أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2020
1864
التاريخ: 2024-12-02
145
التاريخ: 2024-12-11
191
التاريخ: 30-9-2016
1933
|
لقد وردت هذه المفردة في القرآن الكريم مرّات عديدة ، وكذلك ورد مضمونها في آيات اخرى أيضاً :
1 ـ (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)([1]).
2 ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ .... قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»)([2]).
3 ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ)([3]).
4 ـ (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)([4]).
5 ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)([5]).
6 ـ (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)([6]).
7 ـ (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)([7]).
8 ـ (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ* يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)([8]).
9 ـ (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)([9]).
10 ـ (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ* سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). ([10])
11 ـ (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ...)([11]).
12 ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ .... إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)([12]).
تفسير واستنتاج :
إن أوّل شرارة للغرور كما أشرنا إلى ذلك سابقاً كانت في بداية خلق الإنسان وتجلّت في إبليس كما تتحدّث عن هذه الواقعة «الآية الاولى» من الآيات مورد البحث عند ما سَأل الله تعالى إبليس عن السبب في امتناعه عن السجود لآدم (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ...)([13]).
قال الشيطان الّذي تملّكه الغرور والعُجب (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)([14]).
أجل فإنّ حجاب الغرور والعجب قد أسدل على عين بصيرته حجاباً سميكاً إلى درجة أنّه لم يسوّغ له سلوك طريق السعادة وامتثال الأمر الإلهي الصريح ، فسقط في هُوَّة العصيان والتمرد وأصبح مطروداً وملعوناً إلى الأبد ، وعلى هذا يمكن القول انه كما أنّ قائد المستكبرين في العالم هو إبليس ، فكذلك قائد المغرورين في العالم إبليس أيضاً ، وهذان المفهومان أيّ الغرور والاستكبار بمثابة اللازم والملزوم.
إن إبليس وبسبب الغرور والاستكبار لم يستطع أن يرى حقيقة كرامة التراب على النار وأفضلية التوبة على العناد والإصرار على الذنب ، فكان من ذلك أن سلك في خط الضلال والتيْه وبقي كذلك إلى الأبد.
«الآية الثانية» تتحدّث عن قصة نوح أيْ أوّل أنبياء اولو العزم وتوضح جيداً أنّ أحد العوامل المهمّة في عناد قومه ووقوفهم ضد دعوته وارشاداته المخلصة من موقع الغرور هو هذه الصفة الرذيلة (الغرور) حيث تقول الآية (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)([15]).
وبعد عدّة آيات يستعرض القرآن الكريم حالة الغرور والعُجب أكثر لدى هؤلاء الضالين حيث قالوا لنوح بصراحة (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)([16]).
عادّة يتخذ الإنسان طريقاً يُبعده عن الأضرار المحتملة بحكم العقل ويتجنب عن سلوك الطريق الّذي يُحتمل أن يواجه الخطر فيه ، ولكن هؤلاء القوم المغرورين وبالرغم من مشاهدتهم لآثار حقّانية دعوة هذا النبي الكريم من خلال معجزاته ووجود احتمال نزول العذاب الإلهي فإنّهم لم يكتفوا بعدم الإهتمام والاعتناء بدعوته بل تحرّكوا مع دعوة نوح من موقع طلبهم لنزول العذاب الإلهي.
أجل فإنّ ذلك الغرور الّذي صار حجاباً على بصيرة الشيطان قد أصبح حجاباً لقوم نوح عن رؤية الحقيقة ، وبالتالي ذاقوا العذاب الإلهي الشديد وهلكوا عن آخرهم ، وهذا هو مصير المغرورين على طول التاريخ.
وتأتي «الآية الثالثة» لتتحدّث عن قوم شعيب الّذين جاءوا بعد قوم نوح وتورطوا في الغرور والعُجب أيضاً فكان مصيرهم هو نفس ذلك المصير المؤلم حيث تقول الآية (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ)([17]).
هؤلاء في الحقيقة لن يجدوا جواباً منطقياً أمام البراهين العقلية والدعوة السماوية الحكيمة والمعجزات الإلهية الّتي جاء بها شعيب ، ولكنّ غرورهم وأنفتهم لم تبح لهم الإستسلام أمام دعوة الحقّ وبالتالي غشيهم العذاب الإلهي وأصابتهم الصاعقة السماوية والصيحة المهولة ، فدمّرت كلّ ما لديهم في طرفة عين ، ولم تبق لهم سوى أجساد متمزقة وآثار خاوية.
«الآية الرابعة» ناظرة إلى قصة فرعون وتستعرض بُعداً آخر من أبعاد هذه الصفة الرذيلة ، وتشير إلى أنّ الغرور والعُجب قد يمتد إلى باطن الإنسان ويستولي على عقله وروحه بحيث انه ليس فقط لا يهتم بالأدلة الواضحة على نبوة موسى (عليه السلام) بل يواجهها بكلمات طفولية تنطلق من موقع العناد والغرور حيث تقول الآية (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)([18]).
ثمّ تمادى فرعون في مواجهته لموسى وتمسّك بكلمات واهية وغير منطقية من قبيل أنّ موسى إذا كان صادقاً فلما ذا لا يلبس الأسورة من الذهب؟ ولما ذا لم تنزل الملائكة معه؟
وهكذا نجد أنّ الأشخاص المغرورين كالفراعنة والنمروديين وبسبب إهمالهم لدعوة الحقّ وغرورهم لا يدركون جيداً ما ذا يقولون ولا يهتمون لذلك حيث نجد كثيراً أنّ مثل هؤلاء يتكلمون بكلمات سخيفة بحيث يسخر منها حتّى المقربون منهم في أنفسهم ، ومن المعلوم أنّ هذه الحالة تتسبّب في غلق جميع نوافذ المعرفة الإلهية أمام الإنسان ، وايصاد جميع الطرق لسلوك سبيل الكمال المعنوي والتعالي الأخلاقي.
واللطيف أنّ موسى الّذي كان يشكو من لُكنة في لسانه تتعلق بمرحلة الطفولة ولكنه عند ما بُعث إلى النبوة وطلب من الله تعالى أن يحلُل عقدةً من لسانه فإنّ الله تعالى استجاب له ذلك ولكنّ فرعون لم يهتم لهذه الظاهرة العجيبة وبقي مصراً على وضعه السابق حيث أشار في كلامه إلى تلك اللكنة الّتي كانت لدى موسى في الصِغر.
«الآية الخامسة» تشير إلى اليهود الّذين كانوا يرون في أنفسهم حالة من التشخّص
والغرور والعُجب بتصورهم مميزات مختصة بهم تجعلهم يتفوقون ويمتازون على غيرهم من أفراد البشر ، وهذا التفكير الخاطيء هو السبب في ضلالهم وطغيانهم حيث تقول الآية (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)([19]).
أي أنّ الله إذا أراد أن يعذبنا فإنّ عذابه سيكون خفيفاً ولأيّام معدودة وذلك بسبب اننا قوم ممتازون.
إن تاريخ بني إسرائيل يشير إلى انّ هؤلاء القوم كانوا أكثر الأقوام والشعوب طغياناً وذنوباً ، وأحد العوامل والأسباب المهمة في سلوكهم الخاطيء هذا هو الغرور والعُجب لديهم.
ومع الأسف إننا نجد أنّ طائفة منهم باسم (الصهاينة) يرتكبون كلّ يوم جرائم بشعة ضدّ الشعوب البشرية بسبب ما دخلهم من الغرور الكبير بعرقهم وامتيازاتهم الزائفة ، وفي ذلك شوّهوا تاريخهم السيّء أكثر من السابق.
هؤلاء يريدون كلّ شيء لهم ولا يرون للآخرين الحقّ في أيّ شيء ، فهم يرون أنّهم قوم متميزون على سائر البشر وينظرون إلى الآخرين نظر الاحتقار والدونية.
«الآية السادسة» ناظرة إلى قوم صالح ، الّذين قد أسكرهم الغرور إلى درجة أنّهم طلبوا من نبيّهم نزول العذاب الإلهي عليهم ، بالرغم من رؤيتهم المعجزات الإلهية على يد نبيّهم صالح فتقول الآية (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)([20]).
ويتابع القرآن الكريم ما حدث لهؤلاء القوم الظالمين ويتحدّث عن مصيرهم المأساوي ويقول : «فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين» وهكذا كانت عاقبة القوم المغرورين.
«الآية السابعة» تتحدّث عن أهل النار الّذين يعيشون العذاب والظلمة الشديدة يوم القيامة في حين يعيش المؤمنون بنور الإيمان ويردون عرصات المحشر مسرعين ، فيناديهم هؤلاء المنافقون وأهل النار : (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)([21]).
ثمّ تقول الآية الّتي بعدها بصراحة انه يُقال لهم «فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الّذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير».
وهنا يتجلّى بصورة واضحة أنّ أحد الصفات البارزة لهؤلاء المنافقين من أهل النار هي الغرور والابتلاء بحبال الأماني الطويلة والتوهمات الزائفة في حركة الحياة الدنيوية.
وكما ذكرنا في بداية البحث أنّ كلمة (غَرور) تتضمن معنى الخداع والمكر ، ولكن أحياناً يخدع الإنسان نفسه أيضاً ويكون مغروراً بذلك ، وأحياناً اخرى ينخدع بوساوس الشيطان أو الأفراد الّذين يعيشون حالة الشيطنة والمكر.
«الآية الثامنة» تتحدّث عن المنافقين المغرورين في هذه الدنيا وكيف أنّهم ينظرون إلى فقراء المؤمنين الحقيقيين من موقع الحقارة والازدراء ويتظاهرون أمامهم بالثروة والمال حيث تقول الآية متحدّثة عنهم وعن حالة الغرور المسيطرة عليهم (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ)([22]).
ثمّ يصل بهم الغرور إلى ذروته بحيث يصرّحون بأنه إذا رجعنا من ميدان الحرب إلى المدينة فسوف نُثبت لهؤلاء الفقراء والمعدمين مَن نحنُ «يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» ([23]).
إذا لم يكن المنافقون يعيشون حالة (الغرور) فلا داعي لأن يتبجّحوا بثروتهم وأموالهم أمام المؤمنين وينظروا إليهم نظر الاحتقار والازدراء وبالتالي ينزلقون في وادي الكفر والنفاق والضلال.
«الآية التاسعة» تتحدّث عن طبيعة الإنسان ، أو بعبارة اخرى : طبيعة الإنسان الّذي لم يتكامل في مدارج الكمال الأخلاقي بل بقي في حالة عدم النُضج النفسي والروحي ، فمثل هذا الإنسان عند ما يجد الله قد أنعم عليه نعمة فإنه يتملكه الغرور والطغيان بسبب ضيق افقه وتفكيره فتقول الآية (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)([24]).
إذا كان هذا الكلام صادراً من موقع الشكر والثناء لله تعالى فإنه يدلّ على التواضع قطعاً ويدفع الإنسان بالتالي إلى مساعدة الأيتام والمساكين ، ولكن كما هو الظاهر من جوّ الآيات أنّ هذا الإنسان بعد ذلك يتحدّث من موقع الغرور والعجب ، وبهذا فإنّ هذا الكلام ليس فقط لا يترتب عليه أثراً إيجابياً ومطلوباً بل سيكون مصدراً لطغيانه وتكبره على الحقّ.
«الآية العاشرة» تتحدّث عن المشركين الأنانيين والمغرورين في مكّة وتقول (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ)([25]).
ولكن الله تعالى بعد ذلك يحذر هؤلاء المغرورين وينذرهم بالعذاب القريب ويقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)([26]).
وفي جميع هذه الموارد نلاحظ جيداً أنّ الغرور يمثل عاملاً مهماً في تورط الإنسان في دوّامة الذنوب والشقاء والتعاسة ، والقرآن الكريم يُخبرنا بخبر إعجازي عن إنهزام هؤلاء المغرورين وسرعان ما تلحق بهم الهزيمة والدمار ويكونون عبرة للآخرين.
«الآية الحادي عشر» تتحدّث عن المشركين الّذين اتخذوا الدين السماوي لعباً ولهواً بسبب الغرور الّذي أصابهم والّذي ادّى بهم إلى الكفر والعناد مع الحقّ فتقول الآية (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ...)([27]).
ولعلّ هذا التعبير يشير إلى أنّ هؤلاء لا يقبلون الهداية وغير جديرين بها ، لأن الغرور قد اسكرهم إلى درجة أنّهم خُدعوا بزخارف الدنيا وبريقها المادي ، فهم لا يجدون في أنفسهم استعداداً للتسليم والإذعان للحقّ ولا يواجهون الحقّ إلّا على مستوى السخرية والاستهزاء ، وهذا يعني عمق الفاجعة الّتي تورطوا فيها بسبب غرورهم وعُجبهم.
وعبارة (دينهم) هي إشارة إلى فطرية الدين الإلهي حيث يشترك فيه جميع أفراد البشر حتّى المشركين ، أو هو إشارة إلى الأشخاص الّذين اتخذوا دينهم الوثني سخرية بسبب الغرور ، فلا يجدون في أنفسهم إلتزاماً بأحكام الوثنية ولا يتحركون مع الأوثان من موقع الانضباط والالتزام ، أو إشارة إلى الدين الإسلامي الّذي أنزله الله تعالى من أجلهم ولمصلحتهم.
«الآية الثانية عشر» تتحرّك من موقع التحذير لجميع الناس بأن لا ينخدعوا بالحياة الدنيا وبزخارفها ولا يغتروا بجمالها المادي ولا يقعوا في مصائد الشيطان وتقول «يا أَيُّهَا النَّاسُ .... إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ» ([28]).
واللطيف أنّ هذه الآية ذكرت من أسباب الغرور سببين : أحدهما زخارف الدنيا ، والثاني الشيطان ، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإنسان أحياناً يغتر بالأوهام وبالتصورات الواهية بدون أن يحظى بشيء من الحياة المادية المرفهة ويتصور لنفسه مقاماً ومنزلة غير واقعية ، وبذلك يطغى أمام الحقّ ويواجه الله والدين من موقع الطغيان والتكبّر ويقع في شراك الشيطان ، وصحيح أنّ زخارف الدنيا وجمالها وبريقها هو أحد مصائد الشيطان ، ولكن أحياناً يكون الخيال والتصوّرات الذهنية نافذة يعبر منها الشيطان ويستقر في فكره ويوسوس له ما يغتر به.
النتيجة النهائية :
ومن مجموع ما تقدّم من الآيات الكريمة وتفسيرها تتبيّن لنا هذه الحقيقة ، وهي أنّ مسألة الغرور والعُجب والأنفة كانت من العوامل الأصلية للفساد والانحراف والكفر والنفاق منذ أن وضع آدم قدمه على هذه الكرة الأرضيه وحتّى في جميع أدوار التاريخ البشري وعصور الأنبياء والأقوام السالفة وإلى هذا اليوم ، وقراءة هذه الشواهد ومطالعة هذه الآيات يشير إلى أيّة درجة كانت هذه الصفة الرذيلة مصدر شقاء طائفه عظيمة من الشعوب والمجتمعات البشرية ، ولو لم يكن دليلاً على قبح هذه الرذيلة الأخلاقية سوى هذه الآيات لكفى ذلك.
[1] سورة الأعراف ، الآية 12.
[2] سورة هود ، الآية 27 ـ 32.
[3] سورة هود ، الآية 91.
[4] سورة الزخرف ، الآية 51 و 52.
[5] سورة آل عمران ، الآية 24.
[6] سورة الأعراف ، الآية 77.
[7] سورة الحديد ، الآية 14.
[8] سورة المنافقون ، الآية 7 و 8.
[9] سورة الفجر ، الآية 15.
[10] سورة القمر ، الآية 44 و 45.
[11] سورة الأنعام ، الآية 70.
[12] سورة لقمان ، الآية 33.
[13] سورة الأعراف ، الآية 12.
[14] سورة الأعراف ، الآية 12.
[15] سورة هود ، الآية 27.
[16] سورة هود ، الآية 32.
[17] سورة هود ، الآية 91.
[18] سورة الزخرف ، الآية 51 و 52.
[19] سورة آل عمران ، الآية 24.
[20] سورة الأعراف ، الآية 77.
[21] سورة الحديد ، الآية 14.
[22] سورة المنافقون ، الآية 7.
[23] سورة المنافقون ، الآية 8.
[24] سورة الفجر ، الآية 15.
[25] سورة القمر ، الآية 44.
[26] سورة القمر ، الآية 45.
[27] سورة الأنعام ، الآية 70.
[28] سورة لقمان ، الآية 33.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|