أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2016
2935
التاريخ: 18-4-2016
7749
التاريخ: 25-1-2016
2338
التاريخ: 12-3-2022
3686
|
ـ لماذا الآن وليس قبل ؟
نبدأ حديثنا عن هذا الحقل العلمي الفني من سؤالنا عن أسباب اهتمام بعض علماء الاجتماع المعاصرين في الغرب أمثال أدورد شيلزوايفا أتزيوني وسيمور لبست وستنالي أرونويتز وريمون أرون وبنيت برجر وكاترين فريد جون جيتف وفلورين زنيانسكي ولويس كوبر ونيقولا بيرديف وسواهم. أما من القدماء فهم ماكس فيبر وكارل مانهايم. وحصر اهتمامهم بما يقوم به المثقف ويقارنون بالحاكم السياسي وهو أي المثقف الا يشغل منصباً قيادياً في الأنساق البنائية ولاسيما ونحن نعلم أن محور اهتمام علماء الاجتماع ينصب على دراسة المشكلات الاجتماعية (تشخيصاً وعلاجاً) مثل الجنوح والطلاق والجريمة والانحراف والإدمان وغيرها علاوة على دراسة الظواهر الاجتماعية السائدة في المجتمع ومعرفة تأثيرها على الحياة الاجتماعية مثل التغير والتحضر والاستهلاك المظهري والتفاعل الاجتماعي وحركة الموضة والحركات السياسية والزواج الخارجي في مجتمع محافظ.
سؤالنا في هذا الباب هو هل يدخل نشاط المثقف من باب الاهتمام بالمشكلات أم الظواهر؟ أم غير ذلك؟ إذا كان يدخل من باب الاهتمام الأول فهو إذن يعد مشكلة إنما مع من وضد من؟ واذا كان يدخل من باب الظاهرة فإن ذلك يعد خطاً كبيراً لأن نشاطه يعد فرديا وليس جمعيا. إذن لماذا هذا الاهتمام المستجد؟!! وهل يشكل العالم أو الكاتب أو الناقد أو المبدع أو المخترع أو المنور يشكل مشكلة للمجتمع؟ وهل جل اهتمام المثقف يقف موقف المتعارض مع الحاكم السياسي؟ الجواب كلا، بل أن مناشط المثقفين ترقي من وعي الناس الواعين وتفتح وعي الناس غير الواعين وتنشأ أجيالاً صاعدة على ممارسة مواقع قيادية ريادية لقيادة الحركة الثقافية في مراحل قادمة. ويكون عطاء المثقف (العلمي أو الأدبي أو النقدي أو السياسي أو الفكري) يقدم إضافة للتراكم الثقافي والعلمي السائد في ثقافة المجتمع. فالمثقفون إذن أشبه ما يكونون بالوكالة التنشيئية (مثل الأسرة أو المدرسة) إن جاز التشبيه يستخدم الوسائل الإعلامية (الإذاعة أو الصحف أو التلفاز) لإيصال مؤثراته الفكرية على المتلقين الذين سيكونون نخبة المستقبل ويستخدم أيضاً الكلية والجامعة لنفس الغرض.
من هذا المنطلق دلف بعض علماء الاجتماع إلى مدار إنتاجه ونشاطه الثقافي والعلمي والتعامل معه على أنه يمثل وظيفة دورية اختارها هو لنفسه وحدد شروطها النسق الثقافي ليمارسه أمام الناس إنما غالباً ما يتقاطع مع أصحاب القرار وقادة السياسة الاجتماعية لأنهم ينظرون إليها على أنها وسائل شغب أو فتنة أو تحريض أو تأليب، ومن هنا جاء اهتمام علماء الاجتماع لعمل ونشاط المثقف، ليوضحوا مصدره فيما إذا كان يمثل مصدراً إثارياً أو تحريضياً أو مصدراً تنويرياً وتثقيفياً وتوعوياً، مثلما يدرسون بقية الأدوار الاجتماعية كدور الأب أو المعلم أو الطبيب أو رجل الدين في المجتمع (كمنشيء ثقافيا).
جميع هذه التساؤلات جعلت بعض علماء الاجتماع يفردون مجالاً فكرياً وتاريخياً وسياسيا وتقيا ومؤسساتياً لدور حيوي يقوم به فرد متخصص بمعرفة علمية أو أدبية أو دينية محددة تخدم أحد أنماط الفعل الاجتماعي في حياة الناس العامة والمتأسسة التي يتعامل معها أفراد المجتمع.
هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن وجود قنوات عديدة يستطيع المثقف استخدامها في إيصال رسالته التنويرية أو التثقيفية أو التوعوية أو الإيثارية إلى المتلقي لإنهاضه ولفت نظره أو تفتيق ذهنه حول موضوع عام (وليس خاصاً) وإزاء هذا الإنهاض فإن العامة تقوم بإنضاج وإكمال رأيها وتصورها أو مطالبها الأمر الذي يجعل رموز السلطة أو النخبة الحاكمة تحسب حساباتها حول أسلوب المثقفين في إرسال رسالتهم إلى الجمهور الذي قد يكون غير منتبه أو لا يملك الوسائل والآليات المنطقية أو القانونية في مطالباته المشروعة.
بمعنى آخر، هل ما يقوم به المثقف من نشاط ثقافي يعد مصدراً للفتنة والتحريض والتأليب؟ إذا كان هكذا فهل يمكن اعتبار الإبداع الذي يرقي من نباهة الناس ووعيهم وادراكهم لما يدور حولهم فتنة؟ قد يكون ذلك في نظر المسؤولين الكبار إذا كان الإبداع الفكري الذي يطرحه المثقف منبهاً للعامة حول مخاطر القرارات التي يتخذها الحاكم أو التي تنتج عن الفساد السياسي أو الإداري أو المالي الذي يقوم به بعض المسؤولين من المؤسسات الرسمية (من رشاوي وتزوير واختلاس) وما يؤول ذلك إلى تدني في مستويات الأداء المؤسسي وأخلاقية الناس في التعامل المتمدن. إنما يعد طرحا لوذعيا ومعالجة حريصة على المصلحة العامة وتنبيها واعيا من قبل المثقف في نظر المثقفين الأحرار ومن الحريصين على المصلحة العامة والمبادئ الإنسانية والوطنية.
ولا جناح من الإشارة إلى ما أحرزته التغيرات الاجتماعية والتقنية والسياسية الحديثة والمعاصرة من قنوات عديدة يستطيع المثقف استخدامها للتأثير على أصحاب القرار ومريديه ومتلقيه. مثل الوسائل الإعلامية والالكترونية والحاسوبية والفضائية والجامعات والبرامج الإنمائية والمؤسسات الحكومية . ففي الدول المتقدمة صناعيا برز تأثير المثقفين من خلال إسهامهم في إرساء اللبنات الأساسية للسياسة الاجتماعية للمجتمع وعبر الكليات والجامعات والمعاهد ومراكز البحوث في بث ونشر أفكارهم ومرئياتهم ونظرياتهم على طلبتهم أو على النخبة الثقافية (أمثال العلماء والباحثين ورجال القانون والإعلام والاجتماع والنفس والطبيعة والفيزياء) الذين يستطيعون إيصال إبداعاتهم وتأثيراتهم على الجوانب الصحية والعلمية والاقتصادية والسياسية والإعلامية ورموز المجتمع. وهذا ما يمكن مشاهدته في إسهاماتهم ومشاركاتهم البارزة في الأنشطة العلمية او الإعلامية والفكرية والسياسية الاجتماعية في المجتمعات المتقدمة، وغالبا ما تكون غير مباشرة إلا أنها فعالة وقوية.
وعبر هذه القنوات باتت مساهمة المثقفين في تزايد مستمر وبالذات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهذا يؤكد أهمية مساهماتهم في وضع السياسة الاجتماعية والبرامج الإنمائية والخطط المستقبلية في مجتمعات تقدّر قيمة المثقف ولا تهدر نشاطه وتبتعد عن القرارات الفردية والمرتجلة والطارئة والمزاجية (التي تتصف بها الحكومات العربية بسبب عدم فتح المجال للمثقفين الجادين -غير المتزلفين أو المداهنين أو المرتزقة للإسهام في وضع البرامج الإنمائية والخطط المستقبلية.
إحدى هذه القنوات التي يسلكها المثقف المعاصر هي مؤسسات التعليم العالي (الجامعة والكلية والمعهد ومراكز البحوث) التي يستطيع فيها الأستاذ (كمثقف) أن يعلم طلابه أفكاره ونظرياته ومرئياته ونقده وتحبيذه لما يرى حوله من سلبيات أو إيجابيات. هذا على صعيد التخصصات الإنسانية والاجتماعية والقانونية والحالة تكون مشابهة عند علماء، الفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء وسواها التي يستطيع فيها العالم تبصير طلبته عن النظريات والتجارب المعاصرة ولاسيما أن هؤلاء الطلبة سيكونون النخبة الصاعدة والمأمولة التي تم تفتيح ذهنها وبصرها من قبل الأساتذة الذين أشعلوا فتيل طموحهم . إنه أكبر تأثير أفعله المثقف الجامعي (الأستاذ والباحث) لأن هذا الجمع النخبوي سيكون في المستقبل مطالبا بحقوقه بشكل واع يصعب التحكم فيه أو تكميمه من قبل السلطة الحاكمة لأنه يمتلك المنطق السوي والفكر الحر الذي استولدته الأحرم الجامعية وأساتذتها المثقفون في جميع الاختصاصات العلمية والتقنية والأدبية في مجال التنظير والتدريب لكي يساهموا في تنمية مجتمعهم مستقبلاً ويواكبوا مستجدات التغيرات القادمة. فضلاً عن مساهمة الأساتذة الجامعيين في مجالس استشارية في الوزارات والمديريات الحكومية للأخذ بملاحظاتهم وأفكارهم والاستفادة من خبراتهم في إرساء روابط بين معرفتهم النظرية والواقع المعيش أو الاعتماد عليهم في الدراسات التطبيقية التي يشترك فيها أكثر من اختصاص معرفي (إداري ونفسي واقتصادي وسياسي واجتماعي وطبي وهندسي وأمني) فضلاً عن انخراط بعض المثقفين في أحزاب سياسية يساعدون قياداتها في إجراء بحوث ودراسات في السياسيات التي تهم أهدافها ومستقبلها وهذا ما نشاهده في البلدان الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا.
وازاء هذه الحالة الصاعدة والمرتقية فإن المؤسسات النسقية (الاقتصادية والسياسية والتعليمية والطبية والهندسية والخدمية) تحتاج إلى إعادة بناء قواعدها المعيارية وتهذيب ما هو صالح منها في كل مرحلة تطورية تواجهها لكي تستطيع مواجهة منطق وعقلية جيل متفتح وواع يريد إجابات على أسئلته بشكل مباشر من المسئولين في مجتمعه ولا يرضى بالوعود والكلام المعسول ولا يخضع للوسائل القمعية لأن هناك قنوات أخرى تفضح هذه الممارسات الظالمة وغير العادلة التي تنعكس سلباً على مستخدميها.
نستطيع الآن تفهم لماذا يخشى المسئولون مناشط المثقفين وتصريحاتهم المبدعة التي تكشف اللثام عن عدة وجوه تكون غامضة أو مجهولة عند العامة من الناس. ومن هنا نقدر أن نقول إن دور المثقف يحمل وجهين معاً : الأول يراه المثقف بأنه واجب وطني وأخلاقي وانساني ومهني يفرضه شرف المهنة والآخر يراه أصحاب المراكز العليا بأنه تحريضي وتأليبي يهدد مواقعهم السلطوية، وازاء ذلك يحصل صراع خفي، ومن ثم يتحول إلى المعلن بينهما (بين رموز السلطة والمثقفين) الذي ينتهي فيما بعد إلى تكميم مناشط المثقفين (كما هو الحال في البلدان المتخلفة والنامية) أو إرغامهم على تغير صيغة رسالتهم من أجل تجميل صورة الحكم ورموزه أو إغرائهم بالمال والمناصب الحساسة. لكن مهما كانت المواجهات من المثقفين فإن المبدع يبقى متأججاً بينهما يرتفع تارة وينخفض أخرى ويهدأ أحياناً إلا أنه لا ينقطع. أقول لا يوجد ود بينهما بل يوجد الحذر والحيطة والمراقبة والتوجس والنقد والعقاب والفصل والطرد والتصفية الجسدية.
وعلى الجملة، فإن اهتمام بعض علماء الاجتماع اليوم :
1ـ بالأعداد المتزايدة من المثقفين في الوقت الراهن .
2ـ وتنوع مناشطهم المتخصصة والدقيقة.
3ـ واحتياج الأتساق البنائية لأفكارهم ومرئياتهم من أجل إنمائها ورعرعتها وارقاء مكانتها وحيويتها .
4ـ وتعدد القنوات التصريفية لأنشطتهم .
5ـ وعدم التفريط بالعناصر البشرية الكفؤة الخلاقة دفعهم إلى استحداث حقل جديد يضمونه إلى حقولهم المعرفية ليتبوأوا مكانة الصدارة في الإحاطة بما يتبلور على سطح المجتمع دون إهماله.
أما لماذا لم يتبلور مثل هذا الاختصاص بالأمس في علم الاجتماع فإن ذلك يرجع إلى أن عدد المثقفين ونشاطهم في ذلك الحين كان قليلاً بالمقارنة مع الآن وكان نشاطهم مستحوذاً عليه من قبل الحاكم السياسي أو الديني الذي كان يستخدمه كإحدى آليات حكمه الجائر، وقلة عدد الواعين ثقافياً وسياسياً في ذلك الحين.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|