المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الصحيح والأعـــــم  
  
1582   11:22 صباحاً   التاريخ: 5-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.73
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016 1785
التاريخ: 31-8-2016 1529
التاريخ: 31-8-2016 1666
التاريخ: 29-8-2016 1518

قد وقع التشاجر والخلاف بين الاعلام في ان الالفاظ اسام للمعاني الصحيحة أو لأعم منها والفاسدة، ولتنقيح المرام نقدم امورا فنقول:

الامر الاول: ان مورد الخلاف كما عرفت في عنوان البحث انما هو الوضع لخصوص الصحيح أو لأعم منه والفاسد واما احتمال وضعها لخصوص الفاسدة قبالا للقولين الاولين فلم يعهد من كلماتهم بل لم يتوهمه احد منهم. كما ان الظاهر هو اختصاص هذا النزاع بخصوص الالفاظ المستعملة في المعاني المخترعة الشرعية كألفاظ العبادات ونحوها لا مطلقا حتى الالفاظ الموضوعة للمعاني المفردة كالركوع والسجود ونحوهما مما اخذ موضوعا للتكليف في لسان الشرع ولو مقيدا بأمور وجودية ام عدمية، لان مثل هذه مما لا يتصور فيه اتصافها بالصحة تارة وبالفساد اخرى، حيث كان امرها دائما دائرا بين الوجود والعدم. نعم قد يتصور جريانه بالنسبة إلى المركبات الخارجية ايضا مما كان لها القابلية للاتصاف بأحد الامرين تارة وبالآخر اخرى، ولكن مورد كلامهم انما كان في المخترعات الشرعية من نحو الصلاة والحج ونحوهم.

الثاني من الامور: ان مثل هذا النزاع غير مبتن على القول بثبوت الحقيقة الشرعية كما توهمه بعض، بل يجري النزاع ولو على القول بعدم الثبوت حيث كان مرجع النزاع على هذا القول إلى ان العلاقة النوعية التي اعتبرها الشارع ابتداء في استعمال تلك الالفاظ مجازا هل هي بين المعنى اللغوي وخصوص الصحيح منها بحيث يحتاج استعمالها في الاعم إلى رعاية علاقة اخرى بينه وبين الاعم، أو بين الاعم والصحيح من باب سبك المجاز عن مجاز، أو ان تلك العلاقة النوعية ابتداء كانت بين المعنى اللغوي وبين الاعم من الصحيح من تلك الماهيات؟

كما انه يجرى النزاع ايضا على قول الباقلاني من استعمال الشارع تلك الالفاظ في خصوص معانيها اللغوية مع ضم قرينة عامة على اعتبار بعض القيود، إذ مرجع النزاع على هذا القول ايضا إلى ان تلك القرينة العامة هل بنحو تدل على اعتبار جميع الاجزاء والشرائط والموانع أو بنحو تدل على اعتبارها في الجملة ؟

نعم لو كان اعتبار الاجزاء والشرائط على هذا القول بمعونة القرائن الشخصية الدالة كل واحدة منها على اعتبار جزء أو شرط أو مانع لأشكل جريان النزاع على هذا القول، ولكن الفرض بعيد جدا فانه مضافا إلى ضعف هذا المسلك في نفسه ولذا لم يذهب إليه الا الباقلاني لا يظن التزامه بالقرائن الشخصية لكل واحد من الاجزاء والشرائط والموانع، وعليه فكان المجال لجريان هذا النزاع على كلا القولين في المسألة السابقة.

الثالث من الامور: لا يخفى ان الصحة في المقام وكذا في غير المقام انما هي بمعناها اللغوي والعرفي أي التمامية بالإضافة إلى الاثر المهم، وفي قبالها الفساد بمعنى النقصان الذي هو عبارة عن كون الشيء بحيث لم يترتب عليه الاثر المرغوب منه. وحينئذ فكانت الصحة في جميع الموارد بمعنى واحد وهو التمامية بلا اختلاف في معناه وحقيقتها اصلا.

واما ما يرى من الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في تفسيرها تارة بأسقاط الاعادة والقضاء كما عن الفقيه، واخرى بموافقة الامر والشريعة كما عن المتكلم، وثالثة بغير ذلك فإنما هو بلحاظ ما هو المهم عند كل طائفة من الآثار والاغراض، لا ان الاختلاف بينهم كان في اصل مفهوم الصحة وحقيقتها، فغرض الفقيه لم تعلق باثر خاص منها وهو المسقطية للإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه، كما ان غرض المتكلم تعلق باثر خاص آخر منها وهو تحقق الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة عليه ففسرها بما وافق غرضه من موافقة الامر والشريعة، مع وفاقهم على وحدة معناها، فكان كل منهم مشيرا إلى تلك الحقيقة بتوسيط ما هو المهم في نظره في اضافة تمامية الشيء بالقياس إليه بلا اختلاف بينهم في اصل مفهوم الصحة وحقيقتها.

ولئن شئت قلت بان اختلاف الفقيه والمتكلم انما هو فيما هو مصداق الصحة الذي يختلف باختلاف الانظار لا في مفهومها، والا فالصحة حقيقتها من الامور الاعتبارية الطارية على الشيء بلحاظ ما يترتب على الشيء من الآثار من دون اختلاف في حقيقتها اصلا. ومن ذلك نقول ايضا بان الصحة والفساد امران اضافيان يختلفان بحسب الانظار والاثار، فربما يكون الشيء صحيح بنظر بلحاظ ترتب الاثر المقصود عليه في هذا النظر، وفاسدا بنظر آخر لعدم ترتب الاثر المرغوب منه عليه في هذا النظر، كما في الاتيان بالمأمور به الظاهري على القول بالأجزاء عند كشف الخلاف فانه يكون صحيحا بنظر الفقيه وفاسدا بنظر المتكلم كما هو واضح.

ومن ذلك البيان انقدح ايضا جهة اخرى وهى عدم امكان اخذ عنوان الصحة مفهوما أو مصداقا قيدا في ناحية المعنى والموضوع له، لان هذه الحيثية حينئذ انما هي كعنوان الموضوعية والكلية والجزئية من العناوين المنتزعة عن رتبة متأخرة عن الشيء فانه بعد كونها بمعنى تمامية الشيء التي هي عبارة اخرى عن مؤثريته ووفائه بالغرض فلا جرم كان انتزاع عنوانها عن رتبة متأخرة عن ترتب الاثر عليه، نظير العلية والموضوعية، لان الشيء باعتبار انه واف بالغرض ويترتب عليه الاثر ينتزع عنه الصحة ويتصف بكونه صحيحا، ومعه يستحيل اخذ مثل ذلك مفهوما أو مصداقا في ناحية ذات المعنى والموضوع له الذي هو الموضوع للأثار، من دون فرق في ذلك بين الصحة الفعلية أو الشأنية ففي الثاني ايضا تكون الصحة مفهوما ومصداقا من العناوين الطارية على الشيء المنتزعة عن رتبة متأخرة عن قابلية الشيء بنحو يترتب عليه الاثر المهم، وهذا واضح بعد وضوح كون المقابلية المزبورة من العوارض الطارية على الذات الزائدة عليها. نعم الذي يمكن اخذه فيه انما هو المعنى الملازم للصحة لا المقيد بها. وعليه فتحريرهم النزاع بالوضع لخصوص المعنى الصحيح أو الاعم لابد وان يكون بضرب من العناية والمسامحة وال فقد عرفت كونه من المستحيل. وحينئذ فكان الاولى في مقام تحرير النزاع هو تحريره بان اللفظ هل هو موضوع للمعنى الملازم للصحة خارجا أو المعنى الغير الملازم لها فتدبر.

وعلى كل حال فالظاهر ان المراد من الصحة في المقام عند القائل بالصحيح هو الصحة الاقتضائية على معنى كون الشيء تاما في مرحلة اقتضائه في المؤثرية ويقابلها الفساد بمعنى عدم تماميته في مرحلة الاقتضاء في التأثير، لا ان المراد هو الصحة الفعلية الملازمة للمؤثرية الفعلية، كيف وان مثل هذا المعنى في العبادات منوط بقصد القربة المعلوم بالبداهة خروجه عن المسمى جزما نطرا إلى استحالة اخذه فيه كما هو واضح، ومعه لا محيص وان يكون مورد البحث والكلام من الصحة والتمامية هو الصحة الاقتضائية لا الفعلية. نعم يبقى الكلام حينئذ بالنسبة إلى غير قصد القربة من الشرائط الاخر كالطهور والقبلة والتستر ونحوها في عموم النزاع وجريانه بالنسبة إليها ايضا أو اختصاصه بخصوص الاجزاء؟

فنقول: الذي يظهر من المشهور من القائلين بالصحيح من مثل استدلالهم بمثل قوله: لا صلاة الا بطهور ولا صلاة الا إلى القبلة، هو الاول من تعميم النزاع بالنسبة إلى الشرائط ايضا فان استدلالهم بما ذكر لنفى الحقيقة بدون الطهور والقبلة ظاهر بل صريح في ارادة الصحة والتمامية حتى بحسب الشرائط ايضا. وعليه فلا يبقى مجال لتخصيص هذا النزاع بخصوص الاجزاء وجعل المراد من الصحة والتمامية هو التمامية بحسب الاجزاء دون الشرائط كما لا يخفى.

نعم قد يشكل عليه بان ذلك كذلك فيما لو كانت الشرائط راجعة إلى مقام الدخل في ناحية المؤثر والمقتضى ولو بنحو دخول التقيد وخروج القيد الراجع إلى كون حقيقة الصلاة مثلا عبارة عن الاجزاء الخاصة من الركوع والسجود ونحوهما مع تقيدات خاصة بالطهارة والقبلة والستر، والا فبناء على رجوعها إلى مقام الدخل في قابلية المحل للتأثر والانوجاد نظير الشرائط في العلل التكوينية الخارجية كما في مثل يبوسة المحل والمحاذاة الخاصة في الاحراق، فل جرم يلزمه خروج الشرائط طرا عن مركز هذا النزاع، من جهة ان ما فيه اقتضاء الصحة حينئذ ليس الا نفس الاجزاء وانما كان دخل الشرائط في مقام اتصافها بالصحة والمؤثرية الفعلية، كما هو الشأن في العلل التكوينية الخارجية ايضا كالنار مثلا فان ما ينش منه الاحراق الا النار بلا مدخل لحيث يبوسة المحل والمحاذاة الخاصة الا في مرحلة اتصافها بالمؤثرية الفعلية. وعليه فبعد ان لم يكن المراد من الصحة هو الصحة الفعلية بشهادة خروج مثل قصد القربة، بل كان المراد منها هو الصحة الاقتضائية على معنى كون الشيء تاما في عالم اقتضائه في التأثير، فلا جرم يلزمه تخصيص النزاع بخصوص الاجزاء في التمامية والنقصان مع الالتزام بخروج الشرائط عن مقام الدخل في المسمى والتسمية لا تعميمه حتى بالنسبة إلى الشرائط، الا على فرض ارادة القائل بالصحيح الوضع للصحيح الفعلي، وعليه ايضا يتوجه اشكال قصد القربة كم هو واضح.

 وعليه فلابد من تنقيح ان الشرائط هل هي راجعة إلى مقام الدخل في ناحية المتقضى ولو بنحو دخول التقيد، أو هي راجعة إلى مرحلة الدخل في قابلية المحل والمقتضى بالفتح للتأثر والإنوجاد من قبل المقتضي بالكسر وما ينشأ منه الوجود، كي يلزمه انحصار ما فيه اقتضاء الصحة في المقام بخصوص الاجزاء؟

 وفي مثله ربما كان المتعين هو الثاني، نظرا إلى ما تقتقضيه النصوص من استناد المقربية والنهى عن الفحشاء إلى عنوان الصلاة بضميمة معلومية كون الصلاة من العناوين القصدية التي قوام تحققها بالقصد إلى عنوانها عند الاتيان بها، بشهادة عدم صدق الزيادة الحقيقية عند الاتيان بشيء من اجزائها قراءة أو ركوعا أو غير هما لا بقصد الصلاتية، حيث انه بعد عدم قصدية التقيدات الخاصة بالطهارة والستر والقبلة وتوصليتها، بشهادة اجماعهم على صحة صلاة من صلى مع الغفلة عن الشروط مع اتفاق وجدان صلوته لجميع ما اعتبر فيها من الطهارة والستر والقبلة ونحوها واقعا، يستفاد من المقدمتين المزبورتين ان الصلاة التي هي المؤثرة في النهى عن الفحشاء والمقربية عبارة عن خصوص الاجزاء وان الشرائط خارجة عن المسمى وعن مقام الدخل في المقتضي، لانه لو لا خروجها عنه يلزمه تركيب الصلاة من الامور القصدية وغيرها. وهو كما ترى مما لا يمكن الالتزام به، لمنافاته لما بنوا عليه وما هو المرتكز من قصدية عنوان الصلاة كما هو واضح فتأمل. وعليه فل يبقى مجال للقائل بالصحيح لا دخال الشرائط في المسمى بدعواه الوضع للصحيح حتى من جهة الشرائط بعد فرض عدم التزامه بالصحيح الفعلي، هذا.

اللهم الا ان يقال حينئذ بان الشرائط بمقتضى البيان المزبور وان كانت خارجة عن المسمى وعن مقام الدخل في الاقتضاء بل كان المسمى وما فيه الاقتضاء للتأثير هو خصوص الاجزاء، دونها مع التقيدات الخاصة، ولكنه مع ذلك امكن دعوى دخلها في مقام التسمية، حيث يمكن ان يقال بكونها بمقتضى قوله: لا صلاة الا بطهور، والا إلى القبلة، مما لها الدخل في اصل اتصاف الاجزاء بالصلاتية بحيث لو لاها لما كاد اتصافها بكونها صلاة اصلا، وعليه فللقائل بالصحيح كمال المجال لدعوى الوضع للصحيح حتى من جهة الشرائط مع التزامه ايضا بالصحيح الاقتضائي دون الفعلي والتزامه ايض بان ما هو المقتضي للصحة وللنهى عن الفحشاء هو خصوص الاجزاء وانها هي المسماة بالصلاة دون غيرها كما لا يخفى. بقى شيء وان لم يكن له مساس بما نحن بصدده وهو ان الصحة والفساد في المقام بل وكذا في غير المقام، هل هي مجعولة أو انتزاعية صرفة من التكليف، أو انها من الامور الواقعية؟ حيث ان فيها وجوها، ولكن التحقيق فيها هو التفصيل بين كونها بمعنى سقوط الاعادة والقضاء كما عند الفقيه فجعلية كما في موارد القصر والاتمام والجهر والاخفات حيث كان سقوط الاعادة والقضاء بجعل من الشارع وحكم منه بالسقوط، وبين كونها بمعنى موافقة الامر كما عند المتكلم فانتزاعية صرفة من التكليف والامر، وبين كونها بمعنى المؤثرية في الملاك والمصلحة فامر واقعي لا جعلي ولا انتزاعي من التكليف والامر - فتدبر.

الرابع من الامور:

لا يخفى ان هذا النزاع انما يختص جريانه بالمعاني القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد اخرى، واما ما لا يكون كذلك مما يدور امره دائما بين الوجود والعدم وكان وجوده مساوقا لصحته فلا يجري فيه هذا النزاع. وعلى هذا فيختص هذا النزاع بعناوين العبادات كالصلاة والصوم والحج ونحوها ولا يجرى في عناوين المعاملات كالبيع والصلح والنكاح ونحوها لان تلك العناوين مما يدور امرها دائما بين الوجود والعدم، حيث كان صحتها وترتب الاثر عليه مساوق وجودها وتحققها كما ان عدم ترتب الاثر عليها مساوق عدم وجودها فلا يتصور له وجود حينئذ يترتب عليها الاثر تارة ولا يترتب عليها اخرى.

 وهذا بخلافه في العبادات فانها باعتبار تركبها كانت قابلة للاتصاف بالصفين المزبورين بحيث يترتب عليها الاثر تارة ولا يترتب عليها اخرى ولذلك كان لجريان النزاع فيها كمال مجال. نعم لو قلنا في المعاملات بان تلك العناوين من البيع والصلح والاجارة ونحوها اسام للأسباب وهى العقود دون المسببات يدخل المعاملات ايضا في عموم النزاع، حيث انها باعتبار تركبه حينئذ من اجزاء كالإيجاب والقبول واشتمالها على شرائط خاصة من نحو صدورها عن البالغ العاقل وممن له الاهلية كانت قابلة للصحة تارة والفساد اخرى، فبذلك يجرى فيها النزاع ايضا.

اشكال ودفع:

قد يتوهم منافاة ما ذكرنا من خروج عناوين المسببات في المعاملات عن حريم هذا النزاع من جهة دوران امرها بين الوجود والعدم وعدم قابليتها للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد اخرى، مع ما بنوا عليه من جريان اصالة الصحة فيها عند الشك في صحتها وفسادها من جهة الشك في بعض ما اعتبر فيها، حيث كان قضية بنائهم على جريان اصالة الصحة فيها هي قابليتها للوصفين المزبورين فيلزمه حينئذ دخولها في حريم هذا النزاع.

 ولكنه مدفوع بمنع التنافي لان ما يرى من بنائهم على جريان اصالة الصحة في البيع الصادر مثلا عند الشك في صحته وفساده فإنما هو باعتبار اجرائهم القائدة المزبورة في سببه الذي هو العقد الصادر، باعتبار كون ترتب المسبب شرعا من لوازم صحة العقد وتماميته في عالم مؤثريته لا ان ذلك من جهة اجرائهم القاعدة في نفس المسبب حتى يرد الاشكال التنافي وهذا واضح.

وهم ودفع آخر:

اما الوهم فهو انه قد يشكل في العبادات ايضا بلزوم خروجه عن محل النزاع، نظرا إلى دعوى بساطتها وان الصلاة مثلا عبارة عن العطف الخاص الذي هو امر بسيط غاية البساطة وكان الافعال والاذكار الخاصة من قبيل المحققات لذلك العطف الخاص، نظيره الطهارة بالقياس إلى الغسلات والمسحات فيلزمها خروجها ايضا على هذا المبنى عن حريم النزاع لعين ما ذكر من المناط في عناوين المسببات في المعاملات من العقود والايقاعات، بل ولازمها حينئذ هو تعين المصير فيها إلى الاشتغال عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته أو ما نعيته دون البراءة، نظرا إلى كون مرجع الشك حينئذ إلى الشك في مرحلة الفراغ والخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به يقينا وهو الامر البسيط لا إلى الشك في اصل الاشتغال بالتكليف، كما هو واضح. وتوضيح الدفع هو انه انم يتوجه هذا الاشكال بناء على كون الامر البسيط امرا آنيا غير متدرج الحصول من قبل الاجزاء والشرائط المعهودة وهو في محل المنع جدا، من جهة منافاته لما نطق به الاخبار الواردة في شرح الصلاة من نحو قوله (عليه السلام) تحريمها التكبير وتحليله التسليم، وما دل على قاطعية بعض الامور لها كالحدث والاستدبار ونحوهما، بل الذي يمكن القول به على فرض البساطة هو كونها امرا ممتدا ذا مراتب من اول التكبيرة إلى آخر التسليم بنحو يكون كل جزء مؤثرا في تحقق مرتبة منها، وعليه فلا يقتضي مجرد بساطتها خروجها عن محل النزاع بل لجريان النزاع المزبور فيها حينئذ كمال مجال، إذ كان مرجع النزاع المزبور إلى ان الصلاة هل هي اسم لتلك المرتبة الخاصة الناشئة من قبل مجموع الاجزاء والشرائط والممتدة من اول التكبيرة إلى اخر التسليم التي هي منش للأثار أو انها اسم للأعم منها ومن غيرها من المراتب الاخر الناشئة من قبل بعض الاجزاء والشرائط ؟ ومن ذلك البيان ظهر الجواب عن شبهة مرجعية الاشتغال ايضا عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته للواجب، إذ نقول بانه بعد فرض كون الامر البسيط امر ممتدا ذا مراتب فلا جرم مرجع الشك في دخل المشكوك إلى الشك في تعلق التكليف بازيد من تلك المرتبة المعلومة، وفي مثله كان لجريان البراءة فيها كمال مجال بناء على جريانها في كلية الاقل والاكثر الارتباطيين.

ثم ان هذا كله في فرض تسليم البساطة بالمعنى المزبور والا فبناء على المنع عن ذلك ايضا والقول بالبساطة فيها بمعنى آخر بجعل الصلاة عبارة عن امر معنوي منطبق خارجا على الافعال والاذكار المعهودة فل موقع لهذا الاشكال، فضلا عما لو قلنا بانها عبارة عن نفس الافعال والاذكار المعهودة المتقيدة بقصد الصلاتية على نحو خروج القيد ودخول التقيد كما هو الظاهر المنساق من النصوص الواردة في شرح حقيقة الصلاة، إذ عليها كان امر جريان النزاع المزبور فيه بل والنزاع الآخر ايضا من جهة مرجعية البراءة أو الاشتغال اوضح كما هو واضح.

الخامس من الامور:

 وهو العمدة في الباب، انه على كلا القولين في المسألة لابد من تصور جامع في البين يكون هو المسمى بالصلاة مثلا، حيث لا اختصاص لذلك على القول بالأعم، بل على القول بالصحيح ايضا لابد من وجود الجامع ايضا عنده بين الافراد الصحيحة، نظر إلى ما يرى من الاختلاف الفاحش بين افراد الصحيح حسب اختلاف الموارد والاشخاص بحسب حالاتهم، كما في صلاة العالم القادر المختار وصلاة العاجز غير القادر على اختلاف مراتب العجز المتصور فيه البالغ إلى صلاة الغريق المشرف على الهلاك، بل وكذلك بالنسبة إلى افراد صلاة العالم القادر المختار حيث ان فيها ايضا اختلافا عظيما من حيث الكمية والكيفية كصلاة القصر والاتمام وصلاة الصبح والظهر والمغرب وصلاة الكسوف والعيد والجنازة ونحوها، إذ حينئذ لا محيص على القول بالصحيح ايضا من كشف جامع بين تلك الافراد المختلفة كمية وكيفية يكون هو المسمى بالصلاة عنده، فرارا عن محذور الاشتراك اللفظي فيها وجعل الصلاة من قبيل متكثر المعنى.

وحيث ان تصور الجامع بين افراد الصحيح في غاية الصعوبة والاشكال لعدم جامع صوري بينها يدور عليه مدار التسمية ولا جامع معنوي ايضا بينها، التزم بعض كالشيخ (قدس سره) على ما في التقرير بالصحيح الشخصي فقال بان الصلاة اسم لخصوص صلاة العالم القادر المختار التي هي تامة الاجزاء والشرائط، وان ما عداها من الصلوات الاخر ابدال لها لا انه صلاة حقيقة وان اطلاقها على مثل صلاة الناسي لبعض الاجزاء والشرائط وصلاة المريض ونحو هما من باب التوسعة بمعنى ان المتشرعة توسعوا في تسميتها بالصلاة من جهة حصول ما هو الاثر المقصود من الصلاة التامة الاجزاء والشرائط وهو المسقطية للإعادة والقضاء منها ايضا. ولكن فيه ما لا يخفى إذ ذلك بعد عدم تماميته في نفسه لا يكاد يندفع به الاشكال المزبور ايضا، إذ نقول بانه بعد وضوح كثرة الاختلاف بين الصلوات الثابتة في حق العالم القادر المختار كمية وكيفية كما بين صلاة الكسوف والعيدين وصلاة الجنازة والقصر والاتمام والصبح والظهر والمغرب ونحوها فيسأل عنه بانه أي واحدة منها تجعل اصلا والبقية بدلا؟.

فلا محيص حينئذ بعد بطلان القول بالأصلية والبدلية في مثل تلك الصلوات من القول بأحد الامرين، اما الالتزام بالاشتراك اللفظي فيها، واما الالتزام بكشف الجامع وقدر المشترك بينها. وبعد بطلان الاشتراك اللفظي فيها بشهادة صحة قولك هذه الجماعة يصلون، في جماعة يصلي كل واحد منها صلاة غير ما يصلى الاخر، بلا محذور لزوم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد، يتعين الوجه الثاني من الالتزام بالجامع بين افراد صلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط. وعليه نقول بانه إذا امكن تصور الجامع بين هذه فلا داعي إلى اتعاب النفس وجعل مثل صلاة الناسي والعاجز ابدالا للصلاة، بل من الاول توسع دائرة ذلك الجامع بنحو يشمل الصلوات الاضطرارية وصلاة الناسي للجزء أو الشرط كي لا نحتاج إلى اتعاب النفس بجعل ما عدا الصلوات التامة الاجزاء والشرائط الثابتة في حق العالم القادر ابدال للصلاة.

 نعم لو كان قضية الالتزام بالصحيح الشخصي من جهة الاستفادة من الاخبار الواردة في شرح حقيقة الصلاة لا من جهة عدم تصور الجامع والقدر المشترك بينها فله وجه، حيث يسلم عما اوردنا عليه من الاشكال، ولكن الكلام حينئذ في اصل استفادة هذا المطلب من النصوص إذ لا يكاد استفادة ذلك من شيء من النصوص لو لا دعوى استفادة خلافه منه إذ المستفاد من مثل النصوص الواردة في الناسي للقرائة والسجدة والتشهد وفي الجاهل التارك للإجهار أو الاخفات بالقراءة وكذلك القصر والاتمام بمثل قوله (عليه السلام) (قد تمت صلوته ولا يعيد) وكذلك النصوص الواردة في الصلوات الاضطرارية بالنسبة إلى العاجز، هو كون الصلوات المزبورة صلاة حقيقية لا انها ابدال للصلاة وان ما هو المسمى بالصلاة هو خصوص الصلاة الثابتة في حق العالم القادر المختار كما هو واضح. وحينئذ فعلى كل حال لا مجال لما افاده في التقرير من الالتزام بالصحيح الشخصي بوجه اصلا كما لا يخفى.

وحينئذ فبعد بطلان احتمال الاشتراك اللفظي وتعدد الوضع بشهادة صحة قولك هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد صلاة تغاير صلاة الآخر كالصلاة اليومية وصلاة الخسوف والعيدين وصلاة الجنازة من دون رعاية عناية في البين من نحو التأويل بالمسمى، وبطلان تخصيص الوضع ببعض الانواع دون بعض بجعل البقية ابدالا كم عن التقرير فلا محيص من الكشف عن قدر مشترك بين تلك المختلفات الكمية والكيفية يكون هو المسمى بالصلاة ويدور عليه مدار التسمية والصحة، مع كونه ايضا من التشكيكيات التي تنطبق على الزائد والناقص بتمام الانطباق، فينطبق على الفرد المشتمل على ثلاثة اجزاء والفرد المشتمل على اربعة اجزاء وهكذا الفرد المشتمل على تمام الاجزاء والشرائط الذي هو صلاة الكامل العالم المختار، نظير مفهوم الجمع الصادق على الثلاثة والاربعة والخمسة، ونظير مفهوم الكلمة الصادق على كل حرفين من حروف التهجي وعلى الثلاثة وعلى الاربعة فصاعدا، ومفهوم الكلام الصادق على كل كلمتين فصاعدا. وطريق كشف الجامع حينئذ انما هو احد الامرين على سبيل منع الخلو: الاول استكشافه من جهة ما ذكرنا من صدق مفهوم الصلاة على الصلوات المختلفة بحسب الكمية والكيفية وانسباق وحدة المفهوم منها الحاكية عن اتحاد الحقيقة، نظير تمسكهم بالسباق مفهوم واحد من الوجود على كونه مشتركا معنويا ومتحدا في الحقيقة، حيث ان الانسباق المزبور وصدق الصلاة على الصلوات المختلفة في قولك هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد منه صلاة تخالف صلاة الآخر، من دون رعاية عناية وتأويل بالمسمى يقتضي قهرا وجود جامع بين تلك المختلفات مع كونه من قبيل التشكيكيات الصادقة على القليل والكثير. وحينئذ نقول بانه بعد عدم جامع صوري محفوظ في البين بين تلك الافراد وعدم جامع مقولي ذاتي ايضا - لالتئام الصلاة خارجا من مقولات متعددة كالكيف والوضع والفعل والاضافة ونحوها - فلابد في تصويره من ان يجعل الجامع المزبور عبارة عن الجامع الوجودي.

وذلك انما هو بان يؤخذ من كل مقولة من تلك المقولات المتعددة جهة وجودها، بإلغاء الحدودات الخاصة المقومة لخصوصيات المقولات، مع تحديد الوجود المزبور ايضا بان لا يخرج عن دائرة افعال الصلاة واجزائها على اختلافها حسب اختلاف حالات المكلفين، ثم جعله ايضا من التشكيكيات الصادقة على الزائد والناقص وعلى القليل والكثير، فيقال في مقام شرح حقيقة الصلاة بانها عبارة عن رتبة خاصة من الوجود المحدود بكونها من الدائرة المزبورة مع اشتمالها ايضا على الاركان ولو لا بوصف مقوليتها بل بجهة وجودها الساري فيها - نظير تحديد مفهوم الكلمة مثلا الملتئمة من حرفين فصاعدا بكونها مشتملة على الحرف أو حرفين من حروف التهجي - وجعلها من طرف غير الاركان من الافعال والاذكار مبهما محضا وعلى نحو اللابشرط كى تصدق على ذي اجزاء خمسة وذي اجزاء سبعة فصاعدا بحيث يشار إليها في مقام الاشارة الاجمالية بما هو معراج المؤمن وما هو قربان كلى تقي وما هوناه عن الفحشاء والمنكر، فانه على هذا البيان يكون مفهوم الصلاة بعينه من قبيل مفهوم الكلمة المنطبق على كل حرفين من حروف التهجي فصاعدا، ومن قبيل مفهوم الجمع الصادق على كل ثلاثة واربعة فصاعدا على اختلاف مراتب الجمع قلة وكثر فينطبق الصلاة ايضا على كل واحدة من افراد الصلاة من صلاة الكامل العالم المختار وصلاة المضطر والغريق ونحوه من المصاديق المختلفة كيفية وكمية، نحو انطباق الكلى المتواطئ على افراده ومصاديقه، ومع ذلك ايضا باعتبار جعلها لا بشرط من طرف غير الاركان يكون من قبيل الحقائق التشكيكية المتصورة في الكم الملتئم من اجزاء مختلفة بحسب المصداق من حيث الزيادة والنقصان.

 واما ما قيل من استلزام هذا المعنى لجواز اتيان المكلف بأي نحو من الافراد والمصاديق في مقام الامتثال نظرا إلى تحقق الجامع المزبور الذي هو مورد تعلق التكليف والامر بإتيان أي فرد من الافراد مع قضاء الضرورة من الدين ببطلانه، من جهة ضرورية ان لكل شخص حسب اختلاف الحالات والعوارض الطارية عليه من السفر والحضر والاختيار والاضطرار والصحة والسقم وظيفة خاصة معينة بحيث لو أتى في مقام الامتثال بغير ما هو الوظيفة المقررة في حقه لما كان آتيا بالصلاة وما هو المأمور به في حقه، فمدفوع بان هذا المحذور انما يتوجه لو لا مدخلية الحالات الخاصة في حصر مصداق الجامع في حقه بصدور فعل خاص من فاعله ولو من جهة اناطة القرب في كل حالة مخصوصة بصدور فعل خاص منه، والا فمع مدخلية تلك الحالات الخاصة في ذلك فلا مجال لهذا الاشكال فان عدم جواز اتيان المكلف العالم المختار مثلا بصلاة المضطر والغريق في مقام الامتثال انما هو من جهة مدخلية تلك الحالة الخاصة في جزئية الشيء الفلاني وشرطيته بنحو يستحيل تحقق الجامع المزبور بدونه، كمدخلية كل حالة مخصوصة في انحصار المرتبة الخاصة من مراتب الجامع المزبور بها، بملاحظة دوران التسمية مدار تأثيرها المختص كل مرتبة منها بطائفة خاصة، وعليه يلزمه انحصار مصداق الجامع المزبور في حق كل طائفة بفرد خاص بنحو لا يكاد تحقق الجامع منه بدونه.

 ولئن شئت فاستوضح ذلك بما لو تعلق الغرض مثلا بشرب الماء المشبع والرافع للعطش الجامع بين ماء الكوز وماء الجرة وماء الحب وماء الشط مع فرض اختلاف الاشخاص حسب استعداد مزاجهم واختلاف حالاتهم الطارية عليهم في مقدار الرافع للعطش وفرض وجود الماء المزبور ايضا في ضمن هيئات مخصوصة واشكال متعددة، حيث انه باعتبار اختلاف الاشخاص قد يختلف مصداق المشبع من الماء ايضا في حقهم فيكون مصداق المشبع بالنسبة إلى شخص ماء الكوز على شكل خاص وهيئة مخصوصة ومصداق المشبع بالنسبة إلى آخر ماء الجرة على هيئة خاصة وبالنسبة إلى ثالث يكون مصداق المشبع في حقه ماء الحب، وهكذا، فصار مصداق المشبع من الماء الرافع للعطش في حق كل شخص غير ما هو المصداق في حق الاخر. وفى المقام ايضا كذلك حيث نقول بان الغرض الذي هو تكميل العباد المعبر عنه بقربان كل تقى تعلق بالجامع المزبور وان لهذ الجامع مصاديق متعددة مختلفة بحسب الكيفية والكمية حسب اختلاف حالات المكلفين فكان مصداق الجامع المزبور في حق كل طائفة مخصوصا بفرد خاص ولو بلحاظ اناطة القرب في كل حالة مخصوصة بفعل خاص من فاعله بنحو لا يكاد بدونه تحقق الجامع منه في الخارج ولا تحقق الغرض الذي هو التكميل الا به.

وعلى هذا فتلخص ان حقيقة الصلاة التي رتب عليها غرض التكميل لا تكون الا عبارة عن معنى بسيط وحداني لا يكون بجوهر ولا عرض بل مرتبة خاصة من الوجود من المقولات الخاصة بعد الغاء خصوصيات الحدود والمقولات المحدودة بكونها من اول التكبيرة إلى آخر التسليم مثلا، ولها جهة كلية بالنسبة إلى الافراد العرضية ينطبق عليها بنحو التواطي ، وكلية بالقياس إلى الاجزاء والافراد الطولية ينطبق عليها بنحو السريان والتشكيك، نظير مفهوم الجامع الصادق على الثلاثة والاربعة وغيرها من مراتب الجمع على اختلافها قلة وكثرة، نعم في عالم تنزل تلك الحقيقة ومرحلة تحققها في الخارج، تحتاج إلى خصوصيات الحدود والمقولات، نظرا إلى استحالة تحقق تلك الحقيقة في الخارج الا محدودة بحدود خاصة وفي ضمن المقولات المخصوصة من الكيف والفعل والاضافة والوضع ونحوها، وذلك ايضا على اختلاف حالات المكلفين في الدخل في لزوم صدور فعل خاص من فاعله الذي لا يكاد بدونه تحقق الجامع منه في الخارج، ومرجع ذلك كله إلى كون دخل الحدود والمقولات الخاصة من باب كونها من المشخصات الفردية لحقيقة الصلاة بلا ان يكون لها دخل في اصل حقيقة الصلاة بوجه اصلا كي يلزمها كونها امرا مركبا من المقولات المتعددة كما هو واضح. وبذلك ايضا يجمع بين ما ذكرنا من بساطة حقيقة الصلاة وبين ما ورد في شرح الصلاة بانها ركوع وسجود وقراءة ونحوها، حيث يحمل تلك النصوص على بيان المصداق الخارجي للصلاة.

 الثاني: من طرق كشف الجامع على صحيح استكشافه من جهة وحدة الاثر المترتب عليها على ما يقتضيه النصوص الواردة في مقام اثبات بعض الخواص والآثار للصلاة من نحو قوله (عليه السلام) الصلاة قربان كلى تقى وانها معراج المؤمن وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر، حيث انه جهة القرب والتكميل بعد ان كان اثرا بسيطا غاية البساطة فلا بد بمقتضي وحدته وبساطته من كشف جامع وحداني بسيط بين تلك المختلفات الكمية والكيفية يكون هو المؤثر في ذلك الاثر الوحداني البسيط نظرا إلى استحالة تأثير المتبائنات بما هي كذلك في واحد بسيط.

 واما احتمال ان يكون الاثر الوحداني في المقام اثرا ذا جهات متعددة مختلفة يؤثر كل امر من تلك الامور المتعددة في جهة من ذلك الاثر، فمدفوع بان جهة المقربية والمعراج ليست الا عبارة عن تكميل العبد وبلوغ نفسه بمرتبة خاصة من الكمال بها يصير العبد مورد للألطاف الالهية والعنايات الخاصة الرحمانية، ومن المعلوم بداهة ان مثل ذلك لا يكون الا امرا بسيطا وحدانيا غير ذي جهات، وعليه فبعد امتناع المتبائنات في امر وحداني بسيط فلا بد بمقتضي بساطة الاثر ووحدته من وجود جامع وحداني في البين بين تلك الافراد المتعددة المختلفة بحيث نشير إليه بنحو الاجمال بما هو قربان كل تقى وما هو معراج المؤمن وان لك يمكننا تحديده تفصيلا، مع امكان تحديده بوجه اجمالي ابسط ايضا بالإشارة إلى تلك الحقيقة بالوجود المحفوظ بين تلك المراتب من مرتبة صلاة الغريق إلى مرتبة صلاة الكامل العالم المختار، بإلغاء خصوصيات الحدود والمراتب الخاصة، فيقال بان حقيقة الصلاة عبارة عن معنى وحداني بسيط غير ذي جهات لا تكون بجوهر ولا عرض بل مرتبة خاصة من الوجود المحفوظ بين المراتب من الصلاة المختلفة المحدودة حدها من التكبيرة إلى آخر التسليم، بإلغاء خصوصيات التكبيرة والقيام والركوع والسجود ونحوها، بجعل تلك الحدود والمقولات الخاصة من المشخصات الفردية للصلاة لا من مقولات حقيقتها. ثم لا يخفى عليك انه كما يستكشف الجامع الافرادي بمقتضى البيان المزبور بين افراد الصلوات المختلفة كذلك لابد من الكشف عن جامع اجزائي ايضا بين الاجزاء من افراد الصلوات يكون هو المؤثر في ذلك الاثر الوحداني البسيط مع كونه ايضا من قبيل الحقائق التشكيكية الصادقة على الزائد والناقص، والفرق بينه وبين الجامع الافرادي هو الفرق بين الطبيعة الصرفة المتحققة بأول وجود فردها والطبيعة السارية في ضمن جميع الافراد، فيكون الجامع الافرادي من قبيل الاول والجامع الاجزائي من قبيل الثاني، من حيث عدم تحققه بمرتبة المؤثر الفعلي منه الا في صورة تحقق مجموع الاجزاء، وان تحقق مرتبة اخرى غير مؤثرة فعلا بتحقق بعض الاجزاء، مثلا لو فرضنا تركب فرد من اجزاء ثمانية أو عشرة يكون المؤثر الفعلي من الجامع المزبور الساري في مجموع الاجزاء الثمانية أو العشرة وما دون تلك المرتبة يكون مؤثرا شأنيا لا فعليا فإذا تحقق في الخارج الاجزاء الثمانية أو العشرة يتحقق الجامع الافرادي ايضا لان تحققه انما هو بأول وجوده فرده.

 واما إذا لم يتحقق في الخارج الاجزاء الثمانية أو العشرة بل كان المتحقق في الخارج من ذي اجزاء ثمانية سبعة اجزاء ومن ذي اجزاء عشرة ثمانية ففي مثله لم يتحقق المرتبة المؤثرة الفعلية من الجامع المزبور بل المتحقق في مثله هو المرتبة المؤثرة الشأنية منه.

فإذا تمهد لك هذه الجهة نقول بانه بعد ان كان للجامع المتصور المزبور بين الافراد عرض عريض ومراتب متفاوتة وكان المؤثر الفعلي منه من كل فرد ومرتبة هو الساري في مجموع الاجزاء من ذي اجزاء خمسة وذي اجزاء ستة وذي اجزاء ثمانية وهكذا والمؤثر الشأني منه من كل فرد ومرتبة هو الساري لا في ضمن مجموع الاجزاء، فلك ان تعتبر الجامع ايضا بين الصحيح والاعم بعين ما اعتبرته بين افراد الصحيح من البرهان فتأخذ من كل فرد ومرتبة جزء أو جزئين وتجعل الجامع عبارة عن الاعم من واجد هذا الجزء الذي يكون مؤثرا فعليا ومن فاقده الذي يكون مؤثرا شأنيا، حيث لا نعنى من الفاسد الام كان مؤثرا شأنيا وغير تام في نفسه في عالم المؤثرية الفعلية وتشير إليه في مقام الاشارة بالوجود المحفوظ بين المرتبة المؤثرة الشأنية الفاقدة لبعض الاجزاء وبين المرتبة المؤثرة الفعلية الواجدة لتمام الاجزاء. وعليه ما مر من تصوير الجامع على الاعم ثبوتا كتصويره على الصحيح واضح لا ينبغى الارتياب فيه، نعم لو كان كلام حينئذ فإنما هو في مرحلة الاثبات ومقام وضع اللفظ في ان الصلاة هل هي موضوعة للجامع بين افراد الصحيح أو انها موضوعة للأعم من الفاسد والصحيح؟ والا فاصل امكانه ثبوتا بعد الالتزام بالصحيح النوعي بمقتضي ما ذكرنا مما لا يعتريه ريب كما هو واضح. ثم ان في المقام وجوها اخر افادوه في تصوير الجامع بين الصحيح والفاسد لا باس بالإشارة إلى بعضها، فنقول: ان منها ما عن المحقق القمي (قدس سره) بان الصلاة اسم لجملة من الاجزاء كالأركان مثلا وان بقية الاجزاء خارجة عن المسمى وان كانت داخلة في المأمور به ومنها ان الصلاة عبارة عن معظم الاجزاء من غير مدخلية لخصوصية جزء أو جزء.

ومنه تنظيره بباب الاعلام الشخصية كزيد من حيث انه زيد في جميع الحالات من دون ان يضر في التسمية تبادل الحالات من الصغر والكبر والصحة والسقم وكذلك نقصان بعض اجزائه كاليد والرجل وغيرها. ولكن يرد على الاول بان ذلك مجرد فرض لا واقعية له إذ نرى بانه لا جامع صوري متصور بين تلك المختلفات يدور عليه المسمى وجودا وعدما. ويرد على الثاني ايضا بعد عدم ارادة مفهوم معظم الاجزاء قطعا بل ما يصدق عليه هذا المفهوم، بانه يلزمه كون شيء واحد داخلا في المسمى تارة وخارجا عنه اخرى. وعلى الثالث بمنع المقايسة المزبورة للفرق الواضح بين المقامين فانه في الاعلام الشخصية يكون في البين شيء محفوظ في جميع تلك الحالات المتبادلة المختلفة لا تغير ولا تبدل وهو الموجود الشخصي والتشخص الخاص الذي به قوام شخصيته، وهذا بخلاف المقام حيث انه لا يكون في البين ما يجمع شتات تلك المختلفات مع تركبها من المقولات المختلفة، الا على النحو الذي تصورناه من الجامع الوجودي.

وعليه يرجع هذا التقريب إلى ما قربناه سابقا فلا يكون تقريبا آخر للجامع. وعلى كل حال فبعدان ظهر لك امكان تصوير الجامع ثبوتا على كل واحد من القولين في المسألة بما ذكرناه من البيان، يبقى الكلام في مقام اثبات ان الوضع هل هو لخصوص الصحيح أو للأعم منه والفاسد؟ فنقول انه يمكن ان يستدل للوضع للأعم بأمور:

منه: صلوح التقسيم إلى الصحيح والفاسد في قولك:

 الصلاة اما صحيحة أو فاسدة، فان في ذلك شهادة على الوضع للأعم، لانه لو لا ذلك يلزم ان يكون الاستعمال المزبور استعمال مجازيا محتاجا إلى رعاية عناية في البين، وهو كما ترى مما يشهد الوجدان بخلافه. ومنها: صدق الصلاة وصحة اطلاقها على صلوات مختلفة في قولك:

 هذه الجماعة يصلون في جماعة يصلي كل واحد منها صلاة بعضها فاسدة وبعضها صحيحة، فانه لو لا كونها مشترك معنويا بينهما يلزم محذور استعمال اللفظ في ازيد من معنى واحد أو عدم صحة الاطلاق المزبور، وحيث ان الاطلاق المزبور كان صحيحا بالوجدان فلا جرم بعد بطلان استعمال اللفظ الواحد في اكثر من معنى واحد واستحالته يثبت المطلوب من الوضع للأعم. ومنه: ملاحظة ما استقر عليه ديدن العرف والعقلاء في مخترعاتهم من المركبات الخارجية وغيرها من الوضع للأعم من الصحيح منها والفاسد لكى لا يحتاجوا في استعمالهم اياه في الفاسد إلى رعاية عناية وعلاقة، فانه بعد القطع بانه لم يكن للشارع في هذا الباب ديدن خاص وطريقة مخصوصة على خلاف ديدن العرف والعقلاء وانه من هذه الجهة كأحد من اهل العرف يكشف به الوضع للأعم لا لخصوص الصحيح.

ومنها: قوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة وقول (عليه السلام) : (لا تعاد الصلاة الا من خمس) فانه بناء على الوضع للأعم يكون الصلاة في الفقرتين مستعملة في الجامع واريد خصوصية الفرد الصحيح والفاسد بدالين ومدلولين بلا لزوم محذور في البين من نحو استخدام أو غيره. وهذا بخلافه على القول بالوضع للصحيح فانه عليه يلزم اما استعمال لفظ الصلاة في اكثر من معنى واحد أي المعنى الحقيقي والمجازي بناء على رجوع الضمير في قوله (وتعاد) إلى تلك الصلاة المذكورة في الصدر، أو المصير إلى نحو استخدام ورعاية عناية في البين، وهما كما ترى. ومنها: ما دل على مبطلية الزيادة في الصلاة من نحو قوله (عليه السلام) : (من زاد في صلوته فعليه الاعادة) خصوصا على القول بتصوير الزيادة الحقيقية في الصلاة كما حققناه في محله فان تصوير الزيادة الحقيقية لا يكاد يمكن الا بجعل دائرة اختراع ماهية الصلاة اوسع من دائرة المأمور به ومن المعلوم ان ذلك لا يكاد ينفك عن الوضع للأعم، كما هو واضح. وحينئذ فبمقتضى تلك البيانات لا باس بالالتزام بالوضع للأعم من الصحيح والفاسد.

بقى الكلام فيما استدل به الفريقان لا ثبات الوضع للصحيح أو الاعم، فنقول: اما ما استدل به للوضع للصحيح فأمور: منها: التبادر بمعنى انسباق الصحيح عند اطلاق الصلاة.

 ومنها: صحة سلبها عن الفاسدة حقيقة وان صح اطلاقها عليها بالعناية والمشاكلة.

 وفيه: اما التبادر فلو اريد تبادر خصوص الصحيح ولو بمعونة القرائن الخارجية كما هو الغالب ولو بمثل عدم اقدام المسلم على العمل الفاسد في قولك: فلان يصلي، فهو مسلم ولكنه غير مفيد حيث لا يثبت ذلك كونها موضوعة للصحيح. وان اريد تبادر خصوص الصحيح من حاق اللفظ مهما اطلق ففي المنع عنه كمال مجال بل لنا دعوى ان المتبادر منها عند اطلاقه هو الاعم. واما صحة السلب ففيه انه ان اريد صحته عما هو المأمور به فهو صحيح ولكنه لا يثبت الوضع لخصوص الصحيح. وان اريد صحته ولو لا بما هي مأمور بها بل بما هي معنى اللفظ فهو ممنوع جدا لكونه اول الدعوى.

 ومنها: الآيات والاخبار المثبتة لبعض الخواص والآثار للصلاة من نحو الصلاة معراج المؤمن، وانها قربان كل تقي، وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر، بتقريب ان فيها الدلالة بعكس النقيض على ان كل ما لا يكون معراج المؤمن وما لا يكون قربان كل تقى لا تكون بصلاة، فيستفاد منها عدم كون الفاسدة صلاة حقيقة وان صح اطلاقها عليه عناية.

ولكن فيه ما لا يخفى، فان الاستدلال المزبور انما هو من قبيل التمسك بعموم العام لا خراج ما يعلم بخروجه عن حكم العام عن موضوعه، فرارا عن لزوم التخصيص على تقدير دخوله في موضوع العام، فهو نظير ما لو ورد بانه يجب اكرام كل عالم وقد علم من الخارج بعدم وجوب اكرام زيد ولكنه شك في انه هل هو من افراد العالم المحكوم بوجوبه كي يكون عدم وجوب اكرامه من باب التخصيص، أو انه خارج عن العام موضوعا كي يكون خروجه من باب التخصص والخروج الموضوعي، ففي المقام ايضا قد علم من الخارج عدم كون الفاسدة مما يترتب عليها تلك الخواص والآثار وانما الشك في انها صلاة حقيقة ليكون تخصيصا في الاطلاق أو عموم ما دل على ان كل صلاة يترتب عليها تلك الخواص والاثار، أو انها لا تكون بصلاة حقيقة ليكون عدم ترتب تلك الخواص والاثار على الفاسدة من باب التخصص والخروج الموضوعي فاستدل بتلك الادلة على خروجها عن الموضوع.

وعلى كل حال نقول تمامية الاستدلال المزبور مبني على حجية اصالة العموم والاطلاق مطلقا حتى فيم كان الشك من جهة الشك في خروج ما هو خارج قطعا عن حكم العام عن موضوعه، والا فبناء على اختصاص حجيته بما لو كان الشك ممحضا في خروج ما كان داخلا في موضوع العام عن حكمه فلا مجال للتمسك بتلك الاخبار المزبورة لا ثبات عدم كون الفاسدة بصلاة حقيقة، وسيجئ في محله انشاء الله تعالى عدم حجية اصالة العموم والاطلاق في نحو ذلك باعتبار ان عمدة الدليل على حجية اصالة العموم والاطلاق انما هو السيرة التي هي من الادلة اللبية، والقدر المتيقن منها انما هو مورد الشك في خروج فرد عن حكم العام فارغا عن اصل فرديته للعام موضوعا. ومن العجب ان الكفاية مع بنائه على عدم حجية اصالة العموم والاطلاق الا في مورد الشك في خروج ما هو داخل في العام موضوعا عن حكمه، بنى في المقام على التمسك بالأخبار المزبورة المثبتة لبعض الخواص والآثار للصلاة لا ثبات عدم كون الصلاة الفاسدة صلاة حقيقة. نعم هو (قدس سره) رجع عن ذلك في حاشيته على الكفاية واستشكل على كلامه بما استشكلنا عليه من عدم حجية اصالة العموم والاطلاق في نحو ذلك فراجع. ومنها: قوله (عليه السلام) [ لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا صلاة الا بطهور]،وتقريب الدلالة انما هو من جهة ظهور النفي في نفى الحقيقة فيستفاد منها حينئذ ان الصلاة التي لا تكون فيها الفاتحة أو الطهور لا تكون بصلاة حقيقة.

ولكن فيه انه وان سلم ظهور النفي في غير المقام في نفى الحقيقة ولكن ظهوره في المقام في ذلك ممنوع، إذ نقول بظهوره في المقام في نفى الصحة ولو من جهة الانصراف أو نفى الحقيقة عما هو المأمور به بما هو كذلك، وعليه لا يكاد يفيد في اثبات عدم كون الفاسدة بصلاة حقيقة كما هو واضح.

 ومنها: دعوى القطع بان طريقة كل واضع ومخترع للمركبات هو الوضع للمركبات التامة الاحزاء والشرائط والمؤثرة الفعلية، والشارع ايضا غير متخطي عن تلك الطريقة المتداولة بين العرف والعقلاء فيثبت بذلك وضعها لخصوص الصحيح المؤثر في الغرض دون الاعم منه والفاسد. وفيه ايضا مالا يخفى ، إذ نمنع اولا كون طريقة الواضعين المخترعين للمهيات على الوضع لخصوص الصحيح المؤثر الفعلي بل نقول باستقرار طريقتهم في مثل ذلك على الوضع للأعم، من جهة انه كثيرا ما تقضي الحاجة وتمس إلى الاستعمال في الفاسدة ومن المعلوم ان قضية ذلك انما هو لزوم وضعها للأعم لكى لا يحتاجوا عند استعمالهم اللفظ في الفاسدة إلى القرينة وهو واضح. على انه لو اغمض عن ذلك وقلنا باستقرار طريقة العقلاء في وضع اللفظ لمخترعاتهم من المركبات لخصوص الصحيح منها، نقول: بانه من الممكن ان يكون للشارع في المقام طريقة خاصة على خلاف ما عليها ديدن العقلاء تقتضي الوضع للأعم ولو من جهة تعلق الغرض على تسهيل الامر على المكلفين امتنانا عليهم في جواز تمسكهم بالإطلاقات في نفى ما شك في اعتباره شطرا أو شرطا وعدم رجوعهم إلى الاصول العملية من البراءة أو الاشتغال، حيث انه من الواضح انه لا يكاد الوصول إلى مثل هذا الغرض الا بوضع اللفظ للأعم دون الصحيح فانه على تقدير الوضع لخصوص الصحيح لا يبقى مجال لرجوع المكلفين عند الشك إلى الاطلاقات من جهة عدم احرازهم المسمى حينئذ وكونه من باب التمسك بالعام مع الشك في اصل مصداقية المشكوك للعام كما هو واضح.

 هذا كله فيما استدل به للقول بالصحيح.

واما ما استدل به للقول بالأعم فأمور ايضا:

منها : التبادر بمعنى انسباق الاعم من اطلاق لفظ الصلاة والصوم والحج.

منها: عدم صحة سلبها عن الفاسدة حيث يرى بالوجدان عدم صحة سلب الصلاة عن الصلاة التي نقص منها بعض اجزائها خصوصا إذا كان الناقص من الاجزاء الغير الركنية كما هو ذلك في المركبات العرفية، بل ولئن صح سلبها عنها فأنها هو باعتبار الصحة حيث يقال: بانها ليست بصلاة صحيحة لا انها لا تكون بصلاة حقيقة. ومنها: قوله (عليه السلام) (بنى الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد احد بشيء كم نودى بالولاية فأخذ الناس باربع وتركوا هذه، يعنى الولاية، فلو ان احدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير الولاية لم يقبل منه صوم ولا صلاة) بتقريب ان الاخذ بأربع أي الصلاة والصوم والحج والزكاة مع بطلان عبادة تاركي الولاية انما يتم بناء على كونه اسامي للأعم والا لما كانوا آخذين بأربع فلا يصح القول بانهم آخذين بأربع. وفيه مالا يخفى، فانه لو تم البيان المزبور فغايته اثبات استعمال الاربع في قوله (عليه السلام) فاخذ الناس بأربع في الفاسدة وهو غير مثبت للوضع للأعم الذي هو المدعي باعتبار أعمية الاستعمال من الحقيقة. مع انه نقول: بانه بعد ان كان المراد من الاربع التفصيلي في صدر الرواية بقرينة بناء الإسلام عليها هو الصحيح بلا اشكال فلابد وان يحمل الاربع الاجمالي ايضا على الصحيح، ولو باعتقادهم، من جهة ما هو المعلوم من كون المراد من الاربع الاجمالي هو ذاك الاربع التفصيلي في صدر الرواية، وعليه فلا يكون الاربع الاجمالي ايضا الا مستعملا في الصحيح، غايته هو الصحيح باعتقادهم دون الصحيح الواقعي النفس الامري وهو ايضا لا يكون من المجاز كما لا يخفى. مع انه لو سلم استعمال الاربع الاجمالي في الفاسدة من جهة فقدانها للولاية نقول بان مجرد ذلك غير مضر بدعوى القائل بالصحيح من جهة ان مقصودهم من الصحيح على ما تقدم انما هو الصحيح من غير ناحية قصد التقرب كما يكشف عنه اتفاقهم على خروج مثل قصد التقرب عن الصحة، وحينئذ فإذا كانت الولاية من شئون القربة المصححة للعبادة فللقائل بالصحيح دعوى خروجها ايضا كنفس قصد القربة، وعليه فلا يكون استعمال الاربع الاجمالي الا فيما هو الصحيح عند القائل به كما هو واضح. ومنها: قوله (عليه السلام) (دعى الصلاة ايام اقرائك) بتقريب انه بعد عدم امكان حمل الرواية على ارادة الصحيح منها من جهة معلومية عدم قدرة الحائض في حال المحيض على

ايجاد الصحيح ومعلومية اعتبارها في صحة توجه النهى إليها، فلابد من حملها على الاعم بإرادة الجامع مع افادة خصوصية الفرد الفاسد منها بدال اخر. وفيه: ايضا انه اما ان يحمل النهى الوارد في الرواية على النهى المولوي الذاتي الناشئ عن مفسدة ذاتية في متعلقة في حال الحيض، واما ان يحمل على مجرد التشريع باعتبار مزاحمة مصلحة الصلاة في حال الحيض مع مفسدة اقوى في البين، واما ان يحمل على الارشاد إلى ما نعية الحيض عن صحة الصلاة، فعلى الاول لا دلالة لها على المطلوب من الوضع للأعم بوجه اصلا من جهة ان كون الشيء عبادة ومنهيا عنه بالنهي المولوي الذاتي حينئذ لا يتصور الا بكون الشيء من الآلات الموضوعة للخضوع ومن ابزار العبودية نظير تقبيل اليد والرجل ورفع القلنسوة في العرفيات الموضوعة عندهم من ابزار العبودية ومن آلات الخضوع، فان مثل هذا المعنى هو الذي يكون قابلا لتعلق النهى المولوي به، كما انه يكفى في مقربيته ووقوعه عبادة فعلا مجرد رضاء المولى به وعدم نهيه عن الاتيان به، وبهذه الجهة ايض صححنا النيابة في العبادات حيث قلنا بانه يكفي في صحة العبادة ووقوعها عن الغير مجرد رضاء ذلك الغير بإتيان العبادة عن قبله كما نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد والرجل عن قبل الغير حيث انه مع امر ذلك الغير بتقبيل يد الامير مثلا عن قبله أو رضائه به يقع ذلك التقبيل الصادر عن النائب خضوعا عن ذلك الغير ويكون ذلك مقربا له دون النائب المباشر للتقبيل، نعم عند عدم رضائه بذلك أو نهيه عنه لا يقع ذلك خضوعا له ولا مقربا له. وعلى ذلك نقول: بانه من الواضح حينئذ عدم دلالة الرواية على القول بالأعم لو لا دعوى دلالتها على القول بالصحيح كما هو الظاهر، حيث انه للقائل بالصحيح حينئذ دعوى كونها مستعملة في الراوية في خصوص الصحيح باعتبار ان الفساد حينئذ مستند إلى قضية نهى الشارع وعدم رضائه بإتيان الحائض الصلاة في حال الحيض، لا إلى قصور في نفس العبادة في عالم اقتضائها للمقربية، ولقد عرفت بان مثل قصد القربة خارج عن المسمى عند الصحيحي ايضا وان ما هو المسمى عنده انما هو الصحيح من غير ناحية قصد القربة، والمفروض في المقام ايضا انه لو لا نهى الشارع لا قصور في صلاة الحائض في عالم مقربيتها. هذا كله بناء على حمل النهى في الرواية على النهى المولوي الذاتي. واما بناء على الاحتمال الثاني من حمله على مجرد التشريع فكذلك ايضا، حيث نقول بكونها مستعملة في الرواية في خصوص الصحيح وان البطلان والفساد انما نشأ من جهة فقد الامر وخلوها عن قصد القربة الذي هو خارج عن المسمى قطعا عند الصحيحي ايضا. واما بناء على الاحتمال الثالث من حمل النهى فيها على الارشاد إلى ما نعية الحدث وهو الحيض عن صحتها فعليه وان كانت للرواية دلالة على المطلوب، ولكنه ايضا مبنى على ان يكون الاطلاق المزبور في قوله (صلى الله عليه وآله) (دعى الصلاة) بلحاظ حال الحيض بنحو يتحد ظرف الجري مع ظرف النسبة الحكمية، والا فبناء على تغاير الظرفين وكون الاطلاق المزبور بلحاظ حال قبل الحيض وهو حال الطهارة فلا تدل ايضا على مطلوب الاعمى من الاستعمال في الاعم، إذ المعنى حينئذ ان الصلاة التي يؤتى بها في حال الطهارة لا تأتى بها في حال الحيض، ومن المعلوم حينئذ كونها مستعملة في خصوص الصحيح. ومنها أي من ادلة القول بالأعم صحة تعلق النذر بترك الصلاة في مكان مكروه كالحمام مثلا مع حصول الحنث بفعلها فيه ايضا، بتقريب ان صحة النذر وحصول الحنث لا يكون الا بوضعها للأعم، والا فبناء على الصحيح يلزم عدم حصول الحنث بفعلها فيه بل عدم صحة النذر رأسا، لان النذر الصحيح هو ما يجب الوفاء به يأمر الشارع بالوفاء به، واعتبار القدرة على المتعلق تركا وايجادا مما لابد منه في صحة توجيه التكليف بالوفاء بالإيجاد أو الترك، وحينئذ فمع فرض وضعها للصحيح يلزمه كونها منهيا عنه بمقتضي توجه التكليف بالترك إليه، ولازم كونها منهيا هو فسادها على ما برهن في محله من اقتضاء النهى عن العبادة لفسادها، ومع فسادها لا يكون له القدرة على الحنث بإيجاد الصلاة الصحيحة، لان كل ما اوجده يقع فاسدا بمقتضى النهى المزبور، ومع عدم قدرته على الحنث لا يكاد توجه التكليف بالوفاء به إليه، ولازمه هو عدم انعقاد نذره من اصله، مع ان ذلك خلاف البداهة من صحة النذر وحصول الحنث، فيكون ذلك برهان اجماليا تاما على ان المسمى والموضوع له هو الاعم دون الصحيح، لأنه على الاعم لا يلزم محذور في البين اصلا. وفيه ما لا يخفى، إذ نقول:

بانه بعد معلومية اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر، اما ان يحمل الكراهة في المواضع المزبورة على اقلية الثواب كما التزم به جماعة من الاصحاب نظرا إلى اعتبارهم الرجحان الفعلي في العبادة، واما ان تحمل على معناه المصطلح لكن بجعل المكروه عبارة عن خصوصية كينونة الصلاة مثلا في الحمام مع ابقاء ذات العبادة على ما هي عليها من الرجحان والمحبوبية الفعلية. فعلى الثاني نقول: بان النذر وان كان صحيحا في فرض تعلقه بخصوية كينونة الصلاة في الحمام لا بذات الصلاة ولكن لازمه ايضا هو صحة الصلاة المزبورة عند حصول الحنث واتيانه بالصلاة في الحمام، فلا يلزم حينئذ من مجرد حصول الحنث بفعلها فيه فسادها كي ينفع القائل بالأعم. وتوهم عدم انفكاك الخصوصية عن الذات لمكان اتحادها معها فتسرى الحرمة حينئذ إلى اصل الصلاة فتقع فاسدة، مدفوع بمنع اقتضاء هذا المقدار من الاتحاد للسراية إلى ذات الصلاة والا لاقتضى السراية إليها ولو في غير مورد تعلق النذر بها، فيلزمه حينئذ بطلان الصلاة في الحمام ونحوه باعتبار سراية المرجوحية من الخصوصية على الفرض إلى ذات العبادة ولو في غير مورد تعلق النذر مع ان ذلك كما ترى لا يظن بأحد الالتزام به.

هذا بناء على فرض تعلق النذر بخصوصية كينونة الصلاة في الحمام واما لو فرض تعلق النذر في الفرض المزبور بنفس العبادة، ففي مثل الفرض نلتزم بعدم انعقاد النذر من رأسه وذلك لا من جهة عدم القدرة على الحنث بل من جهة انتفاء الرجحان في المتعلق الذي هو ترك الصلاة كما هو واضح. ومن ذلك البيان ظهر انه كذلك الامر ايضا في الفرض الاول وهو فرض حمل الكراهة على اقلية الثواب حيث ان لازمه بعد اعتبارهم الرجحان الفعلي في متعلق النذر هو عدم صحة النذر المزبور من رأسه لان مجرد كونها اقل ثواب لا يوجب مرجوحيتها حتى يكون تركها راجحا فصح النذر على تركها. وحينئذ فالأولى في المقام هو التمثيل بباب العهد واليمين بناء على عدم اعتبار الرجحان في متعلقهم فانه حينئذ يسلم عن الاشكال المزبور. وعليه نقول ايضا بانه وان كان صح العهد واليمين ويحصل ايضا الحنث بفعل الصلاة في المكان المكروه ولكن نقول: بان مجرد صحة العهد واليمين وحصول الحنث لا ينافي تعلقهما بالصحيح إذ نقول بان ما تعلق به العهد واليمين حينئذ انما هو الصحيح لو لا هذا العهد لا الصحيح على الاطلاق حتى من جهة هذا العهد، وعليه كان العهد صحيحا ويقع الحنث ايضا بفعلها لان ما اوجده انما كان هو الصحيح لو لا العهد، وما الفساد من قبل العهد فهو غير مناف لصحة متعلقة وصحة عهده لأنه نتيجة وجوده نعم لو كان متعلق النذر هو الصحيح الفعلي حتى بالنظر إلى هذا العهد لما كان يتحقق الحنث بفعلها فيتوجه المحذور المزبور، ولكن ذلك من المستحيل لاستحالة تقيد المتعلق وهو المسمى بالصحيح حتى من قبل هذا الحكم العهدي المتأخر، كما هو واضح. على ان غاية ذلك هو عدم صحة تعلق النذر والعهد بفعل الصحيح واين هذا والقول بان المسمى هو الاعم دون الصحيح؟ كما لا يخفى.

 وحينئذ فالأولى في اثبات الوضع للأعم دون الصحيح هو التشبث بما ذكرناه سابقا من التبادر وصحة التقسيم ونحوهما.

 بقى الكلام فيما قيل من الثمرة بين القولين، فنقول: انه قيل بظهور الثمرة بين القولين في امور: منها: ظهورها من حيث مرجعية البراءة والاشتغال عند الشك في مدخلية شيء شطرا أو شرطا في المأمور به، بتقريب انه على الصحيح كان المرجع هو الاشتغال باعتبار الشك في تحقق ما هو المسمى بالصلاة بدون المشكوك بخلافه على الاعم فانه عليه يكون المرجع عند الشك هو البراءة بناء على جريانها في الارتباطيات. وفيه ما مر سابقا من عدم ابتناء الرجوع إلى البراءة بكونه من خواص القول بالأعم، بل هو كذلك ايضا حتى على القول بالصحيح، ولو على القول ببساطة المأمور به، حيث ان التكليف المتعلق بالمأمور به بعد انحلاله إلى تكاليف ضمنية فبالنسبة إلى المشكوك يشك في اصل توجه التكليف بالنسبة إليه، وحينئذ فعلى القول بجريان البراءة في الارتباطيات يجوز للصحيحي ايضا الرجوع إليها عند الشك في شرطية شيء أو شطريته، كما هو واضح.

 ولذلك ايضا ترى بناء الاكثر على الرجوع إلى البراءة عند الشك في دخل شيء في المأمور به جزء أو شرطا مع مصيرهم في المقام إلى الصحيح. وقد يفصل في مرجعية البراءة والاشتغال بين الصحيح الشخصي والنوعي، بتقريب انه على الصحيح الشخصي يكون مرجع الشك في الشرطية أو الجزئية في البدل إلى الشك في كون الفاقد بدلا ام لا، فأصالة العدم تقضي بالاحتياط والاشتغال، بخلافه على الصحيح النوعي فان للرجوع إلى البراءة عليه كمال مجال. ولكن يدفعه ان الشك في البدلية حيثما كان مسببا عن الشك في جزئية المشكوك أو شرطيته فلا جرم تجرى البراءة فيه ومعه لا يبقى مجال التفرقة بينهما، كما لا يخفى.

ومنها: ظهورها في مسألة النذر فيما لو نذر اعطاء درهم لمن يصلي، بتقريب انه على الاعم يتحقق البراءة بإعطائه لمن يصلى الفاسدة من جهة صدق الصلاة عليها حقيقة بخلافه على الصحيح فانه لا يحصل الوفاء بالنذر الا في صورة احراز كونها صحيحة ولو من جهة اصالة الصحة في فعل المسلم. وفيه ايضا ما لا يخفى، فانه بعد تقيده بما لو كان المنذور هو المسمى بالصلاة نمنع كونها ثمرة للمسألة، حيث نقول بانها حينئذ ثمرة لمسألة فرعية، لان المسألة الاصولية على ما ذكرنا ها غير مرة هي التي يقع نتيجته في طريق الاستنباط وتكون منتجة لحكم كلى فرعى، كما في مسألة حجية خبر الواحد، والثمرة المفروضة في المقام لا تكون كذلك إذ لا تكون تلك الا من باب تطبيق كبرى فرعية وهى مسألة وجوب الوفاء بالنذر على المورد، وعليه فلا يكون جواز الاعطاء الا ثمرة لمسألة فرعية دون الاصولية، كما هو واضح. ومنها: صحة التمسك بالإطلاقات والاصول اللفظية عند الشك في دخل بعض الامور في المأمور به جزء أو شرطا على القول بالأعم وعدم صحته على الصحيح، للشك في تحقق المسمى بدونه وعدم العلم بدخوله في موضوع الاطلاق، فلابد على القول بالصحيح من الرجوع إلى الاصول العملية براءة أو اشتغالا.

 وفيه ايضا ان ذلك وان كان ثمرة للمسألة، الا انه نقول بكونه مجرد فرض لا واقع له من جهة ابتنائها على ان يكون تلك المطلقات من مثل اقيموا الصلاة واردة مورد البيان من جهة الاجزاء والشرائط لا في مقام الاهمال وهو اول شيء ينكر، حيث نقول: بان ورود ها انما كان لمحض التشريع من غير ان تكون بصدد البيان من هذه الجهات، وعليه تكون الثمرة المزبورة بحكم العدم. هذا كله بالنسبة إلى الاطلاقات اللفظية، واما الاطلاقات المقامية ففي فرض تماميتها يصح على كلا القولين الرجوع إليها عند الشك في دخل شيء في المأمور به. كما هو واضح. هذا كله في العبادات.

الكلام في الفاظ المعاملات :

واما المعاملات كالبيع والصلح والاجارة ونحوها فيبقى الكلام فيها في انه كالعبادات داخلة في محل النزاع أو خارجة عن موضوع النزاع، فنقول:

انه ان قلنا بان تلك العناوين اسام للأسباب كما هو المترائي من ظاهر من عبر عنها في مقام شرحها بعقودها بقولهم البيع مثلا عقد كذا فلا اشكال في دخولها في محل النزاع فكان للنزاع فيها في كونها اسامي للصحيح أو الاعم كمال مجال باعتبار كونها حينئذ من الامور القابلة للاتصاف بالصحة بمعنى ترتب الاثر عليها تارة وبالفساد بمعنى عدم ترتب الاثر عليها اخرى. نعم لما كان هذا النزاع مخصوصا بالمخترعات الشرعية ولا يجرى في الامور العرفية امكن دعوى خروج الاسباب عن مورد النزاع من هذه الجهة، نظرا إلى ان العقد والايقاع والايجاب والقبول امور عرفية لا تكون من المخترعات الشرعية، فبهذه الجهة لا مجال للنزاع فيها في كونها موضوعة للصحيح أو الاعم، كما هو واضح. هذا كله بناء على القول بكون عناوين المعاملات اسامي للأسباب.

 واما على القول بكونها اسامي للمسببات كما هو التحقيق وعليه المعظم بانها امور بسيطة ناشئة من قبل اسبابها الخاصة وانها مما يتوصل إلى وجودها بعقودها وان عقودها بمنزلة الاسباب الموجدة لها لا انها نفسها، فقد يقال: بانه لا اشكال في خروجها عن محل النزاع، تارة من جهة انها بنفسها آثار، ومحل الكلام انما هو في المؤثرات التي يترتب عليها الآثار تارة ولا يترتب عليها الآثار اخرى، لما مر ان معنى كون الشيء صحيحا عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الاثر المقصود كما ان معنى كونه فاسدا عبارة عن كونه بحيث لا يترتب عليه الاثر المقصود، فعلى هذا يختص النزاع المزبور بالمؤثرات ولا يشمل الآثار نفسها، واخرى من جهة انها امور بسيطة دائرة امرها بين الوجود والعدم غير متصور فيه التمامية والنقصان، لما تقدم من اختصاص هذا النزاع بما يكون قابلا للأمرين بحيث يتصف بالصحة والتمامية تارة وبالفساد والنقصان اخرى. ولكنه يدفع ذلك، اما الاول فبانها وان كانت بنفسها آثارا ولكنها بالنسبة إلى الاحكام المترتبة عليها من مثل جواز التصرف وحرمة تصرف الغير بل بالنسبة إلى مثل السلطنة التي هي من الاحكام الوضعية مؤثرات، وحينئذ فمن هذه الجهة لا مجال للأشكال فيها في دخولها في محل النزاع.

 واما الاشكال الثاني من كونها امورا بسيطة دائرة بين الوجود والعدم فله وجه، بناء على رجوع تخالف الشرع والعرف إلى تخطئة الشارع للعرف في الموارد الخاصة كما في بيع المنابذة والبيع الربوي ما يرونه مصداقا للبيع مع اتحاد البيع مفهوم ومصداقا عند العرف والشرع، والا فبناء على رجوع ذلك إلى تعدد حقيقة البيع عند العرف والشرع لا مجال لهذا الاشكال، فانه عليه امكن قابلية البيع مع كونه بسيطا غاية البساطة للاتصاف بالصحة والفساد. ولتوضيح المرام نذكر المحتملات المتصورة في موارد تخالف الشرع والعرف، فنقول:

 ان المحتملات المتصورة لعدم امضاء الشارع لكثير من المعاملات العرفية كبيع المنابذة والملامسة والبيع الربوي وغيره ثلاثة:

 الاول: ان يكون من باب تخطئة الشارع نظر العرف في عدهم غير البيع مصداق حقيقيا للبيع، ومرجع ذلك إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع، ولكن العرف لما أخطئوا في نظرهم وتخيلوا بزعمهم غير البيع بيعا حقيقيا خطاهم الشارع بانه لا يكون مصداقا للبيع وانه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

الثاني: ان يكون ذلك من باب التخصيص والاخراج الحكمي والتنبيه على ان جميع البيوع العرفية وان كان بيع حقيقة حتى في نظر الشارع الا ان الاثر الشرعي مرتب على بعض مصاديق البيع لا على جميع مصاديقه، ومرجع ذلك ايضا إلى اتحاد حقيقة البيع مفهوما ومصداقا عند العرف والشرع ولكن الشارع لم يرتب الاثار الا على بعض مصاديقه.

 الثالث: ان يكون ذلك من باب ان الاثر الشرعي مرتب على ما هو مصداق للبيع عند الشارع لا على الجامع المنطبق على المصداق الشرعي والعرفي، ومرجع هذا الوجه إلى ان للبيع حقيقة مصداقين: احدهم منسوب إلى الشارع ومضاف إليه وهو الموضوع للآثار الشرعية، والآخر منسوب إلى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم. والفرق بين الوجهين الآخرين هو انه في الاول يكون جميع المصاديق من البيوع العرفية بيعا حقيقة في نظر الشارع ايضا ولكنه مع ذلك يخص حكمه ببعض افراده ومصاديقه، بخلافه على الاخير فانه عليه يكون للبيع مصداقان: مصداق شرعي ومصداق عرفي، نظير مفهوم الايجاب الذي كان له مصداقان: مصداق شرعي ومصداق عرفي، فكان الاثر الشرعي مرتبا على ما هو مصداق للبيع عند الشارع. فهذه وجوه ثلاثة متصورة للاختلاف.

 وربما يختلف هذه الوجوه بعضها مع بعض بحسب اللوازم، فان لازم الوجه الاول هو عدم قابلية البيع للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد اخرى نظرا إلى دوران امره دائما بين الوجود والعدم، بخلافه على الاخرين فانه عليهما قابل لان يوجد البيع ويكون مؤثرا شرع تارة وغير مؤثر اخرى. هذا كله في مقام التصور.

واما مقام التصديق: فأبعد الوجوه هو الوجه الاوسط لمخالفته لما عليه ارتكاز الاصحاب فان السلطنة على الملك من لوازم ملكية الشيء، فالتصديق بتحقق مصداق البيع والملكية مع نفى السلطنة على الملك ربما يعد من التناقض، فمن هذه الجهة لا مجال للمصير إلى الوجه الثاني بل لا مجال لتوهمه. وحينئذ فيدور الامر بين الوجه الاول والاخير وفى مثله نقول: بانه ان بنينا على ان البيع امر واقعى انتزاعي عن منشأة غير منوط بالجعل يتعين المصير إلى الوجه الاول من ارجاع موارد عدم امضاء الشارع للبيوع العرفية في الموارد الخاصة إلى تخطئة الشارع الانظار العرفية فيما يرونه مصداقا للبيع وللنقل والانتقال، ولازمه هو خروج المسببات من عناوين المعاملات عن مورد البحث والنزاع.

واما ان بنينا على كون تلك المسببات من الامور الاعتبارية الجعلية يتعين المصير إلى الوجه الا خير حيث لا يتصور حينئذ وجه لتخطئه الشارع للعرف، لان البيع المضاف إليهم والمصداق المختص بهم متحقق لا محالة في جميع الموارد حسب اعتبارهم اياه.

 نعم البيع الشرعي والمصداق المضاف إليه يكون تحققه تابع اعتبار الشارع وجعله اياه فمع عدم اعتبار الشارع اياه في مورد لا تحقق للبيع الشرعي وانما المتحقق هو البيع العرفي والمصداق المختص بهم. فعلى ذلك فاطلاق القول بخروج عناوين المعاملات عن حريم النزاع بتقريب انها امور بسيطة امرها دائر بين الوجود والعدم مما لا وجه له، بل اللازم هو التفصيل بين المسلكين والقول بالخروج عن مورد النزاع على احد المسلكين دون الاخر. ثم ان المتعين من هذين الوجهين ايضا هو الوجه الاخير فان دعوى كون تلك المسببات من الامور الواقعية بعيد جدا، بل هي من الامور الاعتبارية الجعلية التي قوام تحققها بالجعل، نعم بعد الجعل والاعتبار يصير من قبيل الامور الواقعية نظير الارتباط المتحقق بين اللفظ والمعنى الحاصل بالجعل والوضع أو من كثرة الاستعمال، فكما ان اصل تلك العلاقة والارتباط تكون تابعة للجعل في اصل تحققها وبعد الجعل تصير من الامور الواقعية كذلك تلك المسببات، وعليه فتدخل في حريم النزاع. ثم ان الثمرة تظهر من مقام التمسك بالإطلاق من مثل (احل الله البيع) عند الشك في مدخلية شيء في البيع، فانه على الاعم لا باس بالتمسك بالإطلاق في نفى ما شك في اعتباره. ولا كذلك الامر على الصحيح، فانه عليه مع الشك في مدخلية شيء في صحته عرفا يشك في تحقق المسمى بدونه ومعه لا يبقى مجال للتمسك بالإطلاق. نعم بعد احراز البيع العرفي بما له من الشرائط لو شك في دخل شيء في صحته شرعا يجوز التمسك بأطلاق مثل (احل الله البيع) في نفى ما شك في اعتباره شرعا حتى على الصحيح. هذا بناء على المسلك الاخير من جعلية البيع ونحوه، واما بناء على المسلك الاول ففي التمسك بالإطلاقات اللفظية في نفى ما شك في اعتباره شرعا في صحته البيع اشكال ينشأ من احتمال خطأ العرف فيم يرونه مصداقا للبيع، حيث انه مع هذا الاحتمال يشك لا محالة في اصل تحقق البيع بدون المشكوك، من جهة معلومية عدم اتباع فهم العرف الا في مقام كشف المفاهيم لا في مقام تطبيق المفهوم على المصداق الخارجي فارغا عن معلومية المفهوم.

 وحينئذ فمع احتمال خطأ العرف في تطبيق مفهوم البيع على المورد لم يجز التمسك بالإطلاق، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام، هذا.

 ولكن الذي يسهل الخطب هو وجود الاطلاق المقامي في المقام، حيث انه بعد ما يرون العرف الفرد الغير الواجد للمشكوك بحسب ارتكازهم مصداقا حقيقيا للبيع ويرتبون عليه الآثار من النقل والانتقال ومع ذلك لم يردعهم الشارع يكشف ذلك عن ان ما يكون بيعا عندهم بيع شرعي ايضا، والا لكان عليه التنبيه بذلك ببيان: ان غير الواجد لا يكون حقيقة مصداقا للبيع وانه مصداق زعمي تخيلي. وحينئذ فبهذا الاطلاق الموصوف بالمقامي يستكشف ان جميع ما يراه العرف بيع بيع حقيقة لذى الشارع الا ما خرج قطعا بالردع كبيع المنابذة والبيع الربوي ونحوهما، فيكون الاطلاق المقامي حينئذ مثمرا لثمرة الاطلاق اللفظي.

 ومن ذلك ايضا نتمسك به لنفى اعتبار مثل قصد القربة مع عدم جريان في الرسائل من منعه عن التمسك بالإطلاق في مورد قائلا بانه ليس ذلك تقييدا في دليل العبادة حتى يدفع بالإطلاق، وتجويزه التمسك به في مورد آخر في ضمن تقريب دليل الانسداد، حيث نقول بان نظره في المنع عن التمسك بالإطلاق إلى الاطلاق اللفظي وفى التجويز إلى الاطلاق المقامي.

 تنبيه: قد يكون الشيء مطلوبا في العبادة ومندوبا إليه فيها من جهة جزئيته ودخله الشطري في المهية المخترعة كالقراءة والركوع والسجود في الصلاة، وقد يكون من جهة دخله الشرطي على نحو يكون تقيده داخلا في المهية المطلوبة دون نفسه وهذا كالطهور والستر والقبلة، وقد يكون من جهة كونه من قبيل الواجب في الواجب فيكون مطلوبيته في تلك العبادة من جهة انحصار ظرفه فيها وتوقف وجوبه على وجوبها ووجودها لا من باب دخالته في المطلوب بنحو الشطرية أو الشرطية وهذا القسم لم اجد له مثالا في الصلاة ولكنه متصور في الحج وقد يكون من جهة كونه مستحبا في الواجب بنحو يوجب وجوده صيرورة الفرد من افضل الافراد نظير القنوت وسائر الاذكار المندوبة في الصلاة، حيث انها لا تكون مما لها الدخل في اصل الواجب بنحو الشرطية أو الشرطية ولا يكون الاخلال به ولو مع العمد ايضا منافيا للامتثال، ولكنها عند وجودها توجب مزية للفرد الواجد له على الفاقد وتكون جزء للفرد لا للطبيعة، لأنها من قبيل اللابشرط بالنسبة إليه فتحقق معها وبدونها، غاية الامران الفرد المشتمل عليها يصير من اكمل الافراد وافضلها. وهذا واضح. خصوصا على ما بيناه من ان الصلاة معنى تشكيكي مختلف المراتب ولها حدود تبادلية كالنور والخط. ثم لا يخفى ان تصوير الواجب في واجب ربما يستلزم ورود نقض على منكري معقولية الترتب المدعين لاستحالته، بتقريب ان تعدد الامر يقتضي تعدد القدرة على الامتثال ومع عدم القدرة على الجمع بين الضدين يستحيل توجه التكليف بهما دفعة بالإيجاد في زمان واحد، توضيح الورود انه لو تم هذا المحذور لجرى نظيره في المقام ايضا فيلزمه الالتزام بعدم معقولية الواجب في واجب، من جهة ان مقتضى القدرة على الشيء هو القدرة على تركه ونقيضه والا فمع فرض عدم القدرة على الترك والنقيض لا يكاد تحقق القدرة على الفعل ايضا، وعليه نقول:

 بانه لو اعتبرت القدرة الفعلية على الامتثال في صحة توجه التكليف بالضدين يلزمه اعتبارها في المقام ايضا، وحيث انه لا يكون للمكلف في المقام القدرة على عصيان كلا الامرين في زمان واحد يترتب عليه عدم تصور الواجب في الواجب، لان ظرف احد الواجبين حيثما كان هو ظرف اطاعة الواجب الاخر فلا جرم لم يتصور القدرة الفعلية على عصيان كلا الامرين فيتوجه حينئذ النقض المزبور، ومن ذلك كنا نورد هذا الاشكال على من ادعى استحالة الامر بالضدين ولو بنحو الترتب.

واما حل الاشكال: فهو ان القدرة الفعلية على الامتثال والعصيان انما تعتبر فيما لو كان الامر ان عرضيين، واما لو كان الامر ان طوليين فلا يعتبر فيهما الا القدرة الطولية، وحينئذ نقول: بان القدرة الطولية على عصيان الامرين كما كانت متحققة في المقام ومصححة للأمر بإيجاد شيء في واجب آخر كذلك متحققة في الامر بالضدين بنحو الترتب - فتدبر.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.