أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
643
التاريخ: 9-8-2016
269
التاريخ: 9-8-2016
438
التاريخ: 1-9-2016
866
|
لم يكن تأخر علم الاصول تاريخيا عن ظهور علم الفقه والحديث ناتجا عن ارتباط العقلية الاصولية بمستوى متقدم نسبيا من التفكير الفقهي فحسب، بل هناك سبب آخر له أهمية كبيرة في هذ المجال، وهو أن علم الاصول لم يوجد بوصفه لونا من ألوان الترف الفكري، وإنما وجد تعبيرا عن حاجة ملحة شديده لعملية الاستنباط التي تتطلب من علم الاصول، تموينه بالعناصر المشتركة التي لا غنى لها عنها، ومعنى هذا أن الحاجة إلى علم الاصول تنبع من حاجة عملية الاستنباط إلى العناصر المشتركة التي تدرس في هذا العلم وتحدد، وحاجة عملية الاستنباط إلى هذه العناصر الاصولية هي في الواقع حاجة تاريخية وليست حاجة مطلقة، أي إنها حاجة توجد وتشتد بعد أن يبتعد الفقه عن عنصر النصوص، ولا توجد بتلك الدرجة في الفقه المعاصر لعصر النصوص.
ولكي تتضح الفكرة لديك أفرض نفسك تعيش عصر النبوة على مقربة من النبي (صلى الله عليه وآله) تسمع منه الاحكام مباشرة وتفهم النصوص الصادرة منه بحكم وضوحها اللغوي ومعاصرتك لكل ظروفها وملابساتها فكانت بحاجة لكي تفهم الحكم الشرعي أن ترجع إلى عنصر مشترك أصولي كعنصر حجية الخبر وأنت تسمع النص مباشرة من النبي (صلى الله عليه وآله) أو ينقله لك أناس تعرفهم مباشرة ولا تشك في صدقهم؟ أو كنت في حاجة إلى أن ترجع إلى عنصر مشترك أصولي كعنصر حجية الظهور العرفي وأنت تدرك بسماعك للنص الصادر من النبي معناه الذي يريده إدراكا واضحا لا يشوبه شك في كثير من الاحيان بحكم اطلاعك على جميع ملابسات النص وظروفه؟ أو كنت بحاجة إلى التفكير في وضع قواعد لتفسير الكلام المجمل إذا صدر من النبي وأنت قادر على سؤاله والاستيضاح منه بدلا عن التكفير في تلك القواعد؟.
وهذا يعني أن الانسان كلما كان أقرب إلى عصر التشريع وأكثر امتزاجا بالنصوص، كان أقل حاجة إلى التفكير في القواعد العامة والعناصر المشتركة، لان إستنباط الحكم الشرعي يتم عندئذ بطريقة ميسرة دون أن يواجه الفقيه ثغرات عديدة ليفكر في ملئها عن طريق العناصر الاصولية.
وأما إذا ابتعد الفقيه عن عصر النص واضطر إلى الاعتماد على التأريخ والمؤرخين والرواة والمحدثين في نقل النصوص، فسوف يواجه ثغرات كبيرة وفجوات تضطره إلى التفكير في وضع القواعد لملئها، فهل صدر النص المروي من المعصوم حقيقة أو كذب الراوي أو أخطأ في نقله؟ وماذا يريد المعصوم بهذا النص؟ هل يريد المعنى الذي أفهمه فعلا من النص حين أقرأه أو معنى آخر كان له ما يوضحه من الظروف والملابسات التي عاشها النص ولم نعشها معه؟ وماذا يصنع الفقيه حيث يعجز عن الحصول على نص في المسألة؟.
وهكذا يصبح الانسان بحاجة إلى عناصر كحجية الخبر أو حجية الظهور العرفي أو غيرهما من القواعد الاصولية.
وهذا هو ما نقصده من القول بأن الحاجة إلى علم الاصول حاجة تاريخية ترتبط بمدى ابتعاد عملية الاستنباط عن عصر التشريع وانفصالها عن ظروف النصوص الشرعية وملابساتها، لان الفاصل الزمني عن ذلك الظرف هو الذي يخلق الثغرات والفجوات في عملية الاستنباط.
وهذه الثغرات هي التي توجد الحاجة الملحة إلى علم الاصول والقواعد الاصولية. وارتباط الحاجة إلى علم الاصول بتلك الثغرات مما أدركه الرواد الاوائل لهذا العلم، فقد كتب السيد الجليل حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي المتوفي سنة (585) ه ، في القسم الاول من كتابه الغنية يقول: لما كان الكلام في فروع الفقه يبنى على أصول له وجب الابتداء بأصوله ثم اتباعها بالفروع، وكان الكلام في الفروع من دون إحكام أصله لا يثمر، وقد كان بعض المخالفين سأل فقال: إذا كنتم لا تعملون في الشرعيات إلا بقول المعصوم فأي فقر بكم إلى أصول الفقه، وكلامكم فيها كأنه عبث لا فائدة فيه ففي هذا النص يربط ابن زهرة بين الحاجة إلى علم الاصول والثغرات في عملية الاستنباط، إذ يجعل التزام الامامية بالعمل بقول الامام (عليه السلام) فحسب سببا لاعتراض القائل بأنهم ما داموا كذلك لا حاجة لهم بعلم الاصول، لان استخراج الحكم إذا كان قائما على أساس قول المعصوم مباشرة فهو عمل ميسر لا يشتمل على الثغرات التي تتطلب التفكير في وضع القواعد والعناصر الاصولية لملئها.
ونجد في نص للمحقق السيد محسن الاعرجي المتوفي سنة (1227) ه في كتابه الفقهي وسائل الشيعة وعيا كاملا لفكرة الحاجة التأريخية لعلم الاصول، فقد تحدث عن اختلاف القريب من عصر النص عن البعيد منه في الظروف والملابسات وقال في جملة كلامه:
أين من حظى بالقرب ممن ابتلى بالبعد حتى يدعى تساويهما في الغنى والفقر؟ كلا إن بينهما ما بين السماء والارض، فقد حدث بطول الغيبة وشدة المحنة وعموم البلية، ما لولا الله وبركة آل الله لردها جاهلية .
فسدت اللغات وتغيرت الاصطلاحات وذهبت قرائن الاحوال وكثرت الأكاذيب وعظمت التقية واشتد التعارض بين الادلة حتى لا تكاد تعثر على حكم يسلم منه، مع ما اشتملت عليه من دواعي الاختلاف، وليس هنا أحد يرجع إليه بسؤال.
وكفاك مائزا بين الفريقين قرائن الاحوال وما يشاهد في المشافهة من الانبساط والانقباض.. وهذا بخلاف من لم يصب إلا أخبارا مختلفة وأحاديث متعارضة يحتاج فيه إلى العرض على الكتاب والسنة المعلومة..
فإنه لا بد من الاعداد والاستعداد والتدرب في ذلك كي لا يزل، فإنه، إنما يتناول من بين مشتبك القنا .
وفي هذا الضوء نعرف أن تأخر علم الاصول تاريخيا لم ينتج فقط عن ارتباطه بتطور الفكر الفقهي ونمو الاستنباط ، بل هو ناتج أيضا عن طبيعة الحاجة إلى علم الاصول فإنها حاجة تاريخية توجد وتشتد تبعا لمدى الابتعاد عن عصر النصوص.
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|