أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-08
1068
التاريخ: 2023-10-30
1058
التاريخ: 2024-07-28
519
التاريخ: 2024-08-03
469
|
غزوة "أحد" وقعت في السنة الثالثة للهجرة، لسبع ليالٍ خلون من شوال فقد حشدت قريش ومعها المشركون، جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أو يزيد، بينهم سبعمائة دارع، وقادوا معهم مائتي فرس، وثلاثة آلاف بعير (1) وقصدوا المدينة طلباً بالثأر لقتلاهم في بدر (2).
وفي خلال الفترة التي كانوا يستعدّون بها للخروج، كان العباس بن عبد المطلب يطّلع على كلّ صغيرة وكبيرة من أمرهم، فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتاباً يعلمه فيه بتحركاتهم واستعداداتهم، وعددهم وعدتهم، وأرسله سرّاً مع رجل من غفار وأوصاه بالكتمان، وأن يجدّ السير.
مضى الغفاري بالكتاب لا همَّ له إلا إيصاله إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
ومضت قريش في طريقها إلى أحد، فمروا بالأبواء حيث يوجد قبر أمنة أم النبي (صلى الله عليه وآله) فأشارت هندٌ على المشركين بنبش القبر، وقالت: لو نجشتم قبر أم محمد فإن أسِرَ منكم أحد فديتم كلّ إنسان بإربٍ من إربها!! فقال بعض قريش: لا يفتح هذا الباب (3).
ومضى الغفاري حتى وصل إلى المدينة في ثلاثة أيام، فوجد النبي (صلى الله عليه وآله) في قبا، على باب مسجدها، فدفع إليه كتاب العباس، فدفعه النبي إلى أبيّ بن كعب فقرأه عليه، فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) أن يكتم الخبر ولا يحدّث أحداً بما فيه. وعاد النبي إلى المدينة، وقصد دار سعد بن الربيع، وقصّ له ما بعث به العباس، وأمره بالكتمان، فقال سعد: والله إنّي لأرجو أن يكون في ذلك خير.
نزول قريش قرب المدينة:
أمّا قريش، فقد تابعت سيرها حتى بلغت العقيق، ونزلت في سفح جبل على خمسة أميال من المدينة، ثم ساروا حتى نزلوا في مقابل المدينة بمكان يدعى: «ذو الحليفة» فتركوا خيلهم وإبلهم ترعى في زروع المدينة المحيطة بها.
وبعث النبي (صلى الله عليه وآله) أنس ومؤنس ابني فضال يستطلعان له الخبر، فألفياهم قد قاربوا المدينة وأطلقوا الخيل والإِبل في الزروع المحيطة بها.
وبعث رسول الله بعدهما الحباب بن المنذر سراً، وقال له: إذا رجعتَ فلا تخبرني بخبرهم بين الناس، إلا ان ترى فيهم قِلّة! فذهب حتى دخل بينهم، ووقف على عددهم وعدتهم، فرجع وأخبره بحالهم (4).
فقال (صلى الله عليه وآله): لا تذكر من أمرهم شيئاً، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أصول وبك أجول.
النبي يستشير أصحابه:
واستشار النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه بشأن الخروج لملاقاة العدو، فأشار عليه عبد الله ابن أبي سلول وبعض شيوخ الصحابة ألا يخرج من المدينة.
لكن فتيان المهاجرين والأنصار والبعض الآخر من شيوخ الصحابة أحبوا الخروج إلى عدوهم وملاقاته حيث نزل بأرضهم.
فقال: أياس بن أبي أوس: إنّي يا رسول الله لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها لتقول: حصرنا محمداً في صياصي يثرب وآطامها، فتكون هذه جرأة لقريش، وها هم قد وطئوا سَعْفنا، فإذا لم نذب عن عرضنا وزرعنا، فلم نزرع؟ وقد كنا ـ يا رسول الله ـ في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا، فنحن اليوم أحق إذ أمدّنا الله بك، وعرفنا مصيرنا، فلا نحصر أنفسنا في بيوتنا. وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة، فقال في جملة ما قال: وعسى الله أن يظفرنا بهم، فتلك عادة الله عندنا، أو تكون الأُخرى، فهي الشهادة، لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت عليها حريصاً، ولقد بلغ من حرصي أني ساهمت ابني في الخروج فرزق الشهادة، وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، وهو يقول: الحق بنا، ترافقنا في الجنة، فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقا، وقد ـ والله ـ أصبحتُ يا رسول الله مشتاقاً إلى مرافقته في الجنة، وقد كبرت سني، ودق عظمي، وأحببت لقاء ربي فادُع الله ـ يا رسول الله ـ أن يرزقني مرافقة سعدٍ في الجنة !فدعا له رسول الله بذلك، فقتل مع من قتل في تلك المعركة .
وقال الحمزة بن عبد المطلب: والذي أنزل عليك الكتاب، لا أطعَمُ اليومَ طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارجاً من المدينة.
وتتابع الناس، كلٌّ يدلي برأيه وبما عنده، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يبدو كارهاً للخروج، فلم يزالوا به حتى أظهر موافقته لهم.
فلمّا جاء وقت الصلاة من يوم الجمعة، صلّى بالناس وصعد المنبر، فوعظهم وحثهم على الجد والاجتهاد والصبر، وأخبرهم بأن النصر سيكون حليفهم إذا هم صبروا وأخلصوا في جهاد أعداء الله وأعداء رسوله، ثم أمرهم أن يتجهزوا للقاء العدو.
النبي يتجهّز للحرب:
ولمّا حان وقت العصر، صلّى بهم، وكانوا قد احتشدوا حول النبي ليعرفوا رأيه النهائي، وحضر أهل العوالي، ولما فرغ من صلاته، دخل منزله، ووقف الناس ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير: لقد استكرهتم رسول الله على الخروج فاتركوا الأمر اليه.
وخرج عليهم صلّى الله عليه وآله لابساً لأمته، وقد تعمم ولبس الدرع وتقلد سيفه، وتنكب القوس، ووضع الترس في ظهره، فلما رأوه بتلك الحال أقبل عليه جمع ممن كانوا قد تحمسوا للخروج، وقد ندموا على موقفهم مخافة أن تنزل فيهم آية من عند الله، فقالوا: يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك؟ فاصنع ما بدا لك، والأمر إلى الله وإليك! فإن خرجت، خرجنا، وأن أقمتَ أقمنا.
فردّ عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: لقد دعوتكم لذلك فأبيتم، وما ينبغي لِنَبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه؛ انظروا ما آمركم به فاتبعوه، والنصر لكم ما صبَرتُم (5).
ثم استخلف على المدينة ابن ام مكتوم ليصلي بالناس، وعقد ثلاثة ألوية، فأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب، ولواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج الى الحباب بن المنذر، وقيل أعطاه إلى سعد بن عبادة، وجعل على الخيل الزبير، ومعه المقداد بن الأسود، وخرج الحمزة بالجيش بين يديه (6) وركب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرسه، وكان عدد المقاتلين ألفاً بينهم مائة دارع.
فلمّا كان بين المدينة وأحد، عاد عبد الله بن أبي بثلث الناس، فقال: أطاعهم محمد وعصاني، وكان أتباعه من أهل النفاق والريب.
ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع الصبح حتى بلغ أحداً، فاجتازوا مسالكها، وجعلوها بين أظهرهم وجعل الرماة وراءه وهم خمسون رجلاً، وكان من جملتهم المقداد بن الأسود، وأقر عليهم عبد الله بن جبير، وقال له: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، واكد عليهم أن يلزموا مكانهم حتى ولو قتل المسلمون عن آخرهم.
وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف، ويبوئ أصحابه للقتال، يقول: تقدم يا فلان، وتأخر يا فلان، حتى انه ليرى منكب الرجل خارجاً فيؤخره.. حتى إذا استوت الصفوف، سأل: من يحمل لواء المشركين؟ قيل: بنو عبد الدار. قال: نحن أحق بالوفاء منهم. أين مصعب بن عمير؟ قال: هاأنذا! قال: خذ اللواء، فأخذه مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول الله ثم نهى المسلمين أن يقاتلوا القوم حتى يأمرهم بالقتال.
خطبة النبي في أصحابه:
ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطب الناس، فقال: يا أيّها الناس، أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه، من العمل بطاعته والتناهي عن محارِمِه، ثم انّكم اليوم بمنزل أجْر وذُخْرٍ لمن ذكر الذي عليه ثم وطّن نفسه له على الصّبر واليقين والجدّ والنشاط فإنّ جهاد العدو شديدٌ، شديد كرْبُه، قليل من يصبر عليه إلّا من عزَمَ الله رُشدَه، فإنّ الله مع من أطاعَه، وانّ الشيطان مع من عصاه، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله، وعليكم بالذي آمُرُكمْ به، فإنّي حريصٌ على رشدكم، فإنّ الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف ممّا لا يُحبُّ الله، ولا يعطي عليه النصرَ ولا الظفر. يا أيّها الناس، جُدّدَ في صدري أنّ من كان على حرام فرّق الله بينه وبينه، ومن رغب له عنه، غفر الله ذَنْبَه، ومن صلى عليَّ صلى الله عليه وملائِكتُه عشرا، ومن أحسن من مسلم أو كافرٍ، وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخِرَتِهِ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فعليه الجُمُعة يوم الجُمعةِ إلا صبيّاً أو إمرأةً أو مريضاً، أو عبداً مملوكاً؛ ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غنيٌ حميد.
ما أعلم من عمل يُقرّبكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه. وإني قد نَفثَ في رُوعي الروحُ الأمينَ أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رِزْقها، لا يُنقصُ منه شيء وإن أبطأ عنها. فاتقوا الله رَبَّكم وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنّكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم، فإنه لا يُقدرُ على ما عنده إلا بطاعته.
لقد بُيّنَ لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شُبَهاً من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عَصَمْ، فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها، كان كالراعي إلى جنب الحِمىٰ أوشك أن يقع فيه. وليس ملكٌ إلا وله حِمىٰ، آلا وإنّ حمىٰ الله مَحارِمُه، والمؤمن من المؤمنين، كالرأس من الجسد، إذا اشتكى تداعى عليه سَائُر الجسدِ، والسلام عليكم! (7).
المشركون يُسوون صفوفهم:
أمّا المشركون فقد استدبروا المدينة واستقبلوا أُحداً، وصفوا صفوفهم، فاستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة ابن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية، وعلى الرماة، عبيد الله بن أبي ربيعة، وأعطوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار.
وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول: خلّوا بيننا وبين ابن عمّنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتالكم. فردّ عليه المسلمون بما يكره!
وصاح ابو سفيان يُحرّض بني عبد الدار ويقول: يا بني عبد الدار، إنّكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تُخلوا بيننا وبينه نكفيكموه، فإنّا قوم مستميتون موتورون نطلب ثأراً حديث العهد. فغضب بنو عبد الدار وقالوا: نحن نُسلّم لواءنا؟! لا كان هذا أبداً، وأغلظوا القول لأبي سفيان.
بدء القتال:
ثم أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفاً وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، وما زال (صلى الله عليه وآله) يردد قوله حتى قام أبو دجانة الأنصاري واسمه، سماك بن خرشة، من بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله)، حقه أن تضرب به العدو حتى ينحني! قال: أنا آخذه ـ يا رسول الله ـ، فأعطاه إياه.
وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، ويعتصب بعصابةٍ له حمراء، فإذا اعتصب بها عرف الناس أنّه عازم على الحرب.
ثم بدأت المعركة، وقام الرماة يرمون خيل المشركين بالنبل، فولّت هاربةً، ودنا القوم بعضهم من بعض، وأقبل خالد بن الوليد وعكرمة فلقيهما الزبير والمقداد فهزما المشركين (8).
وتقدّم طلحة ـ حامل لواء المشركين ـ وصار النسوة خلف الرجال يضربن بين أكنافهم بالطبول والدفوف، وهند ومن معها يحرضن الرجال، ويذكرن قتلى بدر ويقلن:
نحن بنات طارق * تمشي على النمارق
مشي القطا البوارق * المسك في المفارق
والدر في المخانق * إن تقبلـوا نعانق
أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق
وتقدّم طلحة صاحب اللواء، وصاح: هل من مبارز؟
فقال له على (عليه السلام): هل لك في مبارزتي؟ قال: نعم.
فبرزا بين الصفين ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس تحت الراية وعليه درعان ومغفر وبيضة، فالتقيا بسيفيهما، فضربه عليٌّ ضربةً على رأسه، فمضى السيف حتى فلق هامته وانتهى إلى لحيته، فوقع كالثور يخور بدمه، وانصرف عنه على عليه السلام، فلما قتل طلحة، كبر رسول الله تكبيراً عالياً، وكبر معه المسلمون، فقيل لعلي عليه السلام هلَّا ذَفَفتَ (أجهزت) عليه؟ فقال: لما صُرِع، استقبلني بعورته، وسألني الرَحِم ثم شدّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كتائب قريش يضربون وجوههم، حتى انتقضت صفوفهم، وقد حمل اللواء بعد طلحة أخوه عثمان بن أبي طلحة، فتقدم وأنشد: إنّ على ربّ اللواء حقا *** أن يخضب الصعدة أو ينقدّا
فتقدّم باللواء والنسوة خلفه يُحرّضْنَ ويضربْنَ الدفوف. فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب، فضربه بالسيف على كاهله؛ فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مئزره، فبدا سحره، ثم رجع عنه وهو يقول أنا ابن ساقي الحجيج! وحمل اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد ابن أبي طلحة، فحمل عليه على (عليه السلام) فقتله.
ثم حمل اللواء بعده مسافع بن طلحة، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فقتله! فنذرت أمه ـ وأسمها سلافة ـ أن تشرب الخمر في قحف رأس عاصم، وجعلت لمن جاءها برأسه مائةً من الإِبل (9).
ثم حمل اللواء أخوه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله الزبير بن العوام.
ثم أخذ اللواء اخوه الجلاس بن طلحة، فقتله طلحة بن عبيد.
ثم حمله أرطاة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب.
ثم حمله غلام لبني عبد الدار، فقتله على عليه السلام.
وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار، حتى قتل منهم تسعة من أشد أبطال المشركين (10).
سبب هزيمة المسلمين:
قالوا: ما ظفّر الله نبيه في موطن قط، مثل ما ظفّرهُ وأصحابه يوم أُحد، حتى عصوا الرسول وتنازعوا في الأمر! لقد قتل أصحاب اللواء وانكشف المشركون منهزمين لا يلوون ونساؤهم يدعون بالويل . . قال الواقدي: وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحداً، قال كل واحد منهم: والله إني لأنظر إلى هند وصواحبها منهزمات، ما دون أخذهن شيء لمن أراد ذلك، وكلما أتى خالدٌ من قِبل ميسرة النبي (صلى الله عليه وآله) ليجوز حتى يأتي من قبل السفح فيرده الرماة، حتى فعلوا ذلك مراراً، ولكن المسلمين أوتوا من قبل الرماة، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوعز إليهم فقال: قوموا على مصافكم هذا، فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وأن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ! فلما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى أجهضوهم عن العسكر، ووقعوا ينتهبون العسكر؛ قال بعض الرماة لبعض: لِمَ تُقيمون ههنا في غير شيء؟ قد هزم الله العدو وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم.
فقال بعض الرماة لبعض: ألم تعلموا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لكم: احموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وان رأيتمونا غَنِمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا»؟ فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا، وقد أذل الله المشركين وهزمهم، فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم. فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير، وكان يومئذٍ مُعلماً بثياب بيض، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم أمر بطاعة الله وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) وألّا يُخَالَفَ لرسول الله أمر. فعصوا، وانطلقوا، فلم يبقَ من الرماة مع أميرهم عبد الله إلا نفرٌ ما يبلغون العشرة، فيهم الحارث بن أنس بن رافع، يقول: يا قوم، اذكروا عهد نبيكم إليكم، وأطيعوا أميركم. قال: فأبوا، وذهبوا الى عسكر المشركين ينتهبون (11).
وكان خالد بن الوليد قد فرّ فيمن فر، فولى بخيله هارباً، لكنه نظر إلى الجبل ـ الذي كان حريصاً على أن يجد منه منفذاً لمهاجمته المسلمين من ورائهم ـ فوجده خالياً، إلا من أولئك النفر القلائل الذين ظلوا متمسكين بأمر الرسول فحانت الفرصة له، فما كان منه إلا أن رجع واصطدم بهم يقاتلهم، فرموه بالنبل حتى لم يبق معهم من النبالُ شيء، فسلّوا سيوفهم وأقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها ودافعوا حتى النفس الأخير، بقيادة عبد الله بن جبير.
عند ذلك نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم، فوجدوها قد رجعت لتهاجم المسلمين من الوراء، فانكفؤا عائدين، وكان خالد بن الوليد ومن معه قد عاد من ناحية الجبل بعد أن أباد تلك الفئة القليلة من المسلمين، ولم يشعر المسلمون إلا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا كالمدهوشين، يتعرّضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتّجهوا، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضاً وهم يحسبون أنهم يضربون أعدائهم.
قصة قزمان:
ومن طريف ما يروى:
أنّ قزمان ـ وهو من منافقي المدينة ـ قد تخلّف عن أُحد، فلمّا أصبح عيّره ـ نساء بني ظفر وقلن له: يا قزمان، لقد خرج النساء وبقيت! أما تستحي بما صنعت؟! ما أنت إلا إمرأة. وما زلن به حتى دخل بيته ولبس لأمته وخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يسوي صفوف المسلمين، فحين بدأت المعركة كان أول من رمى بسهم من المسلمين وجعل يرسل النبال كأنّها الرماح، ثم أخذ السيف وأمعن في القوم يقاتلهم أشد قتال.
فلمّا غلب المسلمون؛ كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار! يا للأوس؛ قاتلوا عن الأحساب واصنعوا مثل ما أصنع. فكان يدخل بالسيف في وسط المشركين حتى يقال لقد قُتل! ثم يخرج من بينهم ويقول: أنا الغلام الظفري، حتى قتل منهم سبعة رجال، وأصابته جراحات كثيرة فضعف عن القتال وهوىٰ الى الأرض، فمر به قتادة بن النعمان، فقال له: يا أبا الغيداق، قال قزمان: لبيك! قال: هنيئاً لك الشهادة. قال قزمان: والله ما قاتلت ـ يا أبا عمرو ـ إلا على الحفاظ حتى لا تسير قريش فتطأ سعفنا! ثم اشتد عليه جرحه، فأخذ سهماً فقطع به رواهشه، فنزف الدم فمات. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه: إنّه من أهل النار! (12).
مقتل اليمان وثابت بن قيس:
وفي هذه الفوضى الحادة قتل اليمان ـ والد حذيفة ـ وثابت بن قيس، وكانا قد تخلفا في المدينة بأمر من الرسول صلّى الله عليه وآله لأنهما شيخان كبيران، فقال أحدهما للآخر: آلا نأخذ أسيافنا ونلحق برسول الله؟ فاتفقا على هذا الرأي، وأقبلا مسرعين نحو المعركة وقد اشتبه عليهما موقع أصحابهما فدخلا من جهة المشركين، فالتفّت جماعة بثابت بن قيس فقتلوه، واستطاع أبو حذيفة أن ينفذ حتى صار بين المسلمين ـ وهم لا يعرفون المسلم من غيره ـ فاتّجه إليه بعض المسلمين وضربه بالسيف، وابنه حذيفة يصيح: إنّه أبي يا قوم! لكن شدة الزحام وقعقعة الحديد حالا دون وصول صوته إلى سمع القاتل، فخر قتيلاً، فدفع النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك ديته، فتصدق بها ولده حذيفة على المسلمين.
هذا، وعلى عليه السلام مع جماعةٍ من المسلمين قد أحاطوا برسول الله يدرأون عنه السهام والنبال والسيوف، ويجالدون بين يديه، حتى قتل حامل اللواء مصعب بن عمير، فدفع النبي صلّى الله عليه وآله اللواء إلى علي عليه السلام، وتفرق عنه أكثر أصحابه، وحمل عليه المشركون وكان كل همهم أن يقتل النبي، لكن علياً والحمزة وأبا دُجانة وسهل بن حنيف ونفراً غيرهم جالدوا وكافحوا كفاحاً لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
قتال الرسول (صلى الله عليه وآله) ودفاع على (عليه السلام):
هذا، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ثابت في مكانه، يرميهم بقوسه، ويطعن كل من دنا منه حتى نفد نبله وانقطع وتر قوسه، وأصابته بعض الجراحات، وأغمي عليه.
ولمّا أفاق الرسول من غشيته وفتح عينيه، قال لعليّ: ما فعل الناس؟
فقال علي: لقد نقضوا العهد وولوا الدُبُر! وفيما هو يخاطبه ويقص عليه أخبار المنهزمين، وإذا بكتيبةٍ من المشركين اتجهت صوب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي؛ اكفني هؤلاء، فانقض عليهم كالصقر فانهزموا بين يديه، وفيما هو يطاردهم وإذا بكتيبةٍ اخرى قد اتجهت نحو النبي وكادت ان تبلغ منه غايتها لولا أنّ عليّاً سمع النبي ثانيةً يقول: يا علي، اكفني هؤلاء، فانقض عليهم وفرقهم.
وكانت الكتيبة تقارب خمسين فارساً، وهو عليه السلام راجل، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مراراً حتى قتل تمام الأربعة عشر ـ كما في شرح النهج ـ فقال جبرئيل عليه السلام لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا محمد، إن هذه المواساة! لقد عجبت الملائكة من مؤاساة هذا الفتى.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما يمنعه، وهو مني وأنا منه! فقال جبرئيل: وأنا منكما. وسُمِعَ ذلك اليوم صوت من قِبل السماء لا يُرى شخص الصارخ به، ينادي مراراً: لا سيف إلا ذو الفقار *** ولا فتىً إلا علي
فسئل رسول الله عنه، فقال: هذا جبرئيل (13).
وكان الرماة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) المذكور منهم: سعد بن أبي وقاص، والسائب بن عثمان ابن مظعون، والمقداد بن عمرو، وزيد بن حارثة.. الخ(14).
جراح الرسول (صلّى الله عليه وآله):
وكسرت رباعية النبي (صلى الله عليه وآله) السفلى، وشقت شفته، وكُلِمَ في وجنته وجبهته في أصول شعره، وعلاه بن قمئه بالسيف ـ وكان هو الذي أصابه وكان قد تعاقد هو وجماعة من المشركين على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد حال الله بينهم وبين ذلك ـ ولمّا جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل الدم يسيل على وجهه، وهو يمسحه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله!؟ (15) وجعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس (ماء بجبل أحد) ويغسله، فلم ينقطع الدم، فأتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي، وأحرقت حصيراً وجعلت على الجرح من رماده، فانقطع الدم (16).
وفي رواية الطبري: أنّه قد تفرق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه من المهاجرين والأنصار، وفرّ عثمان بن عفان حتى انتهى إلى مكان بعيد عن المعركة (17) وكان ممن تفرق عنه عمر بن الخطاب وأن أنس بن النضر قال لعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم في ناحية: ما يجلسكم هنا؟ ـ وكان قد شاع بين الناس أن رسول الله قد قتل ـ فقالوا: لقد قتل محمد رسول الله. فقال: وما تصنعون بالحياة من بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثم تركهم واستقبل القوم، فقاتل حتى قتل (18).
ومضى الطبري يقول: انّه قد فشا في الناس أنّ محمداً قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة ـ ممن فروا عن النبي والتجأوا اليها ـ ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم.. الخ.
النبي (صلى الله عليه وآله) يدعو المسلمين:
وجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يدعو الناس ويقول: إليّ عباد الله ـ يكرّرها ثلاثاً ـ فلم يستجب له إلا نفر قليل من المسلمين، حتى إذا انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلمّا كان قريباً منهم وضع رجل سهماً في قوسه وأراد أن يرمي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يظنّه أحد المشركين ـ على زعم الراوي ـ فصاح النبي به: انا رسول الله! ففرحوا بذلك وكانوا يظنّون أنّ الرسول قد قتل.
وأقبل أبو سفيان ومعه جماعة، حتى أشرف عليهم، فلمّا نظروا إليه نسوا الذي كانوا عليه من الفرح بسلامة النبي، وخافوا منه ومن جماعته. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس لهم أن يعلونا. اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد أبداً. ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم. فنادى أبو سفيان: اعلُ هبل.
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يرد عليه: الله أعلى وأجل.
فقال أبو سفيان: إنّ لنا العُزى ولا عُزّى لكم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) قولوا له: الله مولانا، ولا مولىً لكم.
وانتهت الهزيمة بجماعة من المسلمين فيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص (مكان) فأقاموا به ثلاثاً ثم أتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لهم حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضةً (19).
مقتل الحمزة بن عبد المطلب:
كان حمزة بن عبد المطلب من أعظم أبطال العرب المسلمين وشجعانهم، وكان قد قتل يوم بدر عتبة ـ أبا هند ـ كما قتل اخاها، وكان يوم أحد كما كان يوم بدر أسد الله وأسد رسوله، وسيف الله البتار، يخوض وسط المشركين، لا يدنو منه أحداً إلا بعجه بسيفه. قال ابن كثير في البداية: انّه كان كالجمل الأورق (20) يهد الناس بسيفه هدّاً، فأقبلت هند إلى غلام حبشي فتاك يدّعى وحشي وأغرته بالمال على أن يغتال أحد ثلاثة! إمّا محمداً، أو علياً، أو حمزة. وكانت تقول كلّما مرّت بوحشي أو مرّ بها: إيه أبا دُسمة! اشفي واشتفي. فقال لها: أمّا محمد فلا حيلة لي به! فقد أحدق به قومه كالحلقة. وأمّا على فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الغراب، وأمّا حمزة فإنّي أطمع أن أجيبه؛ لأنّه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه.
قال وحشي: إنّي والله لأنظر إلى حمزة وهو يهدّ الناس بسيفه هدّا ما يلقى أحداً به إلا قتله، وقتل سباع بن عبد العزى. قال: فهززت حربتي ودفعتها عليه، فوقعت في ثُنّتِه حتى خرجت من بين رجليه، وأقبل نحوي فغُلِب، فوقع (21).
ولمّا علمت هند بمصرع حمزة، لم تكتف بذلك، بل أقبلت إليه فبقرت بطنه، وجذبت بيديها كبده وقطعت منها قطعة ووضعتها في فمها وجعلت تلوكها بأسنانها ولكن لم تستطع أن تبتلعها. وقيل: أنّها قطعت مذاكيره وأنفه وأذنيه ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدتين (22) حتى قدمت بذلك مكة، وقدمت بكبده أيضاً معها (23) ولم يقف هذا الحقد الأعمى عند هند فقط بل تخطاها إلى زوجها ابي سفيان، فإنّه حين مرّ بحمزة طعنه في شدقه برأس الرمح وهو يقول: ذق عَقَقْ (24).
حزن النبي على عمه حمزة:
وبعد أن انتهت المعركة، وتفرغ الناس لدفن القتلى، قال النبي (صلى الله عليه وآله): من له علم بعمي حمزة؟ فقال الحارث بن الصمّة: أنا أعرف موضعه يا رسول الله! فجاء فوقف عليه فرآه بتلك الحالة التي تركته عليها هند، فكره أن يرجع الى النبي ويخبره.
فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي، وقال له: أطلب عمك الحمزة. وأقبل على نحو عمه، فلما وقف عليه كره أن يخبر النبي بحاله.
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه حتى وقف عليه، فلما رآه بتلك الحال بكى، وقال: والله لن أصاب بمثلك أبدا، وما وقفت موقفاً قط أغيظ على من هذا الموقف (25).
قال ابن مسعود: ما رأينا رسول الله باكياً أشد من بكائه على حمزة، لقد وقف عليه وأنتحب حتى نشغ (26) من البكاء وهو يقويا عم رسول الله، وأسد الله وأسد رسوله، يا حمزة، يا فاعل الخيرات! يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذاب عن وجه رسول الله، وطال بكائه (27).
ثم ألقى عليه بردةً كانت عليه، وكانت إذا مدّها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه، فمدّها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش. ثم قال: لولا انّي أخاف أن تراه صفيّة بتلك الحالة فتجزع، ويصبح ذلك سُنّةً من بعدي، لتركته يحشر من أجواف السباع، وحواصل الطير.. (28).
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب ـ أخت حمزة ـ فالتقت بعلي (ع) فقال لها: ارجعي يا عمة؛ فإن في الناس تكشفا! فقالت له: أخبرني عن رسول الله ؟! قال: إنه بخير. فقالت دلني عليه، فأشار إليه إشارةً خفيفة، فاتجهت صفية نحوه، ولما طلعت عليه قال النبي (صلى الله عليه وآله) للزبير: يا زبير؛ أغني عنّي أمك.
في هذه الحالة كان المسلمون يحفرون لحمزة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) كارهاً لأن تراه على هذه الحال، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي، فقالت: إنّه بلغني أنّه مُثّل بأخي؛ وذلك في الله قليل! فما أرضانا بما كان في ذلك؛ لأحتسبنّ ولأصبرنّ!
فأعلم الزبير النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقال: خلّ سبيلها. فأتته حتى جلست عنده.
وفي رواية: أنّها أقبلت حتى جلست عنده، فجعلت تبكي والنبي يبكي لبكائها، وكان معها فاطمة سيدة النساء، ثم قال (صلى الله عليه وآله) لصفية وفاطمة: أبشرا! فإنّ جبرئيل أخبرني أن حَمزة مكتوب في أهل السنوات: أسد الله وأسد رسوله. ثم إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان كلّما أتى بشهيد ليصلّي عليه، ضمّ إليه الحمزة وصلى عليهما! (29).
ولمّا عاد النبي (صلى الله عليه وآله) راجعاً إلى المدينة، مر في طريقه على بني حارثة، وبني عبد الأشهل وهم يبكون قتلاهم، فقال: (صلى الله عليه وآله): لكن حمزة لا بواكي له!! (30) فأخذت هذه الكلمة الحزينة مأخذاً من نفوس بعض الصحابة وتركت أثراً عميقاً في قلوبهم، فمضى سعد بن معاذ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيته، ثم رجع الى نسائه فساقهُنّ فلم تبق إمرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله، يبكين بين المغرب والعشاء! وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن مضى من الليل الثلث، فسمع البكاء، فقال: ما هذا!؟
قيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة! فقال: رضي الله عنكنّ وعن أولادكنّ، وأمر النساء أن يرجعن إلى منازلهنّ. قالت أم سعد: فرجعنا إلى بيوتنا بعد ثلث الليل ومعنا رجالنا، فما بكت منا امرأةُ قط إلا بدأت بالحمزة! (31).
أبطال خالدون:
وفي هذه المعركة، أبدى بعض المسلمين بطولات خارقة تفوق حد الوصف، كما أبدى البعض الآخر خوفه وجبنه وارتيابه! فكأن هذه الحرب كانت محكاً لاختبار مدى الإِيمان واعتماله في نفوس المسلمين، ومدى عمق التزامهم بأوامر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) واتباع رأيه. فكشفت لنا حقيقة الأمر، فأفرزت أبطالاً اشداء مؤمنين بالله ورسوله تعاقدوا على الموت دفاعاً عن الرسول والرسالة، أمثال أمير المؤمنين علي وعمه الحمزة عليهما السلام، وأمثال مصعب بن عمير الذي استشهد دون لواء الإِسلام، وأبي دجانة الأنصاري وغيرهم رضوان الله عليهم، كما أفرزت لنا هياكل خاوية انطوت على نفوس متزلزلة وقلوب ضعيفة ونوايا كاذبة، نربأ بأنفسنا أن نذكر اسماء بعضهم هنا؛ لأنّ ذلك لا يكون الا سبّة عار في تاريخنا الإِسلامي.
وجميل بنا أن نذكر بعض أولئك الخالدين من أبطال الإِسلام الذين استشهدوا يوم أحد، فنشير إلى بعض مواقفهم الخالدة، ومواقف أسرهم وذويهم. ولا ننسى هنا دور المرأة المسلمة في هذه الحرب، أمثال سيدة النساء فاطمة، والسيدة صفية بنت عبد المطلب، والسيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنهم، ونذكر الآن فيما يلي نبذاً من مواقفهم.
سعد بن الربيع:
بعد أن انتهت المعركة، قال النبي (صلى الله عليه وآله) من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر إليك ـ يا رسول الله ـ فذهب يبحث عنه، فوجده بين القتلى، وبه رمق! فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر له في الأحياء انت ام في الأموات! قال سعد: أنا في الأموات!! فأبلغ رسول الله عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمّته! وأبلغ عني قومك السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله ـ إن خَلُصَ إلى نبيكم ـ وفيكم عين تطرف! ثم تنفّس، فخرج منه مثل دم الجزور ومات، رحمه الله. فرجع الأنصاري الى النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بحاله. فقال (صلى الله عليه وآله): رحم الله سعداً، نصرنا حيّاً وأوصى بنا ميتا! (32).
عمرو بن الجموح:
ومن اولئك الخالدين، عمرو بن الجموح. وكان عمرو هذا رجلاً أعرج، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع النبي (صلى الله عليه وآله) المشاهد، فلمّا كان يوم أحد وقد خرج بنوه الأربعة مع النبي (صلى الله عليه وآله)، أراد هو أن يخرج أيضاً؛ فحبسه قومه، وقالوا له: لقد ذهب بنوك مع النبي؛ وأنت رجل أعرج، ولا حرج عليك! فقال: بخ!! يذهبون الى الجنّة، وأجلس أنا عندكم !؟ قالت زوجته ـ هند بنت عمرو بن حزام ـ: كأنّي أنظر إليه موليّاً قد أخذ دِرقَته، وهو يقول: اللهم لا تردّني إلى أهلي! فخرج، ولحقه بعض قومه يكلّمونه في القعود، فأبى وجاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إنّ قومي يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك، وانّي لأرجو الله أن أطأ بعرجتي هذه الجنّة !!فقال له النبي: أما أنت، فقد عذرك الله ولا جهاد عليك! فأبى. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لقومه وبنيه: لا عليكم أن تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة! فخلوا عنه. قال بعضهم: لقد نظرت إلى عمرو بن الجموح حين انكشف المسلمون عن النبي (صلى الله عليه وآله) ثم ثابوا، وهو في الرعيل الأول، لكأني أنظر إلى خلفه ـ وهو يعرج في مشيته ـ وهو يقول: أنا والله مشتاق إلى الجنة!! وابنه يعدو في أثره حتى قتلا جميعاً (33).
ولا ننسى هنا موقف زوجته السيدة هند بنت عمرو، فإنّها فقدت زوجها عَمراً وابنها خِلاداً، وأخاها عبد الله، وقد حملتهم جميعاً على بعير لتدفنهم في المدينة.
فقيل لها: ما وراءك؟ فقالت: أمّا رسول الله، فهو بخير. وكلّ مصيبةٍ بعده جَلَلْ؛ واتخذ الله من المؤمنين شهداء! وبينما هي تسوق بعيرها وإذا به يبرك بهم، فلمّا زجرته، وقف! فوجّهته إلى المدينة، فعاد وبرك! فرجعت به إلى أحد، فأسرع، وكأنّه لم يحمل شيئاً!! فرجعت إلى النبي ـ وكان لا يزال في أحد ـ وأخبرته بما جرى! فقال (صلى الله عليه وآله): إنّه لمأمور! هل قال زوجك ـ حينما خرج ـ شيئاً؟ قالت: نعم، إنّه لمّا توجه إلى أحد، استقبل القبلة، ثم قال: اللهم لا تردّني إلى اهلي. فقال لها (صلى الله عليه وآله): إنّ منكم ـ يا معشر الأنصار ـ من لو أقسم على الله، لأبرّه! منهم زوجك: عمرو بن الجموح. ثم دفنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لهند: يا هند، لقد ترافقوا في الجنّة ثلاثتهم، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني معهم، فدعا لها بالخير (34).
حنظلة بن أبي عامر (غسيل الملائكة):
كان أبوه يدعى بـ «أبو عامر الراهب» وكان مع المشركين، وقد خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه خمسون غلاماً من الأوس، فلمّا التقى الناس بأُحد، كان أبو عامر أول من لقي المسلمين في الأحابيش وعبدان أهل مكة. فنادى: يا معشر الأوس؛ أنا أبو عامر! قالوا: فلا أنعم الله بك عيناً، يا فاسق! فقال: لقد اصاب قومي بعدي شرُّ! ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً حتى راضخهم بالحجارة (35).
أمّا حنظلة «ابن ابي عامر» فقد كان في صف النبي محمد (ص) وكان حديث عهدٍ بالزواج فقد تزوّج من جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول، فأُدخلت عليه في الليلة التي كان في صبيحتها قتال أُحد. وكان قد استأذن رسول الله أن يبيت عندها فأذن له، فلمّا صلّى الصبح، غدا يريد رسول الله، فلزمته جميلة، فعاد إليها فكان معها، وخرج إلى رسول الله مسرعاً، ولم يغتسل من جنابته! ـ وكانت جميلة قبل خروجه قد أشهدت عليه أربعة بأنّه قد دخل بها، فقيل لها بعد ذلك لما أشهدت عليه؟! ـ فقالت: رأيت في الطيف كأنّ السماء قد انفجرت فدخل بها، ثم أطبقت عليه! فعلمت أنّه سيُقتل، وقد حملت منه جميلة بعبد الله ابن حنظلة. ولمّا استشهد حنظلة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّي رأيت الملائكة تغسّل حنظلة ابن أبي عامر، بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة.
قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا، فنظرنا إليه، فإذا رأسه يقطر ماءً فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته انّه خرج وهو جنب. فقال رسول الله (ص): لذلك غسّلته الملائكة.
وحنظلة هذا، هو الوحيد الذي لم يمثِّل به المشركون؛ لأنّ أباه نهاهم عن ذلك، وقال: يا معشر قريش؛ حنظلة لا يمثّل به، وان كان خالفني وخالفكم (36).
السماء بنتُ قيس:
وهي إحدى نساء بني دينار، قتل ولداها بأحد مع النبي، وهما: النعمان بن عبد عمرو، وسليم بن الحارث، فلما نُعيا إليها، قالت: ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: بخير هو بحمد الله صالح على ما تحبين. فقالت: أرونيه، أنظر اليه! فأشاروا لها إليه، فقالت: كل مصيبةٍ بعدك جَلَلٌ ـ يا رسول الله ـ وخرجت تسوق بابنيها بعيراً، تردهما إلى المدينة، فلقيتها عائشة، فقالت لها: ما وراءك؟ فأخبرتها. قالت: فمن هؤلاء معك؟ قالت: ابناي ـ حِلْ! حِلْ!! (37) ـ تحملهما الى القبر (38).
صفية بنت عبد المطلب:
وقد ذكرنا عنها شيئاً حين وقوفها على مصرع أخيها الحمزة.
ولها موقف بطولي آخر يوم أحد، حيث قتلت رجلاً يهودياً في حين جبن أحد الرجال المسلمين عن قتله. فهي تحدثنا بذلك فتقول: لقد صعدنا يوم أحُد على الآطام ـ رؤوس التلال ـ وكان معنا حسان بن ثابت وكان من أجبن الناس! ونحن في فارع، فجاء نفر من يهود يرومون الأطم، فقلت: دونك يا بن الفُرَيعَة ـ تعني حسانا ـ فقال: لا والله لا أستطيع القتال، ويصعد يهودي إلى الأطم فقلت: شدَّ على يدي السيف، ففعل فضربت عنق اليهودي ورميت برأسه إليهم، فلمّا رأوه انكشفوا! (39).
مخيرق:
قال الواقدي: وكان مخيرق اليهودي من أحبار اليهود فقال يوم السبت ـ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في أحد ـ يا معشر يهود، والله إنّكم لتعلمون أنّ محمداً نبي، وأن نصره عليكم حق. فقالوا: ويحك! اليوم يوم السبت، فقال: لا سبْت، ثم أخذ سلاحه وحضر مع النبي (صلى الله عليه وآله) فأصيب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مخيرق خير يهود.
وكان مخيرق قال حين خرج إلى أُحد: إن أصبتُ، فأموالي لمحمّد يضعها حيث أراه الله فيه (40).
نسيبة بنت كعب:
وتكنّى أم عمارة، وهي من اللواتي شهدن (أحداً) مع رسول الله وأبلين بلاءً حسناً.
وكانت هذه المرأة البطلة قد خرجت في أول النهار ومعها شن تريد أن تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذٍ وأبلت بلاءً حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً بين طعنة برمح وضربةٍ بسيف .وقد طلبت أم سعد منها أن تروي لها ما جرى عليها في أحد، فقالت: خرجت أول النهار إلى أُحد وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصحابة والدُوَلَة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول فجعلت أباشر القتال، وأذبّ عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس، حتى أصابتني الجراحات . تقول أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحاً أجوف له غور، فقلت: يا أم عمارة، من أصابكِ بهذا الجرح ؟ قالت: لقد أقبل ابن قمئة ـ وقد ولى الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وهو يصيح: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا ! فاعترضه مصعب بن عمير وناس معه كنتُ فيهم، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان (41).
وهذه المرأة، هي التي أعطاها النبي (صلى الله عليه وآله) وسام شرفٍ حين قال: «لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان» (42).
لقد وقف أولئك الأبطال الأشاوس أعظم موقف في سبيل الدفاع عن الحق وعن العقيدة، فسطروا بدمائهم أروع ملحمةٍ تاريخية كان رائدهم فيها الصدق والإِخلاص، صدق الإِيمان وصدق العقيدة، والإِخلاص فيما عاهدوا الله عليه، وقد بلغ عدد الذين استشهدوا من المسلمين نحواً من سبعين رجلاً.
أما الذين ثبتوا مع رسول الله في ساعة العسرة فإنّهم لم يتجاوزوا السبعة نفر فإن جمهور المؤرخين يروي: انّه لم يبقَ مع النبي صلّى الله عليه وآله إلا على عليه السلام وطلحة والزبير وأبو دجانة، وقد روي عن ابن عباس أنّه قال: ولهم خامس وهو عبد الله بن مسعود، ومنهم من أثبت لهم سادساً، وهو: المقداد بن عمرو (43)
ولمّا رجع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة استقبلته فاطمة (44) ومعها إناءٌ فيه ماء فغسل وجهه الكريم، ثم لحقه أمير المؤمنين على وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة، وقال: خذي هذا السيف، فلقد صدقني هذا اليوم، وأنشد:
أفاطم هاكِ السيف غير ذميم *** فلست برعديد ولا بلئيم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمِد *** وطاعة ربٍ بالعباد عليم
أميطي دماء القوم عنه فإنّه *** سقى آل عبد الدار كاس حميم
وقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد أدّى بعلك ما عليه، وقتل الله بسيفه صناديد قريش (45).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما في شرح النهج 14 / 217.
(2) مقتضب.
(3) النصائح الكافية / 112.
(4) سيرة المصطفى 393 ـ 394.
(5) المصدر السابق.
(6) هكذا في الطبري وفي الكامل 2 / 152.
(7) مغازي الواقدي 1 / 221 ـ 223.
(8) راجع الكامل 2 / 152 وكذلك في الطبري.
(9) فلما قتل عاصم رحمه الله في غزوة الرجيع، جاء الوادي بسيل فحمله، ولم يجدوا له أثراً.
(10) سيرة المصطفى 405 ـ 406.
(11) المغازي للواقدي / 229 ـ 230.
(12) شرح النهج 14 / 260 ـ 261 وغيره.
(13) راجع شرح النهج 14 / 250 ـ 251 وفي الكامل 2 / 154 ذكر الأبيات وأن المنادي جبرئيل قال العلامة السيد هاشم معروف حفظه الله وعافاه: وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين، ورواه الطبري في تاريخه م 2 / 17 ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة 2 / 172 وعلي بن سلطان في (مرماته) 5 / 568 وأخرجه أحمد في (المناقب) والهيثمي في (مجمع الزوائد) والطبراني وغيرهم.
(14) المغازي: 1 / 243.
(15) الكامل 2 / 155.
(16) الكامل 157 / 158.
(17) راجع الطبري 2 / 21.
(18) راجع الطبري 2 / 20.
(19) الطبري: 2 / 21.
(20) الجمل الأورق: ما في لونه بياض الى سواد.
(21) الكامل 2 / 156.
(22) المَسَكَة: السوار.
(23) كما جاء في شرح النهج 15 / 12 والمغازي أيضاً بلفظ آخر.
(24) الكامل 2 / 160 وغيره.
(25) سيرة المصطفى / 427.
(26) نشغ: شهق حتى كاد أن يغشى عليه.
(27) ذخائر العقبى 181.
(28) سيرة المصطفى 427.
(29) راجع شرح النهج 15 / ص 16 ـ 17 والمستدرك على الصحيحين 3 / 194 والكامل 2 / 163.
(30) الكامل 2 / 163.
(31) شرح النهج 15 / 42 إلى يومنا هذا. (تتمة الرواية).
(32) سيرة المصطفى 426.
(33) شرح النهج 14 / 161.
(34) شرح النهج 14 / 262.
(35) الكامل 2 / 149 ـ 150.
(36) راجع شرح النهج 14 / 269 ـ 271.
(37) حِلْ حِلْ: زجر البعير، وهو دليل على عدم مبالاتها بمقتل ولديها لأنها مطمئنةً أن مصيرهما إلى الجنة.
(38) شرح النهج 15 / 37.
(39) المصدر السابق 15 / 15 و16.
(40) نفس المصدر 14 / 260.
(41) شرح النهج 14 / 266.
(42) شرح النهج 5 / 54.
(43) البحار 20 / 141.
(44) لا يمنع أن تكون فاطمة قد حضرت أحداً ثم سبقت رسول الله الى المدينة.
(45) سيرة المصطفى / 430 ورواه في فرائد السمطين قريباً من ذلك 1 / 252 وفي شرح النهج ايضاً 15 / 35.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|