أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1368
التاريخ: 31-8-2016
1763
التاريخ: 1-9-2016
1807
التاريخ: 1-9-2016
1143
|
من تقسيمات الواجب : تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، والتحقيق كما يستفاد من المحقّق الخراساني : أنّ الإطلاق والاشتراط أمران إضافيان كالإطلاق والتقييد في باب المطلق والمقيّد فكلّ قيد قيس إليه الواجب : إمّا يكون وجوبه بالنسبة إليه مشروطاً أو مطلقاً ، وبذلك يصحّ أن يقال : إنّ الواجب قد يكون بالنسبة إلى قيد مشروطاً وبالنسبة إلى آخر مطلقاً(1) .
إذا عـرفت ذلك فاعلم : أنّ تحقيق الحـال وتوضيـح المرام يتمّ فـي ضمن جهات :
الجهة الاُولى : في تصوير الواجب المشروط لا إشكال في أنّ القيود الواردة في الكلام بصورة الشرط أو غيرها راجعـة إلى الهيئة بحسب القواعد الأدبية والتفاهـم العرفي ، فتفيد تصرّفاً في مفادها وتضييقاً في معناها ، كما في قولك «إن جاءك زيد فأكرمه» و «إن استطعت فحجّ» .
مقالة الشيخ الأعظم في رجوع القيود إلى المادّة وما نسب إلى الشيخ الأعظم ـ قدس سره ـ من إرجاع القيود ـ كافّة ـ إلى المادّة(2) لا يخلو إمّا أن يكون مستنداً على برهان يفيد امتناع رجوعها إلى الهيئة ، أو يكون لأجل لزوم الرجوع إلى المادّة لبّاً ، كما هو غير بعيد عن مساق كلامه .
ونحن إذا دفعنا الامتناع ولزوم تقييد المادّة عند تقييد الهيئة يجب لنا الأخذ بمقتضى الظهور العرفي والقواعد الأدبية .
فنقول : أمّا الامتناع لأجل قيام البرهان فيجيء دفعه عند دفع ما توهّم كونه وجهاً له . وأ مّا الثاني فنقول :
ضابط قيود الهيئة والمادّة :
إنّ رجوع قيد بحسب اللبّ إلى المادّة والهيئة ليس جزافاً وبلا ملاك ، بل القيود على ضربين :
ضرب منها : يرجـع إلى المادّة ولا معنى لرجوعها إلى الهيئـة ; وهـي كـلّ قيد يكون دخيلا في حصول الغرض المطلق المحقّق ، مـن غير أن يكون دخيلا فـي تعلّق نفس الغرض ، مثلا قـد تكون الصلاة في المسجـد متعلّقة للغرض المطلق المحقّق للمولى ـ كان المسجد موجوداً أولا ـ فإذا أمر مواليه بالصلاة فيها لابدّ لهم من الصلاة في المسجد ، ومع عدمـه لابدّ لهم مـن بنائـه والصلاة فيه ، كما أنّ الطواف حول الكعبة كذلك ـ ظاهراً ـ فلابدّ للمكلّفين مـن بنائه لو انهدم والطواف حوله .
وضرب منها : ترجع إلى الهيئة لبّاً لا إلى المادّة ، وهو كلّ قيد يكون دخيلا في تعلّق نفس الغرض ; بحيث لولاه لما كان للمولى غرض ، كما لو فرض تعلّقه بإكرام رجل لو ورد عليه صار ضيفاً له ، فلا يكون له غرض مطلق في إكرام الضيف حتّى يجب تحصيل عنوان الضيافة ، بل قد يكون مجيء الضيف مبغوضاً له ، لكن على فرض مجيئه يكون إكرامه محبوباً ومتعلّقاً بغرضه ، ويكون غرضه بحسب اللبّ مشروطاً بتحقّق الضيافة ، وتكون هي دخيلة في تحقّق الغرض وتعلّقه بالإكرام . فلا يعقل تعلّق الأمر المطلق في هذه الصورة بضيافة الرجل ، بل يكون البعث مشروطاً بمجيء الضيف .
ثمّ إنّ للقيود الراجعة إلى الهيئة موارد اُخر :
منها : ما إذا كان المصلحة قائمة بفعل مطلقاً ويكون مطلوبه كذلك ،إلاّ أنّ هاهنا موانع عقلية من البعث إليه مطلقاً ، كالبعث إلى إنقاذ ابنه مع عجز العبد ; فإنّ المولى إذا شاهد ابنه يخوض في اللجج يصيبه من الجزع ما يصيبه ، وهو يكشف عن أنّ الإنقاذ تمام الموضوع للبعث ; فلو قال لعبده : «لو قدرت انقذه» لا يكون ذلك قيداً للمادّة .
ومنها : ما إذا كان المبعوث إليه مطلوباً على الإطلاق ، لكن في نفس الآمر مانع من إطلاق الأمر .
ومنها : ما إذا لزم من تقييد المادّة محال ، كما في قول الطبيب : «إن مرضت فاشرب المسهل»، فإنّ شربـه لأجل دفع المرض ، ولا يعقل أن يكون المرض دخيلا في صلاح شرب المسهل بنحو الموضوعية ; بحيث يرجع القيد إلى المادّة ، ومن ذلك وجوب الكفّارات في الإفطار عمداً والظهار وحنث النذر ; فإنّ الأمر بها لرفـع منقصة حاصلـة مـن ارتكاب المحرّمات ، ولا يعقل أن يكون ارتكابها مـن قيود المادّة .
فتلخّص : أنّ القيود بحسب اللبّ مختلفة ، فكيف يجعل جميعها قيداً للمادّة ؟ !
نقل وبحث : في ضابط قيود الهيئة والمادّة يظهر من تقريرات بعض محقّقي العصر ضابط عقلي آخر في الفرق بين نحوي القيدين ; وهو أنّ القيود لو كانت ممّا يتوقّف عليه اتّصاف المأمور به بكونه ذا مصلحة في الخارج ـ كالزوال والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحجّ ـ فهو من شرائط الوجوب ، ولو كان ممّا يتوقّف فعلية المصلحة وحصولها في الخارج على تحقّقها ; بمعنى أنّها لا تكاد تحصل إلاّ إذا اقترن الفعل بتلك القيود والشرائط ـ كالطهارة والستر ـ فهو من شروط الواجب(3) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه أ مّا أوّلا : فلأنّ ما ذكره في الشقّ الأوّل غير صحيح ; لا طرداً ولا عكساً .
أمّا الطرد : فلأنّ الغرض الذي يتوقّف على حصول شيء إذا كان لازم التحصيل مطلقاً تتعلّق الإرادة بتحصيله على نحو الإطلاق ، ويأمره بإتيانه كذلك ، وعلى المكلّف ـ حينئذ ـ أن يأتي به; ولو بإيجاد شرطه .
فإذا كان الحجّ لا يتّصف بالصلاح إلاّ بالإستطاعة ، ولكن كان للمولى غرض مطلق لتحصيل مصلحة الحجّ فلا محالة يأمر عبده بتحصيلها بنحو الإطلاق ، فلابدّ له من تحصيل الاستطاعة ; ليصير الحجّ معنوناً بالصلاح ويأتي به لتحصيل غرضه المطلق .
والحاصل : أنّ القيود الموجبة لكون الشيء ذا مصلحة على قسمين :
قسم يكون الشيء بوصف كونه صلاحاً مراداً له ومطلوباً مطلقاً ، فتعلّق به الإرادة على نحو الإطلاق ، فيجب عليه تحصيل الصلاح بتحصيل الاستطاعة ; لكون الصلاح مراداً مطلقاً ، وإن كان اتّصاف المورد بالصلاح يتوقّف على شيء آخر ، لكن لعلّة كونه مطلوباً مطلقاً يحرّكه إلى إيجاد القيد أيضاً . فحينئذ يكون القيد ـ لا محالة ـ راجعاً إلى المادّة .
وقسم يكون ما هو المصداق لقولنا إنّه ذو صلاح هو الموضوع المقيّد ، إلاّ أنّ البعث لم يتعلّق بكلا الجزئين بطور الإطلاق بل تعلّق عليه لو حصل هذا بنفسه ، فيرجع إلى الهيئة لا محالة .
فتلخّص : أنّ الجزء الموجب لكون الشيء ذا صلاح على قسمين ، لا يتعيّن لواحد منهما إلاّ بملاحظة ضابط آخر .
وأمّا العكس : فلأنّ الاُمور التي يتوقّف الواجب عليها عقلا ـ كالقدرة والعقل ـ ممّا تعدّ من قيود الهيئة ، مع أ نّها لا توجب اتّصافه بالصلاح في إنقاذ ابن المولى مع عجز العبد .
وأمّا ثانياً : فلأنّه يرد على الشقّ الثاني من الضابط أنّ قيود المادّة ـ كالطهارة والاستقبال ـ دخيلة في اتّصاف الموضوع بالصلاح ; فإنّ الصلاة بدون الطهارة والقبلة لا مصلحة فيها ، فيلزم أن يكون من قيود الهيئة ; لأجل ما قرّر من الميزان ، مع أ نّه من قيود المادّة .
وبالجملة : أنّ الصلاة بدون هذين القيدين إمّا أن تكون ذات مصلحة أولا . وعلى الثاني يلزم أن يكون قيداً للوجوب على الملاك الذي ذكره ; من أنّ ما يتوقّف عليه اتّصاف الفعل بكونه ذا مصلحة في الخارج فهو قيد للوجوب .
وعلى الأوّل يلزم هدم ضرورة المسلمين ; لأنّ الضرورة حاكية عن أنّ الصلاة بلا طهور وقبلة ليست فيه مصلحة ، وليس الستر والطهارة كالآلات الفاعلية في إيجاد موضوع ذي صلاح بالضرورة .
فظهر : أنّ ما ذكره مخدوش من جهات ، إلاّ أن يرجع إلى ما ذكرنا وهو بعيد من ظاهره .
نقل ودفع : في أدلّة امتناع رجوع القيد إلى الهيئة والجواب عنها ربّما يتوهّم امتناع رجوع القيد إلى الهيئة ، وما قيل في بيانه أو يمكـن أن يقال وجوه :
منها : أنّ معنى الهيئة بما أ نّه من المعاني الحرفية مندكّ في متعلّقها ، فلا يتوجّه المتكلّم إليه استقلالا ، والتقييد يحتاج إلى لحاظها استقلالا ، وهـو لا يجامع كونه حرفياً(4) .
وفيه أوّلا : أنّ التقييد كلّه ـ سواء كان في الأسماء أم الحروف ـ إنّما هو بلحاظ ثان استقلالا ; إذ اللفظ الموضوع للطبيعة لا تستعمل إلاّ في معناها ولا يحكي إلاّ عن نفس معناها ، فإذا وصف بكونه مؤمناً أو عادلا في قولك «أكرم عالماً عادلا» يكون التوصيف بلحاظ آخر .
وقس عليه التقييد في المعاني الحرفية ; إذ الهيئة لا تستعمل إلاّ في معناها المطلق ، لا في المعنى المشروط ، والتقييد يرد عليها في لحاظ آخر ـ تقدّم أو تأخّر ـ وحينئذ تصير وقت التقييد من المعاني الاسمية ، ولا غبار في تقييدها .
وثانياً : أ نّه يمكن أن يقال : إنّ التقييد لا يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي ; وإن كان لا يضرّ لحاظه ثانياً أيضاً ، بل يكفي فيه ما هو حاصل في ضمن الكلام الذي يحكي عن الواقع إذا كان حكائياً ، أو يوجد معناه بنفس الاستعمال إذا كان إيجادياً ; لما عرفت أنّ الهدف الأعلى لأهل المحاورة إنّما هو النِسَب والإضافات(5) ، فلو كانت النسبة حاكية عن خارج مقيّد تكويناً فلا محالة قد تصوّر المتكلّم في ذهنه صورة الخارج وأخبر عن الواقع المشهود بالألفاظ التي هي كالقوالب للمعاني .
فحينئذ يقع الإخبار عن المقيّد والقيد والتقييد من غير احتياج إلى لحاظ مستقلّ ، ولكن الاكتفاء به في الإيجاديات من دون لحاظ مستقلّ يحتاج إلى التأمّل .
ومنها : أنّ الهيئة موضوعة بالوضع العامّ للموضوع الخاصّ ، فيكون المعنى جزئياً حقيقياً غير قابل للتقييد(6) .
وفيه : أنّ التقييد وإن كان يلازم تضييقاً في المقيّد ، وهو فرع كونه أمراً وسيعاً ، لكن التقييد في الجزئي الحقيقي ليس باعتبار ذاته بل باعتبار حالاته وأطواره ; ولذا يجري فيه مقدّمات الحكمة لو وقع بشخصه موضوعاً للحكم .
ومنها : أنّ الهيئة في الأمر والنهي للإيجاد ، وهو آب عن التعليق ; لامتناع الإيجاد المعلّق ; إذ تعليق الإيجاد مساوق لعدم الإيجاد ، كما أنّ تعليق الوجود مساوق لعدمه(7) .
وفيه : أنّ الخلط نشأ من إسراء حكم الحقائق إلى الاعتباريات التي لم تشمّ ولن تشمّ رائحة الوجود حتّى يجري عليه أحكام الوجود .
ولعمري إنّ ذلك هو المنشأ الوحيد في الاشتباهات الواقعة في العلوم الاعتبارية ; إذ الإيجاد الاعتباري لا مانع مـن تعليقه ، ومعنى تعليقـه أنّ المولى بعث عبده على تقدير وألزم وحتم شيئاً عليه لو تحقّق شرطـه ، ويقابلـه العدم المطلق ; أي إذا لم ينشأ ذلك على هذا النحو .
الجهة الثانية : في حكم الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه:
نبحث فيها عن أنّ الواجب المشروط وجوبه فعلي قبل تحقّق شرطه أولا ؟
والمشهور المنصور هو الثاني(8) ، وتوضيحه يتوقّف على تحقيق حقيقة الحكم:
لا إشكال في أنّ الآمر قبل إنشاء الحكم يتصوّر المبعوث إليه ويدرك فائدته ولزوم حصوله بيد المأمور ، فيريد البعث إليه بعد تمامية مقدّماته .
إنّما الكلام في أنّ الحكم هل هو الإرادة أو الإرادة المظهرة أو البعث الناشئ منها ; بحيث يكون الإرادة كسائر المقدّمات من مبادئ حصوله لا من مقوّماته ؟
التحقيق : هو الأخير بشهادة العرف والعقلاء ، ألا ترى أنّ مجـرّد صدور الأمـر من المولى يكفي في انتقال العبيد إلى وجوب الإتيان ، من غير أن يخطر ببالهم أنّ أمره ناش من الإرادة أو أنّ هنا إرادة في نفسه وهو يحكي عنها ؟ بل قد عرفت(9) أنّ البعث والإغراء بأيّ آلة كانت فهو تمام الموضوع لحكم العقلاء بوجوب الامتثال .
وأمّا ما عن بعض محقّقي العصر : من كون الحكم عبارة عن الإرادة التشريعية التي يظهرها المريد بأحد مظهراتها(10) فهو خلاف التحقيق :
أ مّا أولا : فلما عرفت من ارتكاز العبيد على الانتقال إلى الوجوب من الأوامر ، بلا لحاظ الإرادة التي هذا اللفظ حاك عنها .
وثانياً : أنّ الوجوب والإيجاب في عالم الاعتبار واحدان ذاتاً كالوجود والإيجاد في وعاء التكوين ويختلفان اعتباراً ، ولو صحّ انتزاع الوجوب عن الإرادة صحّ انتزاع الإلزام والإيجاب عنها ، مع أنّ الإرادة لا تسمّى إلزاماً وإيجاباً ، بخلاف الإغراء والبعث لفظاً وحده .
فإن قلت : يرد هذا لو قال القائل بأنّ الحكم عبارة عن نفس الإرادة ، ولكنّه ـ قدس سره ـ يقول بكونه عبارة عن الإرادة التشريعية التي يُظهرها المريد ، فشَرَط مع نفس الإرادة وجود المُظهر قلت : نعم ، لكن كون الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة ينافي انتزاع الوجوب عن البعث المولوي مع الغفلة عن الإرادة .
وثالثاً : أنّ الأحكام الوضعية قسيم التكليفية ، مع أنّ الوضعيات لا تكون من قبيل الإرادات المظهرة ; إذ الحكومة والقضاوة والملكية وغيرها تنتزع من جعلها .
ولايمكن أن يقال : إنّ هذه العناوين منتزعة عن الإرادة أو عن الإرادة المظهرة ، كما أنّ حكم السلطان والقاضي عبارة عن نفس الإنشاء الصادر منه في مقام الحكومة والقضاء لا الإرادة المظهرة ، بل لا يكفي في فصل الخصومة إظهار إرادته أو إفهام رأيه ما لم يتكلّم بلفظ نحو «حكمتُ» أو «أنفذتُ» أو ما يفيد الحكم بالحمل الشائع .
نعم ، لو لم ينشأ البعث من الإرادة الجدّية لا ينتزع منه الوجوب والإيجاب ، وهو لا يوجب أن تكون الإرادة دخيلة في قوام الحكم أو تكون تمام حقيقته ، ويكون الإظهار واسطة لانتزاع الحكم منها ، بل أقصى ما يقتضيه أن يعدّ الإرادة من مبادئ الحكم ، كما فرضناه .
إذا عرفت ذلك : يتّضح لك أنّ وجوب المشروط قبل تحقّق شرطه ليس فعلياً ، كما هو ظاهر تعليق الهيئة ، وإنشاء البعث على تقدير لا يمكن أن يكون بعثاً حقيقياً إلاّ على ذلك التقدير ; للزوم تخلّف المنشأ عن الإنشاء ; إذ المفروض أنّ المنشأ إنّما هو الوجوب والإيجاب على تقدير حصول شرطه ، فلا معنى ـ حينئذ ـ للوجوب فعلا مع عدم شرطه .
ونظيره باب الوصية ; إذ إنشاء الملكية على تقدير الموت لا يفيد الملكية الفعلية ، بل يؤثّر في الملكية بعد الموت .
هذا ، ولو قلنا : إنّ الإرادة دخيلة في الحكم لا تكون دخالتها إلاّ بنحو كونها منشأً للانتزاع ، وأمّا كونها نفس الحكم ذاتاً فهو خلاف الضرورة ، وعليه لا ينتزع من الإرادة المعلّقة على شيء إلاّ الوجوب على تقدير ، لا الوجوب الفعلي .
فتلخّص : أنّ البعث على تقدير كالإرادة على تقدير لا يكون إيجاباً فعلياً ، ولا منشأً له كذلك .
فإن قلت : إنّ الوجوب بما أ نّه أمر اعتباري يصحّ التعليق فيه ، وهذا بخلاف الإرادة ; فإنّها من مراتب التكوين ، وامتناع التعليق في التكوين ضروري . وقولك : إنّ الإرادة هنا على تقدير يوهم ذلك .
قلت : إنّ المراد من الإرادة على تقدير ليس معناه عدم الإرادة فعلا ولا التعليق في نفس الإرادة، بل المراد إرادة إيجاب شيء من المأمور على تقدير ، فالإرادة التشريعيـة هنا فعليـة ، لكن تعلّق بإيجاب شيء على تقدير ، ولذلك لا ينتزع منه الوجوب الفعلي ، بل الوجوب على تقدير ، وهو يساوق الإنشائية .
وبالجملة : تعلّقت إرادة فعلية بالبعث على تقدير ، ففي مثله لا ينتزع الوجوب الفعلي ، ففرق بين التقدير في الإرادة أو في إنشاء البعث بها .
وليعلم : أنّ قولنا بأنّ الإرادة التشريعية هنا فعلية وتعلّق مع فعليتها بإيجاب شيء على تقدير ، لا ينافي مع ما اخترناه ; من أنّ الإرادة والحكم في الواجب المشروط غير فعلي ; خلافاً لبعض محقّقي العصر .
وجه عدم المنافاة : هو أنّ المراد من فعلية الإرادة هو الإرادة التشريعية المتعلّقـة بإنشائها وتشريعها ، فهي فعليـة قطعاً ، ومـا هـو غير فعلي إنّما هـي الإرادة المتعلّقة بإيجـاده في الخارج فعلا ; ولـو قبل حصول شرطـه أو البعث الفعلي إليه كذلك .
الجهة الثالثة : في دفع بعض الإشكالات على مبنى المشهور:
قد وقع الواجب المشروط على مبنى المشهور مورد النزاع والمناقشة ; فقبله قوم من المحقّقين. وناقش في صحّته آخرون بوجوه :
منها : ما أورده بعض أهل التحقيق ـ واختار نفسه كما تقدّم : أنّ التكليف في الواجب المشروط فعلي قبل تحقّق شرطـه ـ قائلا بأنّ الإنشاء المشروط ممّا يتوصّل به المولى إلى تحصيل المكلّف به ، والواجب المشروط على مبنى المشهور ليس بمراد للمولى قبل تحقّق شرطه ، فكيف يتصوّر أن يتوصّل العاقل إلى تحصيل ما لا يريده فعلا ؟ فلابدّ أن يلتزم بوجود غرض نفسي في نفس الإنشاء(11) ، انتهى .
ولا يخفى عليك ضعفه وغرابته ; لأنّه لم يتوصّل بكلامه إلى طلب الإيجاد فعلا حتّى يقال : كيف يتوصّل بكلام إلى ما لا يريد إيجاده فعلا ، بل توصّل به إلى المطلوب على تقدير حصول الشرط ، وكم فرق بينهما ؟ !
وبالجملة : أنّ الإنشاء وإن كان للتوصّل إلى المبعوث إليه لكن في الواجب المشروط يكون إنشاء الإيجاب على تقدير الاستطاعـة في الأمر بالحجّ ـ مثلا ـ إنّما هو لأجل التوصّل إلى إيجاده على هذا التقدير لا قبله .
وأمّا الفائدة في هذا الإنشاء مع عدم فعلية الحكم فإنّما تسأل عنها في الخطابات الشخصيـة القائمة بمخاطب واحد ، وتصوّرها فيها بمكان من الإمكان ، لا في القوانين الكلّية المتعلّقة بكلّ مكلّف بخطاب واحد وجعل فارد ، وسيوافيك في محلّه بيان كيفية جعل القانون الكلّي(12) .
وحينئذ : فالمشرّع المقنّن لمّا رأى اختلاف المكلّفين بين واجد للشرط حين الخطاب وفاقد له لم ير بدّاً ومناصاً سوى الإنشاء على العناوين الكلّية على فرض تحقّق الشرط ; حتّى ينبعث من هو واجد وقت الخطاب ، وينتظر مَن هو فاقد .
أضف إلى ذلك : أنّ الإشكال ـ على فرض صحّته ـ مشترك الورود ; لأنّه إن أراد من فعلية الحكم أ نّه يجب تحصيله فعلا ، وفي زمن صدور الخطاب ; وإن كان الشرط غير موجود فهو خارج من كونه مشروطاً ، وإن أراد أ نّه يجب تحصيله في ظرفه وبعد حصول شرطه فأيّ وجه لطلبه فعلا .
مع أنّه لم يرد إيجاده في آن البعث ، فإن قال : إنّه لأجل الإعلان حتّى ينبعث في محلّه فنحن نقول مثله .
ومنها : أنّ وجوب المقدّمة قبل وجوب ذي المقدّمـة ممتنع ; لأنّ وجوبها ناش من وجوبه ، وعلى فرض التلازم بين الإرادتين تكون إرادة المقدّمـة ناشئة مـن إرادة ذيها ، ولو كانت المقدّمة واجبـة قبل وجـوب ذيها لزم وجـود المعلول قبل وجود علّته ، أو وجود أحد المتلازمين قبل الآخر .
وبالجملة : المقدّمات المفوّتة غير واجبة قبل وجوب ذيها على مبنى المشهور ، مع أ نّه لايمكن تحصيلها بعد تحقّق ذيها ، والمكلّف في تركها ذو عذر وجيه ، ولا مناص على قولهم إلاّ القول بوجوبها التهيّئي أو التمسّك بإلزام العقل بتحصيلها ; وإن كانت غير واجبـة ; لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، والكـلّ كما ترى(13) .
وفيه : أنّ ذلك توهّم محض ، حصل من حديث نشوء إرادة من اُخرى ، وتولّد بعث من آخر ، وقد عرفت(14) أنّ وجوب المقدّمة لا يكون ناشئاً من وجوب ذيها ، ولا إرادتها من إرادته .
أمّا الأوّل : فلعدم التلازم بين البعث إلى شيء والبعث إلى مقدّمته ، بل ربّما لا يكون للمولى بعث إلى المقدّمات .
وأمّا الثاني : فلما قدّمنا(15) من أنّ الإرادة بقول مطلق إنّما تحصل عن مبادئها المحرّرة في محلّها ، ولا يعقل بضرورة البرهان جواز كون إرادة مبدأ لوجود إرادة اُخرى . ومعنى كون هذه الإرادة غيرية هو أنّ الآمر لمّا رأى توقّف ما هو مطلوبه على شيء آخر فلا محالة يريد المتوقّف عليه لأجل حصوله .
وحينئذ لا مانع ـ لو لم نقل أنّه المتعيّن ـ أن نختار أنّ المقدّمة واجبة بالوجوب الغيري ; وإن لم يكن هناك واجب نفسي ، وأنّها مراده بالإرادة الغيرية ; لوجود ملاك المقدّمية فيها ; وإن لم تتحقّق الإرادة الفعلية النفسية بالنسبة إلى ذي
المقدّمة بنحو الإطلاق ، بل تتعلّق إرادة فعلية بالبعث على فرض ، كما تقدّم .
فمع عدم البعث الفعلي نحو ذي المقدّمة تتعلّق الإرادة بمقدّمته على الملازمة بالمعنى الذي عرفته كراراً .
فلا تتوهّم المنافاة بين مـا ذكرنا هنا مـن أنّ الإرادة المتعلّقة بـذي المقدّمـة غيـر فعليـة ، وبين مـا تقدّم مـن أنّ الإرادة التشريعيـة في الواجب المشروط فعليـة ، فلاحظ(16) .
والحاصل : أ نّه لا مانع عن القول بأنّ المقدّمة واجبة ومرادة دون ذيها ، وتوضيح ذلك : أنّ الملاك في إرادة المقدّمة هو علمه بتوقّف التوصّل إلى الواجب عليها .
فحينئذ : إن كان ذو المقدّمة مراداً فعلياً ومبعوثاً إليه مطلقاً فلا محالة تتعلّق الإرادة الفعلية بما يراه مقدّمة ، بناءً على الملازمة ، وأمّا إذا كان ذو المقدّمة غير مبعوث إليه فعلا ولكن المولى وقف على أنّ له مقدّمات لابدّ من إتيانها قبل حصول الشرط وإلاّ يفوت الواجب في محلّه بفوتها، فعند ذلك تتعلّق إرادة آمرية على تحصيلها ; لأجل التوصّل بها إلى المطلوب بعد تحقّق شرطه
فظهر : أنّه على فرض الملازمة لا محيص عن تعلّق الإرادة بها .
وتوهّم : لزوم تحقّق المعلول قبل علّته ناش من تخيّل كون الإرادة المتعلّقة بالمقدّمات ناشئة من إرادة ذيها ، أو كونهما متلازمين بالمعنى المصطلح ، وهما بمكان من الفساد .
فإن قلت : إنّ ذلك ينافي ما سبق في تحرير محطّ البحث من وجـود الملازمـة بين وجوبها ووجوب ذيها ، فحينئذ بعد التفكيك بينهما في المقام كيف يعقل الملازمة الفعلية بين موجود ـ أعني إرادة المقدّمة ـ ووجوبها ، وبين معدوم ـ وهو إرادة ذيها ـ ووجوبه .
قلت : ما حرّرناه في محطّ البحث حقّ لا سترة عليه ، إلاّ أنّ لزوم وجوبها لوجوب ذيها من قبيل اللازم الأعمّ لا المساوي ، فكلّما تحقّق وجوب ذيها تحقّق وجوبها ولا ينعكس ، بل ربّما يتحقّق وجوب المقدّمـة بملاك التوقّفية لما يريده بنحو الإطلاق عند حصول شرطه في المستقبل; وإن لم يتحقّق في المقام وجوب ذيها بالفعل .
وخلاصة الكلام : أنّ ملاك تحقّق إرادة المقدّمة في الفاعل والآمر على وزان واحد ; وهو تشخيص توقّف متعلّق غرضه عليه ، فلو رأى الآمر أنّ له مطلوباً تامّاً في المستقبل وإن لم يكن له طلب بالفعل ; لعدم تحقّق شرطه ، ولكن يعلم أنّ الشرط سيحصل وله بعد حصوله غرض تامّ يفوت بترك الأمر بالمقدّمة في الحال ، فلا محالة يريدها على الملازمة بالمعنى المتقدّم ، كما أنّ الفاعل يريدها ، ولكن ذلك لا لأجل الملازمة بين الإرادتين ; إذ كيف تصير الإرادة المعلّقة بشيء منشأ للإرادة المطلقة للمقدّمة ؟ بل انقداح الإرادة بملاك فوت الغرض لولا الإرادة على ما أثبته القائلون بوجوب المقدّمة في جميع الأبواب .
أضف إلى ذلك : أنّ هنا طريقاً آخر لحلّ الإشكال غير هذا المسلك ; وهو أنّ العاقل إذا وقف على مبدئية شيء لمطلوبه ; بحيث لا يمكن الوصول إليه إلاّ به فلا محالة يستقلّ عقله بلزوم إتيانه للغير ، لا لمصلحة في نفسه وإن لم يأمر به المولى .
فلو علم المكلّف أنّ المولى قال «أكرم صديقي إذا جاءك» ، وتوقّف إكرامه على مقدّمات قبل مجيئه يحكم عقله بإتيانها لتحصيل غرضه ، بل لو كان المولى غافلا عن مجيء الصديق ، لكن العبد واقف عليه وعلى غرض المولى بإكرامه على تقديره يجب على العبد بحكم عقله تهيئة المقدّمات ; حفظاً لغرضه .
ثمّ إنّه لو سلّم كـون الإرادة في الواجب فعلياً قبل حصول شرطـه ، وأنّ الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة كان الإشكال أيضاً باقياً غير مندفع ـ وإن زعم بعض أهل التحقيق أنّ الإشكال يندفع به ـ لأنّ الإرادة المتعلّقة بشيء كما أنّها لا تؤثّر في البعث نحو ذيها ـ للاشتراط بالنحو الذي التزمـه ; لأنّ الشرط غير حاصل ـ كذلك لا يمكن أن تؤثّر في البعث نحو مقدّماته . ومجـرّد وجود الإرادة الفعلية كذلك لا يكفي في البعث نحو المقدّمات مطلقاً ، فالإشكال مشترك الورود بينه وبين المشهور .
وإن شئت قلت : لو سلّمنا صحّة ما ذهب إليه من حصول الإرادة في الواجب المشروط قبل حصول شرطه لكن يبقى الإشكال بحاله أيضاً ; لأنّ ظواهر كلماته ـ كغيره ـ هو القول بنشوء إحداهما عن الاُخرى على نحو العلّية في الإيجاد ، ومن المعلوم : أنّ المعلول يتبع علّته في السعة والضيق ; لكونه من شؤونها ، فلو فرضنا أنّ الإرادة لا يمكن لها التأثير بالبعث فعلا نحو المراد وذي المقدّمة فكيف لا يمكن نشوء إرادة منها إلى المقدّمات ، على خلاف علّتها ومنشئها؟
___________
1 ـ كفاية الاُصول : 121 .
2 ـ مطارح الأنظار : 45 ـ 46 و 49 / السطر2 .
3 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّقش العراقي) الآملي 1 : 335
4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 181 ، أجود التقريرات 1 : 131
5 ـ تقدّم في الصفحة 60 .
6 ـ مطارح الأنظار : 45 ـ 46 .
7 ـ اُنظر نهاية الاُصول : 170 .
8 ـ الفصول الغروية : 80 / السطر10 ، كفاية الاُصول : 121 .
9 ـ تقدّم في الصفحة 204 ـ 205 .
10 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 345 ، نهاية الأفكار 1 : 302 .
11 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 346 .
12 ـ يأتي في الصفحة 437 .
13 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 349 ، نهاية الأفكار 1 : 301 .
14 ـ تقدّم في الصفحة 284 .
15 ـ تقدّم في الصفحة 283 ـ 284 .
16 ـ تقدّم في الصفحة 321 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|