المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6287 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

معز الدولة والمستكفي بــاللّه
22-10-2017
موجبات الكفارة
2024-07-07
قبس من حياة الإمام جعفر الصادق ( ع )
29-5-2022
صنف المنظرون المهارات تصنيفات عديدة
31-5-2022
التخلص من الاخراجات الحيوانية في المزارع العصرية
9-5-2016
Division Euglenophyta: Euglenoids
19-11-2016


درجة الإثبات في منهج فقد السند  
  
201   05:34 مساءً   التاريخ: 2024-12-04
المؤلف : السيد علي حسن مطر الهاشمي
الكتاب أو المصدر : منهج نقد السند في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة : ص 51 ـ 69
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / مقالات متفرقة في علم الحديث /

النقطة الأولى: الأقوال في نتيجة نقد السند.

اختلف العلماء في نتيجة نقد السند على قولين:

أوّلهما: أنّ وثاقة الراوي تؤدّي إلى العلم بصدور الحديث عن المعصوم (عليه السلام) فيكون العمل بمضمون خبر الواحد الثقة على القاعدة؛ لأنّ الحجيّة ذاتيّة للعلم.

والثاني: وهو مذهب معظم العلماء: إنكار إفادة خبر الواحد للعلم بصدور مضمونه عن المعصوم (عليه السلام) وأنّه لا يفيد أكثر من الظن بالصدور وقد صرّحوا بأنّهم يعنون بصحّة سند الحديث وثاقة رواته لا أنّه معلوم الصدور واقعًا وأنّهم يريدون بضعف سند الحديث: عدم ثبوت وثاقة رواته لا أنّه معلوم عدم الصدور واقعًا (1).

قال النووي في حد الصحيح: (هو ما اتّصل سنده بالعدول الضابطين، من غير شذوذ ولا علّة، وإذا قيل: صحيح، فهذا معناه، لا أنّه مقطوع به، وإذا قيل: غير صحيح، فمعناه: لم يصحّ إسناده) (2) أي: لا أنّه مقطوع بعدم صدوره.

وقال السخاوي: (إنّ المراد بالصحيح في قول أهل هذا الشأن هذا حديث صحيح وبالضعيف في قولهم: هذا حديث ضعيف... أنّه اتّصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة أو فقد شرطًا من شروط القبول لجواز الخطأ والنسيان على الثقة و[جواز] الضبط والإتقان وكذا الصدق على غيره كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدّثين والفقهاء والأصوليّين... لا أنّهم قصدوا القطع بصحّته أو ضعفه) (3) أي: بكونه معلوم الصدور أو معلوم عدم الصدور.

فهذان قولان نتعرّض لبيانهما تباعًا:

القول الأول: إفادة خبر الثقة العلم بالصدور.

وقد تصدّى ابن حزم الظاهريّ لذكر الذاهبين إليه فقال: (قال أبو سليمان والحسين عن ابن علي الكرابيسي والحارس بن أسد المحاسبي وغيرهم: إنّ خبر الواحد العدل عن مثله الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجب العلم والعمل معًا وبهذا نقول وقد ذكر هذا القول أحمد بن إسحاق المعروف بابن خويذ منداد عن مالك بن أنس) (4).

وممّا استدلَّ به ابن حزم على إفادة الثقة العلم بصدور مضمونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (قد صحَّ أنَّ الله تعالى افترض علينا العمل بخبر الواحد الثقة عن مثله  مبلغًا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن نقول: (أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكذا، وقال (عليه السلام) كذا، وفعل (عليه السلام) كذا)، وحرّم الله [تعالى] القول في دينه بالظن وحرّم تعالى أن نقول عليه إلّا بعلم فلو كان الخبر المذكور يجوز فيه الكذب أو الوهم لكنّا قد أمرنا الله تعالى بأن نقول عليه ما لا نعلم ولكان تعالى قد أوجب علينا الحكم في الدين بالظن الذي لا نتيقّنه والذي هو الباطل الذي لا يغني من الحق شيئًا. فصحَّ يقينًا أنّ الخبر المذكور حقّ مقطوع على غيبه موجب للعلم والعمل معًا) (5).

ويمكن تلخيص استدلال ابن حزم بمقدّمتين:

أوّلهما: أن الله تعالى قد حرّم علينا العمل بالظن وأوجب علينا أن لا ننسب اليه شيئا إلا بعلم.

والثانية: أنّه تعالى افترض علينا العمل بخبر الثقة ونسبة مضمونه الى الشارع المقدّس.

ونتيجة هاتين المقدّمتين: إفادة خبر الثقة للعلم وإلا لكان الشارع قد أمرنا بما نهانا عنه وهو مخالف للحكمة.

ويرد عليه: عدم التسليم بالمقدّمة الثانية؛ ذلك لأنّ عدم افادة خبر الواحد للعلم بالصدور ثابت بالوجدان؛ لأنّ وثاقة الراوي لا تؤمن إلا من احتمال تعمّده الكذب وأمّا احتمال وقوعه في الخطأ والنسيان فإنّها لا تؤمن منه وبهذا يكون من مصاديق الظن المنهيّ عنه شرعًا فلا يجوز العمل به فكيف يُدّعى أنّ الشارع المقدّس افترض علينا العمل به؟!

القول الثاني: ما ذهب إليه معظم العلماء من أنّ خبر الواحد الثقة لا يفيد أكثر من الظنّ بالصدور. قال الحنفيّون والشافعيّون وجمهور المالكيّين وجمهور المعتزلة والخوارج: إنّ خبر الواحد لا يوجب العلم ومعنى هذا عند جميعهم: أنّه قد يمكن أن يكون كذبًا أو موهومًا فيه) (6).

وقال الشيخ المفيد (رض): (إنّه لا يجب العلم ولا العمل بشيء من أخبار الآحاد... إلا أن يقترن به ما يدلّ على صدق راويه... وهذا مذهب جمهور الشيعة، وكثير من المعتزلة والمحكّمة وطائفة من المرجئة) (7).

وقال السيد المرتضى (رض): (اعلم أنّ الصحيح أنّ خبر الواحد لا يوجب علمًا وإنّما يقتضي غلبة الظن بصدقه إذا كان عدلاً) (8).

وقال الشيخ الطوسي (رض): (في آية "النبأ" دلالة على أنّ خبر الواحد لا يوجب العلم ولا العمل؛ لأنّ المعنى إن جاءكم الفاسق بالنبأ الذي لا تأمنون أن يكون كذبًا فتوقّفوا فيه، وهذا التعليل موجود في خبر العدل، فالأمان غير حاصل في العمل بخبره) (9).

ويلاحظ: أنّ جميع العلماء الذين عقدوا في مؤلفاتهم أبوابًا خصّصوها لإثبات جعل الشارع الحجيّة لخبر الواحد الثقة هم من القائلين بعدم إفادة هذا الخبر بذاته للعلم بصدوره عن المعصوم (عليه السلام) وأنّهم يرون أنّ أقصى ما يفيده هو الظن بالصدور إذ لو كان يفيد العلم فإنّ الحجيّة ذاتيّة للعلم فلا يعقل جعلها له كما لا يعقل سلبها عنه فلا تصل النوبة الى التماس الأدلّة على تحقّق ذلك الجعل شرعًا.

النقطة الثانية: الموقف من خبر الثقة على القول بعدم إفادته العلم.

وقد واجه القائلون بأنّ خبر الواحد الثقة لا يفيد بالصدور النصوص الشرعيّة الصريحة التي تحصر الحجيّة بالعلم وتنفي الحجيّة عن الظن وتنهى عن العمل به. ومن هذه الأدلة:

1 ـ قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

2 ـ قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28].

3 ـ قوله تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148].

4- قول النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله): ((إيّاكم والظن؛ فإنّ الظن أكذب الحديث))(10).

5- قول الإمام الصادق (عليه السلام): ((مَن شكَّ أو ظنَّ فأقام على أحدهما فقد حبط عمله، إنّ حجّة الله هي الحجّة الواضحة)) (11).

ومن أجل ذلك اتّخذ أصحاب هذا القول موقفين مختلفين تجاه العمل بخبر الواحد:

الموقف الأول: هو موقف الذاهبين الى أنّ الشارع المقدّس قد تعبّدنا بالعمل بخبر الواحد الثقة على الرغم من أنّه لا يؤدّي الى أكثر من الظن بصدور مضمونه عن المعصوم (عليه السلام)؛ (فقد ذهب الفقهاء وأكثر المتكلّمين الى أنّ العبادة قد وردت بالعمل بخبر الواحد في الشريعة) (12).

وقد ادّعى أصحاب هذا الموقف، أنّ هناك أدلّة شرعيّة تخصّص الأدلة الناهية عن العمل بالظن وتستثني منها العمل بخبر الواحد الثقة.

والإشكال الأساس الذي يعترض أصحاب هذا الموقف هو: أنّ ألسنة الأدلّة الشرعيّة الناهية عن اتّباع الظنّ تأبى التخصيص والاستثناء عرفًا، خاصّة إذا أدّى هذا الاستثناء الى اتّخاذ الظن طريقًا لتحديد أحكام الشارع المقدّس، وما يترتّب عليه من آثار خطيرة في دنيا الإنسان وآخرته بل العرف يرى في سماح الشارع باتّباع بعض الظنون نقضًا للغرض ومخالفة للحكمة فلا يعقل صدوره عن الشارع الحكيم.

وإذا كان الترخيص الشرعيّ في اتّباع الظنّ غير معقول في مرحلة الثبوت والإمكان فإنّ النوبة لا تصل الى مرحلة الإثبات والفعليّة، ولأجل ذلك فإنّ الأدلّة التي يقدّمها أصحاب هذا الموقف على صحّة مدّعاهم وقعت جميعها في معرض المناقشة والرد، من قبل علمائنا المتقدّمين والمتأخّرين ممّا لا مجال لتفصيل الكلام عليه هنا (13).

نعم، استدلّ المتأخّرون من علمائنا على حجيّة خبر الواحد الثقة بالسنّة القوليّة والتقريرية وادعوا دلالتهما على تخصيص عموم الادلة الشرعية الناهية عن اتباع الظن.

 

الاستدلال بالسنّة القوليّة:

 ذكروا بهذا الشأن طوائف عديدة من الروايات الواردة عن المعصومين(عليهم السلام) أفضلها الطائفة التي دلّت على الإرجاع الى كليّ الثقة إمّا ابتداء وإمّا تعليلا للإرجاع الى أشخاص معيّنين على نحو يفهم منه الضابط الكليّ... (14).

وفي روايات هذه الطائفة: ما لا يخلو من مناقشة أيضًا من قبيل: قوله (عليه السلام): (فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما روى عنا ثقاتنا قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم بسرّنا ونحمّله إيّاهم إليهم) (15)؛ فإنّ عنوان (ثقاتنا) أخصّ من عنوان (الثقات) ولعلّه يتناول خصوص الأشخاص المعتمدين شخصيًّا للإمام والمؤتمنين من قبله فلا يدل على الحجيّة في نطاق أوسع من ذلك.

وفي روايات هذه الطائفة: ما لا مناقشة في دلالتها من قبيل: ما رواه محمد بن عيسى (قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك إنّي لا أكاد أصل اليك لأسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم دين أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم) (16)، ولمّا كان المرتكز في ذهن الراوي أنّ مناط التحويل هو الوثاقة وأقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك دلَّ الحديث على حجيّة خبر الثقة غير أنّ عدد الروايات التامّة دلالة على هذا المنوال لا يبلغ مستوى التواتر؛ لأنّه عدد محدود.

نعم، قد تبذل عنايات في تجميع ملاحظات توجب الاطمئنان الشخصي بصدور بعض هذه الروايات؛ لمزايا في رجال سندها ونحو ذلك (17).

 

ردّ الاستدلال بالسنّة القوليّة: 

ويناقش هذا الاستدلال على حجيّة خبر الثقة بما يلي:

1 ـ أنّ إيجاب هذه الروايات للاطمئنان الشخصيّ – لو حصل – لا فائدة فيه لأنّ ما ينفعنا هو الاطمئنان النوعيّ والقاعدة العامّة.

 2 ـ أنّ هذه الروايات لا تخلو من مناقشة أيضًا إذ لعلّ الراوي كان يسأل عن وثاقة يونس لدى الإمام (عليه السلام) نفسه وأنّ المرتكز في ذهنه هو: الأخذ بأخبار المؤتمنين شخصيًّا للإمام (عليه السلام) وهذا الاحتمال كافٍ في إبطال الاستدلال، ولكن يمكن أن يقال: إنّ هذا هو المتعيّن بلحاظ ما كان عليه الواقع من إشراف الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على حركة الحديث تلقّيًا وروايةً وتدوينًا وكان من أهم جوانب هذا الإشراف توثيق أشخاص معيّنين من خلّص أصحابهم المؤتمنين وجعلهم وسائط لنقل أحاديث الى شيعتهم. وعليه تنحصر الحجيّة في نطاق هؤلاء خاصّة ولا تشتمل الرواة الموثّقين من قبل علماء الرجال اعتمادًا على اجتهاداتهم الخاصّة فإنّ رواياتهم لا تودّي إلى العلم بصدور ما يروونه عن المعصوم (عليه السلام).

 

الاستدلال بالسنّة التقريريّة:

 وأمّا الاستدلال على حجيّة خبر الثقة بتقرير المعصومين (عليهم السلام) للسيرة التي عاصروها على العمل بالظن فحاصله: أنّ المتشرّعة والرواة في عصر الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يعملون بأخبار الثقات ولو لم تفدهم الاطمئنان الشخصي فإن كانوا عملوا بها بما هم متشرّعة دلّ ذلك على تلقّيهم إيّاها من الشارع وإن عملوا بها جريًا على سجيّتهم العقلائيّة دلّ ذلك على إمضاء الشارع لها؛ لأنّه لم يردع عنها اذ لو كان ردع عنها لوصل الينا شيء من نصوص الردع (18).

فحاصل الاستدلال بالسيرة العقلائيّة يتركّب من مقدّمتين:

صغراهما: عمل المتشرّعة المعاصرين للمعصومين (عليهم السلام) بخبر الواحد الثقة وإن لم يفدهم العلم بالصدور.

وكبراهما: أنّ المعصوم (عليه السلام) لم يردعهم عن هذه السيرة ممّا يدلّ على إقرارها وإمضائها.

رد الاستدلال بالسنّة التقريريّة:

ولكن هذا الاستدلال مردود صغرى وكبرى:

أمّا الصغرى: فإنّ العقلاء في أمورهم الشخصيّة المهمّة لا يركنون الى الظن وإنّما يتطلّبون العلم واليقين فكيف نفترضهم بما هم متشرّعة يعملون بأخبار الثقات ولو لم تفدهم الاطمئنان الشخصيّ بصدور الحديث؟

فإنّ هذه الطريقة بما تمثّله من تسامح بل تهاون في التعامل مع أدلّة التشريع ممّا لا يمكن استساغته من قبل المتشرّعة أنفسهم فضلاً عن أن يسمح بها الشارع المقدّس الذي تعهّد بحفظ الدين.

ونضيف الى ذلك: أنّ هناك شواهد تدل على أنّهم كانوا على منتهى الاحتياط والحذر في التعامل مع الأخبار ومن هذه الشواهد:

أولاً: رجوعهم الى الأئمّة (عليهم السلام) لتعرف الرواة الموثّقين من قبل الأئمّة شخصيًّا لأخذ الحديث عنهم ومن أدلة ذلك:

+ عن علي بن المسيّب قال: قلت للإمام الرضا (عليه السلام): شقّتي بعيدة ولست أصل اليك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: (من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا) (19).

+ الفضل بن شاذان قال: حدّثني عبد العزيز بن المهتدي وكان خير قمي رأيته وكان وكيل الرضا (عليه السلام) وخاصّته قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إنّي لا ألقاك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟ قال: (خذ عن يونس بن عبد الرحمن) (20).

+ عن زياد بن أبي الحلال قال: اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي فقلت لهم: أسأل أبا عبد الله (عليه السلام)، فلمّا دخلت ابتدأني فقال: (رحم الله جابر الجعفي كان يصدق علينا، لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا)(21).

 ثانيًا: عرضهم لكتب الحديث التي صنّفها الرواة الثقات على الأئمّة (عليهم السلام) للتأكّد من صحّتها وصدورها واقعًا عن المعصومين (عليهم السلام) ومن أدلّة ذلك:

+ ما قام به الرواة من عرض (كتاب الديات) على الأئمّة: جعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا (عليهم السلام) فأقرّوا أنّه من إملاء علي (عليه السلام) وأنّه كتبه لعمّاله وأمراء أجناده (22).

+ قول أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي المقدام: قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين (عليه السلام) وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين (عليه السلام) فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصحّحه (23).

+ عن سعد بن عبد الله الأشعري قال: عرض أحمد بن عبد الله بن خانبه كتابه على مولانا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد صاحب العسكر (عليه السلام) فقرأه وقال: صحيح فاعملوا به (24).

+ قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعت منهم وأخذت فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر أحاديث كثيرة أن تكون من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) (25).

 + عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شَينوله قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم فلم تُروَ عنهم فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال (عليه السلام): حدّثوا بها فإنّها حق (26).

ثالثًا: رجوعهم إلى الأئمّة (عليهم السلام) يستفسرون منهم عن جواز العمل بكتب الحديث التي كانوا يستندون إليها في العمل إذا طرأ انحراف عقائدي على رواتها كالذي حصل لبني فضال فقد نقل الشيخ الطوسي ما قاله أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وقد سُئل عن بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟! فقال (عليه السلام): خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (27).

وأمّا الكبرى: وهي عدم ردع الشارع عن سيرة العقلاء على العمل بالظن لعدم وصول شيء إلينا من نصوص الردع فهي باطلة قطعًا، والدليل على ذلك:

أولاً: ما عرضناه من نماذج النصوص الشرعيّة المتضافرة الواصلة إلينا التي تؤكّد حجيّة العلم وتردع عن اتّباع الظن والعمل به.

ثانيًا: ما سيأتي ـ عند الكلام على منهج نقد المتن ـ من تأكيد الشارع المقدّس الثابت بالكتاب والروايات المتواترة، ضرورة عرض الروايات المنقولة عن المعصومين (عليهم السلام) بأخبار الآحاد من الثقات وغيرهم على محكم الكتاب والسنّة بغية تحصيل العلم بصدورها عن المعصومين (عليهم السلام) أو العلم بعدم صدورها عنهم ومن ثم تحديد الموقف تجاهها من حيث العمل بها أو ردّها فهذا يكشف بوضوح عن عدم رضا الشارع المقدّس بالأخذ بأخبار الثقات إذا لم تفد العلم بالصدور.

 

الموقف الثاني: رد هذا الخبر وعدم تجويز العمل بمضمونه واتخاذه طريقًا كاشفًا عن الحكم الشرعيّ؛ إذ لا علم وجدانيّ بصدور مضمونه عن الشارع ولا دليل على أنّ الشارع قد اعتبره وجعله حجّة.

(وكان "النظّام" يذهب الى أنّ العلم يجوز أن يحصل عنده [أي: عند خبر الواحد] وإن لم يجب؛ لأنّه يتبع قرائن وأسبابًا ويجعل العمل تابعًا للعلم فمهما لم يحصل علم فلا عمل) (28).

أي: أنّ النظّام يرى: أنّ مجرد وثاقة الراوي لا تؤدّي الى العلم الوجداني بصدور ما يرويه ولأجل ذلك لم يجوّز العمل به إلا إذا وجدت قرائن تكتنف الرواية وتؤدّي الى العلم بصدورها فتكون حينئذٍ حجّة من أجل حجيّة العلم الذاتيّة ويجب العمل بها.

وإلى هذا ذهب المتقدّمون من علماء الامامية كالسيّد المرتضى وابن البرّاج وابن زهرة والطبرسيّ وابن إدريس والمحقّق الحلي وإن خالفوا في تحديد قرائن العلم بالصدور كما سيتّضح قريبًا.

وأمّا بالنسبة لجعل الشارع الحجيّة لخبر الواحد فقد اتّفق أصحاب هذا الموقف على عدم تحقّقه في مقام الإثبات والأدلّة الشرعيّة واختلفوا في إمكانه في مقام التعقّل والثبوت.

قال السيد المرتضى (قدّس سرّه): (اعلم أنّ في المتكلّمين من يذهب الى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به والصحيح: أنّ ذلك جائز عقلاً وإن كانت العبادة ما وردت به...

والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا اليه: أنّه لا خلاف بيننا وبين محصّلي مخالفينا في هذه المسألة أنّ العبادة بقبول خبر الواحد والعمل به طريقة الشرع والمصالح فجرى مجرى سائر العبادات الشرعيّة في اتّباع المصلحة وأنّ العقل غير دال عليه وإذا فقدنا في أدلّة الشرع ما يدلّ على وجوب العمل به علمنا انتفاء العبادة به كما نقول في سائر الشرعيّات والعبادات الزائدة على ما أثبتناه وعلمناه) (29).

 

شرط العلم بصدور الخبر لدى المتقدّمين من علماء الإماميّة:

ولا ينبغي أن يفهم ممّا تقدّم أنّ أصحاب هذا القول لا يعملون بأخبار الثقات أو لا يشترطون وثاقة الراوي بالعمل بالرواية فإنّ الواقع ليس كذلك غاية الأمر أنّهم يرون: أنّ وثاقة الراوي وحدها لا تسوّغ الأخذ بما يرويه إذ لا تؤدّي إلى العلم بصدوره عن المعصوم (عليه السلام)، ومن أجل ذلك يشترطون انضمام شروط أخرى إلى الوثاقة لكي يحصل العلم بصدور مضمون الرواية ويكون الأخذ بها على القاعدة وقد كان هذا موقف المتقدّمين من علماء الطائفة كالسيّد المرتضى ومَن تابعه.

أمّا السيد المرتضى، فقد أكّد أنّ خبر الواحد بمجرّده لا يفيد العلم بالصدور وأنّه لا دليل على حجيّته شرعًا ولأجل ذلك اشترط لحصول العلم منه وجواز العمل به أن يرويه الإماميّ وأن تجمع الطائفة المحقّة على العمل بمضمونه وعلّل ذلك بأنّ الإمام المعصوم (عليه السلام) لا بد أن يكون داخلاً ضمن المجمعين.

قال (رحمه الله): (فأمّا الطريق إلى معرفة كون الخطاب مضافًا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) فهو: المشافهة والمشاهدة لمن حاضرهم وعاصرهم فأمّا مَن نأى عنهم أو وجد بعدهم فالخبر المتواتر المفضي إلى العلم... وههنا طريق آخر يتوصّل به الى العلم بالحق عند فقد ظهور الإمام... وهو إجماع الفرقة المحقّة من الإماميّة التي علمنا أنّ قول الإمام ـ وإن كان غير متميّز الشخص ـ داخل في أقوالها؛ لأنَّ قول الإمام الذي هو الحجّة في جملة أقوالها) (30).

وقال في موضع آخر: (إنَّ الفرقة المحقّة إذا عملت بحكم من الأحكام ووجدنا رواية مطابقة لهذا العمل نقطع على وجوب العمل بذلك الحكم المطابق للرواية لا لأجل الرواية لكن لعمل المعصوم الذي قطعنا على دخوله في جملة عمل القائلين بذلك الحكم) (31).

وأمّا ابن إدريس فإنّه نقل كلامًا طويلاً للسيّد المرتضى جاء فيه: (فإن كان في أصحاب الحديث من يحتجّ في حكم شرعيّ بحديث غير مقطوع على صحّته فقد زلّ ووهل، وما يعرف ذلك من يعرف أصول أصحابنا في نفي القياس والعمل بأخبار الآحاد حقّ معرفتها) (32)، ثُمَّ عقَّب عليها بقوله: (فعلى الأدلة المتقدّمة أعمل...ولا أعرّج إلى أخبار الآحاد فهل هدم الإسلام إلّا هي) (33).

 

 

_______________________

(1) معرفة أنواع علم الحديث، ابن الصلاح، ص80.

(2) التقريب والتيسير، النووي ص 21؛ تدريب الراوي السيوطي ص 39 – 40.

(3) فتح المغيث، السخاوي، 1/29.

(4) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، 1/115.

(5) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، 1/121-122.

(6) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، 1/115.

(7) أوائل المقالات، المفيد، ص122.

(8) الذريعة الى أصول الشريعة، المرتضى، 2/41.

(9) التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، 9/343؛ انظر 1/50، 3/ 270، 4/336.

(10) سنن أبي داود الحديث 4917؛ وسائل الشيعة، الحر العاملي، 27/ 59؛ الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 42، وفيه: أكذب الكذب).

(11) وسائل الشيعة، الحر العاملي: 27/41 الباب 6 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.

(12) الذريعة الى أصول الشريعة، السيد المرتضى، 2/53.

(13) انظر ردّها في المصادر التالية:

أ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة، السيد المرتضى.

ب ـ رسائل الشريف المرتضى، الجزء الأول: أجوبة المسائل التبّانيّات ص 5-96، وأجوبة المسائل الموصليّات الثالثة ص202-213.

ج ـ عدّة الأصول، شيخ الطائفة الطوسي.

د ـ معارج الأصول، المحقّق الحلي، ص143-147.

هـ ـ بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي، 4/344 وما بعدها.

(14) أي: حجيّة خبر الثقة.

(15) جامع أحاديث الشيعة بإشراف السيّد البروجردي 1/ 271، الباب 5 من أبواب حجيّة أخبار الثقات، الحديث 3، وفيه (إيّاه) بدل (إيّاهم).

(16) جامع أحاديث الشيعة بإشراف السيد البروجردي 1/276الحديث 24.

(17) دروس في علم الأصول، السيد محمد باقر الصدر، الحلقة الثالثة 1/217.

(18) دروس في علم الأصول، السيد محمد باقر الصدر، الحلقة الثانية ص169.

(19) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ص 633؛ الاختصاص، الشيخ المفيد، ص87.

(20) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ص538.

(21) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ص264 -265.

(22) الكافي الكليني 2/ 363، 7 /330؛ الجامع للشرائع المحقّق الحلي ص608.

(23) الكافي الكليني 8/14-17.

(24) مستدرك الوسائل، النوري 17/194 الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 32.

(25) بحار الأنوار، المجلسي 2/249 الحديث 12.

(26) الكافي الكليني 1/53 الحديث 15؛ بحار الأنوار المجلسي 2/167؛ مستدرك الوسائل، النوري 3/382.

(27) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 389 ـ 390.
(28) الذريعة الى أصول الشريعة، السيد المرتضى، 2/41.

(29) الذريعة الى أصول الشريعة، السيد المرتضى، 2/43، 53.

(30) الذريعة الى أصول الشريعة، السيد المرتضى، 1/204 - 205.

(31) رسائل الشريف المرتضى، إعداد السيد مهدي الرجائيّ 1/19.

(32) السرائر، ابن ادريس الحلي، 1/50.

(33) السرائر، ابن ادريس الحلي، 1/51.

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)