولد عمرو مزيقياء بعد خروجه من اليمن بالأزد قومه عند خروجه أنذرهم بسيل العرم في القصة المشهورة وقد انتشروا بالشام و العراق و تخلف من تخلف منهم بالحجاز و هم خزاعة فنزلوا مر الظهران و قاتلوا جرهما بمكة فغلبوهم عليها و نزل نصر بن الأزد عمان و نزلت غسان جبال الشراة و كانت لهم حروب مع بني معد إلى أن استقروا هنالك في التخوم بين الحجاز و الشام هذا شأن من أوطن العراق و الشام من قبائل سبا تشاءم منهم أربعة و بقي باليمن ستة و هم مذجح و كندة و الأشعريون و حمير و أنمار و هو أبو خثعم و بجيلة فكان الملك لهؤلاء باليمن في حمير ثم التبابعة منهم و يظهر من هذا أن خروج مزيقياء و الأزد كان لأول ملك التبابعة أو قبله بيسير.
و أما بنو معد بن عدنان فكان إرميا و برخيا لما أوحي إليهما بغزو بختنصر العرب و أمرهما الله أن يستخرجا معد بن عدنان لأن من ولده محمدا صلى الله عليه و سلم و أخرجه آخر الزمان أختم به النبيين و أرفع به من الضعة فأخرجاه على البراق و هو ابن اثنتي عشرة سنة و ذهبا به إلى حران فربي عندهما و غزا بختنصر العرب و استلحمهم و هلك عدنان و بقيت بلاد العرب خرابا ثم هلك بختنصر فخرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل فحجوا جميعا و طفق يسأل عمن بقي من ولد الحرث بن مضاض الجرهمي و كانت قبائل دوس أكثر جرهم على يده فقيل له بقي جرهم بن جلهة فتزوج ابنته معانة و ولدت له نزار بن معد.
قال السهيلي : و كان رجوع معد إلى الحجاز بعدما رفع الله بأسه عن العرب و رجعت بقاياهم التي كانت بالشواهق إلى مجالاتهم بعد أن دوخ بختنصر بلادهم و خرب معمورهم و استأصل خضورا وأهل الرس التي كانت سطوة الله بالعرب من أجلهم أنتهى كلام السهيلي.
ثم كثر نسل معد في ربيعة و مضر و أياد و تدافعوا إلى العراق و الشام و تقدم منهم أشلاء قفص ـ كما ذكرنا ـ و جاءوا على أثرهم فنزلوا مع أحياء اليمنية الذين ذكرناهم قبل و كانت لهم مع تبع حروب و هو الذي يقول :
( لست بالتبع اليماني إن لم ... تركض الخيل في سواد العراق )
( أو تؤدي ربيعة الخرج قسرا ... لم تعقها موانع العواق )
ثم كان بالعراق و الشام و الحجاز أيام الطوائف و من بعدهم في أعقاب ملك التبابعة اليمنية و العدنانية ملك و دول بعد أن درست الأجيال قبلهم و تبدلت الأحوال السابقة لعصرهم فاستحق بذلك أن يكون جيلا منفردا عن الأول و طبقة مباينة لطباق السالفة و لما لم يكن لهم أثر في إنشاء العروبية كما للعرب العاربة و لا في لغتها عنهم كما في المستعربة و كانوا تبعا لمن تبعهم في سائر أحوالهم استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب و استمرت الرياسة و الملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة و آمادا بما كانت صبغتها لهم من قبل و أحياء مضر و ربيعة تبعا لهم فكان الملك بالحيرة للخم في بني المنذر و بالشام لغسان في بني جفنة و بيثرب كذلك في الأوس و الخزرج ابني قيلة و ما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن بادية و أحياء ناجعة و كانت في بعضهم رياسة بدوية و راجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء ثم نبضت عروق الملك في مضر و ظهرت قريش على مكة و نواحي الحجاز أزمنة عرف فيها منهم و دانت الدول بتعظيمهم ثم صبح الإسلام أهل هذا الجيل و أمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم و عادت الدول لمضر من بينهم و اختصت كرامة الله بالنبوة بهم فكانت فيهم الدول الإسلامية كلها إلا بعضا من دولها قام بها العجم اقتداء بالملة و تمهيدا للدعوة حسبما نذكر ذلك كله
فلنأت الآن بذكر قبائل هذه الطبقة من قحطان و عدنان و قضاعة و ما كان لكل واحدة منها من الملك قبل الإسلام و بعده : و من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني في أخبار خزيمة بن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قال : كان بدء تفرق بني إسمعيل من تهامة و نزوعهم عنها إلى الآفاق و خروج من خرج منهم عن نسبه أن قضاعة كانوا مجازرين لنزار و كان خزيمة بن نهد فاسقا متعرضا للنساء فشبب بفاطمة بنت يذكر و هو عامر بن عنزة و ذكرها في شعره حيث يقول :
( إذا الجوزاء أردفت الثريا... ظننت بآل فاطمة الظنونا )
( و حالت دون ذلك من هموم ... هموم تخرج الشجر الربينا )
( أرى ابنة يذكر ظعنت فحلت ... جنوب الحزن يا شحطا مبينا )
و سخط ذلك يذكر خشية خزيمة على نفسه فاغتاله و قتله و انطفت نار يذكر و لم يصح على خزيمة شيء تتوجه به المطالبة على قضاعة حتى قال في شعره :
( فاه كان عند رضاب العصير ... ففيها يعل به الزنجبيل )
( قتلت أباها على حبها ... فتبخل إن بخلت أو تقيل )
فلما سمعت نزار شعر خزيمة بن نهد و قتله يذكر بن عنزة ثاروا مع قضاعة و تساندوا مع أحياء العرب الذين كانوا معهم و كانت هذه مع نزار و نسبها يومئذ كندة بن جنادة بن معد و جيرانهم يومئذ أجأ بن عمرو بن أد بن أدد أخي عدنان بن أدد و كانت قضاعة تنتسب إلى معد و معد إلى عدنان و الأشعريون إلى الأشعر بن أدد أخي عدنان و كانوا يظعنون من تهامة إلى الشام و منازلهم بالصفاع و كانت عسقلان من ولد ربيعة و كانت قضاعة ما بين مكة و الطائف و كندة من العمد إلى ذات عرق ومنازل أجأ والأشعر ومعد ما بين جدة و البحر فلما اقتتلوا هزمت نزار قضاعة و قتل خزيمة و خرجوا مفترقين فسارت تيم اللات من قضاعة و بعض بني رفيدة منهم و فرقة من الأشعريين نحو البحرين و نزلوا هجر و أجلوا من كان بها من النبط و ملكوها و كانت الزرقاء بنت زهير كاهنة منهم فتكهنت لهم بنزول ذلك المكان و الخروج عن تهامة و قالت في شعرها :
( و دع تهامة لا وداع مخالف ... بذمامه لكن قلي و ملام )
( لا تنكري هجرا مقام غريبة ... لن تعدمي من ظاعنين تهام )
ثم تكهنت لهم في سجع بأنهم يقيمون بهجر حتى ينعق غراب أبقع عليه خلخال ذهبا و يقع على نخلة وصفتها فيسيرون إلى الحيرة و كان في سجعها مقام و تنوخ فسميت تلك القبائل تنوخ من أجل هذه اللفظة و لحق بهم قوم من الأزد فدخلوا في تنوخ و أصاب بقية قضاعة الموتان و سارت فرقة من بني حلوان فنزلوا عبقرة من أرض الجزيرة و نسج نساؤهم البرود العبقرية من الصوف و البرود التزيدية إليهم لأنهم بنو تزيد و أغات عليهم الترك فأصابوا منهم و أقبل الحرث بن قراد البهراني ليستجيش بني حلوان فعرض له أبان بن سليح صاحب العين فقتله الحرث و لحقت بهرا بالترك فاستنقذوا ما أخذوه من بني تزيد و هزموهم و قال الحرث :
( كأن الدهر جمع في ليال ... ثلاث بينهن بشهرزور )
( صففنا للأعاجم من معد ... صفوفا بالجزيرة كالسعير )
و سارت سليح بن عمرو بن الحاف و عليهم الهدرجان بن مسلمة حتى نزلوا فلسطين على بني أدينة بن السميدع بن عاملة و سارت أسلم بن الحاف و هي عذرة و نهد و حويكة و جهينة حتى نزلوا بين الحجر و وادي القرى و أقامت تنوخ بالبحرين سنين ثم أقبل الغراب بحلقتي الذهب و وقع على النخلة و نعق كما قالت الزرقاء فذكروا قولها و ارتحلوا إلى الحيرة فنزلوا و هم أول من اختطفها و كان رئيسهم مالك بن زهير و اجتمع إليه ناس كثيرة من بسائط القرى و بنوا بها المنازل و أقاموا زمانا ثم أغار عليهم سابور الأكبر و قاتلوه و كان شعارهم يا لعباد الله فسموا العباد و هزمهم سابور فافترقوا وسار أهل المهبط منهم مع الضيزن بن معاوية التنوخي فنزل بالحضر الذي بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا عليه و أغارت حمير على قضاعة فأجلوهم و هم كلب وخرج بنو زبان بن تغلب بن حلوان فلحقوا بالشام ثم أغارت عليهم كنانة بعد ذلك بحين و استباحوهم فلحقوا بالسماوة و هي إلى اليوم منازلهم انتهى كلام صاحب الأغاني.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|