أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2019
3964
التاريخ: 28-3-2016
3560
التاريخ: 29-3-2016
3184
التاريخ: 8-04-2015
4328
|
ندب الطاغية لحرب مسلم عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته ومحمّد بن الأشعث وضمّ إليهما ثلاثمئة رجل من صناديد الكوفة وفرسانها وأقبلت تلك الوحوش الكاسرة لحرب القائد العظيم الذي أراد أنْ يحرّرها مِن الذلّ والعبودية وينقذها مِن الظلم والجور , ولمّا سمع وقْعَ حوافر الخيل وزعقات الرجال علم أنّه قد اُتي إليه فبادر إلى فرسه فأسرجه وألجمه وصبّ عليه درعه وتقلّد سيفه والتفت إلى السيّدة الكريمة طوعة فشكرها على ضيافتها وأخبرها أنّه إنّما اُتي إليه مِنْ قبل ابنها الباغي اللئيم قائلاً : رحمك الله وجزاك عنّي خيراً اعلمي إنّما اُتيت مِنْ قِبل ابنك .
واقتحم الجيش عليه الدار فشدّ عليهم يضربهم بسيفه ففرّوا منهزمين ثمّ عادوا إليه فأخرجهم منها وانطلق نحوهم في السكّة شاهراً سيفه لمْ يختلج في قلبه خوف ولا رعب فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه وقد أبدى مِن البطولات النادرة ما لمْ يشاهد لها التاريخ نظيراً في جميع عمليات الحروب وكان يقاتلهم وهو يرتجز :
هو الموتُ فاصنعْ ويكَ ما أنتَ صانعُ فأنتَ بكأسِ الموتِ لا شكَّ جارعُ
فصبرٌ لأمرِ الله جلّ جلالهُ فحكمُ قضاءِ اللهِ في الخلقِ ذائعُ
وأبدى سليل هاشم مِن الشجاعة وقوة البأس ما حيّر الألباب وأبهر العقول ؛ فقد قتل منهم فيما يقول بعض المؤرّخين واحداً وأربعين رجلاً ما عدا الجرحى وكان مِنْ قوّته النادرة أنّه يأخذ الرجل بيده ويرمي به مِنْ فوق البيت وليس في تاريخ الإنسانية مثل هذه البطولة ولا مثل هذه القوّة وليس هذا غريباً عليه ؛ فعمّه علي بن أبي طالب أشجع الناس وأقواهم بأساً وأشدّهم عزيمة , واستعمل معه الجبناء مِنْ أنذال أهل الكوفة ألواناً قاسية وشاذّة مِنْ الحرب فقد اعتلوا سطوح بيوتهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقذائف النار ولو كانت في ميدان فسيح لأتى عليهم ولكنّها كانت في الأزقة والشوارع.
فشلت جيوش أهل الكوفة وعجزت عن مقاومة البطل العظيم فقد أشاع فيهم القتل وألحق بهم خسائر فادحة وأسرع الخائن الجبان محمّد بن الأشعث يطلب مِنْ سيّده ابن مرجانة أنْ يمدّه بالخيل والرجال ؛ فقد عجز عن مقاومة مسلم ولامه الطاغية قائلاً : سُبحان الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة ؟!
وثقل هذا التقريع على ابن الأشعث فراح يشيد بابن عقيل قائلاً : أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال مِنْ بقالي الكوفة أو جرمقاني مِنْ جرامقة الحيرة؟! وإنّما بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كفِّ بطل همام مِنْ آل خير الأنام ؛ وأمدّه ابن زياد بقوى مكثّفة من الجيش فجعل البطل العظيم يقاتل وحده وهو يرتجز :
أقسمتُ لا اُقتلُ إلاّ حرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا
أو يخلط البارد سخناً مُرّا رُدّ شعاعُ الشمسِ فاستقرا
كلّ امرئ يوماً يلاقي شرّا أخافُ أنْ اُكذبَ أو اُغرّا
لقد كنت يابن عقيل سيّد الأحرار فقد رفعت لواء العزّة والكرامة ورفعت شعار الحرية والإباء وأمّا خصومك الحقراء فهم العبيد الذين رضوا بالذلّ والهوان , وحلّل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله : هو رجز مِن الناحية النفسية صادق كلّ الصدق معبّر تعبيراً دقيقاً عن الموجات النفسية التي كانت تندفع في نفس الشاعر وهو في موقفه الضيّق الحرج فهو قبل كلّ شيء مصمم على أنْ يحتفظ بحريته ولو أدّى هذا إلى قتله وهو يعلن في صراحة وصدق أنّ الموت شيء منكر ولا يقول هذا كما يقوله غيره ممّن يغالطون أنفسهم أنّ الموت شيء محبّب إلى نفسه وإنّما يعبّر عن نفسيته تعبيراً صادقاً فالموت شيء لا يحبّه ولكنّه لا يفرّ منه ما دام قد صمم على الاحتفاظ بحريته , ثمّ يحاول أن يهدّئ مِنْ روعه ويجعل هذه الموجة العالية الرهيبة تنحسر عن نفسه دون أنْ يجذبها في تيارات مِن الهلع والفزع فيحدّث عن نفسه بأنّ الدنيا متقلبة وكلّ امرئ فيها لا بد أنْ يلاقي ما يسوؤه وهو يعرض هذا الحديث النفسي في صورة فنيّة رائعة وأضاف يقول : إنّه حريص على الحياة ولكنّه حريص على الحرية بجعله متردّداً ؛ لأنّه يخشى بل يخاف أنْ يكذّب عليه أعداؤه أو يخدعوه فيقتلوه دون محاولة منه لتنفيذ عهده بأنْ يموت في سبيل حريته أو يأسروه فيفقد حريته التي يحرص عليها حرصه على الحياة , أرأيت كيف استطاع أنْ يصوّر موقفه الضيّق الحرج هذا التصوير الفتيّ الرائع الذي يشمل روعته مِنْ تعبيره عن نفسيته تعبيراً صادقاً لا رياء فيه ولا تضليل؟
إنّ هذا هو السرّ الذي يجعل هذه الشطور القليلة تؤثّر في نفوسنا تأثيراً يجعلنا نشعر بما كان يعانيه قائلها مِنْ صراع داخلي هائل لا يعدله إلاّ صراعه الخارجي مع أعدائه .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|