أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2019
![]()
التاريخ: 29-3-2016
![]()
التاريخ: 14-3-2018
![]()
التاريخ: 15-3-2018
![]() |
إذا توفر للفاعل سبب يحول دون توقيع العقاب عليه – فتبعا لقاعدة أستقلال الشريك في المسؤولية – لا يكون ذلك حائلا دون توقيع العقاب على الشريك(1). ففي هذا الفرض يتوافر القصد الجنائي لدى الشريك ولا يتوافر الإثم الجنائي لدى الفاعل الاصلي سواء في صورة القصد أو الخطأ غير العمدي(2). مثال ذلك إذا أعطى أحد الأشخاص إلى موظف عام مبلغا من النقود لحمله على الإخلال بواجبات وظيفته وأخذ الموظف هذا المبلغ أعتقادا منه أنه سدادا لدين كان هذا الشخص مدينا له به. وهناك ثلاث حالات لا يعاقب الفاعل فيها هي: عدم توافر القصد الجنائي، توفر سبب من أسباب الاباحة، عدم عقاب الفاعل لأحوال خاصة به. وهو ما سنوضحه تباعا:
أولا - عدم توافر القصد الجنائي لدى الفاعل:
إن توقيع العقاب على الشريك في فعل لم يتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل الاصلي هو نتيجة حتمية لاستقلال الشريك عن الفاعل في قصده(3). ذلك ان تبعية الشريك قاصرة على الجانب الموضوعي لعدم المشروعية الذي يتحقق في الركن المادي لجريمة الفاعل الاصلي، وهذا مما مقتضاه انه يكفي وقوع الركن المادي للجريمة من جانب الفاعل الاصلي دون الركن المعنوي(4). ففي هذه الحالة يتوافر القصد الجنائي لدى الشريك ولا يتوافر لدى الفاعل سواء في صورة العمد أو الخطأ غير العمدي(5). فإذا كانت مسؤولية كل منهما تختلف باختلاف القصد المتوافر لديه فأن هذه المسؤولية يتعين ان لا تكون لدى من انتفى قصده وتقوم لدى من توافر القصد عنده. وهذا يتحقق في الفروض التي يكون فيها الفاعل حسن النية وهو مما ينفي القصد الجنائي، فالشريك هنا يعاقب على الجريمة التي حققـها الفاعل في مادياتـها(6). مثال ذلك من يعطي طعاما مسموما لآخر حسن النية ويطلب منه تقديمه للمجني عليه الذي يتناوله ويموت بالسم، فالفاعل في هذا الفرض حسن النية ومن ثم فانه لا يعاقب لانتفاء القصد الجنائي لديه، فيما يعاقب الشريك بالعقوبة المقررة لجريمة القتل العمد المشدد.
ثانيا-توافر سبب من اسباب الاباحة لدى الفاعل:
عدم استفادة الشريك من عدم عقاب الفاعل لسبب من أسباب الاباحة إنما قصد به معالجة أحوال الغلط في الاباحة، مثال ذلك تجاوز الموظف العمومي لحدود وظيفته بحسن نية معتقدا بمشروعية فعله متى كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة - فحسن النية في أستعمال الحق ليس هو الشرط الوحيد للاباحة وأنما يتطلب فضلا عن ذلك ان توجد مبررات لأستعمال الحق قانونا في الواقع وليس في ذهن صاحب الحق- فنكون هنا في حالة أزدواج في التكييف بالنسبة للفعل الواحد، فهو يكون مشروعا بالنسبة للموظف المرؤوس وغير مشروع بالنسبة للرئيس الآمر.فتوهم الجاني توافر الوقائع التي يقوم سبب الاباحة عليها - وهذا الغلط لا يعادل في القيمة القانونية سبب الاباحة - يبقي الفعل غير مشروع، لكنه يزيل القصد الجنائي فتنتفي المسؤولية العمدية بذلك(7). ولم يكن من المنطق القانوني في شئ أن يستفيد من الاباحة شريك له يعلم انه يساهم في نشاط غير مشروع. وكون أسباب الاباحة ذات طبيعة موضوعية فلا يمكن أن تنشأ بمجرد أعتقاد مخالف للحقيقة قام لدى الفاعل، لكن مسؤوليته تنتفي لأن أعتقاده شرعية فعله ينفي القصد الجنائي لديه، وتوصف حالته بأنها (غلط في الأباحة)، فإذا لم يتوافر هذا الغلط لدى الشريك معه في فعله، فالقصد الجنائي متوافر لديهم فيسألون عن هذا الفعل(8).
ثالثا- عدم عقاب الفاعل لأحوال خاصة به:
قد تعرض للفاعل ظروف خاصة من شأنها أمتناع المسؤولية معنويا، كالجنون والمرض العقلي أو الصغر(9). كذلك الأسباب التي تنفي الركن المعنوي للجريمة كالجهل أو الغلط في الواقعة الاجرامية، فإذا لم يوقع العقاب نتيجة هذه الأسباب تعين توقيع العقاب على الشريك إذا لم يتوافر لديه مانع من موانع المسؤولية الجنائية، لأن اتصال هذه الأسباب بالركن المعنوي للجريمة وتحديدها قيمة الارادة في نظر القانون يؤدي إلى انتفاء الركن المعنوي بالنسبة للفاعل الاصلي، لا يستفيد منها الشريك الا إذا كانت ارادته قد تأثرت فعلا بتلك الظروف(10). كمن يترك مسدسا في يد صغير فيقتل أنسانا. والحال كذلك بالنسبة لتوافر مانع من موانع العقاب، فإذا توافر هذا المانع لدى الفاعل فلم يوقع عليه العقاب مع ذلك وجب توقيع العقاب على الشريك(11). كون موانع العقاب تستند إلى أعتبارات من السياسة الجنائية تجعل مصلحة المجتمع في عدم توقيع العقاب راجحة على مصلحته في توقيعها، وهذه الأعتبارات تتحقق على النحو الذي يريده الشارع إذا لم يوقع العقاب على الشخص الذي يعنيه الشارع ولو وقع على غيره من المساهمين معه. فالشريك في جريمة أخفاء الفارين من قبل الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأبن، فصلة القربى هذه تعتبر مانعا العقاب على جريمة الأخفاء لا يستفيد منه الشريك(12). كذلك في جريمة الرشوة لا يستفيد من مانع العقاب المتوافر في حق الراشي الذي يخبر السلطات أو يعترف بالرشوة(13).وقد نصت التشريعات على الفرض الذي يكون فيه الفاعل غير معاقب والشريك متعمدا ، فقد نصت (م42) من القانون المصري على أنه (إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الاباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا)(14). وتقابل (م102) من قانون العقوبات الليبي و(م52) من قانون العقوبات الكويتي. وقد خلا القانون الفرنسي من نصوص مقابلة، أما القضاء الفرنسي فقد جرى على إن الأحوال والظروف الشخصية لدى الفاعل، التي قد تخفف مسؤوليته أو تشددها أو تمنع قيامها أو العقاب على الجريمة، لا تؤثر على الشريك(15). وهو ما يمكن الأخذ به في ظل قوانين الدول العربية التي لم تحسم الأمر بنص صريح. أما المشرع العراقي فقد عدل من الحالات التي يكون فيها الفاعل غير معاقب والشريك متعمدا فقد تضمنت (م50/2) من قانون العقوبات العراقي صورتين لا يعاقب فيها فاعل الجريمة إذ تنص على أنه (يعاقب الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا ولو كان فاعل الجريمة غير معاقب بسبب عدم توفر القصد الجرمي لديه أو لأحوال أخرى خاصة به).
_الصورة الأولى: هي صورة أنتفاء القصد الجرمي لدى الفاعل.
_الصورة الثانية: هي صـورة الأحـوال الخـاصة بالفاعـل.
أما تعبير أسباب الاباحة فقد أختفى من هذا النص، وان صورة الأحوال الأخرى الخاصة بالفاعل تشير إلى موانع المسؤولية الجزائية والأعذار المعفية من العقوبة(16). ففي هذه الأحوال يتعين أنزال العقاب بالشركاء على الرغم من أنه لا يوقع على فاعلها. أن المشرع العراقي أعتبر في (م50/2) المسؤول جزائيا عن الجريمة شريكا فيها، علما بأنه يتعذر فيها قيام مسؤولية الفاعل الاصلي مع أنه في الحقيقة ليس بشريك وإنما هو الفاعل المعنوي الذي تكلم عليه المشرع في (م47/3)، وهو الأمر الذي يترتب عليه وجود تناقض في الأحكام الواردة بمقتضى (م47/3) و (م50) من القانون. ومن تطبيقات القضاء العراقي عن مسؤولية الشريك على الرغم من عدم معاقبة الفاعل في الجريمة قرار محكمة التمييز الذي قررت فيه نقض قرار محكمة الجنايات المتضمن أعتبار المتهمين(ح) و(ع) مشمولين بالباعث الشريف لأن الجريمة ارتكبت بدافع غسل العار الذي لحق بهما من جراء فعل المجني عليها المخالف للآداب، وقد عللت محكمة التمييز قرارها بالنقض (لا يستفيد الشريك الأجنبي عن قتل المجني عليها من العذر المخفف للجريمة الواقعة غسلا للعار، إذ لا يمسه عار المجني عليها)(17).
موقـف الشريعـة الاسلاميـة :
فـي جـرائم التعزيـر(18). فـي الشريعـة الاسلاميـة عقوبـة المتسـبب أمـر غيـر مقـدر مفـوض للإمـام والحاكـم وفعـل كـل مـن المبـاشر فيهـا والمتسـبب يعتبر جريمـة مستقلـة ويستقـل المتسـبب فـي عقوبتـه تبعـا لظـروف كـل حالـة. ولكـن هـذا لا يمنـع إذا حـددت عقوبـات بواسطـة ولـي الأمـر فـي التعزيـر ان تكـون عقوبـة الشريـك هـي عقوبـة الفعـل المرتكـب، بمعنـى ان تكـون تطبيقـا لتحديـد ولـي الأمـر فهـذا لا يخالـف مبـدأ أساسيـا مـن المبـادئ التـي تقـوم عليهـا الشريعـة الاسلاميـة، فـإذا قـامت صفـة خاصـة بالمبـاشر تشدد أو تخفـف أو تلغـي العقوبـة فـأن الشـريك لا يتأثـر بذلـك لأن هذا المعنى خاص بالمبـاشر، وإذا كـان قصـد المتسـبب كقصـد المبـاشر عوقـب بعقوبتـه. ويـرى الاحنـاف ان المتسـبب فـي جريمـة قطـع الطريـق يعـاقب بعقوبة المباشـر، فأن باشـر القتـل أحـدهم والباقـون لـم يقتلـوا معـه ولـم يعينـوه أجرى الحـد علـى جميعهـم، فيقتلـون ولـو كثـروا وذلـك لأن المحارب يتقوى بهؤلاء الشركـاء وان لـم يتدخلـوا بصـورة واضحـة فـي الجريمـة بـل أكتفـوا بتحريضه أو مسانـدته عـن بعـد (19). ولا تطبـق عليـه عقوبـة المباشـر أذا كـان قصـده الخـاص يفـرض عليـه عقوبـة أقـل(20).
______________________
1- د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية، المصدر السابق، ص391.
2- ينظر في ذلك: د.محمود نجيب حسني، المصدر نفسه، ص391.، د.مأمون سلامة، المصدر السابق، ص391.
3- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، المصدر السابق، ص452.
4- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص662.
5- د.احمد فتحي سرور، المصدر نفسه، ص662.
6- د.مأمون سلامة، المصدر السابق، ص463.
7- د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية، المصدر السابق، ص396.
8- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، المصدر السابق، ص254
9- تنص بعض التشريعات على أعتبار الشريك في الفرض في أعلاه فاعلا معنويا للجريمة ومنها قانون العقوبات العراقي، في حين تعتبر بعض التشريعات الجاني في الفرض في أعلاه شريكا أو عديم الأهلية أو حسن النية فاعلا لمجرد القيام بالتنفيذ ومنها قانون العقوبات المصري.
10- ينظر في ذلك: د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية، المصدر السابق، ص398.، د.علي راشد، المصدر السابق، ص490-491.، د.مأمون سلامة، المصدر السابق، ص463.
11- ينظر في ذلك: د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام) ، المصدر السابق، ص453.، د.مأمون سلامة، المصدر السابق، ص463.
12- ينظر نص (م183/ ب) من قانون العقوبات العراقي.
13- ينظر نص (م311) من قانون العقوبات العراقي.
14- جاء في قرار محكمة النقض المصرية (ان الفاعل إذا لم يكن له قصد جنائي يعفى من العقوبة بحكم القواعد العامة فإذا كان شريكه له قصد جنائي وجبت عقوبته). نقض 2/ أبريل/ 1957، مجموعة أحكام محكمة النقض، س8 ، ص339.
15-محمود محمود مصطفى، أصول قانون العقوبات، المصدر السابق، ص93.
-16- ينظر في ذلك: د. ماهر عبد شويش الدرة، المصدر السابق، ص284-285.، د.فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات (القسم العام) ، المصدر السابق، ص257.
17- ينظر قرار محكمة التمييز143/ هيئة عامة/ 92 في 13/ 1/ 1993.(غير منشور)
18- يلاحظ بان القاعدة في الشريعة الاسلامية ان الحدود لا تلحق المتسبب بل تتعلق بالمباشر. ينظر في تفصيل ذلك: د.احمد فتحي بهنسي، نظريات في الفقه الجنائي الاسلامي، المصدر السابق، ص115.
19- د.احمد فتحي البهنسي، المصدر نفسه، ص117.
20- ينظر في ذلك: د.مصطفى أبراهيم الزلمي، المسؤولية الجنائية في الشريعة الاسلامية، المصدر السابق، ص186-187.، عبد القادر عودة، المصدر السابق، ص374-375.
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
أصواتٌ قرآنية واعدة .. أكثر من 80 برعماً يشارك في المحفل القرآني الرمضاني بالصحن الحيدري الشريف
|
|
|