أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
570
التاريخ: 1-9-2016
1136
التاريخ: 1-9-2016
671
التاريخ: 1-9-2016
921
|
جعل الشيخ الأعظم(رحمه الله) مجموع المرجّحات على قسمين: داخليّة وخارجيّة، فالداخلية عبارة عن كلّ مزية غير مستقلّة بنفسها، وهى على ثلاثة أقسام مرّ ذكرها تفصيلا، والخارجيّة عبارة عن كلّ مزية مستقلّة بنفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا، وهى على خمسة أقسام:
1 ـ ما لا تكون معتبرة لتعلّق النهي بها، وهى الأمارات الظنّية غير المعتبرة المنهي عنها كالقياس.
2 ـ ما لا تكون معتبرة لعدم وجود دليل على اعتبارها لا للنهي عنها، وهى الأمارات الظنّية التي لا دليل على اعتبارها كالشهرة الفتوائية والإجماع المنقول ونحوها.
3 ـ ما تكون معتبرة في نفسها، وهى الأمارات الظنّية المعتبرة كإطلاق الكتاب أو عمومه.
4 ـ المرجّحات القطعيّة كالإجماع المحصّل ونصوص الكتاب.
5 ـ الاُصول الأربعة العمليّة شرعيّة كانت أو عقليّة.
أمّا القسم الأوّل: وهو مثل القياس فلابدّ فيه من البحث أوّلا: في شمول الأدلّة الناهيّة عن القياس للقياس في مقام الترجيح، وثانياً: في التعارض بين هذه الأدلّة على فرض شمولها والأدلّة الآمرة بالأخذ بأقوى الدليلين، أي التعارض بين اطلاق هذه واطلاق تلك.
أمّا المقام الأوّل: فالصحيح فيه هو الفرق بين الأقسام المختلفة من القياس، فإنّ له أقساماً ثلاثة: القياس في المسائل الاُصوليّة (كما إذا قيست الشهرة الفتوائية بخبر الواحد في أنّها موجبة للظنّ أيضاً)، والقياس في المسائل الفرعية كقياس ديّة أصابع المرأة الوارد في حديث أبان، والقياس في الموضوعات كقياس حال الصائم من حيث السلامة والمرض في اليوم بما مضى عليه في الأمس.
لا إشكال في أنّ أدلّة النهي عن القياس لا تعمّ القسم الثالث، لأنّه لو فرضنا كون الموضوع لحرمة الإمساك مثلا هو الظنّ بالضرر أو الخوف منه فلا فرق فيه بين أن يحصل الظنّ من القياس أو من أمر آخر، فإنّه ليس من القياس في الدين المنهي عنه، بل قياس في الموضوعات الخارجيّة.
وأمّا القياس في المسائل الفرعيّة فلا إشكال أيضاً في شمول تلك الأدلّة له، بل هى القدر المتيقّن منها.
وأمّا القياس في المسائل الاُصوليّة فقد يقال أيضاً أنّ الأدلّة شاملة له لأنّ ظاهرها حرمة القياس في دين الله مطلقاً كما ورد في الحديث «أنّ دين الله لا يصاب بالعقول» ولا ريب في أنّ اُصول الفقه جزء من الدين وداخلة في الشريعة، كما لا إشكال في أنّ القياس في ما نحن فيه أي في باب المرجّحات من هذا القسم فلا يجوز وإن أجزنا التعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى غيرها.
قال المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) في المقام ما حاصله: أنّ القياس في المرجّحات لا يكون مشمولا لأدلّة النهي عن القياس لعدم كونه طريقاً شرعياً وواسطة في إثبات حكم من الأحكام الشرعيّة فرعيّة كانت أو اصوليّة، لأنّ الحكم الفرعي من الوجوب والحرمة أو الاُصولي كالحجّية يثبت بنفس الخبر الموافق لا بالظنّ القياسي، ومن جانب آخر: مرجّحية الظنّ القياسي ثبت بأدلّة الترجيح المتكفّلة أمر حجّة كلّ ما يوجب الأقربيّة إلى الواقع، وحينئذ يمكن الترجيح بالظنّ القياسي من دون أن يكون مشمولا لقوله(عليه السلام): إنّ دين الله لا يصاب بالعقول.
ولكنّه عدل عنه في ذيل كلامه بقوله: كما أنّ الأدلّة المانعة عن العمل بالقياس توجب خروج الظنّ القياسي عن تحت الدليل الدالّ على حجّية كلّ ظنّ (لو كان هناك دليل) كذلك توجب خروجه عن تحت أدلّة الترجيح بكل ما يوجب الأقربية إلى الواقع (لو قلنا به) فكما ليس له الحجّية، كذلك ليس له المرجّحية(1).
أقول: ما ذكره في آخر كلامه هو الحقّ لما ذكره بعينه.
وإن شئت قلت: إنّ جعل القياس من المرجّحات يصدق عليه أنّه من قبيل إستعماله في الدين.
ومن هنا يعلم (بالنسبة إلى المقام الثاني) أنّه لا تصل النوبة حينئذ إلى تعارض الأدلّة الدالّة على الأخذ بأقوى الدليلين والأدلّه الناهيّة عن القياس، فإنّ الأخير آب عن التخصيص.
وأمّا القسم الثاني: فكونه من المرجّحات مبنى على جواز التعدّي من المرجّحات المنصوصة، وبما أنّ المختار كان هو عدم التعدّي فهذا القسم عندنا ليس من المرجّحات.
وأمّا القسم الثالث: وهو الأمارات الظنّية المعتبرة، فلا إشكال في لزوم الترجيح به إذا كان من المرجّحات المنصوصة كموافقة الكتاب.
وأمّا القسم الرابع: وهو ما يوجب القطع بالحكم الشرعي فكذلك لا ريب في لزوم الترجيح به، لأنّه من قبيل تمييز الحجّة عن اللاّحجّة كما لا يخفى.
وأمّا القسم الخامس: فهو نظير ما إذا دلّت رواية على حرمة المواقعة قبل الغسل وبعد انقطاع الدم، ودلّت رواية اُخرى على جوازها، فهل تقدّم الاُولى على الثانية لكونها موافقة مع استصحاب الحرمة، أو لا؟ فيه ثلاثة أقوال:
1 ـ تقديم الموافق للأصل، وهذا ما نسب إلى المشهور، ويشهد عليه أنّهم في الفقه يعتبرون الموافقة مع الأصل من المرجّحات للأحكام.
2 ـ تقديم المخالف للأصل، وهذا أيضاً منسوب إلى المشهور، ويشهد عليه ما كان يعنون سابقاً في الاُصول من أنّه إذا دار الأمر بين الناقل والمقرّر كان الترجيح للناقل (المخالف للأصل) عند المشهور، بل قد يدّعي عليه الإجماع.
ويمكن دفع هذا التهافت (في النسبة إلى المشهور) بأنّ البحث عن الناقل والمقرّر مختصّ بالاُصول العقليّة، ويبحث عنه عقيب البحث عن الحظر والإباحة الذي هو من شقوق مبحث البراءة العقليّة، بينما النسبة الاُولى إلى المشهور مرتبطة بالبراءة الشرعيّة.
3 ـ ما ذهب إليه جمع من الأعاظم منهم الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني والمحقّق النائيني(رحمه الله)، وهو عدم مرجّحية الأصل مطلقاً لا المخالف والا الموافق.
واستدلّ للقول الأوّل بوجهين:
أحدهما: أنّ مطابق الأصل مظنون، وكلّ ظنّ مرجّح، واُجيب عنه:
أوّلا: بأنّ الأصل العملي لا يوجب ظنّاً بالحكم، حيث إنّه وظيفة عملية للشاكّ فحسب.
وثانياً: سلّمنا، ولكنّه مبنيّ على التعدّي من المرجّحات المنصوصة، والمختار عدمه كما مرّ، فكلّ من الصغرى والكبرى لهذا الوجه ممنوعة.
ثانيهما: أنّ الأخذ بموافق الأصل يوجب تخصيص دليل واحد، وهو أدلّة حجّية خبر الواحد بالنسبة إلى الدليل المخالف، ولكن الأخذ بمخالف الأصل يوجب تخصيص دليلين: وهما أدلّة حجّية خبر الواحد وأدلّة حجّية الأصل، ولا إشكال في أولوية الأوّل.
والجواب عنه واضح، وهو أنّ الاُصول ليست في رتبة الأمارات حتّى يوجب الأخذ بالخبر المخالف (وهو أمارة من الأمارات) تخصيص أدلّة حجّية الأصل، أعني أنّه مع الأخذ بالخبر المخالف لا تصل النوبة إلى الاُصول حتّى يلزم تخصيص أدلّتها، بل إنّها خارجة حينئذ تخصّصاً أو من باب الورود أو الحكومة.
واستدلّ القائلون بترجيح المخالف (القول الثاني) بأنّ المحتاج إلى البيان من جانب الشارع إنّما هو في الغالب ما يكون مخالفاً للأصل، وهو الوجوب أو الحرمة، إذ إنّ المباح الموافق للبراءة أو أصالة الاباحة لا يحتاج إلى بيان غالباً، وهذا ما يوجب حصول الظنّ بأنّ ما صدر من جانب الشارع إنّما هو المخالف للأصل لا الموافق.
والجواب عنه: أنّه أيضاً مبنى على التعدّي من المرجّحات المنصوصة، وإلاّ لا حجّية لمثل هذا الظنّ في مقام الترجيح.
فظهر أنّ الصحيح هو القول الثالث بعد عدم وجود الدليل على ترجيح الموافق أو المخالف.
بقي هنا اُمور:
الأمر الأوّل: في أنّ الشهرة على أقسام: الروائيّة والفتوائيّة والعمليّة
أمّا الشهرة الروائيّة فهى اشتهار الرواية بين الرواة والمحدّثين.
وأمّا الشهرة الفتوائيّة فهى عبارة عن فتوى المشهور بشيء وإن كانت الرواية فيه شاذّة.
وأمّا الشهرة العمليّة فهى عبارة عن نفس السيرة العمليّة للمتشرّعة وأصحاب الأئمّة.
ولا إشكال في أنّ النسبة بين الأوّل والثاني هى العموم من وجه، فقد تتحقّق الشهرة الروائية بالنسبة إلى خبر وتكون فتوى الأصحاب أيضاً على طبقه، وقد تتحقّق الشهرة الروائيّة من دون الفتوى على طبقها، وقد تكون القضية بالعكس، أي تكون الفتوى مطابقة لرواية مع عدم شهرتها روائية.
كما لا إشكال في أنّ النسبة بين الأوّل والثالث أيضاً العموم من وجه، فقد تكون رواية مشهورة بين الرواة والمحدّثين، ومعمولا بها عند الأصحاب والمتشرّعة، وقد تكون الرواية مشهورة من دون العمل على طبقها، وقد يكون عمل المتشرّعة مطابقاً لرواية من دون شهرتها بين المحدّثين.
نعم، النسبة بين الثاني والثالث هى العموم المطلق، فإنّ فتوى الأصحاب بشيء يلازم عملهم وعمل المتشرّعة على طبقه، بينما قد يكون عمل المتشرّعة على رواية من دون فتوى الأصحاب بها في كتبهم الفتوائيّة.
إذا عرفت هذا فاعلم، أنّه لا إشكال في كون القسم الأوّل من الشهرة من المرجّحات لأنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) في المقبولة: «خذ ما كان من روايتها ...» هو الشهرة الروائية، نعم أنّه مشروط بعدم إحراز العمل على خلافها، لأنّ المقبولة هى في مقام بيان قرائن صدق الرواية ومرجّحات صدورها، والمقام هذا بنفسه قرينة لبّية موجبة لعدم انعقاد اطلاق للمقبولة بالنسبة إلى ما إذا كان العمل مخالفاً للرواية وانصرافها إلى غيره.
وكذلك ظاهر المرفوعة، حيث ورد فيها: «يا سيّدي إنّهما معاً مشهوران مأثوران عنكم» ولا إشكال في ظهوره في الشهرة الروائيّة.
وأمّا الشهرة الفتوائيّة والعمليّة فلا إشكال في عدم شمول المقبولة والمرفوعة لهما باطلاقهما، ولكن لا يبعد إلغاء الخصوصيّة عن الشهرة الروائيّة بالنسبة إليهما أو تنقيح المناط خصوصاً بعد ملاحظة التعليل الوارد في المقبولة بأنّ «المجمع عليه لا ريب فيه» فإنّه تعليل باعتبار عقلي يوجد في الفتوائية والعمليّة أيضاً كما لا يخفى.
نعم، هذا كلّه فيما إذا كانت الشهرة الفتوائيّة بين القدماء لا المتأخّرين حيث لا شكّ في أنّ الشهرة الفتوائيّة بين المتأخّرين لا تكون سبباً للترجيح سواء كانت فتواهم على طبق القاعدة أو لم تكن، وذلك لأنّ مباني فتاويهم موجودة بأيدينا فلا تزيدنا الشهرة شيئاً عليها، بخلاف الشهرة بين القدماء، فإنّهم كانوا حديث العهد بعصر الأئمّة المعصومين وقد وصلوا إلى ما لم نصل إليها.
هذا كلّه بالنسبة إلى الترجيح بالشهرة بأقسامها.
وأمّا بالنسبة إلى جبر ضعف سند الرواية أو وهن صحّته فالصحيح أنّه يمكن إنجبار الضعف وكذلك وهن الصحّة بالشهرة الفتوائيّة أو العمليّة لأنّ الميزان في باب الحجّية إنّما هو الوثوق بالصدور كما مرّ غير مرّة، لا الوثوق بالراوي فقط، فكما يحصل الوثوق بالصدور بكون الراوي ثقة كذلك يحصل بمطابقة الشهرة لمضمون الخبر، كما لا يحصل الوثوق بالصدور إذا تحقّقت الشهرة على خلاف رواية وإن تحقّق الوثوق برواتها.
نعم يشترط أوّلا: كون الشهرة متحقّقة بين القدماء الذين كانوا قريبوا عهد بالمعصومين(عليهم السلام).
وثانياً: إحراز استناد المشهور في فتاويهم أو عملهم إلى تلك الرواية.
ولكن الكلام في أنّه كيف يمكن إحراز استنادهم إليها مع خلوّ كتبهم الفقهيّة في الغالب عن الاستدلال واكتفائهم بذكر الفتاوي فقط كما لا يخفى على من راجع كتبهم؟
قد يقال: إنّ الإستناد يحرز بالجمع بين الأمرين: أحدهما كون المسألة على خلاف القاعدة، والثاني كون الخبر في مرأى ومسمع منهم، وهو كذلك، فإنّ ظاهر الحال حينئذ استنادهم إليها.
إن قلت: كيف تكون الشهرة موجبة لحجّية الخبر مع عدم كونها حجّة مستقلا، وليس هذه إلاّ من قبيل ضمّ اللاّحجّة باللاّحجّة.
قلنا: أنّ الحجّة قد تحصل من تراكم الظنون، فإنّ المدار في حجّية خبر الواحد هو الوثوق بصدوره، وهذا قد يحصل من ضمّ ظنّ إلى ظنّ، كما قد يحصل العلم منه مثل الخبر المتواتر الذي يوجب العلم من طريق تراكم الظنون وضمّ بعضها إلى بعض.
الأمر الثاني: لماذا تكون مخالفة العامّة من المرجّحات؟
والاحتمالات فيه أربعة (قد أشرنا إلى بعضها في تفسير قوله (عليه السلام) «فإنّ الرشد في خلافهم» في البحث عن جواز التعدّي عن المرجّحات المنصوصة):
1 ـ كون الترجيح بها لمجرّد التعبّد من الشرع لا لغيره.
2 ـ أن يكون الرشد في نفس المخالفة لهم لحسنها ورجحانها فيكون للمخالفة موضوعيّة.
3 ـ أن يكون لها طريقيّة إلى ما هو الأقرب إلى الواقع فالترجيح بالمخالفة لهم من باب أنّ الخبر المخالف أقرب إلى الواقع لأنّ الرشد والحقّ غالباً يكون فيما خالفهم والغيّ والباطل في ما وافقهم.
4 ـ أن يكون لها طريقيّة إلى احتمال وجود التقيّة (أي طريقيّة جهتية، خلافاً للاحتمال الثالث الذي كان للمخالفة فيه طريقيّة مضمونيّة) فيكون الترجيح بها لأجل إنفتاح باب التقيّة فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم.
والبحث هنا في تحديد ما يستظهر من روايات الباب فنقول:
أمّا الوجه الأوّل: فلا إشكال في أنّه خلاف ظاهر التعليل الوارد فيها كما لا يخفى.
وأمّا الوجه الثاني: فهو أيضاً بعيد جدّاً لكونه مخالفاً لظاهر التعليل الوارد فيها أيضاً، فإنّ الرشد بمعنى الوصول إلى الحقّ وسلوك طريق الهداية.
مضافاً إلى أنّه خلاف ما ورد في روايات كثيرة من الأمر بالحضور في تشييع جنائزهم عيادة مرضاهم والحضور في جماعاتهم وغير ذلك.
وأمّا الوجه الثالث: فيمكن أن يستشهد له أوّلا: بما رواه أبو إسحاق الأرجاني رفعه قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «أتدري لِمَ اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة، فقلت: لا أدري، فقال: إنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالف عليه الاُمّة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم يلتبسوا على الناس»(2).
فإنّ ظاهرها أنّ هناك تعمّد في مخالفة العامّة لآراء أهل البيت(عليهم السلام) ولازمه أنّ الغلبة في مخالفتهم للواقع فلابدّ في موارد الشكّ من الرجوع إلى ما هو موافق للواقع غالباً وهو المخالف لآراء العامّة.
ولكن يناقش فيها بضعف السند أوّلا: لكونها مرفوعة، وثانياً: بأنّها مخالفة لما ثبت في كتبهم التاريخيّة والفقهيّة من استنادهم في فتاويهم إلى قول علي(عليه السلام)، وكلام عمر في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) في مواقف كثيرة «أنّه لولا علي لهلك عمر» معروف.
مضافاً إلى ما نشاهد بأعيننا من موافقة كثير من أحكام مذهب أهل البيت لأحكامهم في أبواب مختلفة من الفقه نظير باب الحجّ فإنّ كثيراً من مناسكه مشتركة بين الفريقين.
ويستشهد لهذا الوجه ثانياً: بما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنفية على شيء»(3).
ولكنّها أيضاً قابلة للمناقشة من ناحية السند، لأنّ المقصود من ابن حمزة فيه إنّما هو ابن حمزة البطائني الذي هو من الكذّابين وإن كان ممّن ينقل عنه ابن أبي عمير، لأنّ الثابت في محلّه أنّ ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة، لا أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة مطلقاً سواء في مراسيله أو مسانيده.
وهكذا من ناحية الدلالة، لأنّه إن كان المراد فيها أنّنا لا نوافقهم على شيء في مسألة الولاية فهو صحيح، ولكن لا ربط له بما نحن فيه، وإن كان المراد عدم التوافق في غيرها فهو كما ترى.
فيبقى الوجه الرابع: ويشهد له ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه»(4).
إن قلت: الظاهر من قوله(عليه السلام) في المقبولة «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» إنّما هو الاحتمال الثالث لمكان التعبير بالرشاد الظاهر في الموافقة مع الواقع والحقّ.
قلنا: الإنصاف أنّ قوله(عليه السلام) هذا ظاهر في الطريقيّة إجمالا الدائر أمرها بين الوجه الثالث والرابع، فلا يمكن الاستدلال به لشيء منهما، بل الظاهر هو الوجه الرابع بتناسب الحكم والموضوع في المقام.
فقد ظهر إلى هنا أنّ المتعيّن في المقام هو الوجه الرابع، ولازمه اختصاص مرجّحية مخالفة العامّة بموارد احتمال التقيّة، فلو كان الخبران المتعارضان واردين في عصر لا يحتمل فيه التقيّة كعصر الإمام الرضا (عليه السلام)يشكل ترجيح المخالف على الموافق، بل لابدّ من الرجوع إلى سائر المرجّحات.
الأمر الثالث: التعارض بين العامين من وجه
فهل يكون المرجع فيه الأخبار العلاجيّة فلابدّ عند وجود المرجّحات من الترجيح وعند فقدها من التخيير، أو لا، بل في مادّة الإفتراق يعمل بكلّ واحد منهما وفي مادّة الاجتماع يحكم بالتساقط ويكون المرجع هو الأصل الجاري في المسألة؟ (بعد أن كان المرجع في المتباينين الأخبار العلاجيّة وفي العموم المطلق الجمع الدلالي).
وهو نظير ما إذا وردت مثلا رواية تدلّ بإطلاقها على نجاسة عذرة كلّ ما لا يؤكل لحمه، ورواية اُخرى تدلّ بإطلاقها على طهارة عذرة كلّ طائر، فمادّة الإجتماع فيهما هو الطائر الذي لا يؤكل لحمه، فتتعارضان فيه وتدلّ إحديهما على نجاسته والاُخرى على طهارته، فهل المرجع فيه الأخبار العلاجية فإمّا أن ترجّح إحديهما على الاُخرى عند وجود المرجّح أو يخيّر بينهما عند فقده، أو يكون المرجع الأصل الجاري فيه بعد فقد العمومات أو الإطلاقات؟
لا إشكال في عدم جريان المرجّحات الصدوريّة فيه، لأنّ المفروض أنّه يعمل بكلّ واحد منهما في مادّتي الافتراق، ومعلوم أنّ الرجوع إلى المرجّحات الصدورية وترجيح أحدهما على الآخر مستلزم لإسقاط الدليل في مادّة الاجتماع، فيلزم التبعّض والتجزئة في الصدور والسند، وبطلانه واضح.
وأمّا المرجّحات الجهتيّة وهكذا المرجّحات المضمونيّة (بناءً على عدم إرجاعها إلى المرجّحات الصدوريّة) فلا مانع من جريانها، لأنّ في مادّة الاجتماع يمكن الأخذ بإحديهما وترجيحها على الاُخرى لمكان التقية مثلا، وفي مادّة الإفتراق يعمل بكلتيهما من دون أن يلزم محذور، لإمكان أن يكون الإمام(عليه السلام)في مقام بيان حكم الله الواقعي بالإضافة إلى أصل الدليل، وفي مقام التقيّة بالإضافة إلى اطلاقه.
هذا بالنسبة إلى الترجيح عند وجود المرجّح.
وأمّا التخيير عند فقد المرجّح فالمشهور على عدمه، فيتساقط الخبران حينئذ في مادّة الاجتماع عندهم، ويكون المرجع هو الأصل الجاري في المسألة، ونسب إلى المحقّق الطوسي(رحمه الله)التخيير، وذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله)، واستدلّ له بإطلاقات أدلّة التخيير.
والإنصاف أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الأقوى لانصراف أدلّة التخيير عن موارد العامين من وجه، فإنّ ظاهر قوله(عليه السلام): «فتخيّر أحدهما ودع الآخر» قبول أحدهما بتمامه وترك الآخر بتمامه، لا قبول أحدهما وترك بعض الآخر، فهى مختصّة بالمتباينين.
_____________
1. نهاية الدراية: ج5 ـ 6، ص358 ـ 359، طبعة مؤسسة آل البيت.
2. وسائل الشيعة: الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 24.
3. المصدر السابق: ح32.
4. وسائل الشيعة: الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح46.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|